بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
ظلامة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في التاريخ والروايات !
ومع السلامة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
ظلامة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في التاريخ والروايات !
حان الوقت أن نشير إلى بعض الشواهد الروائية والتاريخية على ظلامة الإمام علي صلوات الله عليه.
الرسول ينصّ على الظلامة
يستفاد من كثير من الأخبار الشريفة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان قد أخبر الإمام علي صلوات الله عليه بما سيلاقيه من الأمة بعده، فبين الفترة والأخرى كان رسول الله صلى الله عليه وآله يذكر للإمام علي صلوات الله عليه ما سيواجهه من بعده ويوصيه بالصبر على الظلامة حفظاً لبيضة الإسلام وصيانة للعقيدة الغراء التي قدم النبي صلى الله عليه وآله من أجلها الغالي والنفيس.
عن أبي ليلى: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعليّ صلوات الله عليه: اتق الضغائن التي لك في صدور من لا يظهرها إلا بعد موتي، أولئك يلعنهم الله، ويلعنهم اللاعنون. ثم بكى صلى الله عليه وآله، فقيل:مم بكاؤك يا رسول الله؟
فقال: أخبرني جبرئيل عليه السلام أنهم يظلمونه، ويمنعونه حقه، ويقاتلونه، ويقتلون ولده، ويظلمونهم بعده.
وأخبرني جبرئيل عن الله عزّ وجلّ أن ذلك الظلم يزول إذا قام قائمهم، وعلت كلمتهم، واجتمعت الأمة على محبتهم، وكان الشاني لهم قليلا، والكاره لهم ذليلا، وكثر المادح لهم، وذلك حين تغير البلاد، وضعف العباد، واليأس من الفرج، فعند ذلك يظهر القائم فيهم (1).
وقال صلى الله عليه وآله:يا علي، أنت المظلوم من بعدي، فويل لمن ظلمك واعتدى عليك، وطوبى لمن تبعك ولم يختر عليك. يا علي، أنت المقاتل بعدي، فويل لمن قاتلك، وطوبى لمن قاتل معك (2).
أمير المؤمنين يذكر ظلامته
ذكر أمير المؤمنين صلوات الله عليه ظلامته في مواطن عديدة، كان يبث فيها أشجانه ويستعرض ظلم القوم له بل ويتظّلم في بعض الأحيان، ومن ذلك:
قال صلوات الله عليه: ما زلت مظلوماً منذ قبض الله رسوله حتى يوم الناس هذا (3).
وذات مرة سمع صارخا ينادي: أنا مظلوم، فقال: هلم فلنصرخ معاً، فإني ما زلت مظلوماً (4).
وقال صلوات الله عليه: ما زلت مستأثرا علي، مدفوعاً عما أستحقه وأستوجبه (5).
وقال صلوات الله عليه: لقد ظلمت عدد الحجر والمدر (6).
ويمكن أن نقسّم تظلم أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى أقسام وهي:
• تظلّمه من تآزر الأمة عليه: حيث شكى مولى الموحدين تآمر الأمة وتآزرها عليه بعد رسول الله صلى الله عليه وآلهوغصبها حقّه، ومن ذلك قوله صلوات الله عليه: فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت، وأغضيت على القذى، وشربت على الشجى، وصبرت على أخذ الكظم وعلي أمر من طعم العلقم (7).
وقال صلوات الله عليه: كنت في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله كجزء من رسول الله صلى الله عليه وآله ينظر إلي كما ينظر إلى الكواكب في أفق السماء، ثم غض الدهر مني، فقرن بي فلان وفلان، ثم قرنت بخمسة أمثلهم عثمان، فقلت: واذفراه! ثم لم يرض الدهر لي بذلك، حتى أرذلني، فجعلني نظيرا لابن هند وابن النابغة! لقد استنت الفصال حتى القرعى (8).
• تظلّمه من قريش: في أكثر من موضع أشار أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى ظلم قريش إيّاه وتجاوزهم عليه، ومن ذلك قوله صلوات الله عليه: اللهم فاجز قريشاً عنّي الجوازي فقد قطعت رحمي، وتظاهرت علي، ودفعتني عن حقي، وسلبتني سلطان ابن أمي، وسلمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول، وسابقتي في الإسلام إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه، ولا أظن الله يعرفه، والحمد لله على كل حال (9).
