التدريس الخصوصي..هل هو ظاهرة صحيحة؟
حسين نعمة- يحيى حسن
أصبحت ظاهرة التدريس الخصوصي من الظواهر البارزة في المجتمع العراقي في السنوات الأخيرة حتى أنها راحت تلتهم العطلة الصيفية من الطلبة كما أدت إلى استنزاف مدخولات الكثير من الأسر العراقية. هذه الظاهرة يراها البعض مفيدة وتحقق النجاح الأكيد للطالب بينما يعدها طرف آخر بأنها أصبحت (موضة عصرية) وهي تضر الطالب كثيرا لأنها فضلا عن تضييعه العطلة فإنها تتسبب في تشتيت ذهنيته وتجعل تركيزه يبتعد عن ما يتلقاه في المدرسة من دروس ومحاضرات ولا يرى سبيلا للنجاح غير المدرس الخصوصي. حملت مجلة الروضة الحسينية في حقيبتها هذا الموضوع لتستقصي عنه من خلال اللقاء بعدد من أطرافه، فكانت المحطة الأولى عند مديرة الإشراف الاختصاصي في كربلاء فلور حسون لتصفها قائلة: إن هذه الظاهرة تعد من الظواهر السلبية والتي أثرت بشكل عام على الطالب والمدرسة في آن واحد، فهي تجعل من الطالب يتجه اتجاها غير تربوي كونه يعتمد على المدرس الخصوصي ويهمل المؤسسة التربوية، وهذه الظاهرة أصبحت متفشية في كثير من محافظات القطر وهي غير مقتصرة على محافظة كربلاء فقط، والطرق الكفيلة بمعالجتها كثيرة، منها توجيه المدرس بهذا الخصوص ومتابعته في طرح المادة العلمية داخل الصف بنفس المستوى الذي يقدمه خلال الدرس الخصوصي، وتوعية أولياء الأمور بالكف والابتعاد عن اللجوء إلى التدريس الخصوصي لأبنائهم وذلك من خلال عقد مجالس الآباء والأمهات، وكذلك دور الإعلام المضاد لهذه الظاهرة وبكل وسائله، الراديو، التلفزيون، الملصقات والبوسترات، خطب الجمعة التي بدورها تسلط الأضواء على الجوانب غير الايجابية لهذه الظاهرة المتفشية بين أوساط الطلبة، وأخذ ميثاق شرف يوقع عليه المدرسون بعدم التدريس الخصوصي.
ويقول المشرف التربوي في مديرية تربية كربلاء (مسلم المنكوشي): إن هذه الظاهرة باتت تشكل خطراً كبيراً على العملية التربوية وهي مرفوضة ولابد للإشراف التربوي من متابعتها من خلال زيارات المدارس والتنبه عليها.
واتهم المنكوشي بعض من أسماهم بالقياديين والإداريين في التربية والتعليم في كربلاء بممارسة الدروس الخصوصية للطلبة في الوقت الحاضر، مضيفا أن ظاهرة التدريس الخصوصي متفشية في المدارس الإعدادية بشكل خاص والمدارس الثانوية والمتوسطة بشكل عام وإن جميع الإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية ما هي إلا محاولات ليس لها أي تأثير في استمرار هذه الظاهرة. وتابع إن من ضمن البدائل التي وضعتها التربية لمسألة التدريس الخصوصي هو التدريس المجاني الذي وصفه على حد قوله - بأنه خطوة غير موفقة ومن الاستحالة أن يأتي أي مدرس في العطلة الصيفية ليعطي جملة من المحاضرات الخصوصية مجانا.
واعتبر التربوي (عباس جدوع) (25 عاما في الوظيفة) إن التدريس الخصوصي ظاهرة مرفوضة لكنها ولدت من المعاناة التي عاشها المعلم والمدرس في عقد التسعينيات من القرن الماضي حين كان راتبه قليلا جدا ما دفعه للبحث عن مورد ثان فكان التدريس الخصوصي الأقرب له.
