حافظت على جماله ورصانته ومحتواه الثقافي
ايمان فاليريا .. ترجمت القرآن الكريم بمعانيه الانسانية
النجاح في عمل ما عليك ان تمتلك القناعة والايمان بما تفعله وان يكون التصميم والاستعداد حاضرا في كل مشروع، فما بالك وان المهمة تتعلق بالله وبكتابه الكريم الذي ملأ الارض نورا واستقاما، هذا ماحدث للمترجمة الروسية (ايمان فاليريا) التي اعجبت بالقرآن الكريم وعاهدت نفسها على ترجمته الى الروسية بعد ان وجدت 106 ترجمات للقرآن من العربية إلى الإنجليزية، بينما لم يكن في اللغة الروسية سوى ثماني ترجمات فقط، فعملت على تلك البادرة الطيبة وانهتها محافظة على روعة وجمال كلماته ومعانيه ومحتواه، لتذهب به الى الأزهر من اجل الحصول على اعتراف بعملها وتوثيقه .
قبول مشهود
تميزت ترجمتها عن الترجمات الأخرى بالوضوح وجمال الكلمات التي حافظت على دقتها ومعانيها بشكل مبهر، لذا حازت على اعتراف كامل من كبار المترجمين في روسيا والعالم في تركيزها على معاني القرآن في أبعاده الروحية والوجودية والفلسفية.. وحرصت في عملها على ألا توحي بتأويلات وتفسيرات لمفهوم الجهاد، مما يؤدي إلى خلق أجواء التطرّف، وتأسيس التربة الخصبة لها، بل هي قدمت المعاني الحقيقية لكل آية من الآيات والأسباب المنطقية لنزولها، وتعد ترجمتها للقرآن الكريم الأفضل لأنها لاقت قبولاً مشهوداً لدى المسلمين الروس، وهم ما يقرب من 6 ملايين نسمة. وقالوا إنها زادت من معرفة المسلمين الروس بالإسلام
ايمان
تزوجت فاليريا بوروخوفا من الدكتور محمد سعيد الرُّشد، وهو المترجم المساعد والمشرف العام على ترجمة وطباعة وتوزيع معاني القرآن الكريم والحديث الشريف باللغة الروسية. تعرف على زوجته فاليريا بوروخوفا الدكتورة الأكاديمية وهداها للإسلام وسخر قلمها البارع لخدمة الفكر الإسلامي، واختارت اسم (إيمان) لشدة ايمانها بالاسلام.. وعاشت بين دمشق وريفها أكثر من 10 سنوات مع زوجها، وقد استفادت كثيراً من هذه السنوات التي وصفتها بـ(أجمل سنوات حياتها) أذ تعمق فهمها للغة العربية، وترسخت معرفتها بالقرآن وعلومه نظراً لوجود مكتبة والد زوجها -الشيخ سعيد وهو عالم من علماء القلمون- الزاخرة بتفاسير القرآن، والتي أفادتها كثيراً في ترجمتها المتميزة.
اعتناق الإسلام
ولدت فاليريا بوروخوفا مسيحية وكانت أمها وأبيها ينحدران من أسرة روسية معروفة قريبة من القيصر، ومعظمهم هاجروا بعد الثورة من اضطهاد ستالين، قرأت فاليريا بوروخوفا القرآن مع تفسيراته المتعددة، لتجد الإيمان في الإسلام، وكما تقول: لدي احساس بأنني كنت مسلمة طوال حياتي، ولم أعرف الإسلام إلا عندما قرأت القرآن الذي أجاب على العديد من تساؤلاتي في الحياة.
وتمكنت من أن ترد على المفاهيم الخاطئة التي شاعت عن الإسلام بسبب أنظمة المدارس والتعليم آنذاك، ومن أجل ذلك قامت بالسفر إلى منطقة فولغا وساراتوف وقازان وأوليانوفسك، وهي معروفة باعتناق الإسلام، وخاصة بين صفوف الشباب، وعملت على نشر الإسلام ومعانيه الحنيفة خاصة بعد موجات الانحلال التي سادت المجتمعات الآسيوية وأرادت بشكل من الأشكال أن تعيد البريق للقيم الأخلاقية من خلال الإسلام.
وفي نظرها أن الترجمة لا يمكن أن تُسمى ترجمة إلا إذا تم تدقيقها من شخص أعلى من المترجم. وقد تم ترشيح ترجمتها للقرآن لجائزة أفضل كتاب لعام 1998. وحسب اعتراف معظم المترجمين والمستشرقين أن المترجمة فاليريا بوروخوفا لها الدور الأكبر، لأنها صاغت الترجمة بأسلوبها الأدبي البليغ، وهذا ما جعل ترجمتها تحقق نجاحاً كبيراً في روسيا، وخاصة أنها أجادت في نقل الإعجاز العلمي في القرآن. وجاءت ترجمتها دقيقة لأنها تعرف الإنجيل ومفرداته، من أجل مقارنة الترجمة وعدم الوقوع في سوء الفهم، وكانت تؤمن أن ترجمة القرآن الكريم لا يجب أن تعتمد على معرفة اللغة فقط بل بيئة هذه اللغة، لذلك عاشت في سوريا لتكون قريبة من روح اللغة، مما جعلها تنجو من مزالق الترجمة الحرفية للقرآن
ضد الإرهاب
و حاربت التطرف المنسوب إلى الإسلام زوراً، والمرتبط بالإرهاب، ودافعت عن الإسلام باعتباره دعوة للسلام وليس للقتل.. كما حاربت الصورة النمطية للإسلام، وخاصة في ما يتعلق بالمرأة وحقوقها، وسعت إلى إيضاح جوهر الإسلام الحقيقي.
رحيل زاخر
رحلت قبل اشهر قليلة المترجمة إيمان فاليريا بوروخوفا عن عالمنا والإيمان يملأ قلبها وروحها، وتركت أثراً كبيراً في تراث الإسلام، وهو ترجمة القرآن الكريم إلى الروسية بلغة جميلة، قريبة من القارئ، ونجحت في مهمة الترجمة الحقيقية وهي نقل روح النص إلى اللغة التي يترجم إليها، أذ قالت دار أمازون عن هذه الترجمة: إنها ترجمة شاعرية للقرآن قامت بها فاليريا بوروخوفا بعناية كبيرة، بحيث حافظت على جماله وروعته ورصانته، وبأسلوب قل نظيره أولت خلاله أهمية كبيرة لمعاني القرآن، ومحتواه الثقافي.
واحة المراة ف العتبة الحسينية المقدسة