هل أسماء الله تعالى توقيفية؟
وجوّز المعتزلة ما صحّ معناه ودلّ الدليل على اتصافه به ولم يوهم إطلاقه نقصاً . وقد مال إلى قول المعتزلة بعض الأشاعرة ، كالقاضي أبي بكر الباقِلاّني ، وتوقف إمام الحرمين الجُوَيْني.
والتفصيل يقع في مقامين:
الأوّل : تفسير ما استدلوا به من الآية.
الثاني : تجويز ما لم يوهم إطلاقه نقصاً.
أمّا الأوّل : فقد قال سبحانه: { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الأعراف 180.
الاستدلال مبني على أمرين :
أ ـ إنَّ اللام في الأسماء الحسنى للعهد ، تشير إلى الأسماء الواردة في الكتاب والسنّة الصحيحة.
ب ـ إنَّ المراد من الإِلحاد ، التعدي إلى غير ما ورد.
وكلا الأمرين غير ثابت. أمَّا الأوّل فالظاهر أنَّ اللام للاستغراق قدّم عليها لفظ الجلالة لأجل إفادة الحصر ، ومعنى الآية إنَّ كل اسم أحسن في عالم الوجود فهو لله سبحانه ، لا يشاركه فيه أحد . فإذا كان الله سبحانه ينسب بعض هذه الأسماء إلى غيره كالعالم والحي ، فأحسنها لله ، أعني الحقائق الموجودة بنفسها الغنية عن غيرها . والثابت لغيره من العلم والحياة والقدرة المفاضة من جانبه سبحانه ، من تجليات صفاته وفروعها وشؤونها. والآية بمنزلة قوله سبحانه:{ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } البقرة 165..
وقوله: { إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } يونس 65. إلى غير ذلك.وعلى ذلك فمعنى الآية أنَّ لله سبحانه حقيقةُ كل اسم أحسن لا يشاركه غيره إلاَّ بما ملّكهم منه ، كيف ما أراد وشاء.
وأمَّا الثاني : فلأنّ الإِلحاد هو التطرف والميل عن الوسط إلى أحد الجانبين ، ومنه لَحْد القبر ، لكونه في جانبه . بخلاف الضريح الّذي في الوسط ، وأمَّا الإِلحاد في أسمائه فيتحقق بأُمور:
1 ـ إطلاق أسمائه على الأصنام بتغيير ما ، كإطلاق « اللات » المأخوذة من الإِله بتغيير ، على الصنم المعروف ، وإطلاق « العُزّى » المأخوذة من العزيز ، و« المَناة » المأخوذة من المنان ، فيلحدون ويميلون عن الحق بسبب هذه الإِطلاقات لإِرادتهم التشريك ، والحط من مرتبة الله ،وتَعْلية ما صنعوه من الأصنام. وسيجزي هؤلاء على طبق أعمالهم فلا يصل النقص إلى الله ، ولا يرتفع مقام مصنوعاتهم.
2 ـ تسميته بما لا يجوز وصفه به لما فيه من النقص ، كوصفه سبحانه بأبيض الوجه وجَعِد الشعر.
ومن هذا القبيل تسميته سبحانه بالماكر والخادع تمسكاً بقوله سبحانه:
{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} آل عمران 54. وقوله سبحانه{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } النساء142. فإنَّ المتبادر من هذين اللفظين غير ما هو المتبادر من الآية ؛ فإنَّ المتبادر منهما مُنفردين مفهوم يلازم النقص والعيب ، بخلاف المفهوم من الآيتين ؛ فإنّه جزاءُ الخادع والماكر على وجه لا يبقى لفعلهما أثر.
3 ـ تسميته ببعض أسمائه الحسنى دون بعض كأن يقولوا « يا الله » ، ولا يقولوا « يا رحمن» ، وقد قال الله تعالى : { قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّامَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } سورة الإسراء110. وقال سبحانه: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} الفرقان 60.
إلى غير ذلك من أقسام الإِلحاد والعدول عن الحق في أسمائه .وبذلك يظهر أنَّه لا مانع من توصيفه سبحانه بالواجب ، أو واجب الوجود ،أو الصانع أو الأزلي ، أو الأبدي وإنْ لم ترد في النصوص ؛ إذ ليس في إطلاقها عليه سبحانه طروءُ نقص أو إيماءٌ إلى عيب ، مع أنَّه سبحانه يقول:{ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } النمل 88. هذا كله حول المقام الأوّل.
