بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.
وبعد: نستطيع أن نعرف «علم الاخلاق» بأنه: «علم الواجب» لان معنى «الواجب» هو الالتزام باداء عمل مفروض، على ان يكون هذا العمل، غير قائم على «القهر» ولا على «المنفعة»، فالعمل القائم على «القهر» ليس عملاً اخلاقياً، بل كثيراً ما يكون ضد الاخلاق، لان عنصر «الارغام» يسلب حرية الانسان وعزته، فيغدو الانسان «آلة» لا تعرف الاخلاق.
والعمل القائم على «المنفعة»، لا يكون عملاً اخلاقياً، لان الانسان لا يؤديه ايماناً به، بل ايماناً باجرته، فيفقد العمل صفته الذاتية المستقلة، ليصبح عملاً طريقياً يتقمص صفة هادفة، وإنما العمل الاخلاقي، هو العمل الذي يأتي به الانسان، لذاته المجردة، ولا نزال نجد عملاً ينطبق على هذا التعريفأظهر من الصوم لأنَّ الصائم لا ينال جزاءاً على ذات الصوم ـ وان نال الجزاء على صورته الظاهرة ـ ولا يفرض عليه الزام قهري ـ وان فرض الزام على القيام بصورة الصوم ـ لان حقيقة الصوم لا تبرز للوجود إلا بعد اكتمال شرائطه، وكل انسان يستطيع ان يفطر دون أن يعلم به احد، فلا يقع ذات الصوم الحقيقي، مقابل الاجرة، ولا تحت القهر.
فوائد أخلاقية:
بالاضافة إلى أن الصوم، حيث يهدأ الاعصاب، ويخفف دورة الدم، تهدأ فورة الجسد، فيحيا الصائم بروحه أكثر منه بجسده، فيكون إنقياده لعقله اسهل من غير احيان الصوم، فتنطلق في نفسه الفضائل دفعة واحدة، فتطغي غرائز الفضيلة على غرائز الرذيلة، ويتسامح اخاه، ويصفح عن المسيء، ويسعى للمصالح العامة، ويصل الرحم ويتحرك في عقله حب التأمل والتفكير، في فلسفة الوجود، وفلسفة الغنى والفقير، فتجيش عواطفه، ويود لو يستطيع ان لا يرى جائعاً ابداً، وان يسخو بكل ما لديه، لانقاذ الناس من الجوع، الذي يقاسي منه الامرين، فيندفع إلى تفقد الاهل والارحام، واطعام الجائعين، ومساعدة المحتاجين.
على ان الصائم الجائع، يكون ابعد الناس، عن التفكير في الخداع، والخصام، لانه لا يجد الحول الذي يؤهله للخشونة والغلظة، وانما يكون رفيقاً سهلاً، فيكون اصدق الناس لهجة، واوفاهم وعداً، وابعدهم عن الأذى والشر.
سمو الروح:
زيادة على ان رمضان، شهر يتطهر فيه كل شيء، ويتهذب فيه كل شيء، لان الصوم يسمو بالروح، إلى حيث تحقر عنده المادة، ويصفو له اشراق القلب، ما دام دينه يقرر: ان الجوارح كلها لا بد ان تصوم، وتشارك المعدة والفرج، حتى يكمل صومه، على ما ورد من النبي صلى عليه وآله وسلم: «ما من عبد يصبح صائماً، فيشتم، فيقول: اني صائم، سلام عليكم، الا قال الرب تعالى: استجار عبدي بالصوم من شر عبدي، قد اجرته من النار، وأدخلته الجنة». والحديث المأثور عن الامام الصادق عليه السلام: «اذا صام احدكم، فلا يجادلن احداً، ولا يجهل ولا يسرع إلى الحلف والايمان بالله، فان جهل عليه احد فليتحمله» فيصوم اللسان من الكذب، والغيبة، والنميمة، والقذف، وشهادة الزور، وتصوم العين عن الامتداد إلى المحرمات، ويصوم القلب عن الحقد والحسد والرياء، وتصوم اليد عن غير المباح ـ كالقتل والضرب والسرقة ـ وتصوم القدم عن السعي إلى المنكر والضلال، ويصوم الفكر عن التسولات الفاجرة والشبهات، وهكذا تتهذب النفس والحواس، ومتى تهذبت الشخصية الانسانية، كان هناك المجتمع السعيد.
وهذه المعاني الاخلاقية، التي يهدفها الاسلام من وراء الصوم، هي معان كبيرة، ذات مقاصد تتعلق بايجاد المجتمع المتكامل، وتعميم نظريات اجتماعية واقتصادية بالغة الاهمية.