مقايسة قصّة الطوفان في التوراة و في القران
جاءت قصّة الطوفان في سفر التكوين [1] بصورة تفصيليّة تشبه أن تكون أساطيرية ، و فيها ما ترفضه العقول و تأباه واقعية الحياة ، فضلاً فن منافاتها لأصول الحكمة المهيمنة على مظاهر الوجود .
جاء فيه : أنّ قوم نوح فسدوا وأفسدوا في الأرض ، فغضب الله عليهم و أنذرهم على لسان نوح بعذاب الاستئصال بإرسال الطوفان العارم ، فلم يعبهوا بذلك و ظلّوا يعبثون و يعثون في البلاد .
و لمّا بلغ نوح من العمر ستمائة سنة أمره الله بصنع الفلك ( في 300 ذراع طولاً و50 ذراع عرضاً و 30ذراعاً في الارتفاع ) .
فجاء الطوفان ، و جعلت ينابيع الأرض تتفجّر و السماء تمطر بغزارة أربعين صباحاً و الماء يرتفع شيئاً فشيئاً على وجه الأرض كلّها حتّى بلغ قمم الجبال الشامخة في كل جوانب الأرض و ارتفع على أشمخ قمّة من الجبال بخمس عشرة ذراعاً ، و بذلك هلك الحرث و النسل و مات كلّ ذي حياة على وجه الأرض من الدوابّ و البهائم و الدبّابات و الزحّافات و حتّى الطير في السماء . و دام الطوفان على وجه الماء حتّى أخذ الماء ينحطّ و يغور فاستقرّت سفينته على جبل « آرارات » بأرمينية . فنزلوا من السفينة و عاش نوح بعد ذلك ثلاثمائة و خمسين عاماً ، فكان كلّ أيّام نوح تسعمائة و خمسين سنة . على ما جاء في الإصحاح التاسع عدد 28 .
و كان الذي حمله نوح معه في السفينة ـ غير أهله و ذويه ـ أزواجاً ( ذكراً و اُنثى ) من كلّ أنواع الحيوانات لئلاّ ينقرض نسلها و تبيد من الوجود . « من جميع البهائم و الطيور ذكراً و اُنثى ، لاستبقاء نسلها على وجه كلّ الأرض » . [2]
و هذا يعني : أنّ جميع الأحياء هلكوا على أثر الغَرَق « فمات كلّ ذي جسد كان يدبّ على الأرض من الطيور و البهائم و الوحوش و كلّ الزحّافات التى كانت تزحف على الأرض و جميع الناس ، كلّ ما في أنفه نسمة روح الحياة فيما في اليابسة مات » . [3]
و ذلك أنّ الماء غمر وجه الأرض كلّها و طغى على أعالي الجبال الشامخة في كل أكناف الأرض « و تعاظمت المياه كثيراً جداً على الارض فتغطت جميع الجبال الشامخة التي تحت كلّ السماء خمس عشرة ذراعاً في الارتفاع فتغطّت كلّ الجبال » . [4]
و حاشا القرآن أن يساير التوراة ( المتداولة ) في سرد أقاصيص أسطورية واهية ، و إنّما هي الواقعيّة ينتقيها و ينبذ الأوهام الخرافية و التي أحدقت بها على أثر طول العهد .
و إليك الحادث على ما جاء في سورة هود :
?حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ * وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ * قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ? [5] [6]
العلامة المحقق الشيخ محمد هادي معرفة (رحمه الله)
-----------------------------------------------
الهوامش:
[1] سفر التكوين ، إصحاح 9 ـ 6 .
[2] المصدر : 7 / 4 .
[3] المصدر : 7 / 21 .
[4] المصدر : 7 / 19 .
[5] القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآيات : 40 - 48 ، الصفحة : 226 .
[6] التنور : كلمة أعجمية و تطلق في كلام العرب على مفجر المياه . جاء في القاموس : التنّور كلّ مفجر ماء . و الجودي : قال أبو مسلم الاصبهاني : الجودي كل جبل و أرض صلبة .
