التوازن والاعتدال في منهج اهل البيت التربوي
الكاتب :سعيد العذاري نقلا من منتدى الطريق الجديد
الموضوع جزء من كتابي (( المنهج التربوي عند اهل البيت عليهم السلام))
طبعه مركز الرسالة قبل سنة 2000 تحت عنوان ملامح المنهج التربوي عند اهل البيت وباسمي المستعار شهاب الدين وطبع من قبل مجمع اهل البيت سنة 2005 ومن قبل دار الامين البيروتية سنة 2006
واخترت قسما منه لنشره في موقعكم تعميما للفائدة
يمتاز المنهج التربوي عند أهل البيت(عليهم السلام) بالتوازن والاعتدال في جميع جوانبه المرتبطة بالإنسان ; فيضع لكل شيء حدوده وقيوده ، فلا يطغى جانب على آخر ولا ناحية على اُخرى ، فهو يراعي حاجات الجسد وحاجات الروح في آن واحد ، ويراعي حاجات الإنسان بشطريه: الذكر والأنثى ، ويراعي حاجات الفرد والمجتمع فلا تطغى حاجة على اُخرى ولا جانب على آخر ولا حق على آخر.
والمنهج التربوي الموجه للإنسان والمجتمع نحو الآخرة يوازن بين طلب الدنيا وطلب الآخرة ، فلا يمنع من التمتع بالطيبات الدنيوية كالمأكل والمشرب والملبس والمسكن والاشباع العاطفي والجنسي ; لأنّ الحرمان منها يولد القلق والاضطراب ، وإنما يضع القيود على تلك الطيبات ، ويوجه الإنسان في نفس الوقت إلى الاعداد للدار الآخرة بالالتزام بالأوامر والنواهي الإلهية ، فلا يطغى طلب الدنيا على طلب الآخرة بالانغماس بالطيبات والملذات دون قيودأو حدود، ولايطغى طلب الآخرة على طلب الدنيا بحرمان الإنسان من متعها المشروعة.
قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام): « اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله ، وساعة لأمر المعاش ، وساعة لمعاشرة الاخوان والثقات الذين يعرّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن ، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرّم ، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات »([1]).
وقال العلاء بن زياد لأمير المؤمنين(عليه السلام): أشكو إليك أخي عاصم ، قال: وما له؟ قال: لبس العباءة وتخلى عن الدنيا ، قال: عَلَيّ به ، فلما جاء قال(عليه السلام): « يا عَدِيَّ نفسه! لقد استهام بك الخبيث! أما رحمت أهلك وولدك! أترى الله أحل لك الطيبات ، وهو يكره أن تأخذها! أنت أهون على الله من ذلك ».
قال: يا أمير المؤمنين ، هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك!
قال: « ويحك ، إنّي لست كأنت ، إنّ الله فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس ، كيلا يتبيّغ بالفقير فقره »([2]).
والدعوة إلى التوازن والاعتدال شاملة لجميع المرافق والميادين ، ومنها الميدان النفسي ، فالتوازن مطلوب في مختلف الظروف والأحوال المحيطة بالإنسان.
في وصية أمير المؤمنين(عليه السلام) للإمام الحسين(عليه السلام) قال: « يا بنيّ أوصيك بتقوى الله في الغنى والفقر ، وكلمة الحقّ في الرضى والغضب ، والقصد في الغنى والفقر ، وبالعدل على الصديق والعدو ، وبالعمل في النشاط والكسل ، والرضى عن الله في الشدّة والرخاء »([3]).
والمنهج التربوي متوازن في نظرته للعلاقة العملية بين الإنسان وخالقه ، فلا يدعو إلى ترك العمل توكلاً على الله ، ولا الانغماس بالعمل بلا توكّل ، والتوكل يمنح الإنسان طاقة وقوّة حيوية تجعله مطمئناً سواء تحقّق ما أراده من عمله أم لم يتحقّق ، ومعوقات انجاز العمل لا تسلبه الاطمئنان وهو متوكّل على الله.
