من المراحل التي يجب على طالب العلم أن يقطعها في رحلته العلمية بغية الوصول إلى الاجتهاد المطلق مرحلة دراسة علوم القرآن .
و الناظر إلى هذا العلم يرى أن هذا العلم قد اختلط فيه ما هو علم بما هو تاريخ (1) أو غيره مما يعني أن هذا العلم إلى حد الآن لم يلتفت إليه كعلم يقع مقدمة من مقدمات الاجتهاد سواء في المسائل العقائدية أم في المسائل الفقهية .
كما يرى الناظر إلى هذا العلم عدم ترتيب مسائله وتبويبها حسب الجامع بين كل مجموعة من مسائله .
على سبيل المثال تُبحث بعض أصول التفسير في باب يوضع بين أبواب هذا العلم بصورة عشوائية حسب ما يرتئيه الباحث في هذا العلم مما يكشف عن عدم اضطلاعه بما ينبغي أن تدرج فيه المسألة من باب .
فعدم الاضطلاع هذا انعكس على هذا العلم فلم تصنف مسائله وتبوّب حسب الغرض الذي من أجله يتم البحث عنها كما أنه لم يوضع لهذا العلم تعريف , و لم يحدد له موضوع يكون جامعا لموضوعات مسائله , و لم يحدد الغرض العام لهذا العلم , بينما هو علم يتوقف عليه الإجتهاد بالمعنى الأخص , فمن يروم الإجتهاد من طلاب العلم من الضروري له أن يكوّن رؤى حول ثبوت القرآن وحجيّته (2) و حجية ظواهره إلى غير ذلك مما لا يستغني عنه الفقيه والمفسّر بل لابد أن يكوِّن رؤى حول أمور عقدية لا يجد طالب العلم بل المكلف مطلقا دليلا عليها إلا القرآن فمسائل علم الكلام التي لا تنحى منحىً فلسفيا هي في الأصل من القرآن .
و بالتأمل فيما أدرج من المسائل في هذا العلم نجدها تنقسم إلى الأقسام التالية :
1- مسائل لها طابع كلامي كمسألة ظاهرة الوحي إلى الأنبياء و مسألة إعجاز القرآن و النظريات التي قيلت في ذلك .
2- مسائل ينتج البحث فيها أصولا للتفسير بمعناه الأعم , أي سواء كان التفسير استنباطا لحكم شرعي , أم إستخراجا لمفهوم أو حكم عقدي كالمفاهيم التي عند الله لا نعلم حقيقتها كالعرش و الصراط و الملائكة .
3- بحوث تاريخية كالبحث عن أول من جمع القرآن و مراحل تدوينه .. إلخ .
4- معطيات إحصائية كعدد سوره و عدد آياته و عدد حروفه .
و الذي يهم الفقيه من الأقسام هو القسم الأول و الثاني .
و مصب الاهتمام هذا لا يعني إهمال بقية الأقسام بل المبتغى هو تخصيص بحث مستقل لها يكون اطلاع طالب العلم عليه من الأمور المستحسنة وليس الضرورية لأنه لا يدخل في عملية الاستنباط الذي يكرس طالب العلم جهده من أجل الوصول إلى درجة التأهيل التام لها .
وعلى أساس ما ذكرت من تباين طبائع المسائل التي يبحث عنها في هذا العلم نشأت إشكالية عند الشيخ هادي معرفة (رض) حول ما ذكره السيد الخوئي (رض) حينما تعرّض الأخير لمسألة كيفية جمع القرآن , حيث إنّ القائلين بتحريف القرآن جعلوا من جملة أدلتهم على تحريفه كيفية جمعه التي تضمنتها أحاديث جمع القرآن , فكيفية الجمع هذه تقتضي بحسب العادة تحريف القرآن فأجاب السيد (رض) عن هذا الاستدلال بأن هذه الروايات لا يصح الاستناد إليها لتهافتها و معارضتها للكتاب المجيد و لحكم العقل , فرَّد الشيخ هادي (رض) هذا الجواب بأنّ مسألة كيفية جمع القرآن ليست مسألة عقلانية قابلة للبحث و الجدل فيها و عليه فيجب مراجعة النصوص التاريخية المستندة من غير أن يكون هناك مجال لتجوال الفكر فيها على أية حال .. إلخ .
فنلاحظ أن ردَّ الشيخ هادي معرفة (رض) هذا جاء مبنيا ً على السماح بدخول هذه المسائل في علوم القرآن ومعالجتها حسب منهج البحث التاريخي .
أما إذا نقحنا هذا العلم فحددنا موضوعه بطبيعة مسائله ما يُبحث عنه فيها فإنّ تناول هذه المسألة بالبحث سيأخذ طابعاً آخر غير طابع منهج البحث التاريخي .
لذا يكون الجواب عن رد الشيخ هادي (رض) إن المسألة وإن كانت مسألة تاريخية إلا أنّ لها جنبة علمية يترتب على البحث عنها إما القول بصيانة القرآن عن التحريف أو القول بوقوع التحريف فيه وهذا يستوجب النظر إليها و البحث عنها وفق المنهج العلمي الملائم , فعدم الالتفات إلى هذه القضية قد يُشغل طالب العلم بمسائل لا تقع في مدرج اهتمامه الذي غايته تحصيل الاجتهاد في الكتاب المجيد الذي هو المصدر الأول لأخذ الأحكام العقدية والتشريع .
ـــــــــــــــــــ1) و إن كان هذا التاريخ يتعلق بتاريخ القرآن .2) فكيف يقال أن القرآن مصدر من مصادر الشريعة و ليس لطالب العلم رؤية حول ثبوته و حجيته و مسائل أخرى مشابهة .
الكاتب: الشيخ عبدالأمير الخرس