وأضاف: كنا في السابق نعطي طلبتنا دروسا إضافية سواء ضمن الدوام أو بعده، بهدف ضمان نجاحهم من خلال إكمال المناهج والتركيز على بعض الدروس المهمة وكانت هذه الحالة لطلبة الامتحان الوزاري فقط لكنها للأسف شاعت الآن وأصبحت تشمل جميع المراحل بما في ذلك المدارس الابتدائية وشملت أيضا جميع الدروس وصارت مقابل مبلغ مالي يتجاوز 500 ألف دينار أو دولار للمادة الواحدة عند بعض المدرسين وهذا مكلف وقد يربك الأسرة العراقية ويزيد من معاناتها.
وأضاف: إن اللجوء إلى التدريس الخصوصي يكلف الطالب وأسرته ماديا ويتسبب بإرهاق ميزانية العوائل ذات الدخول البسيطة والمتوسطة، ومن تأثيراته على الطالب أن يجعله يركز على بعض الدروس ويهمل الدروس الأخرى، ومن جانب الآخر يجعله أيضا يركز على مواضيع محددة ضمن المادة الواحدة ويهمل المواضيع الأخرى وقد تكون نتيجته في الامتحان مخيبة له ولذويه ولمدرسه الخاص.. وأوضح جدوع: إن وزارة التربية كانت قد عممت في 26 / 12 / 2005 كتابها المرقم 1061 والذي تؤكد فيه رفضها لظاهرة التدريس الخصوصي إلى جانب اتخاذ إجراءات رادعه بحق المدرس الذي يقوم بذلك، فإذا ثبت من خلال التحقيق تعامل المدرس بالدروس الخصوصية يتم إخراجه من التعليم إلى جانب فرض العقوبات الإدارية الأخرى عليه.
كانت هذه آراء بعض المسؤولين في هذه القضية، ولكن الأطراف الأخرى كالطالب والعائلة لها رأيها في هذه القضية وبهذا الخصوص قالت السيدة أم علي (46 عاماً): إن الحاجة إلى المدرس الخصوصي أصبحت أمراً مهما بسبب أن بعض الصفوف تعاني من كثافة في أعداد الطلبة وبالتالي يتعذر على المدرس إعطاء المادة بشكل صحيح وفي نفس الوقت يتعذر على الطلبة فهم الدرس بسهولة لذلك لابد من البحث عن المدرس الخصوصي رغم تكاليف ذلك الباهضة.
وأشارت إلى أنه: ليس من الضروري وجود المدرس الخصوصي لجميع الدروس إنما يكون حسب الحاجة لهذا الدرس أو ذاك وغالبا ما يحتاج الطالب للمدرس في الدروس العلمية المهمة وقد لا يحتاجه في الدروس الأخرى. وذكرت: أن مجموع ما تدفعه للمدرسين الذي يقومون بتدريس ولديها يتجاوز المليون وخمسمائة ألف دينار خلال فترة شهرين، إذ أنهم يحتاجون المدرس في بعض الدروس بسبب أنهم يشكون من ضعف بعض مدرسيهم في المدرسة.
ويعتقد الطالب عمار مجاهد أحد طلبة السادس الإعدادي: أن المدرس الخصوصي مفيد جدا وتدريسه يكون مفهوماً خاصة إذا كان عدد الطلبة الذين يدرسهم قليلا، مضيفا: كنت ضعيفا في مادتي الرياضيات واللغة الانكليزية وما أن درست عند أحد المدرسين من غير مدرسي المدرسة حتى وجدت فارقا كبيرا في مستواي.
وأشار زميله كرار كريم الذي ترك دراسته بسبب التدريس الخصوصي: إن بعض المدرسين يدرسون طلبتهم في المدرسة وفي الدروس الخصوصية بنفس الكفاءة وهنا يكون لا فرق عند الطالب لكن بعض المدرسين يختلفون في هذا الأمر، مبينا: أن مستواي الدراسي كان جيدا لكنني دخلت عند المدرس الخصوصي لضمان نجاحي بتفوق فبعض زملائي يعتقدون أن المدرس الخصوصي جيد ومفيد ويمكن أن يختزل كثيرا من المادة خاصة إذا كان من أصحاب الخبرة والكفاءة.