ويدعو المنهج التربوي إلى الإيمان المتوازن ابتداءً بأصل الإيمان ; حيث التوازن بين إيمان أصحاب الخرافة الذين يسرفون في الاعتقاد ويؤمنون بكل شيء ويصدقونه وإن كان خارجاً عن أسس الإيمان ، وبين الذين ينكرون كل ما وراء الحسّ وما وراء الطبيعة ، والتربية على الإيمان الواقعي قائمة على أساس العقل والبرهان ، وعلى النصوص المتواترة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أهل البيت(عليهم السلام)ليستجيب لها الإنسان عن قناعة وقبول دون إكراه أو اجبار أو تزوير للحقائق ، وكذا الحال في الإيمان بالأنبياء ، فإنّ المنهج التربوي يدعو إلى التأسي
والاقتداء بهم ، فينفي عنهم صفة الألوهية ، وينفي عنهم الانحراف الذي تدّعيه بعض الديانات ، ويوجه الإنسان إلى الإيمان الواقعي بهم.
ويوازن المنهج التربوي بين التكليف والقدرة ، فلا يكلّف الإنسان فوق طاقته البدنية والروحية ، ويتدرج في أسس التربية حسب العمر الزمني والعقلي ، فلا يأمر باسلوب شاق ولا أمر شاق ، وهذا التدرج يولد في الإنسان أُنساً وشوقاً لأداء التكليف ، فيسعى لأدائه والسير على أساسه دون ضجر أو كلل أو ملل.
ويوازن المنهج التربوي بين مجالات المسؤولية ; ويجعلها موزعة على الجميع ، فالفرد مسؤول عن نفسه وعن غيره ، والمجتمع مسؤول عن نفسه وعن أفراده ، فهنالك مسؤولية فردية ، وهنالك مسؤولية اجتماعية ، والمسؤولية موزعة فالأب مسؤول عن أسرته والأم كذلك ، والكبير مسؤول عن الصغير ، والمدرسة والتجمعات الاجتماعية والعلماء والدولة مسؤولة عن الأفراد وعن المجتمع ، وتكون المسؤولية قائمة على أساس تقسيم الحقوق والواجبات ، فللفرد حقوقه وواجباته ، وللأسرة حقوقها وواجباتها ، وللمجتمع حقوقه وواجباته ، فلا يطغى حق على حق ولا واجب على واجب ، ولا حق على واجب ، ولا واجب على حق.
ويوازن المنهج التربوي بين الغاية والوسيلة ، فلا يبيح للإنسان استخدام الوسيلة الضعيفة من أجل غاية سامية وشريفة ، فيحرم الكذب على الغير وإن كان إرضاءً لهم أو يحقّق له أو لهم بعض المصالح ، ويحرّم الخداع والتضليل وإن أدّى إلى علاج بعض الأزمات النفسية والروحية.
ويوازن المنهج التربوي في أساليب ووسائل التربية ، حيث يبتدأ بالدعوة
لاتفاق الوالدين على تطبيق القواعد الكلية للمنهج التربوي على مصاديقها بأسلوب واحد لا اختلاف فيه ، سواء في العلاقات القائمة بينهما أو علاقاتهما مع الأطفال ، أو في مفردات الأسلوب ، ويوازن بين اللين والشدة في التعامل فلا افراط ولا تفريط ، فلا يحبّذ اللين الدائم ولا الشدة الدائمة ، ففي الوقت الذي يدعو إلى الاحسان إلى الطفل وتكريمه وإشعاره بذاته ، يدعو أيضاً إلى استخدام الشدّة في مواقعها لاشعار الطفل باحترام القوانين الموضوعة ، والتمييز بين حقوقه وحقوق الآخرين ، وفي الوقت الذي يدعو فيه إلى منح الطفل الحرية في اختيار طريقة اللعب مثلاً ، يدعو للتدخل في منعه من بعض الألعاب المضرّة به وبغيره ، كما يؤكد المنهج التربوي على التوازن في التعامل مع الأطفال ، والاعتدال في إظهار المحبة لهم ، والتوازن في النظرة العاطفية إلى البنين والبنات.
([1]) تحف العقول ،صفحة 307 .
([2]) نهج البلاغة ،صفحة324 .
