(( الإمام ُعليٌ (عليه السلام) هو إنسانٌ إجتماعيٌ وربّانيٌُّ واقعاً ))
======================================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين.
إنّ الإمام علي /ع/ لم يحتجب لحظة ما خلف الذات أبدا بل إجتاز الذات ودكّها دكّاً في ذات ألله تعالى والمجتمع
لإنّ الإمام علي /ع/ لم يؤمن : ( بظاهرة الاحتجاب عن الرعية )
كونها مفردة سلبية أجنبية عن واقع الاسلام
فلم يتخفى /ع/ خلف جدران السلطة بل حطّمها وجعلها جسرا للعدالة والمساواة بين الناس
وهذا هو ما عهد به في كتابه الى مالك الأشتر حينما ولاه مصرا:
فقال/ع/:
((وأما بعد فلا تطوِّلَنَّ احتجابك عن رعيتك ، فإنّ احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق ، وقلة علم بالأمور .
والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه ، فيصغر عندهم الكبير ، ويعظم الصغير ، ويقبح الحسن ويحسن القبيح
ويشاب الحق الحق بالباطل ، وإنما الوالي بشرٌ لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور
وليست على الحق سمات (أي علامات حتى يُعرف بها) ))
إنظر/نهج البلاغة/ج3/ص104.
و ظاهرة الإحتجاب عن الرعية(الشعب أو المجتمع) إنما تحصل بسبب النكوص النفسي في بناء الشخصية البشرية وضيق الصدر وبسبب الجهل بحال المجتمع البشري والذي هو بطبعه يميل الى الإختلاط والتمازج المدني والإنساني.
فمن هنا بيّنَ الإمام علي /ع/ بأنّ سبب ظاهرة الإحتجاب عن الناس هو(شعبة من الضيق) الضيق النفسي والذهني وقلة المعرفة والدراية بأمور الناس.
ثم إنّ هذا هذا الإحتجاب المرفوض في ثقافة وفكر ومنهج علي/ع/ هو لم يقتصر على شخص الحاكم فحسب
لا بل يمتد الى كل راعٍ مسؤول عن رعيته بحكم الإطلاق القيمي الذي أسس له الإمام علي/ع/ في هذا النص وإن كان المقصود به هو الحاكم ذاته ولكن الخطاب يمتد الى الآخرين بإيّاك أعني وأسمعي يا جارة.
وهذا ما أكده رسول الله محمد/ص/:
((إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته
فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته
والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته
والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم
وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ))
إنظر/صحيح البخاري/ج8/ص104.
فالمطلوب من الحاكم في نظر علي/ع/ أن يكون مُترصداً للوضع العام من حوله في سائر صوره البشرية العلمية والمعرفية والإجتماعية والأخلاقية والفكرية وغيرها.
لأنّ التغيُّب المُتعَمّد أو الغير متعمّد سيجعل الناس في حال جفاء وإبتعاد عمن هو مسؤول عنهم
فتُقلَب الموازين عندهم لأنهم يفتقرون الى العلم والمعرفة والإرشاد في هذه الصورة صورة إحتجاب الحاكم أو المسؤول عنهم.
أو حتى إحتجاب العالم أو الفقيه في هذا المجال .
وهذا المعنى هو ما قصده الإمام علي/ع/ في قوله :
(والاحتجاب منهم(أي عن الرعية أو الشعب أو المجتمع) يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه(أي إنّ إحتجاب الحاكم أو العالم عنهم يحرمهم علم ومعرفة ما يجهلونه)
فيصغر عندهم الكبير ، ويعظم الصغير ، ويقبح الحسن ويحسن القبيح
ويُشابُ الحق بالباطل (أي يختلط الحق بالباطل إختلاطا يصعب معه التمييز)
فإذن إنّ شيوع ظاهرة إحتجاب الحاكم أو المسؤول أو العالم الفقيه تؤدي بالنتيجة الى إنتكاسة واقعية مجتمعية في منظومة القيم الحقة .
