ليس من الخفي على أحد اليوم أنّ الشباب هو العنصر الأساسي الذي يتشكل منه المجتمع, وأنّ المعاهد العلمية المتنوعة من الجامعات والحوزات هي مصدر المفاهيم العامة في المجتمعات, ومن الواضح أنّه إذا كان هذا المنبع ملوثاً, كانت المفاهيم التي يصدرها إلى المجتمع مفاهيم مغلوطة, أو حتى مسمومة.
وإذا كان الأمر كذلك, فأيّ أجيال سوف تتربى على هذه المفاهيم؟! ولا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كل مقدرات الدول سوف توضع بأيدي أولئك الذين يتخرجون من المعاهد التعليمية المتنوعة. وهؤلاء حكماً سوف يمسكون بالمفاصل الإدارية في المجتمع.. فإذا قدر لهؤلاء أن يعيشوا الانحراف في المفاهيم, فإن المنظومة الفكرية للمجتمع بأكملها سوف تتعرض للتحريف. وتبقى مسؤولية المجتمع بمختلف شرائحه وطبقاته, هي مقاومة هذا الانحراف, أولاً بمنع مثل هؤلاء من الوصول إلى مواقع التأثير, وثانياً في معالجة حالات الانحراف إذا ما وصلوا إلى بعض المواقع.
لا بدّ هنا من الإشارة إلى الحالات التي تكمن فيها العلل والأمراض, كما لا بدّ أيضاً من التفريق بين المعاهد العلمية الإسلامية والجامعات والمدارس, ذلك لأن الأسلوب المتبع في محاربة مفاهيم الإسلام في الحوزة والمعاهد الإسلامية يختلف عنه في المدارس والجامعات, إلا أن الجامع المشترك بين الأمرين, هو أن الارتباط بالمستكبرين هو الذي يقف وراء هذا وذاك.
فالحرب التي يشنها الاستكبار على الحوزة تستهدف إزاحة الروحانيين, وجعل النتاج الحوزوي بيد مجموعة من العلمانيين الذين لا يؤمنون بالدين كمحرك للحياة.
وقد اعتمد الاستكبار للوصول إلى هذا أسلوبين:
1- أسلوب القتل ومختلف أوجه العنف التي كانت تستهدف التخلّص ممن يشكلون فعلاً حصون الإسلام المنيعة.. وتخويف الباقين وجعل المجتمع يرتعد خوفاً من الوقوف أمام الاستكبار ورجاله.
وقد كان لهذا الأسلوب أثر سلبي, لأن هؤلاء الذين أرادوا التخلص منهم, كانوا يمثلون ضمير المجتمع بكل معنى الكلمة, وليس وجودهم منفصلاً عن وجود كرامة المجتمع وشرفه وعزته, لذلك لم يكن له تأثير في تغيير البنية الفكرية للحوزة.
2- أسلوب الدعاية المضادة للدين, التي تثير جواً من عدم الانسجام بين الروحانيين وبقية طبقات المجتمع.
وقد مرّ معنا في مقالة سابقة أن كثيراً من الأبواق التي كانت تنطق باسم هؤلاء, كانت تلصق بالإسلام قضايا لا علاقة له بها, لا من قريب ولا من بعيد.. وتهدف إلى الإساءة للدين وأهله, كما هي الحال في الكلام عن وسائل السفر وعن النظام الإداري, وغير ذلك مما يعتبر من نتاج العصر الحديث, وأن الإسلام يحرمها لأنه يريد الحفاظ على ما هو قديم.. إلى غير ذلك من التهم الظالمة للإسلام.
وأما الحرب التي تستهدف الجامعة, فالهدف منها إبقاء أساتذة الجامعة والجامعيين بعيدين عن مفاهيم الإسلام
وإذا كانت الحرب على الحوزة قد تنتج انزواء الروحانيين, فإن هذه الحرب سوف تأتي بالبدائل التي تؤثر في المجتمع.. ولن تكون هذه البدائل بعيدة عن الفكر الذي تنتجه إدراة الاستكبار العالمي. وبهذا تستطيع دول الغرب أن تستأثر بالخيرات الموجودة في بلادنا, من دون أن تستعدي في العلن أحداً في الداخل , لأن العقلية التابعة للغرب هي التي يراد لها أن تحكم في السياسية والاجتماع والإدارةة.
إن الأخطار التي تحدق بالحوزة والجامعة أخطار كبيرة, وإذا كان هناك مخطط للإيقاع بينهما تحدثنا عنه في ما سبق, فإن هناك أخطاراً أخرى تستهدف كلاً منهما على حدة. وإذا كنا قد تعرفنا إلى هذه الأخطار, فكيف السبيل إلى دفعها؟.
إن للحوزة العلمية مقاماً خاصاً يجب أن يحافظ عليه, من خلال بقاء الحوزة تعيش الاستقلال بكل معانيه, لترفد الحالة العلمية في المجتمع بشتى أنواع المعارف. وبذلك تكون عاملاً مساعداً للفرد والمجتمع ليسير نحو الله تعالى. وأما الجامعات, فينبغي القيام ببنائها بناء إسلامياً مركزاً, ويجب أن تمد يد المساعدة إلى هؤلاء ليقوموا بدورهم في عملية البناء.. وإذا كان هناك من نقاط ضعف قد نجدها في عملية البناء, فيجب أن لا نقف طويلاً عند هذه النقاط, كما يحصل لدى الكثيرين ممن يوجهون الانتقاد إلى الثورة الإسلامية المظفرة, ذلك لأن تغيير المناهج وجعلها خاضعة للقيم الإسلامية, أو بالحد الأدنى غير معارضة للقيم الإسلامية, أمر صعب يحتاج إلى وقت طويل وإلى جهود كبيرة. وكذلك الحال بالنسبة إلى مختلف المدارس والمراكز التعليمية.
إننا إذا أردنا أن نحصل على النتائج الكبيرة, فإن هذا له ثمنه. وليس هناك نتيجة أكبر من صيانة المجتمعات من خلال صيانة الجامعات والمدارس. وهذا ما يحتاج إلى بذل الجهود المضاعفة, وليس إلى كثرة الانتقاد والتركيز على الثغرات الموجودة, لأن هذا سوف يحبط جهود أولئك العاملين, أو في الحد الأدنى سوف يعيق عملهم.
وإذا كان الطلاب هم محط أنظار الغرب المستكبر, وهم هدف هجماته الشرسة, فليسوا وحدهم معنيين بالدفاع عن الأمة بكاملها.. فإن أهالي هؤلاء الطلاب هم في وسط المعركة. وكم نرى من الأهالي الذين لا يعنيهم ماذا يفعل أولادهم في الجامعات أو المدارس أو مختلف المراكز التعليمية! هؤلاء يعتنون فقط بأن يحصل الأولاد على درجة علمية جيدة. مع أن القاعدة التي ينبغي أن تحكم الجميع, هي أن القيم أعلى وأرفع درجة من الرتبة العلمية.. وإذا كان الأهالي يعيشون مع الأبناء حرارة هذه المسألة, فإنهم يستطيعون بالتالي أن يساهموا في الحفاظ على الجامعة والمدرسة والمعهد, لتبقى هذه المراكز محطات تضخ الحياة إلى مختلف أرجاء المجتمع, وبالتالي تكون قلاعاً لمواجهة المستكبرين من جهة, ولتحصين المجتمع من جهة أخرى.