((وقضى الإمامُ محمدُ الجواد (عليه السلام) في مسك الختام شهيداً مسموما ))
=========================================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
إنّ المُتتبع بتحليل ووعي للنصوص الـتأريخية يجدُ أنّ الخليفتين العباسيَين المأمون والمعتصم كانا يُخططان وبحذر لإحتواء شخصية الإمام محمد الجواد/ع/ والتقليل من نشاطه إن لم يصل الأمر الى منعه الجبري من التحرك بحرية .
بإعتبار أنّ الإمام محمد الجواد/ع/ كان في وقته يُمثّل محور الإمامة المعصومة والحقة في سلسلة أهل البيت المعصومين/ع/.
والعباسيون يدركون ذلك تماما ولم يغب عن وعيهم أنّ أهل البيت /ع/ هم أئمة منصوبون من قبل الله تعالى.
ولكن:هم كانوا كما قال الله تعالى ::
((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ))النمل/14
ومن هنا نجد المأمون العباسي يستقدم الإمام محمد الجواد/ع/ من المدينة سنة 211/للهجرة ويقوم بتزويجه من ابنته أم الفضل .
ويدخل في نزاع مع أعمامه بني العباس بسبب ذلك التزويج .
في محاولة منه لإمتصاص زخم القوة والحركة والنشاط المُبَكّر الذي مارسه الجواد/ع/ وهوصغير السن كإمام معصوم وحجة إلهية على العباد أجمعين.
لكن الإمام محمد الجواد/ع/ كان يرفض البقاء في بغداد لكي يكون بعيدا عن حصار السلطة العباسية ومراقبتها له/ع/.
وفعلا تمكن /ع/ من العودة الى مدينة جده رسول الله/ص/.
وبعد موت المأمون ومجي المعتصم الى السلطة عمل هذا على إستدعاء الإمام الجواد/ع/ من المدينة الى بغداد مرة أخرى سنة 219.للهجرة
خوفا من إمامة الجواد/ع/ وتأثيراتها على الناس وهدايتهم .
ولأجل عزل الإمام/ع/ عن إكمال دوره العلمي والمعرفي والإجتماعي في الأمة.
وفعلا تم إستقدام الإمام الجواد/ع/ من المدينة الى بغداد ولم يبقَ /ع/ إلاّ مدة قصيرة حتى قُتِلَ /ع/ مسموماً .
وبعدما ادركت السلطة العباسية في زمن المعتصم عمق المقام العلمي والقيادي للأمام الجواد /ع /ومدى تأثيره في وجدان المسلمين عامة وشيعته خاصة
قررت قرارها الأخير في تصفية شخصية الإمام محمد الجواد (عليه السلام) جسديا
كما فعل أسلافهم بالأئمة المعصومين/ع/ من قبل كالإمام الصادق والكاظم والرضا(عليهم السلام أجمعين) .
وإليكم قصة إستشهاد الإمام محمد الجواد /ع/ مسموما:نصاً:
فعن زرقان:وهو صاحب ابن أبي داود القاضي وصديقه الحميم قال :
رجع ابن أبي داود القاضي ذات يوم من عند المعتصم وهو مُغتم ،
فقلت له : في ذلك
فقال : وددتُ اليوم أني قد مت منذ عشرين سنة
، قال : قلت له : ولم ذاك ؟
قال : لما كان من هذا الأسود ، أبو جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين ،
قال : قلت له : وكيف كان ذلك ؟
قال : إن سارقا أقر على نفسه بالسرقة ، وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحد عليه
فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه ، وقد أحضر محمد بن علي عليهما السلام ،
فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع ؟
قال : فقلتُ (أي ابن أبي داود القاضي فقيه الخليفة في وقته): من الكرسوع (وهو طرف الزند الذي يلي الخنصر الناتىء عند الرسغ)
قال المعتصم : وما الحجة في ذلك ؟
قال القاضي ا بابي داود : قلتُ : لأن اليد هي الأصابع والكف إلى الكرسوع ، لقول الله في التيمم : ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم )
واتفق معي في ذلك قوم .
وقال آخرون : بل يجب القطع من المرفق
قال المعتصم : وما الدليل على ذلك ؟
قالوا : لأن الله لما قال : ( وأيديكم إلى المرافق ) في الغسل(أي الوضوء) دل ذلك على أن حد اليد هو المرفق .