بديل التدريس الخصوصي
يقول الأستاذ حيدر محمد مدرس اللغة الانجليزية: من الأمور الخافية على المسؤولين في وزارة التربية والتي تُعّد إحدى الشرارات الحقيقية التي تشعل فتيل الرغبة العارمة في قلوب الطلبة للميل إلى التدريس الخصوصي هو لمعان أسماء بعض المدرسين الماهرين والدعاية المثيرة لقدراتهم وسط الطلاب الباحثين أصلا عن هذه القدرات فيتحركون هم أو أولياء أمورهم على أولئك المدرسين لينالوا فرصة الاستماع إلى محاضراتهم المتميزة بطول وقتها واتساعها للمناقشة والمتابعة التفصيلية لحالة الطالب فيطرأ تحسن ملحوظ في مستواه، وربّ سائل يسأل هنا، لماذا لا تطبق هذه الطريقة في المدرسة؟ وأجاب عن التساؤل بنفسه قائلا: إن الجواب هو أن المدرسة ملتزمة بالوقت الرسمي المقرر لكل محاضرة والحصص الأسبوعية لكل مادة ولكنهما غير كافيين مطلقا لإنجاز المطلوب فضلا عن افتقار غالبية مدارس العراق إلى الكفاءات ولا سيما في الاختصاصات العلمية واللغات، وإنني استغرب هنا هذه الضجة المثارة ضد المدرسين في حين أننا نشاهد مثيلا لها في الكثير من مؤسسات الدولة وعلى سبيل المثال في المستشفيات حيث أن الطبيب لا يمنح المريض الاهتمام الكافي والمطلوب منه عندما تكون المراجعة أو الاستشارة في المستشفى ويطلب منه الحضور إلى عيادته الخاصة لغرض معالجته، خاصة بعد الاهتمام الكبير الذي أولته الدولة لقطاع الطب وبخاصة في مجال رواتبهم التي يُشاهد الفارق الكبير فيما بينها وبين رواتب المعلمين والمدرسين، فما السبب في ذلك ولماذا لا تأخذ هذه الحالة الاهتمام الكافي من قبل الوزارة المعنية أو الجهات التي تثير مثل هذه القضية بالنسبة للمدرسين، وكأن المدرس مهما أوتي من حكمة وقدرات خارقة قد خلق ليعيش ويموت على الراتب ومحظور عليه ممارسة مهنته بكل شرف ونزاهة وإنسانية خارج الدوام، ودليلي على صحة اتهامي القاسي هذا هو إن الفساد المنتشر بشتى أنواعه يتم السكوت و التغاضي عنه من قبل المجتمع والمسؤولين والبعض يباركه في الخفاء).
وعن الحلول التي يراها مناسبة لهذه القضية قال: يتوفر أكثر من حل لمعالجتها معالجة علمية دون إلحاق الضرر بحرية ومصالح الآخرين ولا حتى بسمعة العملية التربوية وإن أمثل هذه الحلول هو قيام الوزارة بفتح معاهد التقوية في عموم العراق وترغيب المدرسين اللامعين في كل محافظة ومركز قضاء بالتفرغ للتدريس في هذه المعاهد التي تستقبل الطلبة أيام العطل الأسبوعية والعطلة الصيفية فقط وفق آلية عمل ونظام يتفق عليهما دون أن يفرضا على المدرسين والطلبة قسراً. بعد هذه الجولة المختلفة الجهات كان لا بد لنا من حط الرحال عند أصحاب القرار في هذه القضية فتوجهنا إلى مدير تربية كربلاء المقدسة الأستاذ عبد الحميد الصفار لنستطلع منه المعالجات المقترحة من قبل المديرية فقال: إن هناك عدة معالجات اقترحتها مديرية تربية كربلاء للحد من هذه الظاهرة، أولها تغيير نمطية الأسئلة الخارجية والاعتماد فيها على المنهج المقرر، وإشراك الجهات التنفيذية الرسمية بمنع طبع الملازم والكراسات الخصوصية، والتأكيد على تنفيذ العقوبات الواردة بهذا الخصوص، والتأكيد على عدم تجاوز عدد الطلبة في الصفوف المنتهية من (25-30) طالباً، والسعي نحو فك الازدواجية في دوام المدارس الإعدادية خاصة.
