(( إستنطاق ذاتي تحليلي لمقتطفات من نصوص النهضة الحسينية الشريفة))
================================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين.
للإختصارالمفيد والمُثمِر نقفُ متأملين في نصٍ شهير من نصوص الإمام الحسين(ع) في نهضته الشريفة
وهذا النصُ هو قوله (ع) ::
(( ألا وإنّ الدعيَّ بن الدعي قد ركز بين إثنتين بين السلّة والذلة وهيهات منّا الذلة يأبى ألله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وجدود طابت وطهُرت
وحُجُورطهُرت وأنوفٌ حميّة ونفوس أبية لاتؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ..
ألا وإني قد أعذرت وأنذرت ألا وإني زاحفٌ بهذه الأسرة مع قلة العدد وكثرة العدو وخذلان الناصر))
/1/ إنظر/ أعيان الشيعة / السيد محسن الأمين/ ج4/ القسم الأول
/ص 155/.:
هذا النصُ واضح وجلي وفي متنه دلالات ومقولات مهمة جدا ومحددات حتمية ترسم طريق الحق لأهله رسماً مشروعا ومُحقا,.
ويبدو من هذا النص أنّ الحسين(ع) قد إنتهى أمر حركته الشريفة إلى أمرين إما الجهاد والمواجهة المسلحة ( السلّة ) أي النهوض بالسيف ميدانياً
أو الذلة أي القبول
بالأمر الواقع الفاسد وهذا منطق لايقبله المعصوم مطلقا مثل الحسين (ع) فضلاً عن
عدم قبول ألله تعالى ورسوله (ص) وآل بيته المعصومين لذلك الخيارالمُذل.
ولذلك جاء إختيار الحسين (ع) لخيار المواجهة المباشرة عن إرادة واعية وقوية ومقبولة عند ألله تعالى ورسوله وأهل بيته (ع).
وخاصة أنّ خيار الحسين الشريف هذا أفصح عن ضرورة الزحف إلى ألله تعالى رغم قلة العدد وكثرة العدو وخذلان الناصر.
.. وهذه المفردات الثلاث الأخيرة في نص الحسين (ع)
وهي ( قلة العدد + كثرة العدو+ خذلان الناصر)
تعطي صورة بيّنة عن مدى وعي الحسين (ع) لما يجري من حوله وتكشف عن إلتفاته (ع) إلى أنّ المعادلة المادية بينه وبين أعداء ألله وأعداءه غير متساوية الأطراف .
ولكن الغاية مقدّسة وتستلزم التحرك السريع ولوعلى أسوء الأحتمالات .
. فالتحرك بقلة العدد وكثرة العدو وخذلان الناصر تبدو للناظر في أول وهلة بأنها حركة غير طبيعية وغير عقلانية
فمن العجيب أن يقوم الإمام الحسين (ع) بهذا العمل ؟
إلاّ أنّ القراءة الفاحصة والذاتية تُبيّن أن نظرَ الإمام الحسين(ع) كان مُرَكَزاً على أمر أعمق من الظاهر المحسوس للعيان وأدق هدفا.
فخروج الحسين (ع) بهذه الطريقة الغير طبيعية في حساب الماديين أراد أن يكون (ع) مصداقاً للشاهد المعصوم على الناس وموقفهم تجاهه.
قال تعالى ::
(( وكذلك جعلناكم اُمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )) /143/ البقرة.
وطبقاً للفهم القرآني الحق والمؤسس أنّ المعصوم هو الشاهد الألهي على الناس
ومن المعصومين الحسين (ع) فمن هنا كان الحسين (ع) هو نفس رسول ألله (ص)
وفق الحديث الصحيح والمشهور روائياً ::
(( حسينٌ مني وأنا من حُسين )) .
وفي هذا الحديثُ الشريف من لسان النبي الأكرم محمد (ص) يتلاحم الفهم والتأسيس معا قرآنيا ونبوياً لبيان منزلة الحسين (ع) ودوره الوجودي في هذه الحياة .
وحتى يكتمل الفهم الدلالي للحديث نُشير أولاً إلى ضرورة التيقن بصدوره عن النبي محمد (ص) وللأمانة أنّ نقل هذا الحديث ذكره المؤالف والمخالف روائيا.
وأنا هنا أنقله عن أحمد بن حنبل إمام الحنابلة والذي ذكره في كتابه ::
(فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)) الحديث رقم /397/ ص505/.
وإليك عزيزي القاريء نص الحديث كاملا أنه قال رسول ألله (ص).
(( حُسينٌ مني وأنا من حُسين أللّهُمّ أحبَّ من أحبَّ حُسينا حُسينٌ سبط من الأسباط ))
إنّ دلالة ( حسين مني) واضحة المعنى بإعتبار أنّ الحسين/ع/ هو سبط النبي محمد (ص) وإبن إبنته الزهراء (ع) المعصومة هذا بحسب الظاهر
أما تأويلا فقد يكون الرسول (ص) يقصد بضرورة وجود الحسين (ع) في واقع الأسلام وجودا مشروعا ونائبا عن شخص رسول ألله (ص) في هذه الحياة.
وأمّا مقطع (أنا من حُسين) فهذا مقطع عميق الدلالة والمفهوم والمصداق حقيقةً
ولسائل أن يسأل ما معنى ذلك ؟
وكيف يكون الخاتم محمد (ص) (من الحسين) ؟
وهنا قطعا لايقصد الرسول (ص) الأنا الشخصانية التناسخية لفارق النبوة الخاتمة عن الإمامة المفتوحة ربانيا
فنبوة محمد(ص) ختمت ماسبق وإمامة الأئمة الأثني عشر فاتحة لما أُستُقبِل.
ولكن وألله تعالى العالم بقصود المعصوم محمد (ص) النبي الخاتم ,بقوله ( أنا من حُسين)::
فقد يقصد بقوله هذا بقاء الأنا المحمدية الكلية القيمية والمنهجية في شخص الحسين (ع) والتي ستعود بالمجتمع من بعده (ص) إلى المنهج الحق والقويم .
وممكن أن يكون المقصود هو مساوقة ومعادلة شخص الإمام الحسين (ع) لمنهج
النبي محمد (ص) والذي سيبقى ممتداً بوجود الأئمة المعصومين (ع) من ذرية الحسين(ع).
وبعبارة أوضح وهو أنّ الأسلام كان محمدي الوجود والتأسيس وسيبقى حسيني البقاء والمنهج .
وإستنادا لهذا الأساس القيمي والشرعي إنطلق الإمام الحسين(ع) في مواجهته وحركته الأصلاحية التغيرية بحق برامزيته المحمدية وشاهديتة الأمامية كحجة على الناس أجمعين .
فكان (ع) بحق شاهدا معصوما ومناظراً في وقته لشاهدية النبي محمد (ص) على العالمين.
مرتضى علي الحلي /النجف الأشرف: