جاء عن الرسول(صلى الله عليه واله وسلم ) قوله: قال الله عزّجلّ «الصوم لي وأنا اُجزي به».
من الملفت في هذا الحديث هو أنّه تعالى أضاف الصوم إليه بقوله «الصوم لي» فما معني هذه الإضافة، ولماذا؟
وكذلك خصّص الجزاء والمثوبة به تعالى «وأنا اُجزي به» إذ من المعلوم هو تعالى الذي يجازي فلماذا خصّص الصوم بذلك؟
ومن هنا يقع كلامنا في مقامين:
المقام الأول: في معنى إضافةِ الصوم إليه تعالى.
لقد ذكرت عدّة وجوه في هذه الإضافة، وإليك أهمها:
الأول: إنّ في الصوم كفّاً عن الطعام والشراب وغيرهما من الشهوات، فالصيام فيه استغناء عن هذه الأشياء، ولمّا كان هذا الاستغناء من صفات الرب تبارك وتعالى وتقرب إليه بهما الإنسان، فأَضافه إليه.
فالصائم يتقرّب الى الله تعالى بما يوافق صفاته، فمن هنا جاءت الإضافة إليه تعالى.
قال القرطبي: معناه: إنّ أعمال العباد مناسبة لأحوالهم إلاّ الصيام، فإنّه مناسب لصفة من صفات الحق، كأنّه يقول: إنّ الصائم يتقرّب إليّ بأمر هو متعلق بصفة من صفاتي.
الثاني: إنّ معني «الصوم لي» إنّه أحب العبادات إليّ والمقدّم عندي.
الثالث: لأنّه خالص لله تعالى وليس للعبد فيه حظ، بخلاف غيره فإنّ له فيه حظاً لثناء الناس عليه بعبادته.
الرابع: إنّ جميع العبادات توفّى منها مظالم العباد إلاّ الصوم.
الخامس: إنّه إضافة تشريف فقط لأهميته، كقوله تعالى {ناقة الله} و {وإنّ المساجد لله}. مع كون العالم كله له تعالى وهو المهيمن عليه.
المقام الثاني: لماذا خصّ الجزاء به تعالى؟
الأوّل: إنّ الصوم سرّ ليس فيه عمل يشاهد بخلاف غيره من الطاعات فإنها بمشهد من الخلق ومرأى من الناس، أمـّا الصوم لا يعلمه إلاّ الله تعالى فإنّه عمل في الباطن.
وفي النهاية لابن الأثير : «قد أكثر الناس في تأويل هذا الحديث وأنّه لمَ خَصّ الصوم والجزاء عليه بنفسه وإن كانت العبادات كُلّها له، وجزاؤها منه؟ وذكروا فيه وجوهاً مدارها كلّها على انّ الصوم سر بين الله والعبد لايطلع عليه سواه فلا يكون العبد صائماً حقيقةً إلاّ وهو مخلص الطاعة،وهذا وإن كان كما قالوا فإن غير الصوم من العبادات يشاركه في سرّ الطاعة كالصلاة على غير طهارة أو في ثوب نجس ونحو ذلك من الأسرار المقترنة بالعبادات التي لايعرفها إلاّ الله وصاحبها».
الثاني: إنّه قهر لعدو الله وهو «الشيطان» فلمّا كان الصوم قمعاً للشيطان إستحقَّ التخصيص بالنسبة إلى الله، ففي قمع عدو الله نصرة لله.
الثالث: إنَّ جميع العبادات التي يتقرّب بها العباد لله تعالى ـ من صلاة وحجّ وصدقة واعتكاف ودعاء وهدي وغير ذلك ـ من أنواع العبادات قد عبد المشركون بها آلهتهم وما كانوا يتخذونه من دون الله أنداداً ولم يسمع أن طائفة من طوائف المشركين، وأرباب النحل في الأزمان المتقادمة عبدت آلهتها بالصوم ولاتقرَّبت إليها به ولا عرف الصوم في العبادات إلاّ من جهة الشرائع، فلذلك قال الله تعالى: «الصوم لي وأنا أجزي به» أي لم يشاركني فيه، ولا عُبد به غيري فأنا حينئذ اُجزي به وأتولى الجزاء عليه بنفسي لا أكله إلى أحد من ملك مقرّب أو غيره على قدر اختصاصه بي.
وما ذكرناه في الصوم عند الاُمم السابقة ليس صوماً عباديّاً ولا هو طوراً من أطوار الصوم الإسلامي، بل هو الإمساك فقط وليس المقصود فيه التقرّب إلى الآلهة بل المقصود منه الرياضة الروحيّة.
شبكة الكفيل العالمية