المدرس بين الماضي والحاضر ...
قديماً كان المعلم العراقي مثالاً للتضحية ونكران الذات في هذا الوطن وكان التعليم من أول الأشياء التي ابتكرها وعلمها للناس.. ونضع هذه المعادلة أمام القارئ في ميزان ما شاهدناه بالأمس من ثمر قدمه المعلم آنذاك وما نلمسه من لا مبالاة اليوم.
الطامة الكبرى التي تهز النفس ويرتعد لها البدن أن ما كان يحدث سابقاً ما زال يحدث الآن وبوتيرة متصاعدة تتناسب مع ارتفاع قدرة أولياء أمور بعض الطلبة وكأن شيئاً لم يكن، التقت مجلة (الروضة الحسينية) بطلاب وطالبات من مدارس كثيرة جميعهم أكدوا بان المدارس تحولت - وخاصة التي تقع في المناطق الثرية- إلى إقطاعيات تدر الملايين في الشهر الواحد، فالمدير يغض النظر والمشرف يغض البصر وكأن المسألة لا تعنيهما وأصبحت حلقات ما يسمى بـ(التقفيص الخصوصي) على حد تعبيرهم تشمل صفوفاً بأكملها ويستمر الهدم والتدمير لبنياننا التربوي في العراق، فهل ستنتهي هذه القضية إلى غير رجعة أم أنها ستتفاقم أكثر فأكثر؟ وهذا هو تساؤلنا وتساؤل جميع المعنيين، فهل من مجيب؟
حسين نعمة- يحيى حسن
أصبحت ظاهرة التدريس الخصوصي من الظواهر البارزة في المجتمع العراقي في السنوات الأخيرة حتى أنها راحت تلتهم العطلة الصيفية من الطلبة كما أدت إلى استنزاف مدخولات الكثير من الأسر العراقية. هذه الظاهرة يراها البعض مفيدة وتحقق النجاح الأكيد للطالب بينما يعدها طرف آخر بأنها أصبحت (موضة عصرية) وهي تضر الطالب كثيرا لأنها فضلا عن تضييعه العطلة فإنها تتسبب في تشتيت ذهنيته وتجعل تركيزه يبتعد عن ما يتلقاه في المدرسة من دروس ومحاضرات ولا يرى سبيلا للنجاح غير المدرس الخصوصي. حملت مجلة الروضة الحسينية في حقيبتها هذا الموضوع لتستقصي عنه من خلال اللقاء بعدد من أطرافه، فكانت المحطة الأولى عند مديرة الإشراف الاختصاصي في كربلاء فلور حسون لتصفها قائلة: إن هذه الظاهرة تعد من الظواهر السلبية والتي أثرت بشكل عام على الطالب والمدرسة في آن واحد، فهي تجعل من الطالب يتجه اتجاها غير تربوي كونه يعتمد على المدرس الخصوصي ويهمل المؤسسة التربوية، وهذه الظاهرة أصبحت متفشية في كثير من محافظات القطر وهي غير مقتصرة على محافظة كربلاء فقط، والطرق الكفيلة بمعالجتها كثيرة، منها توجيه المدرس بهذا الخصوص ومتابعته في طرح المادة العلمية داخل الصف بنفس المستوى الذي يقدمه خلال الدرس الخصوصي، وتوعية أولياء الأمور بالكف والابتعاد عن اللجوء إلى التدريس الخصوصي لأبنائهم وذلك من خلال عقد مجالس الآباء والأمهات، وكذلك دور الإعلام المضاد لهذه الظاهرة وبكل وسائله، الراديو، التلفزيون، الملصقات والبوسترات، خطب الجمعة التي بدورها تسلط الأضواء على الجوانب غير الايجابية لهذه الظاهرة المتفشية بين أوساط الطلبة، وأخذ ميثاق شرف يوقع عليه المدرسون بعدم التدريس الخصوصي.