وقال صلوات الله عليه:كل حقد حقدته قريش على رسول الله صلى الله عليه وآله أظهرته في وستظهره في ولدي من بعدي، مالي ولقريش! إنما وترتهم بأمر الله وأمر رسوله، أفهذا جزاء من أطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين (10).
• تظلّمه من عصيان الرعية له: وقد عانى صلوات الله عليه من رعيته التي عصت أمره وخالفت رأيه في مواضع عديدة نقتصر على ذكر واحد منها وهو:
قوله صلوات الله عليه في ذم العاصين من أصحابه: أحمد الله على ما قضى من أمر، وقدر من فعل، وعلى ابتلائي بكم أيتها الفرقة التي إذا أمرت لم تطع، وإذا دعوت لم تجب، إن أمهلتم خضتم، وإن حوربتم خرتم، وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم، وإن أجئتم إلى مشاقة نكصتم، لا أبا لغيركم! ما تنتظرون بنصركم والجهاد على حقكم؟
الموت أو الذل لكم؟
فوالله لئن جاء يومي - وليأتيني - ليفرقن بيني وبينكم وأنا لصحبتكم قال، وبكم غير كثير.
لله أنتم! أما دين يجمعكم! ولا حمية تشحذكم!
أو ليس عجباً أن معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه على غير معونة ولا عطاء، وأنا أدعوكم - وأنتم تريكة الإسلام، وبقية الناس - إلى المعونة أو طائفة من العطاء، فتفرقون عنّي وتختلفون عليّ؟!
إنه لا يخرج إليكم من أمري رضى فترضونه، ولا سخط فتجتمعون عليه، وإن أحب ما أنا لاق إلي الموت! قد دارستكم الكتاب، وفاتحتكم الحجاج، وعرفتكم ما أنكرتم، وسوغتكم ما مججتم، لو كان الأعمى يلحظ، أو النائم يستيقظ! وأقرب بقوم - من الجهل بالله - قائدهم معاوية! ومؤدبهم ابن النابغة (11).
أمير المؤمنين يترقّب الشهادة
وقد بلغ به الأمر من الظلامة أنه كان يترقّب الشهادة، وإلى ذلك يشير ابن كثير في البداية والنهاية قائلاً: كان أميرالمؤمنين قد تنغّصت عليه الأمور، واضطرب عليه جيشه، وخالفه أهل العراق، ونكلوا عن القيام معه، واستفحل أمر أهل الشام، وصالوا وجالوا يميناً وشمالاً، زاعمين أن الإمرة لمعاوية بمقتضى حكم الحكمين في خلعهما عليّاً وتولية عمرو بن العاص معاوية عند خلو الإمرة عن أحد، وقد كان أهل الشام بعد التحكيم يسمون معاوية الأمير، وكلما ازداد أهل الشام قوة ضعف جأش أهل العراق، هذا وأميرهم علي بن أبي طالب خير أهل الأرض في ذلك الزمان، أعبدهم وأزهدهم، وأعلمهم وأخشاهم لله عزّ وجلّ، ومع هذا كله خذلوه وتخلّوا عنه، حتى كره الحياة وتمنّى الموت، وذلك لكثرة الفتن وظهور المحن، فكان يكثر أن يقول: ما يحبس أشقاها؟
أي ما ينتظر؟ ما له لا يقتل؟
ثم يقول: والله لتخضبن هذه - ويشير إلى لحيته - من هذه - ويشير إلى هامته (12).
ظلامة أمير المؤمنين على لسان الأئمة
تذكر واحداً منها وهو:
ما ورد عن أبان بن أبي عياش: قال لي أبو جعفر الباقر صلوات الله عليه: ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيانا وما لقيت شيعتنا ومحبونا من الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وآله قبض وقد قام بحقنا وأمر بطاعتنا وفرض ولايتنا ومودتنا، وأخبرهم بأنا أولى بهم من أنفسهم، وأمر أن يبلغ الشاهد الغائب فتظاهروا على علي صلوات الله عليه واحتج عليهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وما سمعت العامة، فقالوا: صدقت قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله ولكن قد نسخه، فقال: إنا أهل بيت أكرمنا الله عزّ وجلّ واصطفانا ولم يرض لنا بالدنيا، وإن الله لا يجمع لنا النبوة والخلافة، فشهد له بذلك أربعة نفر: عمر وأبو عبيدة ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة، فشبهوا على العامة وصدقوهم وردوهم على أدبارهم وأخرجوها من معدنها حيث جعلها الله، واحتجوا على الأنصار بحقّنا (13).
