بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا رفض الإمام الصادق (ع) كلّ الرسائل الّتي وصلته والتي كانت تدعوه للثورة؟ ولماذا استجاب الإمام الحسين لرسائل أهل الكوفة؟
الجواب:
لم تصل للإمام الصادق (ع) -في حدود اطّلاعي- سوى رسالتَيْن؛ الأولى مِن أبي مسلم الخراساني، والثانية مِن أبي سلمة الخلاّل.
أمّا الرسالة الأولى فأجاب عنها الإمام الصادق (ع) بقوله: "إنَّ أبا مسلم ليس مِن رجالي ولا الزمان زماني".
أمّا أنّه ليس مِن رجاله ذلك لأنّه كان مِن القادة العبّاسيِّين وهو مبعوثهم إلى خراسان ليوطّئ لهم الأمر هناك، وقد كان بعثه لهذا الشأن كلّ مِن إبراهيم الإمام وأبو العبّاس السفّاح وأبو جعفر المنصور، وقد حقّق لهم انتصارات كثيرة في خراسان قبل أن يبعث إلى الإمام بهذه الرسالة، ومِن هنا لا يمكن الاطمئنان بجديّة الدعوة الذي دعا بها الإمام في الرسالة، ولو كانت جادّة فهي غير نافعة بعد أن استوثق الأمر للعبّاسيِّين وأوشكت السلطة أن تسقط بأيديهم وهذا هو معنى "أنَّ الزمان ليس زماني".
على أنّه يمكن تأكيد الفقرة الأولى مِن جواب الإمام الصادق (ع) مِن ملاحظة سيرة الرجل الذاتيّة، فقد ذكر المؤرِّخون أنّه كان رجلاً فاسقًا سفّاحًا يقتل على الظنّة والتهمة، وقد أحصى عليه المؤرِّخون ستّة آلاف قتيل هذا والأمر لم يصفُ لهم بعد!
وأمّا الرسالة الثانية فقد أحرقها الإمام الصادق (ع) بالسراج وقال لحامل الرسالة: "هذا هو جوابي". والجدير بالذكر أنَّ أبا سلمة الخلاّل بعث برسالة مشابهة إلى عبد الله بن الحسن المحض، واستبشر الأخير بالرسالة وأخبر حامل الرسالة بأنّه على استعداد للاستجابة، وقد فات السيد عبد الله المحض أنَّ الأمر قد خرج مِن يد أبي سلمة الخلاّل، ولهذا لم يصل جوابه إلى أبي سلمة، لأنّه قُتل قبل أنْ يصله جواب السيّد عبد الله المحض.
ومقتله كما يقول المؤرِّخون كان بتدبير مِن أبي مسلم الخراساني حيث كان بينهما تحاسد وتنافس على المناصب العسكريّة والسياسيّة، حيث كانا مِن القادة العبّاسيِّين وكان لهما دور بالغ الأهميّة في توطئة الأمر لبني العبّاس في خراسان والعراق.
وقد ذكر المؤرِّخون أنَّ أبا سلمة الخلاّل قد أنجز انتصارات كبيرة لصالح بني العبّاس وكان يدعو إليهم في العراق وفي خراسان، ثمَّ رأى أنْ يُرجع الأمر إلى الطالبيِّين وليس للإمام الصادق (ع) بالتحديد، إلاَّ أنَّه لم يكن يُدرك أنَّ الأمر قد خرج مِن يده كما اشرنا إلى ذلك قبل قليل، ولعلّ رسالتَيْه قد اطّلعت عليها عيون بني العبّاس أو أبو مسلم الخراساني ولهذا تعجّل حتفه.
وبهذا العرض التاريخي يتبيّن منشأ رفض الإمام الصادق (ع) لما ورد في رسالتَيْ هذَيْن القائدَيْن العبّاسيَّيْن.
ثمّ إنَّ هنا أمرًا لا بدّ مِن التنبيه عليه وهو أنَّ مِن المحتمل قويًّا أنَّ هذَيْن القائدَيْن لم يكونا يقصدان تسليم الأمر بتمامه للإمام الصادق وينسلخان هما عنه، وإنّما كانا يُدركان أنّهما عندما ينفصلان عن بني العبّاس فإنّهما يحتاجان لغطاء يتحرَّكان وراءه إذ لم يكن لهما بشخصَيْهما قاعدة اجتماعيّة يصولان بها.
فلأنَّ الإمام الصادق كان يحظى بشعبيَّة واسعة في الأوساط الاجتماعيّة لذلك كان مِن المناسب -بنظرهما- اتّخاذه واجهة للنفوذ والهيمنة لا أقلّ أنّهما لم يقدِّما تطمينات تؤكّد عزمهما على الطاعة المطلقة للإمام (ع) وأنّهما أرادا مِن دعوتهما للإمام وضع الأمر في موضعه، فلعلّ دعوتهما للإمام نشأت عن شعورهما بأنَّ بني العبّاس سوف لن يحفظوا لهما جهودهما التي بذلاها وسوف لن يكون لهما نصيب في الأمر، وهو ما دعاهما للبحث عن جهة أخرى يتمكّنان بواسطتها استثمار الجهد المبذول للمآرب الشخصيّة.
ولو كان هذا هو ما دفعهما لمراسلة الإمام (ع) فإنّ مِن غير المناسب استجابة الإمام لدعوتهما إذ أنَّ منهج الأنبياء والأولياء يتنافى ولغة المساومات السياسيّة على المراكز وتقاسم الغنائم، ونحن لا نعلم بفحوى الرسالتَيْن إذ لم يكشف لنا التاريخ ذلك.
ولو افترض أنَّ الرسالتَيْن لم تكونا معبِّرتَيْن عن هذا الغرض إلاّ أنّه يكفي لرفض الدعوتَيْن أن يحتمل الإمام ذلك احتمالاً معتدًّا به نظرًا لمعرفته بواقع الرجُلَيْن وحينئذ لا يكون مِن التعقّل استجابة الإمام لهما إذ أنَّ عدم الاطمئنان في مثل هذه المسائل يقتضي التوثّق وعدم الاستجابة كيف الحال أنَّ الظروف ومقتضياتها تنحو نحو الاطمئنان بعدم خلوص دعواهما عن المآرب الشخصيّة.
على أنَّ تأكيد الإمام في موارد عديدة على أنّه لو وجد أنصارًا يعتمد عليهم لما تأخّر عن القيام بالتغيير الجذري بواقع الأمّة، هذا التأكيد يعبّر عن سوء ظنّ بالرجُلَيْن أو بقدرتهما على المساهمة في هذه المهمّة.
هذا ما يتّصل بالشقّ الأوّل مِن السؤال، أمّا الشقّ الثاني وهو ما يتّصل بمنشأ قبول الإمام الحسين (ع) بدعوات أهل الكوفة أنَّ الكتب التي بلغتِ الإمام مِن أهل الكوفة وهو في مكّة المكرّمة تصل إلى اثني عشر ألف كتاب، كلّ كتاب يشتمل على ختم الواحد، والاثنَيْن، والثلاثة، والأربعة، وكلّها تؤكّد الاستعداد التامّ على مؤازرة الإمام (ع) في مواجهة النظام الأموي، وأنّه ليس لهم إمام غيره، وأنّهم جند له مجنَّدة، وأنّهم لا يحضرون لعامل بني أميّة جمعة ولا جماعة، وأنّهم على استعدادٍ لطرده، وأنَّ ذلك ليس عسيرًا عليهم، ورغم كلّ هذه التطمينات استوثق مِن جدِّيّة دعواهم عندما بعث إليهم مسلم بن عقيل ليستطلع حالهم فبايعه على أقلّ التقادير ثمانية عشر ألف رجل وفيهم الأعيان ورؤساء العشائر، وفي بعض النقولات أنَّ المبايعين للحسين (ع) على يد مسلم بن عقيل أربعون ألفًا.
ولذلك لم يسع الإمام الحسين (ع) التلكّأ في الاستجابة لهم بعد كلّ هذه التطمينات، ولو أهمل الإمام الحسين (ع) هذه الدعوات لأدانه التاريخ ولاتّهمه بالتقاعس عن القيام بمسئوليَّته الرساليّة.
لماذا رفض الإمام الصادق (ع) كلّ الرسائل الّتي وصلته والتي كانت تدعوه للثورة؟ ولماذا استجاب الإمام الحسين لرسائل أهل الكوفة؟
الجواب:
لم تصل للإمام الصادق (ع) -في حدود اطّلاعي- سوى رسالتَيْن؛ الأولى مِن أبي مسلم الخراساني، والثانية مِن أبي سلمة الخلاّل.
أمّا الرسالة الأولى فأجاب عنها الإمام الصادق (ع) بقوله: "إنَّ أبا مسلم ليس مِن رجالي ولا الزمان زماني".
أمّا أنّه ليس مِن رجاله ذلك لأنّه كان مِن القادة العبّاسيِّين وهو مبعوثهم إلى خراسان ليوطّئ لهم الأمر هناك، وقد كان بعثه لهذا الشأن كلّ مِن إبراهيم الإمام وأبو العبّاس السفّاح وأبو جعفر المنصور، وقد حقّق لهم انتصارات كثيرة في خراسان قبل أن يبعث إلى الإمام بهذه الرسالة، ومِن هنا لا يمكن الاطمئنان بجديّة الدعوة الذي دعا بها الإمام في الرسالة، ولو كانت جادّة فهي غير نافعة بعد أن استوثق الأمر للعبّاسيِّين وأوشكت السلطة أن تسقط بأيديهم وهذا هو معنى "أنَّ الزمان ليس زماني".
على أنّه يمكن تأكيد الفقرة الأولى مِن جواب الإمام الصادق (ع) مِن ملاحظة سيرة الرجل الذاتيّة، فقد ذكر المؤرِّخون أنّه كان رجلاً فاسقًا سفّاحًا يقتل على الظنّة والتهمة، وقد أحصى عليه المؤرِّخون ستّة آلاف قتيل هذا والأمر لم يصفُ لهم بعد!
وأمّا الرسالة الثانية فقد أحرقها الإمام الصادق (ع) بالسراج وقال لحامل الرسالة: "هذا هو جوابي". والجدير بالذكر أنَّ أبا سلمة الخلاّل بعث برسالة مشابهة إلى عبد الله بن الحسن المحض، واستبشر الأخير بالرسالة وأخبر حامل الرسالة بأنّه على استعداد للاستجابة، وقد فات السيد عبد الله المحض أنَّ الأمر قد خرج مِن يد أبي سلمة الخلاّل، ولهذا لم يصل جوابه إلى أبي سلمة، لأنّه قُتل قبل أنْ يصله جواب السيّد عبد الله المحض.
ومقتله كما يقول المؤرِّخون كان بتدبير مِن أبي مسلم الخراساني حيث كان بينهما تحاسد وتنافس على المناصب العسكريّة والسياسيّة، حيث كانا مِن القادة العبّاسيِّين وكان لهما دور بالغ الأهميّة في توطئة الأمر لبني العبّاس في خراسان والعراق.
وقد ذكر المؤرِّخون أنَّ أبا سلمة الخلاّل قد أنجز انتصارات كبيرة لصالح بني العبّاس وكان يدعو إليهم في العراق وفي خراسان، ثمَّ رأى أنْ يُرجع الأمر إلى الطالبيِّين وليس للإمام الصادق (ع) بالتحديد، إلاَّ أنَّه لم يكن يُدرك أنَّ الأمر قد خرج مِن يده كما اشرنا إلى ذلك قبل قليل، ولعلّ رسالتَيْه قد اطّلعت عليها عيون بني العبّاس أو أبو مسلم الخراساني ولهذا تعجّل حتفه.
وبهذا العرض التاريخي يتبيّن منشأ رفض الإمام الصادق (ع) لما ورد في رسالتَيْ هذَيْن القائدَيْن العبّاسيَّيْن.
ثمّ إنَّ هنا أمرًا لا بدّ مِن التنبيه عليه وهو أنَّ مِن المحتمل قويًّا أنَّ هذَيْن القائدَيْن لم يكونا يقصدان تسليم الأمر بتمامه للإمام الصادق وينسلخان هما عنه، وإنّما كانا يُدركان أنّهما عندما ينفصلان عن بني العبّاس فإنّهما يحتاجان لغطاء يتحرَّكان وراءه إذ لم يكن لهما بشخصَيْهما قاعدة اجتماعيّة يصولان بها.