([3]) تحف العقول ،صفحة 58 . __________________
الكاتب :سعيد العذاري نقلا من منتدى الطريق الجديد
الموضوع جزء من كتابي (( المنهج التربوي عند اهل البيت عليهم السلام))
طبعه مركز الرسالة قبل سنة 2000 تحت عنوان ملامح المنهج التربوي عند اهل البيت وباسمي المستعار شهاب الدين وطبع من قبل مجمع اهل البيت سنة 2005 ومن قبل دار الامين البيروتية سنة 2006
واخترت قسما منه لنشره في موقعكم تعميما للفائدة
يمتاز المنهج التربوي عند أهل البيت(عليهم السلام) بالتوازن والاعتدال في جميع جوانبه المرتبطة بالإنسان ; فيضع لكل شيء حدوده وقيوده ، فلا يطغى جانب على آخر ولا ناحية على اُخرى ، فهو يراعي حاجات الجسد وحاجات الروح في آن واحد ، ويراعي حاجات الإنسان بشطريه: الذكر والأنثى ، ويراعي حاجات الفرد والمجتمع فلا تطغى حاجة على اُخرى ولا جانب على آخر ولا حق على آخر.
والمنهج التربوي الموجه للإنسان والمجتمع نحو الآخرة يوازن بين طلب الدنيا وطلب الآخرة ، فلا يمنع من التمتع بالطيبات الدنيوية كالمأكل والمشرب والملبس والمسكن والاشباع العاطفي والجنسي ; لأنّ الحرمان منها يولد القلق والاضطراب ، وإنما يضع القيود على تلك الطيبات ، ويوجه الإنسان في نفس الوقت إلى الاعداد للدار الآخرة بالالتزام بالأوامر والنواهي الإلهية ، فلا يطغى طلب الدنيا على طلب الآخرة بالانغماس بالطيبات والملذات دون قيودأو حدود، ولايطغى طلب الآخرة على طلب الدنيا بحرمان الإنسان من متعها المشروعة.
قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام): « اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله ، وساعة لأمر المعاش ، وساعة لمعاشرة الاخوان والثقات الذين يعرّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن ، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرّم ، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات »([1]).
وقال العلاء بن زياد لأمير المؤمنين(عليه السلام): أشكو إليك أخي عاصم ، قال: وما له؟ قال: لبس العباءة وتخلى عن الدنيا ، قال: عَلَيّ به ، فلما جاء قال(عليه السلام): « يا عَدِيَّ نفسه! لقد استهام بك الخبيث! أما رحمت أهلك وولدك! أترى الله أحل لك الطيبات ، وهو يكره أن تأخذها! أنت أهون على الله من ذلك ».
قال: يا أمير المؤمنين ، هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك!
قال: « ويحك ، إنّي لست كأنت ، إنّ الله فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس ، كيلا يتبيّغ بالفقير فقره »([2]).
والدعوة إلى التوازن والاعتدال شاملة لجميع المرافق والميادين ، ومنها الميدان النفسي ، فالتوازن مطلوب في مختلف الظروف والأحوال المحيطة بالإنسان.
في وصية أمير المؤمنين(عليه السلام) للإمام الحسين(عليه السلام) قال: « يا بنيّ أوصيك بتقوى الله في الغنى والفقر ، وكلمة الحقّ في الرضى والغضب ، والقصد في الغنى والفقر ، وبالعدل على الصديق والعدو ، وبالعمل في النشاط والكسل ، والرضى عن الله في الشدّة والرخاء »([3]).
والمنهج التربوي متوازن في نظرته للعلاقة العملية بين الإنسان وخالقه ، فلا يدعو إلى ترك العمل توكلاً على الله ، ولا الانغماس بالعمل بلا توكّل ، والتوكل يمنح الإنسان طاقة وقوّة حيوية تجعله مطمئناً سواء تحقّق ما أراده من عمله أم لم يتحقّق ، ومعوقات انجاز العمل لا تسلبه الاطمئنان وهو متوكّل على الله.
ويدعو المنهج التربوي إلى الإيمان المتوازن ابتداءً بأصل الإيمان ; حيث التوازن بين إيمان أصحاب الخرافة الذين يسرفون في الاعتقاد ويؤمنون بكل شيء ويصدقونه وإن كان خارجاً عن أسس الإيمان ، وبين الذين ينكرون كل ما وراء الحسّ وما وراء الطبيعة ، والتربية على الإيمان الواقعي قائمة على أساس العقل والبرهان ، وعلى النصوص المتواترة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أهل البيت(عليهم السلام)ليستجيب لها الإنسان عن قناعة وقبول دون إكراه أو اجبار أو تزوير للحقائق ، وكذا الحال في الإيمان بالأنبياء ، فإنّ المنهج التربوي يدعو إلى التأسي
والاقتداء بهم ، فينفي عنهم صفة الألوهية ، وينفي عنهم الانحراف الذي تدّعيه بعض الديانات ، ويوجه الإنسان إلى الإيمان الواقعي بهم.
ويوازن المنهج التربوي بين التكليف والقدرة ، فلا يكلّف الإنسان فوق طاقته البدنية والروحية ، ويتدرج في أسس التربية حسب العمر الزمني والعقلي ، فلا يأمر باسلوب شاق ولا أمر شاق ، وهذا التدرج يولد في الإنسان أُنساً وشوقاً لأداء التكليف ، فيسعى لأدائه والسير على أساسه دون ضجر أو كلل أو ملل.
ويوازن المنهج التربوي بين مجالات المسؤولية ; ويجعلها موزعة على الجميع ، فالفرد مسؤول عن نفسه وعن غيره ، والمجتمع مسؤول عن نفسه وعن أفراده ، فهنالك مسؤولية فردية ، وهنالك مسؤولية اجتماعية ، والمسؤولية موزعة فالأب مسؤول عن أسرته والأم كذلك ، والكبير مسؤول عن الصغير ، والمدرسة والتجمعات الاجتماعية والعلماء والدولة مسؤولة عن الأفراد وعن المجتمع ، وتكون المسؤولية قائمة على أساس تقسيم الحقوق والواجبات ، فللفرد حقوقه وواجباته ، وللأسرة حقوقها وواجباتها ، وللمجتمع حقوقه وواجباته ، فلا يطغى حق على حق ولا واجب على واجب ، ولا حق على واجب ، ولا واجب على حق.
ويوازن المنهج التربوي بين الغاية والوسيلة ، فلا يبيح للإنسان استخدام الوسيلة الضعيفة من أجل غاية سامية وشريفة ، فيحرم الكذب على الغير وإن كان إرضاءً لهم أو يحقّق له أو لهم بعض المصالح ، ويحرّم الخداع والتضليل وإن أدّى إلى علاج بعض الأزمات النفسية والروحية.
ويوازن المنهج التربوي في أساليب ووسائل التربية ، حيث يبتدأ بالدعوة
لاتفاق الوالدين على تطبيق القواعد الكلية للمنهج التربوي على مصاديقها بأسلوب واحد لا اختلاف فيه ، سواء في العلاقات القائمة بينهما أو علاقاتهما مع الأطفال ، أو في مفردات الأسلوب ، ويوازن بين اللين والشدة في التعامل فلا افراط ولا تفريط ، فلا يحبّذ اللين الدائم ولا الشدة الدائمة ، ففي الوقت الذي يدعو إلى الاحسان إلى الطفل وتكريمه وإشعاره بذاته ، يدعو أيضاً إلى استخدام الشدّة في مواقعها لاشعار الطفل باحترام القوانين الموضوعة ، والتمييز بين حقوقه وحقوق الآخرين ، وفي الوقت الذي يدعو فيه إلى منح الطفل الحرية في اختيار طريقة اللعب مثلاً ، يدعو للتدخل في منعه من بعض الألعاب المضرّة به وبغيره ، كما يؤكد المنهج التربوي على التوازن في التعامل مع الأطفال ، والاعتدال في إظهار المحبة لهم ، والتوازن في النظرة العاطفية إلى البنين والبنات.
([1]) تحف العقول ،صفحة 307 .
([2]) نهج البلاغة ،صفحة324 .
([3]) تحف العقول ،صفحة 58 . __________________