إن فكرة المهدي ( عليه السلام ) بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الأفضل ، قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) عموماً ، وفي روايات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) خصوصاً ، وأكَّدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى إليها الشك .وأما تجسيد هذه الفكرة في الإمام الثاني عشر ( عليه السلام ) فهذا ما توجد مبررات كافية وواضحة للاقتناع به .
ويمكن تلخيص هذه المبررات في دليلين :
الدليل الإسلامي :
بالدليل الإسلامي نثبت وجود القائد المنتظر ( عليه السلام ) ، ويتمثّل في مئات الروايات الواردة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) .
والتي تدلُّ على تعيين الإمام المهدي ( عليه السلام ) وكونه من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وأنه ( عليه السلام ) من ولد فاطمة ، ومن ذرية الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وأنه ( عليه السلام ) التاسع من ولد الإمام الحسين .
فإن هذه الروايات تحدِّد تلك الفكرة العامة وتشخيصها في الإمام الثاني عشر ( عليه السلام ) من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
وهذه الروايات بلغت درجة كبيرة من الكثرة والانتشار ، على الرغم من تحفظ الأئمة ( عليهم السلام ) واحتياطهم في طرح ذلك على المستوى العام ، وقايةً لللخلف الصالح من الاغتيال أو الإجهاز السريع على حياته ( عليه السلام ) .
وليست الكثرة العددية للروايات هي الأساس الوحيد لقبولها ، بل هناك إضافة إلى ذلك مزايا وقرائن تبرهن على صحتها .
فالحديث النبوي الشريف عن الأئمة أو الخلفاء أو الأمراء بعده ، وأنهم اثنا عشر إماماً أو خليفةً أو أميراً - على اختلاف متن الحديث في طرقه المختلفة - قد أحصى بعض المؤلفين ـ لعلي محمد علي دخيل في كتابه الإمام المهدي ( عليه السلام ) ـ رواياته فبلغت أكثر من مائتين وسبعين رواية في أشهر كتب الحديث عند الشيعة والسنة .
ويلاحظ أنّ البخاري ـ الذي ذكر حديث الخلفاء الإثنى عشر ، في صحيحه 9 / 101 ـ كان معاصراً للإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري ( عليهم السلام ) ، وفي ذلك مغزىً كبير ; لأنه يبرهن على أنّ هذا الحديث قد سُجّل عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن يتحقق مضمونه ، وتكتمل فكرة الأئمّة الإثني عشر فعلاً .
وهذا يعني أنه لا يوجد أي مجال للشك في أن يكون نقل الحديث متأثراً بالواقع الإمامي الاثني عشري وانعكاساً له ; لأنّ الأحاديث المزيفة التي تنسب إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ـ وهي انعكاسات أو تبريرات لواقع متأخر زمنياً ـ لا تسبق في ظهورها وتسجيلها في كتب الحديث ذلك الواقع الذي تشكّل انعكاساً له ، فما دمنا قد ملكنا الدليل المادي على أنّ الحديث المذكور سبق التسلسل التاريخي للأئمّة الاثني عشر ، وضبط في كتب الحديث قبل تكامل الواقع الإمامي الإثني عشري ، أمكننا أن نتأكد من أنّ هذا الحديث ليس انعكاساً لواقع ، وإنما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لا ينطق عن هوى ، فقال : ( إنّ الخلفاء بعدي اثنا عشر ) ، وجاء الواقع الإمامي الإثني عشري ابتداءً من الإمام علي وانتهاءً بالمهدي ، ليكون التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث النبوي الشريف .
الدليل العلمي :
وبالدليل العلمي نبرهن على أن الإمام المهدي ( عليه السلام ) ليس مجرد أُسطورة وافتراض ، بل هو حقيقة ثبت وجودها بالتجربة التاريخية .
فالغيبة الصغرى ، هي تجربة عاشتها أمة من الناس ، فترة امتدَّت سبعين سنة تقريباً ، وعبَّر عنها السفراء والنواب طيلة سبعين عاماً من خلال تعاملهم من الآخرين ، ولم يلحظ عليهم أحدٌ كل هذه المدة تلاعباً في الكلام ، أو تحايلاً في التصرف ، أو تهافتاً في النقل .
فهل بإمكان أكذوبة أن تعيش سبعين عاماً ، ويمارسها أربعة على سبيل الترتيب ، كلهم يتفقون عليها ، ويظلون يتعاملون على أساسها وكأنها قضية يعيشونها بأنفسهم ، ويرونها بأعينهم ، دون أن يبدر منهم أي شيء يثير الشك ، ودون أن يكون بين الأربعة علاقة خاصة متميزة ، تتيح لهم نحواً من التواطؤ ، ويكسبون من خلال ما يتصف به سلوكهم من واقعية ثقة الجميع ، وإيمانهم بواقعية القضية التي يدعون أنهم يحسونها ويعيشون معها ؟! .
لقد قيل قديماً : إن حبل الكذب قصير ، ومنطق الحياة يثبت أيضاً أن من المستحيل عمليّاً بحساب الاحتمالات أن تعيش أكذوبة بهذا الشكل ، وكل هذه المدة ، وضمن كل تلك العلاقات والأخذ والعطاء ، ثم تكسب ثقة جميع من حولها .
وهكذا نعرف أن ظاهرة الغيبة الصغرى يمكن أن تعتبر بمثابة تجربة علمية لإثبات ما لها من واقع موضوعي ، والتسليم بالإمام القائد ( عليه السلام ) وبولادته ، وحياته وغيبته ، وإعلانه العام عن الغيبة الكبرى التي استتر بموجبها عن المسرح ، ولم يكشف نفسه لأحد .