قال القاضي ابن ابي داود : فالتفتُ إلى محمد بن علي عليهما السلام
قال المعتصم : ما تقول في هذا يا أبا جعفر ؟
فقال الإمام الجواد/ع/: قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين (للتقية)
قال المعتصم : دعني مما تكلموا به ! أي شئ عندك ؟
قال الجواد/ع/: اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين
قال المعتصم: أقسمتُ عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه .
فقال الإمام الجواد/ع/: أما إذ أقسمت عليَّ بالله
: إني أقول أنهم أخطأوا فيه السّنة ،
فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف ،
قال المعتصم : وما الحجة في ذلك ؟
قال الإمام الجواد/ع/: قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
( السجود على سبعة أعضاء : الوجه واليدين والركبتين والرجلين ) ،
فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها ،
وقال الله تبارك وتعالى : ( وأن المساجد لله ) يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها :
( فلا تدعوا مع الله أحدا ) وما كان لله لم يقطع .
قال القاضي ابن داود: فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف .
وقال ابن أبي داود : قامت قيامتي وتمنيت أني لم أك حيا ،
قال زرقان : قال ابن أبي داود : صرتُ إلى المعتصم بعد ثلاثة (أيام) فقلت :
إن نصيحة أمير المؤمنين علي واجبة وأنا أكلمه بما أعلم أني أدخل به النار ،
قال المعتصم: وما هو ؟
قلتُ : إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين ، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك ، وقد حضر مجلسه أهل بيته وقواده ووزراؤه وكتابه ،
وقد تسامع الناس بذلك من من وراء بابه ، ثم يترك أقاويلهم كلهم ، لقول رجل(ويقصد الإمام محمد الجواد/ع/)
يقول شطر هذه الأمة بإمامته ، ويدعون أنه أولى منه بمقامه ، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء .
قال القاضي ابن ابي داود: فتغير لونه (المعتصم) وانتبه لما نبهته له ،
وقال : جزاك الله عن نصيحتك خيرا ،
قال : فأمر اليوم الرابع فلانا من كتاب وزرائه بأن يدعوه(أي يدعو الجواد/ع/) إلى منزله ، فدعاه فأبى أن يجيبه
وقال الجواد/ع/ : قد علمتَ أني لا أحضر مجالسكم ،
فقال : إني إنما أدعوك إلى الطعام وأحب أن تطأ ثيابي ، وتدخل منزلي فأتبرك بذلك ، فقد أحب فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك ، فصار إليه .
فلما طعم منها أحس السم فدعا بدابته فسأله رب المنزل أن يقيم
، قال : خروجي من دارك خير لك ، فلم يزل يومه ذلك وليله في حلقه حتى قبض عليه السلام
وفي رواية اخرى:
في إثبات الوصية /كتاب /للمسعودي قال :
لما انصرف أبو جعفر عليه السلام إلى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبران ويعملان الحيلة في قتله عليه السلام
فقال جعفربن المأمون لأخته أم الفضل(زوجة الجواد/ع/)
وكانت لامه وأبيه - في ذلك ، لأنه وقف على انحرافها عنه وغيرتها عليه لتفضيله(أي تفضيل الإمام الجواد لزوجته) أم أبي الحسن ابنه(ابن الإمام الجواد/ع/ وهو علي الهادي/ع/)
عليها مع شدة محبتها له ، ولأنها لم ترزق منه ولدا ،
فأجابت(أم الفضل) أخاها جعفرا وجعلوا سما في شئ من عنب رازقي ، وكان يعجبه العنب الرازقي ،
فلما أكل/ع/ منه ندمت وجعلت تبكي ،
فقال لها : ما بكاؤك ؟
والله ليضربنك بفقر لا ينجي
وبلاء لا ينستر فبليت بعلّة في أغمض المواضع في جوارحها صار ناسورا ينتقض عليها في وقت
فأنفقت مالها وجميع ملكها على العلة ، حتى احتاجت إلى رفد الناس ، وتردى جعفر بن المأمون في بئر فاخرج ميتا ، وكان سكرانا .
إنظر/الأنوار البهية/الشيخ عباس القمي/قد/ص269/269/:
وبذلك يكون المعتصم العباسي قد اقترف الجريمة بحق الجواد/ ع/ عن طريق دس السم اليه في أواخرذي القعدة / من سنة / 220 / للهجرة /
والامام الجواد /ع/ في عمر الشباب (25 /سنة).
ودُفِن ع في مقابر قريش في بغداد بجنب جده الكاظم/ ع /.
فسلام على الإمام محمد الجواد في العالمين
يوم ولد ويوم جاهد في الله تعالى حق جهاده فقضى شهيدا مسموما.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي /النجف الأشرف::