وهذا هوما ثبت فعلا عبر التجربة البشرية تأريخيا في هذه الصورة (صورة شيوع إحتجاب الحكام أو العلماء الفقهاء عن رعيتهم).
وحينها تقع الفتن والأزمات الأخلاقية وحتى السياسية والدينية فيُحوّل القبيح الى حسن والحسن الى قبيح ويختلط الحق بالباطل.
ولذا حذّرَ الإمام علي/ع/ في نصوصه الشريفة من العاقبة السيئة التي تحصل بفعل إهمال وتقصير وترك المسؤول أو الحاكم أو العالم الفقيه لوظيفته التي هو مَعنيٌ بها شرعا .
فقال/ع/::
((إنما بدءُ وقوع الفتن أهواء تتبع .
كتاب الله وأحكام تُبتَدع .
يخالف فيها كتاب الله .
(وهذان الأمران إنما يتأتيان نتيجة حصول الفراغ في عملية التصدي للمهام الشرعية من قبل الحاكم أو العالم الفقيه وشيوع ظاهرة الإحتجاب)
ويتولى عليها رجالٌ رجالاً على غير دين الله .(أي في إدارة الفتن)
فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يخفَ على المرتادين .(أي الطالبين للحقيقة والحق)
ولو أن الحق خلص من لبس الباطل لإنقطعت عنه ألسن المعاندين
ولكن يؤخذ من هذا ضغث(أي قبضة من حشيش رطب ويابس) ومن هذا ضغث فيمزجان ،
فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى ))
إنظر/نهج البلاغة/ج1/ص100.
إذن فالمتعيِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّن في وظيفة الحاكم أو العالم الفقيه هو الإنفتاح والإنشراح على المجتمع في السبل المشروعة والتي تضمن للجميع إستشعارهم بعناية واهتمام الحاكم أو الفقيه بهم فعلا.
وهذا هو ما أكّده /ع/ في عهده الى مالك الأشتر حينما أرسله الى مصر:
((وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم . ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم ، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق))
إنظر نهج البلاغة/ج3/ص84.
وهنا يتركُ عليٌ (عليه السلام) بصماته الراقية في علم وفن دراسات السايكولوجيا والباراسايكولوجيا ( علم النفس وعلم ما وراء النفس)
حيثُ يتحدثُ /ع/ عن أهمية توافر الإستقامة النفسية في شخصية الحاكم تجاه شعبه ومحكوميه وترجمة هذا البعد النفسي في هوية الحاكم ميدانيا بحيث يلمسه الناس واقعا كما صنعه هو /ع/ مع مجتمعه في وقته.
ويُبيّن /ع/ ويؤكّد على أنّ العلاقة بين الحاكم وشعبه ليست هي منحصرة في رابطة الدين لا بل هي إنسانية في واقعيتها وحقيقتها فعلاً.
فالآخر في هذه الحياة هو إما مسلم مثلك أو إنسان نظيرك في بشريته.
فلذا المسلم وغير المسلم له حقوقه وعليه واجباته في دولة الأسلام الحقة.
وهذا الذي تقدّم هو نبذة وجيزة جداً في إنسانية وإجتماعية الإمام علي/ع/:
أما في مجال ربّانيّته /ع/:
فحين ننظرُ إلى حياة الإمام علي /ع / نجدُه عابدا من الدرجه الاولى ومن يقوى على عبادته /ع/ حتى أنه صار مثلا مقدسا في العباده.
ولكن لم تكن عبادته /ع/ مجرد ظواهر بل كانت زاخره بالاخلاص وحضور القلب والصدق وهذه هي العبادة الحيّة والفعالة في الذات والمجتمع.