ويقول المشرف التربوي في مديرية تربية كربلاء (مسلم المنكوشي): إن هذه الظاهرة باتت تشكل خطراً كبيراً على العملية التربوية وهي مرفوضة ولابد للإشراف التربوي من متابعتها من خلال زيارات المدارس والتنبه عليها.
واتهم المنكوشي بعض من أسماهم بالقياديين والإداريين في التربية والتعليم في كربلاء بممارسة الدروس الخصوصية للطلبة في الوقت الحاضر، مضيفا أن ظاهرة التدريس الخصوصي متفشية في المدارس الإعدادية بشكل خاص والمدارس الثانوية والمتوسطة بشكل عام وإن جميع الإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية ما هي إلا محاولات ليس لها أي تأثير في استمرار هذه الظاهرة. وتابع إن من ضمن البدائل التي وضعتها التربية لمسألة التدريس الخصوصي هو التدريس المجاني الذي وصفه على حد قوله - بأنه خطوة غير موفقة ومن الاستحالة أن يأتي أي مدرس في العطلة الصيفية ليعطي جملة من المحاضرات الخصوصية مجانا.
واعتبر التربوي (عباس جدوع) (25 عاما في الوظيفة) إن التدريس الخصوصي ظاهرة مرفوضة لكنها ولدت من المعاناة التي عاشها المعلم والمدرس في عقد التسعينيات من القرن الماضي حين كان راتبه قليلا جدا ما دفعه للبحث عن مورد ثان فكان التدريس الخصوصي الأقرب له.
وأضاف: كنا في السابق نعطي طلبتنا دروسا إضافية سواء ضمن الدوام أو بعده، بهدف ضمان نجاحهم من خلال إكمال المناهج والتركيز على بعض الدروس المهمة وكانت هذه الحالة لطلبة الامتحان الوزاري فقط لكنها للأسف شاعت الآن وأصبحت تشمل جميع المراحل بما في ذلك المدارس الابتدائية وشملت أيضا جميع الدروس وصارت مقابل مبلغ مالي يتجاوز 500 ألف دينار أو دولار للمادة الواحدة عند بعض المدرسين وهذا مكلف وقد يربك الأسرة العراقية ويزيد من معاناتها.
وأضاف: إن اللجوء إلى التدريس الخصوصي يكلف الطالب وأسرته ماديا ويتسبب بإرهاق ميزانية العوائل ذات الدخول البسيطة والمتوسطة، ومن تأثيراته على الطالب أن يجعله يركز على بعض الدروس ويهمل الدروس الأخرى، ومن جانب الآخر يجعله أيضا يركز على مواضيع محددة ضمن المادة الواحدة ويهمل المواضيع الأخرى وقد تكون نتيجته في الامتحان مخيبة له ولذويه ولمدرسه الخاص.. وأوضح جدوع: إن وزارة التربية كانت قد عممت في 26 / 12 / 2005 كتابها المرقم 1061 والذي تؤكد فيه رفضها لظاهرة التدريس الخصوصي إلى جانب اتخاذ إجراءات رادعه بحق المدرس الذي يقوم بذلك، فإذا ثبت من خلال التحقيق تعامل المدرس بالدروس الخصوصية يتم إخراجه من التعليم إلى جانب فرض العقوبات الإدارية الأخرى عليه.