ظلامة أمير المؤمنين في عهد النبي (ص)
لم نعثر خلال بحثنا على مورد ظلم فيه أمير المؤمنين صلوات الله عليه بمحضر النبي صلى الله عليه وآله من غير أن يدفع رسول الله صلى الله عليه وآله عنه الظلامة، بل كل ما وجدناه أن بعض المسلمين حاول التعريض بالإمام علي صلوات الله عليه والنيل منه أمام رسول الله صلى الله عليه وآله فجابههم رسول الله صلى الله عليه وآله بشدة ونهاهم عن التعرض له.
يقول عمران بن حصين: شكوا علياً عند النبي صلى الله عليه وآله، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله إليهم وقد تغيّر وجهه من الغضب فقال: دعوا علياً دعواً علياً دعوا علياً، إنّ علياً منّي وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي (14).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لبريدة: لا تقع في علي فإنه منّي وأنا منه وهو وليكم بعدي (15).
وقد صرح أمير المؤمنين صلوات الله عليه في مواضع عديدة أنه ظلم من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن ذلك قوله صلوات الله عليه: ما زلت مظلوماً منذ قبض الله رسوله حتى يوم الناس هذا (16).
وقال صلوات الله عليه:كل حقد حقدته قريش على رسول الله صلى الله عليه وآله أظهرته في وستظهره في ولدي من بعدي، مالي ولقريش! إنما وترتهم بأمر الله وأمر رسوله، أفهذا جزاء من أطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين (17).
وهنا قد يتسائل البعض ويقول: إذن ما معنى قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ما زلت مظلوماً منذ ولدتني أمي، فإنّ مؤدّى حديثه صلوات الله عليه يشير أنّ ظلامته كانت حتى في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله؟
وفي جوابه نقول: ظلامة أمير المؤمنين صلوات الله عليه في عهد النبي صلى الله عليه وآله كانت ليست بمحضره صلى الله عليه وآله بل في موارد كان فيها رسول الله صلى الله عليه وآله غير حاضر أو كان حاضراً ولكنه لايستطيع الدفاع عنه، ومن ذلك جوابه لابن الكواء عندما تسائل منه قائلاً : أين كنت حيث ذكر الله تعالى نبيه وأبا بكر، فقال: ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا؟
فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ويلك يا ابن الكواء كنت على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد طرح علي ريطته، فأقبلت قريش مع كل رجل منهم هراوة فيها شوكها، فلم يبصروا رسول الله حيث خرج، فأقبلوا علي يضربونني بما في أيديهم حتى تنفّط جسدي وصار مثل البيض، ثم انطلقوا بي يريدون قتلي، فقال بعضهم: لا تقتلوه الليلة ولكن أخّروه واطلبوا محمداً، قال: فأوثقوني بالحديد وجعلوني في بيت واستوثقوا منّي، ومن الباب بقفل فبينا أنا كذلك إذ سمعت صوتاً من جانب البيت يقول: يا علي فسكن الوجع الذي كنت أجده، وذهب الورم الذي كان في جسدي، ثم سمعت صوتا آخر يقول: يا علي فإذا الحديد الذي في رجلي قد تقطع، ثم سمعت صوتاً آخر يقول: يا علي، فإذا الباب قد تساقط ما عليه، وفتح فقمت وخرجت، وقد كانوا جاءوا بعجوز كمهاء لا تبصر ولا تنام تحرس الباب فخرجت عليها فإذا هي لا تعقل من النوم (18).
نعم هناك مورد ظلم فيه أمير المؤمنين صلوات الله عليه بمحضر رسول الله صلى الله عليه وآله عند وفاته حيث حال القوم دون كتابة رسول الله صلى الله عليه وآله بالخلافة للإمام علي صلوات الله عليه ولكن لم يكن النبي صلى الله عليه وآله آنذاك قادراً على دفعهم وردّهم حيث كان مشغولاً بنفسه، فما كان منه إلا أن طردهم من مجلسه.
