أسرار الكون في القراَن الكريم



كيف خلق الله الكون ؟

بيّن الله عز وجلّ في القرآن الكريم أهم محدثات الكون بدءاً بمصدر

مادته ، كما كشف للناس عن تشكل الرتق وانفطاره ، وعن تكوّن

النجوم والكواكب وتقسيمها لسبع مجموعات كونية ومن ثم خلق

الحياة ، منتهيا بصرف المادة الكونية ونشوء الدار الآخرة ، وفي محاولة

لإظهار التفسير الصحيح للآيات الكريمة ذات العلاقة التي تخص نشوء

الكون من القرآن الكريم ، سنقوم بالتّعرف أولاً على آخر نظرية علمية

تشرح الكيفيّة التي نشأت عليها النجوم والكواكب في الوجود القائم ،

كما سنبين السبب في اعتمادها كنظرية صحيحة تقوم على الدليل

المادي الملموس ، ومن ثم سنظهر العلاقة بينها وما أنزله الله عز

وجلّ في القرآن الكريم عن نشوء الوجود .


قدّم العلم الحديث تفسيرا دقيقا لنشوء الكون فأطلق نظرية ( البج

بانج ) أي الانفجار الكوني العظيم ، وهي آخر نظرية علميّة تم

الكشف عنها بالدليل المادي في أحد المراصد الفلكية عن النظام

الكوني القائم ، ولو تدارسنا محدثات تلك النظرية العلمية وطريقة

اكتشافها ، لوجدنا أن التوصل إلى هذه النتيجة المذهلة إنما كان

بمحض الصدفة بعد أن سبقها الكثير من التكهنات والفرضيات التي لم

تصمد كثيرا ، لذا سنبيّن تسلسل أحداث هذا الكشف الكبير بالتفصيل لأهميته .

بعض من المهام المعتادة للمراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم أنها

تقوم بشكل دوري بأخذ صور فوتوغرافية شفّافة للكون كصور الأشعة

، ومن ثم مطابقتها بصور أخذت في أيام سابقة وذلك بوضعها فوق

بعضها البعض والنظر من خلالها لرؤية فيما إذا كانت إحدى الجسيمات

قد تحركت من مكانها ولم تتطابق بين الصورتين ، وهذا الإجراء

العملي يهدف أساسا إلى رصد ومن ثم دراسة الجسيمات المتحركة

التائهة في الفضاء مثل الشهب والنيازك ، لتحديد مساراتها تحسبا من ارتطامها بالأرض .


بدأت نظرية ( البج بانج ) المذهلة تتجلى عندما قام أحد علماء الفلك

عبثا وعلى غير عادة بمقارنة صورة قديمة تم التقاطها للكون مع صورة

حديثة ، وبعد أن وَضع الصورتين فوق بعضهما البعض وسلط من

تحتهما الضوء ، ما كان منه إلا أن ذهل عندما وجد أن جميع النجوم

والكواكب قد تحركت من مكانها في الصورة السابقة ولم تتطابق

الصورتان كعادتهما ، علماً بأن الصورتين قد أُخذتا من نفس المكان

تماما ، كما لاحظ أن جميع النجوم والمجرات تتجه في الفضاء من

نقطة انطلاق واحدة وكأنها قد قُذفت من نفس المصدر ، وبمثل تلك

التجربة البسيطة تم الكشف عن أهم مؤشر يقوم على الدليل

المادي يُظهر أن جميع النجوم والكواكب قد انطلقت من النقطة

نفسها ، أو أنها قد قذفت من كتلة واحدة ، أنها باتساع دائم ، ولولا

ظاهرة الاتساع تلك لما أمكن التوصل إلى هذا الكشف العظيم ، وهذا

ما بيّنه القرآن الكريم في الآية الكريمة التالية عن كيفية نشوء الكون في قوله تعالى :

" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "
" وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ "(47) الذاريات .

تكشف الآية الكريمة خاصيّة هامة تتعلق

باتساعه الكون الدائم ،


وعلى أن خاصيّة الاتساع ثابتة في نشوئه

وفي فطرته التي فطره الله


عز وجلّ عليها يوم أن خلق السماوات والأرض

، وليبقى على فطرته إلى أن تقوم القيامة ومن ثم تقوم الساعة .



بالرجوع إلى نظرية الانفطار الكوني العظيم ،

سنجد أن الدليل

العلمي الناتج عن عملية المقارنة لصور النجوم

والكواكب كانت بمثابة


نواة أدت إلى التوصل لمثل تلك الفرضية المذهلة ، والتي تمخض عنها


استنتاج الكتلة الكونية الواحدة كرافد طبيعي لهذه الظاهرة ، لذا


فنظرية ( البج بانج ) أو الانفجار الكوني العظيم ليست فلسفة فكريّة أو تصوراً خيالياً ، إنما تقوم على الدليل المادي البيّن ، بل وتتفق في

معطياتها مع جميع العلوم الثابتة ، أمّا الدليل الأقوى على صحتها ،

فيعود إلى ما ورد ذكره في الآية الكريمة السابقة والتي تؤكد استمرار

الكون في اتساعه إلى ما يشاء الله تعالى ، لذا فنظرية الانفجار

الكوني للكتلة الواحدة تعتبر فرعاً من منظور الاتساع الكوني ،

ومؤشراً يدلّ على أن جميع النجوم والكواكب المكونة للمجرات قد

قذفت من مكان واحد ، وبالتالي نجد أن مكونات النجوم والكواكب في

عموم الكون كانت محتواة في كتلة واحدة عظيمة جمعت مجمل

المادة الكونية بعد نشوئها ، ثم نتج عنها انفطار كوني هائل أدى إلى

تفككها وتناثر محتواها في المكان الكوني ، وهذه الأخرى نظرية

صحيحة أيدها القرآن الكريم في الآيات البيّنات التالية :

" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "
" أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ "(30) الأنبياء .

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ : تشمل الآية في معناها المجموعات الكونيّة

السبع وجميع ما فيها من أراضٍ حيّة ، وليس سماء الأرض التي نحيا عليها أو غلافها الجوي .

رَتْقًا : الرتق عكس الفتق ، وهو الشيء المتماسك المضموم أو

الملتصق ببعضه البعض ككتلة واحدة .
فَفَتَقْنَاهُمَا :الفتق ينتج عنه فصل المضموم عن بعضه البعض أو تجزئته

أو تمزيقه بشدّة ، ولا يحدث مثل ذلك إلا عن عملية انفجار غاية في الشدّة .
وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ

:يأتي الماء في الدرجة الثانية من حيث الأهمية بعد فتق الرتق

ونشوء الكون ، لسبب أن عُنصر الماء مُكوِّن أساسي لنشوء الحياة

وأهم ركائزها ، كما لا يمكن لأي حياة أياً كان نوعها أو ماهيتها أن

تستقيم دونه ، فلولا وجود الماء ما وجدت الحياة ، ولولا وجود الحياة

ما خلق الله عز وجلّ الكون الذي خُصص في نشئه لخدمة نشء

الناس ولاستخلافهم له ، لذا فوجود الحياة مرتبط ارتباطا جوهرياً بوجود

الماء ، ووجود الكون بما فيه من سماوات وأرض مرتبط بوجود الاثنين

معا ، ولولاهما لما أنشأ الله عز وجلّ الوجود القائم .


منقول من كتاب اسرار الكون في القران الكريم