كانت هذه آراء بعض المسؤولين في هذه القضية، ولكن الأطراف الأخرى كالطالب والعائلة لها رأيها في هذه القضية وبهذا الخصوص قالت السيدة أم علي (46 عاماً): إن الحاجة إلى المدرس الخصوصي أصبحت أمراً مهما بسبب أن بعض الصفوف تعاني من كثافة في أعداد الطلبة وبالتالي يتعذر على المدرس إعطاء المادة بشكل صحيح وفي نفس الوقت يتعذر على الطلبة فهم الدرس بسهولة لذلك لابد من البحث عن المدرس الخصوصي رغم تكاليف ذلك الباهضة.
وأشارت إلى أنه: ليس من الضروري وجود المدرس الخصوصي لجميع الدروس إنما يكون حسب الحاجة لهذا الدرس أو ذاك وغالبا ما يحتاج الطالب للمدرس في الدروس العلمية المهمة وقد لا يحتاجه في الدروس الأخرى. وذكرت: أن مجموع ما تدفعه للمدرسين الذي يقومون بتدريس ولديها يتجاوز المليون وخمسمائة ألف دينار خلال فترة شهرين، إذ أنهم يحتاجون المدرس في بعض الدروس بسبب أنهم يشكون من ضعف بعض مدرسيهم في المدرسة.
ويعتقد الطالب عمار مجاهد أحد طلبة السادس الإعدادي: أن المدرس الخصوصي مفيد جدا وتدريسه يكون مفهوماً خاصة إذا كان عدد الطلبة الذين يدرسهم قليلا، مضيفا: كنت ضعيفا في مادتي الرياضيات واللغة الانكليزية وما أن درست عند أحد المدرسين من غير مدرسي المدرسة حتى وجدت فارقا كبيرا في مستواي.
وأشار زميله كرار كريم الذي ترك دراسته بسبب التدريس الخصوصي: إن بعض المدرسين يدرسون طلبتهم في المدرسة وفي الدروس الخصوصية بنفس الكفاءة وهنا يكون لا فرق عند الطالب لكن بعض المدرسين يختلفون في هذا الأمر، مبينا: أن مستواي الدراسي كان جيدا لكنني دخلت عند المدرس الخصوصي لضمان نجاحي بتفوق فبعض زملائي يعتقدون أن المدرس الخصوصي جيد ومفيد ويمكن أن يختزل كثيرا من المادة خاصة إذا كان من أصحاب الخبرة والكفاءة.
بديل التدريس الخصوصي
يقول الأستاذ حيدر محمد مدرس اللغة الانجليزية: من الأمور الخافية على المسؤولين في وزارة التربية والتي تُعّد إحدى الشرارات الحقيقية التي تشعل فتيل الرغبة العارمة في قلوب الطلبة للميل إلى التدريس الخصوصي هو لمعان أسماء بعض المدرسين الماهرين والدعاية المثيرة لقدراتهم وسط الطلاب الباحثين أصلا عن هذه القدرات فيتحركون هم أو أولياء أمورهم على أولئك المدرسين لينالوا فرصة الاستماع إلى محاضراتهم المتميزة بطول وقتها واتساعها للمناقشة والمتابعة التفصيلية لحالة الطالب فيطرأ تحسن ملحوظ في مستواه، وربّ سائل يسأل هنا، لماذا لا تطبق هذه الطريقة في المدرسة؟ وأجاب عن التساؤل بنفسه قائلا: إن الجواب هو أن المدرسة ملتزمة بالوقت الرسمي المقرر لكل محاضرة والحصص الأسبوعية لكل مادة ولكنهما غير كافيين مطلقا لإنجاز المطلوب فضلا عن افتقار غالبية مدارس العراق إلى الكفاءات ولا سيما في الاختصاصات العلمية واللغات، وإنني استغرب هنا هذه الضجة المثارة ضد المدرسين في حين أننا نشاهد مثيلا لها في الكثير من مؤسسات الدولة وعلى سبيل المثال في المستشفيات حيث أن الطبيب لا يمنح المريض الاهتمام الكافي والمطلوب منه عندما تكون المراجعة أو الاستشارة في المستشفى ويطلب منه الحضور إلى عيادته الخاصة لغرض معالجته، خاصة بعد الاهتمام الكبير الذي أولته الدولة لقطاع الطب وبخاصة في مجال رواتبهم التي يُشاهد الفارق الكبير فيما بينها وبين رواتب المعلمين والمدرسين، فما السبب في ذلك ولماذا لا تأخذ هذه الحالة الاهتمام الكافي من قبل الوزارة المعنية أو الجهات التي تثير مثل هذه القضية بالنسبة للمدرسين، وكأن المدرس مهما أوتي من حكمة وقدرات خارقة قد خلق ليعيش ويموت على الراتب ومحظور عليه ممارسة مهنته بكل شرف ونزاهة وإنسانية خارج الدوام، ودليلي على صحة اتهامي القاسي هذا هو إن الفساد المنتشر بشتى أنواعه يتم السكوت و التغاضي عنه من قبل المجتمع والمسؤولين والبعض يباركه في الخفاء).