فعن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في مرض موته: ائتوني بدواة وبياض لأكتب لكم كتاباً لا تضلّون به من بعدي، فقال عمر: إن الرجل ليهجر، حسبنا كتاب الله! وكثر اللغط فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اخرجوا عنّي لا ينبغي التنازع لدي، فقال ابن عباس: الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله (19).
وحقيقة إن أصل الظلامة كانت من هنا، وما أخطأ حبر الأمة ابن عباس في كلامه حيث عبّر عنها بالرزية كل الرزية، وماجرى على مولى الموحدين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله من ظلامات منشأها من هذه الرزية، لذا يحق لنا القول: إنّ الإمام علي صلوات الله عليه ظلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولكن لا لتقصير منه صلى الله عليه وآله بل لتآمر القوم عليه وانقلابهم على أعقابهم.
====
المصادر:
1. المناقب للخوارزمي، ص62.
2. بشارة المصطفى، ص33.
3. نهج البلاغة، ج 1، ص41، كلامه لما أشير عليه بأن لا يتبع طلحة والزبير
4. شرح النهج للمعتزلي، ج9، ص307.
5. شرح النهج للمعتزلي، ج1، ص307.
6. شرح النهج للمعتزلي، ج10، ص286.
7. نهج البلاغة، ج1، ص67، خطبة له في الحث على الجهاد وذم القاعدين.
8. شرح النهج للمعتزلي، ج20، ص326، ب الحكم المنسوبة إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
9. نهج السعادة، ج5، ص303، كتاب له إلى أخيه عقيل بن اغارة الضحاك.
10. شرح النهج للمعتزلي، ج20، ص328، الخطب المنسوبة لأمير المؤمنين صلوات الله عليه.
11. نهج البلاغة، ج2، ص101، خطبة له في ذم أصحابه وتحريضهم.
12. البداية والنهاية، ج7، ص358.
13. كتاب سليم بن قيس، ص186.
14. البداية والنهاية، ج7، ص381.
15. البداية والنهاية، ج7، ص380.
16. نهج البلاغة، ج1، ص41، كلامه لما أشير عليه بأن لا يتبع طلحة والزبير.
17. شرح النهج للمعتزلي، ج20، ص328، الخطب المنسوبة لأمير المؤمنين صلوات الله عليه.
18. خصائص الأئمة ص43.
19. صحيح مسلم، ج3، 1257-1258.
الرسول ينصّ على الظلامة
يستفاد من كثير من الأخبار الشريفة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان قد أخبر الإمام علي صلوات الله عليه بما سيلاقيه من الأمة بعده، فبين الفترة والأخرى كان رسول الله صلى الله عليه وآله يذكر للإمام علي صلوات الله عليه ما سيواجهه من بعده ويوصيه بالصبر على الظلامة حفظاً لبيضة الإسلام وصيانة للعقيدة الغراء التي قدم النبي صلى الله عليه وآله من أجلها الغالي والنفيس.
عن أبي ليلى: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعليّ صلوات الله عليه: اتق الضغائن التي لك في صدور من لا يظهرها إلا بعد موتي، أولئك يلعنهم الله، ويلعنهم اللاعنون. ثم بكى صلى الله عليه وآله، فقيل:مم بكاؤك يا رسول الله؟
فقال: أخبرني جبرئيل عليه السلام أنهم يظلمونه، ويمنعونه حقه، ويقاتلونه، ويقتلون ولده، ويظلمونهم بعده.
وأخبرني جبرئيل عن الله عزّ وجلّ أن ذلك الظلم يزول إذا قام قائمهم، وعلت كلمتهم، واجتمعت الأمة على محبتهم، وكان الشاني لهم قليلا، والكاره لهم ذليلا، وكثر المادح لهم، وذلك حين تغير البلاد، وضعف العباد، واليأس من الفرج، فعند ذلك يظهر القائم فيهم (1).
وقال صلى الله عليه وآله:يا علي، أنت المظلوم من بعدي، فويل لمن ظلمك واعتدى عليك، وطوبى لمن تبعك ولم يختر عليك. يا علي، أنت المقاتل بعدي، فويل لمن قاتلك، وطوبى لمن قاتل معك (2).
أمير المؤمنين يذكر ظلامته
ذكر أمير المؤمنين صلوات الله عليه ظلامته في مواطن عديدة، كان يبث فيها أشجانه ويستعرض ظلم القوم له بل ويتظّلم في بعض الأحيان، ومن ذلك:
قال صلوات الله عليه: ما زلت مظلوماً منذ قبض الله رسوله حتى يوم الناس هذا (3).
وذات مرة سمع صارخا ينادي: أنا مظلوم، فقال: هلم فلنصرخ معاً، فإني ما زلت مظلوماً (4).
وقال صلوات الله عليه: ما زلت مستأثرا علي، مدفوعاً عما أستحقه وأستوجبه (5).
وقال صلوات الله عليه: لقد ظلمت عدد الحجر والمدر (6).
ويمكن أن نقسّم تظلم أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى أقسام وهي:
• تظلّمه من تآزر الأمة عليه: حيث شكى مولى الموحدين تآمر الأمة وتآزرها عليه بعد رسول الله صلى الله عليه وآلهوغصبها حقّه، ومن ذلك قوله صلوات الله عليه: فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت، وأغضيت على القذى، وشربت على الشجى، وصبرت على أخذ الكظم وعلي أمر من طعم العلقم (7).
وقال صلوات الله عليه: كنت في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله كجزء من رسول الله صلى الله عليه وآله ينظر إلي كما ينظر إلى الكواكب في أفق السماء، ثم غض الدهر مني، فقرن بي فلان وفلان، ثم قرنت بخمسة أمثلهم عثمان، فقلت: واذفراه! ثم لم يرض الدهر لي بذلك، حتى أرذلني، فجعلني نظيرا لابن هند وابن النابغة! لقد استنت الفصال حتى القرعى (8).
• تظلّمه من قريش: في أكثر من موضع أشار أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى ظلم قريش إيّاه وتجاوزهم عليه، ومن ذلك قوله صلوات الله عليه: اللهم فاجز قريشاً عنّي الجوازي فقد قطعت رحمي، وتظاهرت علي، ودفعتني عن حقي، وسلبتني سلطان ابن أمي، وسلمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول، وسابقتي في الإسلام إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه، ولا أظن الله يعرفه، والحمد لله على كل حال (9).
وقال صلوات الله عليه:كل حقد حقدته قريش على رسول الله صلى الله عليه وآله أظهرته في وستظهره في ولدي من بعدي، مالي ولقريش! إنما وترتهم بأمر الله وأمر رسوله، أفهذا جزاء من أطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين (10).
• تظلّمه من عصيان الرعية له: وقد عانى صلوات الله عليه من رعيته التي عصت أمره وخالفت رأيه في مواضع عديدة نقتصر على ذكر واحد منها وهو:
قوله صلوات الله عليه في ذم العاصين من أصحابه: أحمد الله على ما قضى من أمر، وقدر من فعل، وعلى ابتلائي بكم أيتها الفرقة التي إذا أمرت لم تطع، وإذا دعوت لم تجب، إن أمهلتم خضتم، وإن حوربتم خرتم، وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم، وإن أجئتم إلى مشاقة نكصتم، لا أبا لغيركم! ما تنتظرون بنصركم والجهاد على حقكم؟
الموت أو الذل لكم؟
فوالله لئن جاء يومي - وليأتيني - ليفرقن بيني وبينكم وأنا لصحبتكم قال، وبكم غير كثير.
لله أنتم! أما دين يجمعكم! ولا حمية تشحذكم!
أو ليس عجباً أن معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه على غير معونة ولا عطاء، وأنا أدعوكم - وأنتم تريكة الإسلام، وبقية الناس - إلى المعونة أو طائفة من العطاء، فتفرقون عنّي وتختلفون عليّ؟!
إنه لا يخرج إليكم من أمري رضى فترضونه، ولا سخط فتجتمعون عليه، وإن أحب ما أنا لاق إلي الموت! قد دارستكم الكتاب، وفاتحتكم الحجاج، وعرفتكم ما أنكرتم، وسوغتكم ما مججتم، لو كان الأعمى يلحظ، أو النائم يستيقظ! وأقرب بقوم - من الجهل بالله - قائدهم معاوية! ومؤدبهم ابن النابغة (11).
أمير المؤمنين يترقّب الشهادة
وقد بلغ به الأمر من الظلامة أنه كان يترقّب الشهادة، وإلى ذلك يشير ابن كثير في البداية والنهاية قائلاً: كان أميرالمؤمنين قد تنغّصت عليه الأمور، واضطرب عليه جيشه، وخالفه أهل العراق، ونكلوا عن القيام معه، واستفحل أمر أهل الشام، وصالوا وجالوا يميناً وشمالاً، زاعمين أن الإمرة لمعاوية بمقتضى حكم الحكمين في خلعهما عليّاً وتولية عمرو بن العاص معاوية عند خلو الإمرة عن أحد، وقد كان أهل الشام بعد التحكيم يسمون معاوية الأمير، وكلما ازداد أهل الشام قوة ضعف جأش أهل العراق، هذا وأميرهم علي بن أبي طالب خير أهل الأرض في ذلك الزمان، أعبدهم وأزهدهم، وأعلمهم وأخشاهم لله عزّ وجلّ، ومع هذا كله خذلوه وتخلّوا عنه، حتى كره الحياة وتمنّى الموت، وذلك لكثرة الفتن وظهور المحن، فكان يكثر أن يقول: ما يحبس أشقاها؟
أي ما ينتظر؟ ما له لا يقتل؟
ثم يقول: والله لتخضبن هذه - ويشير إلى لحيته - من هذه - ويشير إلى هامته (12).
ظلامة أمير المؤمنين على لسان الأئمة
تذكر واحداً منها وهو:
ما ورد عن أبان بن أبي عياش: قال لي أبو جعفر الباقر صلوات الله عليه: ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيانا وما لقيت شيعتنا ومحبونا من الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وآله قبض وقد قام بحقنا وأمر بطاعتنا وفرض ولايتنا ومودتنا، وأخبرهم بأنا أولى بهم من أنفسهم، وأمر أن يبلغ الشاهد الغائب فتظاهروا على علي صلوات الله عليه واحتج عليهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وما سمعت العامة، فقالوا: صدقت قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله ولكن قد نسخه، فقال: إنا أهل بيت أكرمنا الله عزّ وجلّ واصطفانا ولم يرض لنا بالدنيا، وإن الله لا يجمع لنا النبوة والخلافة، فشهد له بذلك أربعة نفر: عمر وأبو عبيدة ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة، فشبهوا على العامة وصدقوهم وردوهم على أدبارهم وأخرجوها من معدنها حيث جعلها الله، واحتجوا على الأنصار بحقّنا (13).
ظلامة أمير المؤمنين في عهد النبي (ص)
لم نعثر خلال بحثنا على مورد ظلم فيه أمير المؤمنين صلوات الله عليه بمحضر النبي صلى الله عليه وآله من غير أن يدفع رسول الله صلى الله عليه وآله عنه الظلامة، بل كل ما وجدناه أن بعض المسلمين حاول التعريض بالإمام علي صلوات الله عليه والنيل منه أمام رسول الله صلى الله عليه وآله فجابههم رسول الله صلى الله عليه وآله بشدة ونهاهم عن التعرض له.
يقول عمران بن حصين: شكوا علياً عند النبي صلى الله عليه وآله، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله إليهم وقد تغيّر وجهه من الغضب فقال: دعوا علياً دعواً علياً دعوا علياً، إنّ علياً منّي وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي (14).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لبريدة: لا تقع في علي فإنه منّي وأنا منه وهو وليكم بعدي (15).
وقد صرح أمير المؤمنين صلوات الله عليه في مواضع عديدة أنه ظلم من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن ذلك قوله صلوات الله عليه: ما زلت مظلوماً منذ قبض الله رسوله حتى يوم الناس هذا (16).
وقال صلوات الله عليه:كل حقد حقدته قريش على رسول الله صلى الله عليه وآله أظهرته في وستظهره في ولدي من بعدي، مالي ولقريش! إنما وترتهم بأمر الله وأمر رسوله، أفهذا جزاء من أطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين (17).
وهنا قد يتسائل البعض ويقول: إذن ما معنى قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ما زلت مظلوماً منذ ولدتني أمي، فإنّ مؤدّى حديثه صلوات الله عليه يشير أنّ ظلامته كانت حتى في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله؟
وفي جوابه نقول: ظلامة أمير المؤمنين صلوات الله عليه في عهد النبي صلى الله عليه وآله كانت ليست بمحضره صلى الله عليه وآله بل في موارد كان فيها رسول الله صلى الله عليه وآله غير حاضر أو كان حاضراً ولكنه لايستطيع الدفاع عنه، ومن ذلك جوابه لابن الكواء عندما تسائل منه قائلاً : أين كنت حيث ذكر الله تعالى نبيه وأبا بكر، فقال: ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا؟
فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ويلك يا ابن الكواء كنت على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد طرح علي ريطته، فأقبلت قريش مع كل رجل منهم هراوة فيها شوكها، فلم يبصروا رسول الله حيث خرج، فأقبلوا علي يضربونني بما في أيديهم حتى تنفّط جسدي وصار مثل البيض، ثم انطلقوا بي يريدون قتلي، فقال بعضهم: لا تقتلوه الليلة ولكن أخّروه واطلبوا محمداً، قال: فأوثقوني بالحديد وجعلوني في بيت واستوثقوا منّي، ومن الباب بقفل فبينا أنا كذلك إذ سمعت صوتاً من جانب البيت يقول: يا علي فسكن الوجع الذي كنت أجده، وذهب الورم الذي كان في جسدي، ثم سمعت صوتا آخر يقول: يا علي فإذا الحديد الذي في رجلي قد تقطع، ثم سمعت صوتاً آخر يقول: يا علي، فإذا الباب قد تساقط ما عليه، وفتح فقمت وخرجت، وقد كانوا جاءوا بعجوز كمهاء لا تبصر ولا تنام تحرس الباب فخرجت عليها فإذا هي لا تعقل من النوم (18).
نعم هناك مورد ظلم فيه أمير المؤمنين صلوات الله عليه بمحضر رسول الله صلى الله عليه وآله عند وفاته حيث حال القوم دون كتابة رسول الله صلى الله عليه وآله بالخلافة للإمام علي صلوات الله عليه ولكن لم يكن النبي صلى الله عليه وآله آنذاك قادراً على دفعهم وردّهم حيث كان مشغولاً بنفسه، فما كان منه إلا أن طردهم من مجلسه.
فعن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في مرض موته: ائتوني بدواة وبياض لأكتب لكم كتاباً لا تضلّون به من بعدي، فقال عمر: إن الرجل ليهجر، حسبنا كتاب الله! وكثر اللغط فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اخرجوا عنّي لا ينبغي التنازع لدي، فقال ابن عباس: الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله (19).
وحقيقة إن أصل الظلامة كانت من هنا، وما أخطأ حبر الأمة ابن عباس في كلامه حيث عبّر عنها بالرزية كل الرزية، وماجرى على مولى الموحدين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله من ظلامات منشأها من هذه الرزية، لذا يحق لنا القول: إنّ الإمام علي صلوات الله عليه ظلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولكن لا لتقصير منه صلى الله عليه وآله بل لتآمر القوم عليه وانقلابهم على أعقابهم.
====
المصادر:
1. المناقب للخوارزمي، ص62.
2. بشارة المصطفى، ص33.
3. نهج البلاغة، ج 1، ص41، كلامه لما أشير عليه بأن لا يتبع طلحة والزبير
4. شرح النهج للمعتزلي، ج9، ص307.
5. شرح النهج للمعتزلي، ج1، ص307.
6. شرح النهج للمعتزلي، ج10، ص286.
7. نهج البلاغة، ج1، ص67، خطبة له في الحث على الجهاد وذم القاعدين.
8. شرح النهج للمعتزلي، ج20، ص326، ب الحكم المنسوبة إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
9. نهج السعادة، ج5، ص303، كتاب له إلى أخيه عقيل بن اغارة الضحاك.
10. شرح النهج للمعتزلي، ج20، ص328، الخطب المنسوبة لأمير المؤمنين صلوات الله عليه.
11. نهج البلاغة، ج2، ص101، خطبة له في ذم أصحابه وتحريضهم.
12. البداية والنهاية، ج7، ص358.
13. كتاب سليم بن قيس، ص186.
14. البداية والنهاية، ج7، ص381.
15. البداية والنهاية، ج7، ص380.
16. نهج البلاغة، ج1، ص41، كلامه لما أشير عليه بأن لا يتبع طلحة والزبير.
17. شرح النهج للمعتزلي، ج20، ص328، الخطب المنسوبة لأمير المؤمنين صلوات الله عليه.
18. خصائص الأئمة ص43.
19. صحيح مسلم، ج3، 1257-1258.
ومع السلامة.