فلأنَّ الإمام الصادق كان يحظى بشعبيَّة واسعة في الأوساط الاجتماعيّة لذلك كان مِن المناسب -بنظرهما- اتّخاذه واجهة للنفوذ والهيمنة لا أقلّ أنّهما لم يقدِّما تطمينات تؤكّد عزمهما على الطاعة المطلقة للإمام (ع) وأنّهما أرادا مِن دعوتهما للإمام وضع الأمر في موضعه، فلعلّ دعوتهما للإمام نشأت عن شعورهما بأنَّ بني العبّاس سوف لن يحفظوا لهما جهودهما التي بذلاها وسوف لن يكون لهما نصيب في الأمر، وهو ما دعاهما للبحث عن جهة أخرى يتمكّنان بواسطتها استثمار الجهد المبذول للمآرب الشخصيّة.
ولو كان هذا هو ما دفعهما لمراسلة الإمام (ع) فإنّ مِن غير المناسب استجابة الإمام لدعوتهما إذ أنَّ منهج الأنبياء والأولياء يتنافى ولغة المساومات السياسيّة على المراكز وتقاسم الغنائم، ونحن لا نعلم بفحوى الرسالتَيْن إذ لم يكشف لنا التاريخ ذلك.
ولو افترض أنَّ الرسالتَيْن لم تكونا معبِّرتَيْن عن هذا الغرض إلاّ أنّه يكفي لرفض الدعوتَيْن أن يحتمل الإمام ذلك احتمالاً معتدًّا به نظرًا لمعرفته بواقع الرجُلَيْن وحينئذ لا يكون مِن التعقّل استجابة الإمام لهما إذ أنَّ عدم الاطمئنان في مثل هذه المسائل يقتضي التوثّق وعدم الاستجابة كيف الحال أنَّ الظروف ومقتضياتها تنحو نحو الاطمئنان بعدم خلوص دعواهما عن المآرب الشخصيّة.
على أنَّ تأكيد الإمام في موارد عديدة على أنّه لو وجد أنصارًا يعتمد عليهم لما تأخّر عن القيام بالتغيير الجذري بواقع الأمّة، هذا التأكيد يعبّر عن سوء ظنّ بالرجُلَيْن أو بقدرتهما على المساهمة في هذه المهمّة.
هذا ما يتّصل بالشقّ الأوّل مِن السؤال، أمّا الشقّ الثاني وهو ما يتّصل بمنشأ قبول الإمام الحسين (ع) بدعوات أهل الكوفة أنَّ الكتب التي بلغتِ الإمام مِن أهل الكوفة وهو في مكّة المكرّمة تصل إلى اثني عشر ألف كتاب، كلّ كتاب يشتمل على ختم الواحد، والاثنَيْن، والثلاثة، والأربعة، وكلّها تؤكّد الاستعداد التامّ على مؤازرة الإمام (ع) في مواجهة النظام الأموي، وأنّه ليس لهم إمام غيره، وأنّهم جند له مجنَّدة، وأنّهم لا يحضرون لعامل بني أميّة جمعة ولا جماعة، وأنّهم على استعدادٍ لطرده، وأنَّ ذلك ليس عسيرًا عليهم، ورغم كلّ هذه التطمينات استوثق مِن جدِّيّة دعواهم عندما بعث إليهم مسلم بن عقيل ليستطلع حالهم فبايعه على أقلّ التقادير ثمانية عشر ألف رجل وفيهم الأعيان ورؤساء العشائر، وفي بعض النقولات أنَّ المبايعين للحسين (ع) على يد مسلم بن عقيل أربعون ألفًا.
ولذلك لم يسع الإمام الحسين (ع) التلكّأ في الاستجابة لهم بعد كلّ هذه التطمينات، ولو أهمل الإمام الحسين (ع) هذه الدعوات لأدانه التاريخ ولاتّهمه بالتقاعس عن القيام بمسئوليَّته الرساليّة.