جاءت قصّة الطوفان في سفر التكوين [1] بصورة تفصيليّة تشبه أن تكون أساطيرية ، و فيها ما ترفضه العقول و تأباه واقعية الحياة ، فضلاً فن منافاتها لأصول الحكمة المهيمنة على مظاهر الوجود .
جاء فيه : أنّ قوم نوح فسدوا وأفسدوا في الأرض ، فغضب الله عليهم و أنذرهم على لسان نوح بعذاب الاستئصال بإرسال الطوفان العارم ، فلم يعبهوا بذلك و ظلّوا يعبثون و يعثون في البلاد .
و لمّا بلغ نوح من العمر ستمائة سنة أمره الله بصنع الفلك ( في 300 ذراع طولاً و50 ذراع عرضاً و 30ذراعاً في الارتفاع ) .
فجاء الطوفان ، و جعلت ينابيع الأرض تتفجّر و السماء تمطر بغزارة أربعين صباحاً و الماء يرتفع شيئاً فشيئاً على وجه الأرض كلّها حتّى بلغ قمم الجبال الشامخة في كل جوانب الأرض و ارتفع على أشمخ قمّة من الجبال بخمس عشرة ذراعاً ، و بذلك هلك الحرث و النسل و مات كلّ ذي حياة على وجه الأرض من الدوابّ و البهائم و الدبّابات و الزحّافات و حتّى الطير في السماء . و دام الطوفان على وجه الماء حتّى أخذ الماء ينحطّ و يغور فاستقرّت سفينته على جبل « آرارات » بأرمينية . فنزلوا من السفينة و عاش نوح بعد ذلك ثلاثمائة و خمسين عاماً ، فكان كلّ أيّام نوح تسعمائة و خمسين سنة . على ما جاء في الإصحاح التاسع عدد 28 .
و كان الذي حمله نوح معه في السفينة ـ غير أهله و ذويه ـ أزواجاً ( ذكراً و اُنثى ) من كلّ أنواع الحيوانات لئلاّ ينقرض نسلها و تبيد من الوجود . « من جميع البهائم و الطيور ذكراً و اُنثى ، لاستبقاء نسلها على وجه كلّ الأرض » . [2]
و هذا يعني : أنّ جميع الأحياء هلكوا على أثر الغَرَق « فمات كلّ ذي جسد كان يدبّ على الأرض من الطيور و البهائم و الوحوش و كلّ الزحّافات التى كانت تزحف على الأرض و جميع الناس ، كلّ ما في أنفه نسمة روح الحياة فيما في اليابسة مات » . [3]
و ذلك أنّ الماء غمر وجه الأرض كلّها و طغى على أعالي الجبال الشامخة في كل أكناف الأرض « و تعاظمت المياه كثيراً جداً على الارض فتغطت جميع الجبال الشامخة التي تحت كلّ السماء خمس عشرة ذراعاً في الارتفاع فتغطّت كلّ الجبال » . [4]
و حاشا القرآن أن يساير التوراة ( المتداولة ) في سرد أقاصيص أسطورية واهية ، و إنّما هي الواقعيّة ينتقيها و ينبذ الأوهام الخرافية و التي أحدقت بها على أثر طول العهد .
و إليك الحادث على ما جاء في سورة هود :
?حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ * وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ * قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ? [5] [6]
العلامة المحقق الشيخ محمد هادي معرفة (رحمه الله)
-----------------------------------------------
الهوامش:
[1] سفر التكوين ، إصحاح 9 ـ 6 .
[2] المصدر : 7 / 4 .
[3] المصدر : 7 / 21 .
[4] المصدر : 7 / 19 .
[5] القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآيات : 40 - 48 ، الصفحة : 226 .
[6] التنور : كلمة أعجمية و تطلق في كلام العرب على مفجر المياه . جاء في القاموس : التنّور كلّ مفجر ماء . و الجودي : قال أبو مسلم الاصبهاني : الجودي كل جبل و أرض صلبة .