زيادة "الصلاة خير من النوم" في الآذان | ||||||||||||||||||
وذلك إنا تتبعنا السنن المختصة بفصول الأذان والإقامة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يكن فيها (الصلاة خير من النوم) بل لم يكن هذا الفصل على عهد أبي بكر، كما يعلمه جهابذة السنن ونقدة الحديث، وإنما أمر به عمر بعد مضي شطر من خلافته، حيث استحبه واستحسنه في أذان الفجر فاشترعه حينئذٍ وأمر به، والنصوص في ذلك متواترة عن أئمة العترة الطاهرة. وحسبك من غيرها ما تراه في سنن غرهم من حفظة الآثار كالامام مالك في موطئه: "إذ بلغه ان المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه بصلاة الصبح فوجده نائما، فقال: الصلاة خير من النوم، فأمره عمر أن يجعلها في ندا، الصبح". انتهى بلفظه. قال الزرقاني في تعليقته على هذه الكلمة من شرحه للموطئ مما هذا لفظه86. هذا البلاغ أخرجه الدار قطني في السنن من طريق وكيع في مصنفه، عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر قال وأخرج عن سفيان عن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه قال لمؤذنه: إذا بلغت حي على الفلاح في الفجر فقل: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم.
ولا وزن لما جاء عن محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن اسحاق، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استشار الناس لما يهمهم إلى الصلاة فذكروا البوق فكرهه من أجل اليهود، ثم ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصارى،فأري النداء في تلك الليلة رجل من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب، فطرق الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلاً فأمر رسول الله بلالاً فأذن به. قال: قال الزهري: وزاد بلال في ندا، صلاة الغداة: الصلاة خير من النوم، فأقرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم. .. (الحديث). أخرجه ابن ماجة في باب الأذان من سننه. وحسبك في بطلانه أنه من حديث محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي الذي قال فيه يحيى: كان رجل سوء، وقال مرة: هو لا شيء،وقال ابن عدي: أشد ما أنكر عليه أحمد ويحيى روايته عن أبيه، ثم له مناكير غير ذلك، وقال أبو زرعة: ضعيف، وقال يحيى بن معين:محمد بن خالد بن عبد الله كذاب إن لقيتموه فاصفعوه. قلت: وذكره الذهبي في ميزانه فنقل عن أئمة الجرح والتعديل ما قد ذكرناه فراجع. ونحو هذا الحديث في البطلان ما قد جاء عن أبي محذورة، إذ قال: قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان، قال: فمسح مقدم رأسي وقال: تقول "الله أكبر" "الله أكبر" ترفع بها صوتك، ثم تقول: "أشهد أن لا إله إلاَّ الله" "أشهد أن لا إله إلاَّ الله"، "أشهد أن محمداً رسول الله" "أشهد أن
(أحدهما): عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبيه، عن جده. ومحمد بن عبد الملك هذا ممن لا يحتج بهم بنص الذهبي إذ أورده في ميزان الاعتدال. (ثانيهما): عن عثمان بن السائب، عن أبيه. وأبوه من النكرات المجهولة بنص الذهبي حيث أورده الميزان. على أن مسلما أخرج هذا الحديث87 بلفظه عن أبي محذورة نفسه، ولا أثر فيه لقولهم: الصلاة خير من النوم. وستسمع قريبا ما أخرجه أبو داود وغيره، عن محمد بن عبد الله بن زيد من فصول الأذان الذي تام به بلال يمليه عليه عبد الله بن زيد، وليس فيه "الصلاة خير من النوم"، مع أنه إنما كان لصلاة الصبح. على أن أبا محذورة إنما كان من الطلقاء والمؤلفة قلوبهم في الإسلام بعد فتح مكة، وبعد أن قفل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حنين منتصراً على هوازن،ولم يكن شي، أكره إلى أبي محذورة يومئذ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا مما يأمر به، وكان يسخر بمؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيحكيه رافعاً صوته استهزاء، لكن صرة الفضة التي اختصه بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغنائم حنين