وأمّا المقام الثاني : وهو تجويز تسميته تعالى بكل ما يدل على الكمال أو يتنزّه عن النقص والعيب ؛ فذلك لأنّ الألفاظ الّتي نستعملهما في حقه سبحانه لم توضع إلاَّ لما نجده في حياتنا المشوبة بالنقص والعيب ، فالعلم فينا الإِحاطة بالشيء من طريق أخذ صورته من الخارج بوسائل ماديّة ، والقدرة فينا هي المَنْشَئِيّة للفعل بكيفيّة مادية موجودة في عضلاتنا . ومن المعلوم أنَّ هذه المعاني لا يصح نسبتها إلى الله إلاَّ بالتجريد . كأن يفسّر العلم بالإحاطة بالشيء بحضوره عند العالم ، والقدرة بالمنشئية للشيء بإيجاده . ومثله مفاهيم الحياة والإِرادة والسمع والبصر فلا تطلق عليه سبحانه إلاَّ بما يليق بساحة قدسه ، منزّهة عن النقائص . فإذا كان الأمر على هذا المنوال في الأسماء الّتي وردت في النصوص فيسهل الأمر فيما لم يرد فيها ، وكان رمزاً للكمال ، أو مُعرباً عن فعله سبحانه على صفحات الوجود ، أو مشيراً إلى تنزيهه وغير ذلك من الملاكات المُسَوّغة لتسميته وتوصيفه. نعم بما أنَّ العوام من الناس ربما لا يتبادر إلى أذهانهم ما يدلّ على الكمال ، أو يرمز إلى التنزيه ، أو لا أقل يخلو من الإِشارة إلى النقص ، فيبادرون إلى تسميته وتوصيفه بأسماء وصفات فيها أحد المحاذير السابقة ، فمقتضى الاحتياط في الدين الاقتصار في التسمية بما ورد من طريق السمع بل التجنّب
عن الإِجراء والإِطلاق عليه سبحانه وإن لم يكن هناك تسمية.
هذا تمام الكلام في الأسماء والصفات.
المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج2، ص 150 ـ
نقل غير واحد من المتكلمين والمفسّرين أنَّ أسماءه تعالى وصفاته توقيفية ، وجوّزوا إطلاق كل ما ورد في الكتاب والأحاديث الصحيحة دعاءً أووصفاً له وإخباراً عنه ، ومنعوا كل ما لم يرد فيهما ، وسمّوا ذلك إلحاداً في أسمائه ، وعلى ذلك منع جمهور أهل السنَّة كل ما لم يأذن به الشارع ، مطلقاً ،
وجوّز المعتزلة ما صحّ معناه ودلّ الدليل على اتصافه به ولم يوهم إطلاقه نقصاً . وقد مال إلى قول المعتزلة بعض الأشاعرة ، كالقاضي أبي بكر الباقِلاّني ، وتوقف إمام الحرمين الجُوَيْني.
والتفصيل يقع في مقامين:
الأوّل : تفسير ما استدلوا به من الآية.
الثاني : تجويز ما لم يوهم إطلاقه نقصاً.
أمّا الأوّل : فقد قال سبحانه: { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الأعراف 180.
الاستدلال مبني على أمرين :
أ ـ إنَّ اللام في الأسماء الحسنى للعهد ، تشير إلى الأسماء الواردة في الكتاب والسنّة الصحيحة.
ب ـ إنَّ المراد من الإِلحاد ، التعدي إلى غير ما ورد.
وكلا الأمرين غير ثابت. أمَّا الأوّل فالظاهر أنَّ اللام للاستغراق قدّم عليها لفظ الجلالة لأجل إفادة الحصر ، ومعنى الآية إنَّ كل اسم أحسن في عالم الوجود فهو لله سبحانه ، لا يشاركه فيه أحد . فإذا كان الله سبحانه ينسب بعض هذه الأسماء إلى غيره كالعالم والحي ، فأحسنها لله ، أعني الحقائق الموجودة بنفسها الغنية عن غيرها . والثابت لغيره من العلم والحياة والقدرة المفاضة من جانبه سبحانه ، من تجليات صفاته وفروعها وشؤونها. والآية بمنزلة قوله سبحانه:{ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } البقرة 165..
وقوله: { إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } يونس 65. إلى غير ذلك.وعلى ذلك فمعنى الآية أنَّ لله سبحانه حقيقةُ كل اسم أحسن لا يشاركه غيره إلاَّ بما ملّكهم منه ، كيف ما أراد وشاء.