وعن الحلول التي يراها مناسبة لهذه القضية قال: يتوفر أكثر من حل لمعالجتها معالجة علمية دون إلحاق الضرر بحرية ومصالح الآخرين ولا حتى بسمعة العملية التربوية وإن أمثل هذه الحلول هو قيام الوزارة بفتح معاهد التقوية في عموم العراق وترغيب المدرسين اللامعين في كل محافظة ومركز قضاء بالتفرغ للتدريس في هذه المعاهد التي تستقبل الطلبة أيام العطل الأسبوعية والعطلة الصيفية فقط وفق آلية عمل ونظام يتفق عليهما دون أن يفرضا على المدرسين والطلبة قسراً. بعد هذه الجولة المختلفة الجهات كان لا بد لنا من حط الرحال عند أصحاب القرار في هذه القضية فتوجهنا إلى مدير تربية كربلاء المقدسة الأستاذ عبد الحميد الصفار لنستطلع منه المعالجات المقترحة من قبل المديرية فقال: إن هناك عدة معالجات اقترحتها مديرية تربية كربلاء للحد من هذه الظاهرة، أولها تغيير نمطية الأسئلة الخارجية والاعتماد فيها على المنهج المقرر، وإشراك الجهات التنفيذية الرسمية بمنع طبع الملازم والكراسات الخصوصية، والتأكيد على تنفيذ العقوبات الواردة بهذا الخصوص، والتأكيد على عدم تجاوز عدد الطلبة في الصفوف المنتهية من (25-30) طالباً، والسعي نحو فك الازدواجية في دوام المدارس الإعدادية خاصة.
المدرس بين الماضي والحاضر ...
قديماً كان المعلم العراقي مثالاً للتضحية ونكران الذات في هذا الوطن وكان التعليم من أول الأشياء التي ابتكرها وعلمها للناس.. ونضع هذه المعادلة أمام القارئ في ميزان ما شاهدناه بالأمس من ثمر قدمه المعلم آنذاك وما نلمسه من لا مبالاة اليوم.
الطامة الكبرى التي تهز النفس ويرتعد لها البدن أن ما كان يحدث سابقاً ما زال يحدث الآن وبوتيرة متصاعدة تتناسب مع ارتفاع قدرة أولياء أمور بعض الطلبة وكأن شيئاً لم يكن، التقت مجلة (الروضة الحسينية) بطلاب وطالبات من مدارس كثيرة جميعهم أكدوا بان المدارس تحولت - وخاصة التي تقع في المناطق الثرية- إلى إقطاعيات تدر الملايين في الشهر الواحد، فالمدير يغض النظر والمشرف يغض البصر وكأن المسألة لا تعنيهما وأصبحت حلقات ما يسمى بـ(التقفيص الخصوصي) على حد تعبيرهم تشمل صفوفاً بأكملها ويستمر الهدم والتدمير لبنياننا التربوي في العراق، فهل ستنتهي هذه القضية إلى غير رجعة أم أنها ستتفاقم أكثر فأكثر؟ وهذا هو تساؤلنا وتساؤل جميع المعنيين، فهل من مجيب؟