حب الله في شهر الله
ولكن، وللأسف الشديد، كثيرٌ منا يجهل قيمة هذا الشهر العظيم الذي ساقه الله إلينا ليتلَّطف علينا بكرمه ومنّه وجوده العميم، كما جعله سبحانه فرصةً لعباده ليراجعوا أنفسهم، ويتأملوا في مسيرة عام أو ربما عمر كامل، ومن ثم يستأنفوا العمل بروح منفتحة على رحاب الرحمة الإلهية الواسعة، مبتعداً عن ترسبات الماضي وسلبياته، ولكن وكما ذكرتُ نحن في حاجةٍ ماسةٍ لتوثيق صلاتنا ومعرفتنا بالقيمة الحقيقية المودعة في هذه الساعات المباركة، والتي لا يعلم مقدارها إلا الله، ويكفينا في ذلك أن الله جعل ليلةً واحدةً منه خيراً من ألف شهر.
أتذكر أنني سمعتُ حكايةً مضمونها أن قوماً مروا في أرض يطبق عليها الظلام، فخاطبهم قائدهم بأن من أخذ من هذه الأرض سيندم، والذي لن يأخذ لن يكون أحسن حالاً من صاحبه، فانقسم القوم بين فريقٍ قرّر عدم بذل أي جهدٍ أو عناء فمادام أنهم سيندمون أخذوا أم لم يأخذوا فهم لن يأخذوا، أما القسم الآخر فقالوا في أنفسهم أنهم ما داموا سيندمون، فلماذا لا يحاولون أن يتعرفوا على سبب هذا الندم، فهم لن يخسروا شيئاً على أي حال، وهكذا، حتى إذا ما خرجوا من تلك الأرض إلى حيث النور، اكتشفوا أن تلك الأرض كانت مليئة بالأحجار الكريمة والثمينة، فمن أخذ ندم على أنه لم يأخذ أكثر، ومن لم يندم عضّ على أصابع الندم لأنه لم يكلّف نفسه بعض الجهد ليأخذ شيئاً منها، ولكن، ولات حين مندم.
وإذا ما تأملنا حالنا مع هذا الشهر المبارك والكريم، لوجدناه لا يختلف كثيراً عن هذه الصورة التي تحكيها هذا الحكاية، فكم منا من يعيش هذه اللحظات القدسية دون أن يستفيد منها ولو المقدار اليسير، وحتى لو أن يستفيد منها فإنه لا يتجاوز المقدار البسيط كما ذكرتُ؛ لذا نحن مدعوون إلى محاولة اكتشاف أسرار هذه العظمة، وثق تماماً أنك كلَّما اقتربتَ أكثر من معرفتك لقيمة هذا الشهر وحرمته ومكانته، كلما التصقت به أكثر فأكثر، فـالناس أعداء ما جهلوا كما يقول مولى الموحدين أمير المؤمنين الإمام على ابن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام.
وفي ظني أن من أهم الوسائل التي يمكن أن تكشف لنا شيئاً من هذه الأسرار هي أحاديث بيت العصمة والطهارة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فهم الأعرف بهذه الأسرار والخفايا، وفي مقدمتهم الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، الذي قال تلك الخطبة الرائعة في آخر جمعة من شعبان ليتهيأ الناس لاستقبال شهر الله الكريم، هذه الخطبة التي كلما قرأتها جعلتك تعيش في عالم نوراني لا يمكن وصفه، وشحنتك حماسةً واندفاعةً، فكأنك تودُّ حينها أن لا تدع لحظةً واحدةً من لحظاته تضيع منك دون أن تستثمرها فيما يقرِّبك فيها من الله عزّ وجلَّ