وأمَّا الثاني : فلأنّ الإِلحاد هو التطرف والميل عن الوسط إلى أحد الجانبين ، ومنه لَحْد القبر ، لكونه في جانبه . بخلاف الضريح الّذي في الوسط ، وأمَّا الإِلحاد في أسمائه فيتحقق بأُمور:
1 ـ إطلاق أسمائه على الأصنام بتغيير ما ، كإطلاق « اللات » المأخوذة من الإِله بتغيير ، على الصنم المعروف ، وإطلاق « العُزّى » المأخوذة من العزيز ، و« المَناة » المأخوذة من المنان ، فيلحدون ويميلون عن الحق بسبب هذه الإِطلاقات لإِرادتهم التشريك ، والحط من مرتبة الله ،وتَعْلية ما صنعوه من الأصنام. وسيجزي هؤلاء على طبق أعمالهم فلا يصل النقص إلى الله ، ولا يرتفع مقام مصنوعاتهم.
2 ـ تسميته بما لا يجوز وصفه به لما فيه من النقص ، كوصفه سبحانه بأبيض الوجه وجَعِد الشعر.
ومن هذا القبيل تسميته سبحانه بالماكر والخادع تمسكاً بقوله سبحانه:
{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} آل عمران 54. وقوله سبحانه{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } النساء142. فإنَّ المتبادر من هذين اللفظين غير ما هو المتبادر من الآية ؛ فإنَّ المتبادر منهما مُنفردين مفهوم يلازم النقص والعيب ، بخلاف المفهوم من الآيتين ؛ فإنّه جزاءُ الخادع والماكر على وجه لا يبقى لفعلهما أثر.
3 ـ تسميته ببعض أسمائه الحسنى دون بعض كأن يقولوا « يا الله » ، ولا يقولوا « يا رحمن» ، وقد قال الله تعالى : { قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّامَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } سورة الإسراء110. وقال سبحانه: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} الفرقان 60.
إلى غير ذلك من أقسام الإِلحاد والعدول عن الحق في أسمائه .وبذلك يظهر أنَّه لا مانع من توصيفه سبحانه بالواجب ، أو واجب الوجود ،أو الصانع أو الأزلي ، أو الأبدي وإنْ لم ترد في النصوص ؛ إذ ليس في إطلاقها عليه سبحانه طروءُ نقص أو إيماءٌ إلى عيب ، مع أنَّه سبحانه يقول:{ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } النمل 88. هذا كله حول المقام الأوّل.
وأمّا المقام الثاني : وهو تجويز تسميته تعالى بكل ما يدل على الكمال أو يتنزّه عن النقص والعيب ؛ فذلك لأنّ الألفاظ الّتي نستعملهما في حقه سبحانه لم توضع إلاَّ لما نجده في حياتنا المشوبة بالنقص والعيب ، فالعلم فينا الإِحاطة بالشيء من طريق أخذ صورته من الخارج بوسائل ماديّة ، والقدرة فينا هي المَنْشَئِيّة للفعل بكيفيّة مادية موجودة في عضلاتنا . ومن المعلوم أنَّ هذه المعاني لا يصح نسبتها إلى الله إلاَّ بالتجريد . كأن يفسّر العلم بالإحاطة بالشيء بحضوره عند العالم ، والقدرة بالمنشئية للشيء بإيجاده . ومثله مفاهيم الحياة والإِرادة والسمع والبصر فلا تطلق عليه سبحانه إلاَّ بما يليق بساحة قدسه ، منزّهة عن النقائص . فإذا كان الأمر على هذا المنوال في الأسماء الّتي وردت في النصوص فيسهل الأمر فيما لم يرد فيها ، وكان رمزاً للكمال ، أو مُعرباً عن فعله سبحانه على صفحات الوجود ، أو مشيراً إلى تنزيهه وغير ذلك من الملاكات المُسَوّغة لتسميته وتوصيفه. نعم بما أنَّ العوام من الناس ربما لا يتبادر إلى أذهانهم ما يدلّ على الكمال ، أو يرمز إلى التنزيه ، أو لا أقل يخلو من الإِشارة إلى النقص ، فيبادرون إلى تسميته وتوصيفه بأسماء وصفات فيها أحد المحاذير السابقة ، فمقتضى الاحتياط في الدين الاقتصار في التسمية بما ورد من طريق السمع بل التجنّب
عن الإِجراء والإِطلاق عليه سبحانه وإن لم يكن هناك تسمية.
هذا تمام الكلام في الأسماء والصفات.
المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج2، ص 150 ـ