على أن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلمة قالها لثلاثة: أبي محذورة، وأبي هريرة، وسمرة بن جدب، حيث أنذرهم بقوله أخركم موتا في النار89. وهذا أسلوب حكيم من أساليبه صلى الله عليه وآله وسلم في إقصاء المنافقين عن التصرف في شؤون الإسلام والمسلمين، فانه صلى الله عليه وآله وسلم لما كان عالما بسوء بواطن هؤلاء الثلاثة أراد أن يشرب في قلوب أمته الويب فيهم، والنفرة منهم، إشفاقا عليها أن تركن إلى واحد منهم في شي، مما يناط بعدول المؤمنين وثقاتهم، فنص بالنار على واحد منهم وهو آخرهم موتا، لكنه، صلى الله عليه وآله وسلمأجمل القول فيه على وجه جعله دائرا بين الثلاثة على السواء، ثم لم يتبع هذا الإجمال بشي، من البيان، وتمضي الأيام والليالي على ذلك، ويلحق صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى ولا بيان، فيضطر أولي الألباب من أمته إلى إقصائهم جميعا عن كل أمر يناط بالعدول والثقات من الحقوق المدنية في دين الإسلام، لاقتضاء العلم الإجمالي ذلك بحكم القاعدة العقلية في الشبهات المحصورة، فلولا أنهم في وجوب الإقصاء على السواء لاستحال عليه -وهو سيد الحكماء- عدم البيان في مثل هذا المقام.
قلنا: لو كان ثمة قرية ما كان كلأ من هؤلاء الثلاثة في الوجل من هذا الانذار على السواء90. على أنه لا فرق في هذه المشكلة بين عدم البيان واختفائه بعد صدوره لاتحاد النتيجة فيهما بالنسبة الينا، إذ لا مندوحة لا عن العمل بما يوجبه العلم الاجمالي من تنجيز التكليف في الشبهة المحصورة على كلا الفرضين. فإن قلت: إنما كان المنصوص عليه بالنار منهم مجملا قبل موت الأول والثاني ويسبقهما إلى الموت تبين وتعين أنه إنما هو الباقي بعدهما بعينه دون سابقيه وحينئذ لا إجمال ولا إشكال. قلنا: أولا: إن الأنبياء عليهم السلام كما يمتنع عليهم ترك البيان مع الحاجة إليه يستحيل عليهم تأخيره عن وقت الحاجة، ووقت الحاجة هنا متصل بصدور هذا الانذار لو كان لواحد من الثلاثة شي، من الاعتبار، لأنهم منذ أسلموا كانوا محل ابتلا، المسلمين في الحقوق المدنية شرعا كالإمامة في الصلاة جماعة، وقبول الشهادة في المرافعات الشرعية ونحوها، وكالإفتاء والقضاء، مع استجماعهم لشروطهما، ونحو ذلك مما يشترط فيه العدالة والورع، فلولا وجوب إقصائهم عنها ما أخر صلى الله عليه وآله وسلم البيان اتكالا على صروف الزمان، وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقصي أحدا عن حقه طرفة عين، ومعاذ الله أن يخزي من لا يستحق الخزي ثم يبقيه على خزيه حتى
وثانيا: أننا (شهد الله) بذلنا الطاقة بحثا وتنقيبا فلم يكن بالوسع أن نعلم أيهم المتأخر موتا، لأن الأقوال في تاريخ وفياتهم بين متناقض متساقط91 وبين مجمل متشابه لا يركن إليه كما يعلمه المتتبعون. وثالثاً: لم يكن من خلق رسول انه صلى الله عليه وآله وسلم -وهو العزيز عليه عنت لمؤمنين الحريص عليهم الرؤوف بهم الرحيم لهم- أن يجابه بهذا القول من يحترمه، وما كان وإنه لعلى خلق عظم ليفاجئ به غير مستحقه، ولو أن في واحد من هؤلاء الثلاثة خيرا ما أشركه في هذه المفاجئة القاسية، والمجابهة الغليظة، لكن اضطره الوحي إلى ذلك نصحا لله تعالى وللأمة ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ 92.
|
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
الفقه المقارن / زيادة "الصلاة خير من النوم" في الآذان
تقليص
X
-
الفقه المقارن / زيادة "الصلاة خير من النوم" في الآذان
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
- اقتباس