((ومن خبر ضرار بن ضمرة الضبابي عند دخوله على معاوية ومسألته له عن أمير المؤمنين علي/ع/:
قال:ضرار : فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله ، وهو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم (أي يتحرك حركة الملدوغ من الحيّة)
ويبكي بكاء الحزين
ويقول/ع/ : يا دنيا يا دنيا إليك عني ، أبي تعرضتِ ، أم إلي تشوقتِ : لا حان حينك هيهات غري غيري .
لا حاجة لي فيك . قد طلقتكِ ثلاثا لا رجعة فيها .
فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير . آه من قلة الزاد ، وطول الطريق ، وبعد السفر ، وعظيم المورد ))
إنظر/نهج البلاغة/ج4/ص16.
هذا ذرة من عبادته /ع/ ولكن هل كان عليٌ /ع/ رجل محراب فحسب؟
كلا وألف كلا:
فعليٌ /ع/ نعم هوإنسان عابد ولكنه كان اكثر الناس إندكاكا في المجتمع في جميع الجوانب
فكان /ع/ أعرف الناس بأحوال اليتامى والفقراء والمساكين وأصحاب المظالم
وهو القائل /ع/ في وصيته الأخيرة في يوم جُرحه الأليم:
((والله الله في الأيتام فلا تغبوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم .
والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم ))
إنظر/نهج البلاغة/ج3/ص77.
ومع أنه /ع/ كان خليفة كان في النهار يطوف بين الناس ويتفقد أحوالهم
وحينما كان /ع/ يمر بالتجار كان يرفع صوته ويقول (الفقه ثم المتجر ) :
((عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعتُ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقول على المنبر :
يا معشر التجار الفقه ثم المتجر ، الفقه ثم المتجر ، الفقه ثم المتجر
والله للربا في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفا ، شوبوا أيمانكم بالصدق
التاجر فاجر والفاجر في النار إلا من أخذ الحق وأعطى الحق ))
/إنظر/الكافي/الكليني/ج5/ص150.
وإذارآى/ع/ شخصاً
جاء إلى عمله متأخرا كان يحثه على العجله ويحث الناس في أن يُبكّروا بالذهاب إلى العمل والكد والكسب الذي فيه رزقهم وعزهم وكرامتهم
فعندما يكون للانسان مصدرللعيش ويدبر حياته بنفسه يغدو عزيزاوكريما أي (مسلم حقيقي)
وحينما كان /ع/ يجلس في سند القضاء كان قاضيا عادلا وعالما وفقيها لايحيد عن الحق قيد شعرة:
في زمن رسول الله محمد/ص/ وبعده في زمن الخلفاء الثلاثة وفي زمن حكومته /ع/:
وقد شهد له بذلك رسول الله /ص/:
((والخبر المأثور عن رسول الله بقوله/ص/ : (أقضاكم علي)) مشهور
قد رواه الخاص والعام ذلك مما لم يختلف فيه
هذا في أيام حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ومن بعده واعتراف الصحابة له:
بأنه أقضاهم وأعلمهم ، وأنهم كانوا في ذلك محتاجين إليه يسألونه ، ولم يسأل هو أحدا منهم ولا من غيرهم
وكان يضرب بيده على صدره ، ويقول /ع/:
سلوني قبل أن تفقدوني ، إن هاهنا لعلمًا جمّا(غزيرا) لو أجد له حملة
ويضرب بيده على بطنه ويقول /ع/:
أنه لعلم كله
، ويقول/ع/ : سلوني قبل أن تفقدني ، فلن تجدوا أعلم بما بين اللوحين مني ،
ويقول/ع/ : ما دخل عيني غمض مذ صحبتُ رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أن قبض ليلة من الليالي حتى علمتُ ما أُنزلَ عليه في ذلك اليوم ، وفيما أَنزل)) .
إنظر /شرح الأخبار/القاضي النعمان المغربي/ج1/ص91.
هذاهوعلي /ع/ قرآنٌ حقيقيٌ وإسلامٌ واقعي بروحه وشخصه
الشريف:
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي / النجف الأشرف: