بسم الله الرحمن الرحيم
ان الكثيرين يعتقدون : ان كتاب "الملحمة الحسينية" هو من تأليف الشهيد السعيد العلامة الشيخ مرتضى المطهري رحمه الله تعالى.. ولأجل ذلك فهم يطمئنون اليه، ويثقون به، ويعتمدون عليه..
ولكن الحقيقة هي ان هذا الكتاب المكوّن من ثلاثة اجزاء، ليس من تأليف هذا الشهيد السعيد. وان كان –ربما- يشتمل على كثير من افكاره، التي يتبناها، ويلتزم بها.
وانما هو من تأليف رجل آخر. وقد صرّح مؤلفه في مقدماته لأجزاء الكتاب المطبوعة باللغة الفارسية، بأنه قد جمعه، وطبعه بعد استشهاد الشهيد المطهري بزمان، فإن تاريخ استشهاده رحمه الله هو سنة 1358 هجري شمسي..
اما تاريخ الطبعة الأولى للكتاب فهو سنة 1361 هجري شمسي. ونحن الان في اواخر سنة 1378 من هذا التاريخ.
والتاريخ الشمسي الهجري هو الذي يتداوله الإيرانيون، ويؤرخون به، والملفت للنظر، ان الطبعة العربية قد حذفت هذه المقدمات من أجزائها ، ولا ندري لماذا!.
ومهما يكن من أمر: فان هذا الكتاب لا يصح نسبته الى هذا الشهيد السعيد، وهو لا يرضى ايضاً بنسبته إليه..
وحتى لو كنا نطمئن الى ان المؤلف قد أخذ مطالب الكتاب من هذا الشهيد السعيد، فإننا لا نستطيع الجزم بأن المكتوب في هذا الكتاب يمثل رأيه النهائي بكل دقائقه وتفاصيله.
ونحن نوضح هنا هذا الامر ، طالبين من القارىء الكريم ان يتحلى بالصبر الى آخر الفصل، لأن ما فيه إنما يعطي النتيجة التي أشرنا اليها من حيث هو مجموع ومنضم بعضه الى بعض.. لا بما هو جزيئات متفرقة ومتناثرة، فليلحظ ذلك، فانه مهم جداً في تحصيل ما نرمي اليه.
فنقول:
شواهد من المقدمة:
يوجد عندي من المطبوع باللغة الفارسية لهذا الكتاب: (الملحمة الحسينية) جزءان فقط، لهما مقدمتان شرحتا عمل المؤلف فيهما. وانا أورد بعض ما أشار إليه فيهما فيما يلي :
1- قد صرّح المؤلف في المقدمة بأنه استخرج من اشرطة التسجيل محاضرات للشهيد مطهري، كان رحمه الله قد القاها في مناسبات مختلفة، فجعل المؤلف هذه المحاضرات في ضمن الكتاب المعروف باسم "الملحمة الحسينية" وهو المنشور والمتداول.
2- إنه يقول : ان قسماً مما نشره في هذا الكتاب مأخوذ من اشرطة مسجلة لم يطلع مؤلف الكتاب عليها، وانما اطلع على متون مستخرجة منها فقط.
3- ويقول: إن بعض مطالب الكتاب هي أنصاف محاضرات كان الشهيد قد ألقاها في بعض المناسبات، او في جلسات في بعض البيوت، كان رحمه الله يلقي فيها دروساً فصادف بعضها أيام عاشوراء، فاستطرد في طائفة من حديثه، ومحاضراته الى شؤون كربلائية وعاشورائية احتراماً منه للمناسبة، واحتفاءً بها.
4- قد صرّح المؤلف ايضاً بأنه قد أتم الجمل الناقصة، واصلح منها ما يحتاج الى اصلاح.
تصريحات الكتاب تشهد:
أضف الى ما تقدم : ان كتاب الملحمة الحسينية نفسه يشهد على نفسه بأنه ليس من تأليف هذا الشهيد السعيد، ونذكر هنا بعضاً من ذلك؛ فنقول :
1- إنه في حين يقول : انه لم يتصرف في كلام الشهيد إلا في موارد يسيرة تمم فيها عبارة ناقصة، او أصلح خطأ ما، فانه يصرّح في بعض الموارد في الكتاب بأنه قد لخّص خطبة بأكملها، فهو يقول:
2- خلاصة خطاب للمؤلف الشهيد بعنوان الحماسة الدينية" .(الملحمة الحسينية ج3 ص293).
والتلخيص يستبطن درجة عالية من التصرف المباشر، الذي يحتاج الى درجة أعلا من الإستعداد العقلي، من حيث اعتماده على مستوى من الإدراك للمطالب ، وعلى القدرة على جمع شتات الأفكار، وتحقيق قدر من التلاحم، والإنسجام فيما بين متفرقاتها في نطاق الصياغة والأداء.
3- ثم هو يقول ويصرّح في بعض الموارد بأنه ينقل عن أوراق كانت للشهيد، قال في بعض الهوامش: "سيتم نشر موضوع هذه الأوراق في سلسلة مذكرات الشهيد "..(الملحمة الحسينية ج3 ص235)
4- ويقول أيضاً : عن القسم العاشر من الكتاب : إن هذا القسم عبارة عن "حواش نقدية حول كتاب الشهيد الخالد" .(نفس المصدر ج3 الفصل الأخير)
5- ويقول في بعض الهوامش : "هكذا ورد في النسخة الخطية للأستاذ الشهيد ".(نفس المصدر ج3ص229)
6- ويقول : " وقد أوردت في هذا الكتاب في فصل: ملاحظات حول النهضة الحسينية، مزيداً من الأدلة بهذا الإتجاه. أرجو مراجعة الملاحظتين (10 – 11) بهذا الخصوص ".(نفس المصدر ج3 ص174)
7- ويقول: "ونحن بدورنا نشير إلى تلك الإستعدادات في أوراقنا، التي سيأتي ذكرها في فصل: ملاحظات حول النهضة الحسينية، تحت الرقم 38" .(نفس المصدر ج 3ص286)
فأين كل هذه النصوص من تصريح مؤلف الكتاب في جزئيه الأولين بأنهما عبارة عن محاضرات استخرجت من أشرطة التسجيل ، وتصريحه في بعض موارد الجزء الثالث: انه قد لخص بعض خطاباته رحمه الله.
تعليقنا على النصين الأخيرين:
الف : انظر الى كلمة "أوراقنا" وكلمة "في فصل" وقوله: "تحت الرقم 38"؛ فإن كل ذلك يشير الى أن الأوراق هي لهذا الذي جمع الكتاب، وإلى أنه هو الذي يفصل الفصول، وهو الذي يضع الأرقام للفقرات.
ولكن تصريحاته السالفة التي ذكرناها تشير الى أنه ملتزم بدقة النقل عن نسخة الشهيد الخطية!! فكيف نوفق بين الأمرين!؟
ب: وانظر أيضاً الى قوله: "نشير الى تلك الإستعدادات"؛ فإن سياق الكلام يدل على أن الذي يورد المطلب هو نفسه الذي يقوم بجمع مادة الكتاب ويؤلف بين متفرقاته. ويجعل له فصولاً، وأرقام فقرات.
ج: وأوضح من ذلك قوله في رقم 5 الآنف الذكر: "وقد أوردت في هذا الكتاب في فصل : ملاحظات حول النهضة الحسينية ، مزيداً من الأدلة".
فهذا يدل على أن المؤلف هو الذي يأتي بالأدلة، وهو الذي يوردها في هذا الفصل، أو في ذاك.
وهذا المؤلف نفسه ملتزم بدقة النقل عن النسخة الخطية!! وهو نفسه يلخص هذا الخطاب، أو ذاك!!
فتبارك الله أحسن الخالقين!!
شواهد أخرى من الكتاب:
ثم إن من يراجع كتاب الملحمة يخرج بحقيقة: أن الكتاب لا يمكن أن يكون من تأليف الشهيد مطهري رحمه الله. اذا لا يمكن لمفكر يحترم نفسه، وقد بلغ هذا المقام الرفيع من المعرفة، والخبرة بالشأن الثقافي، وفن التأليف أن يقدم للناس كتاباً بمواصفات كتاب الملحمة الحسينية.
ونستطيع أن نخلص بعض ما نرمي اليه ضمن النقاط التالية:
أولاً: ان طائفة من النصوص قد جاءت بطريقة غير مألوفة فقد وردت في الكتاب على ثلاثة أنحاء.
أحدها: أنه أورد كلاماً كثيراً للعقاد، وللصالحي، ولغيرهما. بالإضافة الى نصوص كثيرة هنا وهناك أيضاً، ولكنه لم يعلق عليها بشيء . فلماذا؟!
الثاني: أنه يورد أحياناً نصوصاً ويعلق عليها، ولكنها تعليقات مجتزأة، وموجزة جداً، وقد جاءت على شكل نتف متناثرة، أو تعليقات تحتاج إلى مزيد من المعالجة؛ لإنضاج نتائجها بشكل حاسم وقوي. وهذا كثيراً أيضاً..
الثالث: إنه يفيض في تحليل نصوص أخرى أيضاً، ويوفيها البحث والمناقشة بما لا مزيد عليه..
فلماذا هذا التفاوت والإختلاف في المعالجة ومستوياتها.
ثانياً: إن المعروف عن الشهيد السعيد العلامة المطهري: أنه حين يطرح الشبهة فإنه يلاحقها بالنقد القوي، وبالنقض والإبرام، ويشحن ذهن القارئ او السامع بالشواهد والدلائل..
ولكننا نرى في بعض فصول هذا الكتاب كمَّاً كبيراً جداً من التساؤلات والشبهات الحساسة الى درجة كبيرة قد طرحت، من دون أن يقدم أية إجابة عليها .(راجع: الملحمة الحسينية ج3من ص181 حتى ص186)
وقد سردت على القارئ بطريقة تجعله يستفظع الأمر، وينبهر أمام عددها الكبير، ويسقط في مواجهتها، ويأخذ عليه إتقانها، وتفريعاتها الحاصرة كل المهارب والمسارب ، حتى يقع فريسة الحيرة القاتلة، ولتلج الشكوك – من ثم – في عقله وفكره، دونما سدود، أو حدود، فتفتك في يقينياته، وتعيث فساداً فيما لديه من مسلمات ايمانية، فطرية، وعقلية، ووجدانية.
ثالثاً: ان الكتاب يعاني من خلل كبير في سبك وترصيف مطالبه ، فتارة تظهر المطالب فيه بمثابة كشكول، حيث تذكر الفكرة القصيرة والصغيرة الى جانب المفصلة والكبيرة مع عدم وجود أي ربط بينهما.
وأخرى تظهر الفكرة في حلة الخطابة والخطابيات.
وثالثة يظهر عليها اسلوب تأليف وتصنيف له منهجيته، وأهدافه، يتميز بالموضوعية، والرصانة..
وبعبارة أخرى: تأتي المطالب تارةً على شكل نتف وتعليقات، وأخرى على شكل بحوث وتحقيقات ، وثالثة على شكل خطابة وخطابيات.
ثم انك تارة تراه يورد نصوصاً مختلفة، ومن دون تعليق، وأخرى يوردها مع تعليقات.
وتارة تأتي التعليقات موجزة، وتارة تأتي مطولة مسهبة.
وبينما هو: يوجز إلى درجة الإخلال تجده يطنب ويسهب الى حد الإملال .
كما أنه تارة يجيب على كل سؤال يثيره مهما كان بسيطاً، أو غير بسيط، بل ولو كان في غاية التعقيد.
وأخرى يطرح عشرات الأسئلة الهامة جداً، ولا يجيب على شيء منها..
رابعاً: اضف الى ذلك كله، ان هذا الكتاب يعاني من مشكلة التكرار لبعض مطالبه بكل تفصيلاتها، وبمختلف نصوصها، وتقسيماتها - تقريباً – رغم أنها تستغرق صفحات كثيرة...
طريقة عمل مؤلف الكتاب:
قد اتضح مما قدمناه وفصلناه: أن المؤلف حسبما قال وصرّح، وكذلك حسبما أظهره لنا فعله ووضَّح ، قد جرت طريقته وفق ما يلي:
1- انه قد أخذ بعض المحاضرات عن أشرطة التسجيل.
2- قد أخذ بعض أنصاف المحاضرات أيضاً كذلك عن الاشرطة المسجلة.
3- قد حصل على بعض المحاضرات من أناس هم استخرجوها من أشرطة التسجيل ، ولم ير هو تلك الأشرطة.
4- قد لخص بعض خطابات الشهيد.
5- قد حصل على بعض الاوراق التي كتب عليها الشهيد نتفاً من الأفكار .
6- ان المؤلف قد أدخل في كتابه مضمون قصاصات كتب عليها مقاطع لأناس آخرين ، وربما يكون الشهيد نفسه قد جمعها . اما بهدف تفنيدها، او بهدف تأييدها ، أو لأجل الاستشهاد والتأييد بها، ولكنه رحمه الله لم يعلق عليها بشيء
7- قد حصل على أوراق كتب عليها الشهيد مقاطع لبعض المؤلفين، وعلق عليها باختصار، وأدخلها في الكتاب ايضاً.
8- قد حصل على أوراق كتب عليها الشهيد أسئلة، ربما كان يعدّها للإجابة عليها في محاضراته ، أو في كتاباته ، وجعلها أيضاً في ضمن الكتاب .
9- قد أضاف المؤلف عناوين، وفصل، وقسم فصولاً، وأقساماً.
10- قد أنشأ المؤلف كلاماً كثيراً من عند نفسه، وأدخله في ضمن المطالب التي سجلها.
11- قد صحح العبارات الواردة في ما حصل عليه من محاضرات التي رأى أنها بحاجة الى التصحيح . وأتم العبارات التي رأى أنها تحتاج الى تتميم…
الشهيد لا يرضى بنسبة الكتاب اليه:
وبعد ما تقدم نقول : اننا نكاد نطمئن ، إلى ان كتابا هذه حالاته، وتلك هي ميزاته، ومواصفاته ، لا يمكن ان يرضى الشهيد السعيد العلامة المطهري بان ينسب اليه ، خصوصاً اذا قيس بسائر مؤلفاته ، التي تتميز بالإحكام وبالإنسجام .
ولو انه كان رحمه الله على قيد الحياة، لم يرض بنشره، وعليه اسمه ، لأنه – وهو بهذه الحال – يحط من مقامه العلمي الرفيع ، ويسيء الى موقعه الثقافي المميز ولكان رحمه الله قد زاد عليه ، وحذف منه ، وقلّم، وطعّم، وغيّر وبدّل الشيء الكثير ..
وكيف يمكن أن يرضى رحمه الله بأن يعمد أحد الى اشرطة سجلت عليها محاضرات كان قد ألقاها قبل وفاته بسنوات كثيرة ، ويستخرج ما فيها وينشره بعجره وبجره ، وعلى ما هو عليه ؟!.
ولعله وهو يرتجل كلامه (وارتجال الكلام يختزن في داخله فوات فرص التأمل والتدقيق) قد عمم في مورد التخصيص ، واطلق فيما يحتاج الى التقييد ، ولعله أطنب في موضع الاختصار ، وقدم ما يستحق التأخير ، وغفل عما كان ينبغي الإلتفات والإلفات اليه ؟!.
وكيف يرضى رحمه الله ، أن يضمن كتابه أسئلة تشكيكية خطيرة ، دون أن يشير الى الاجابة عنها. وهو الذي كان قد أخذ على نفسه الذب عن حياض هذا الدين، والحفاظ على حقائقه، وحراسته من كل سوء يراد به ؟!؟
وكيف يمكن أن يرضى بعرض اخطر واعظم القضايا، وأكثرها حساسية ، وأبعدها أثراً في حياة وبقاء الاسلام والايمان، من خلال قصاصات تركها، كان قد كتبها لأغراض مختلفة، وفي حالات متفاوتة ؟!.
فهل يرضى ان ترتهن اخطر قضية وأغلاها، واعظمها واسماها ، بهذه القصاصات التي قد لا تمثل الرأي النهائي لكاتبها ؟!.
بل قد يكون ما كتبه عليها هو الرأي الآخر ، لمن كان يهيئ للرد عليهم ، وتفنيد أقوالهم .
ولعله أشار الى جزء أو بعض الفكرة ، ولم يشر الى البعض أو الجزء الآخر منها ، اعتماداً منه على ذاكرته ، أو على بداهة الأمر في عمق وعيه .
ولعله قد سجل عليها تحفظات افتراضية ، ولم يسجل عليها سائر ما يدور في خلده من أجوبة أو من حيثيات، وخصوصيات، وشروحات، ومؤيدات .
وكل ذلك يوضح: انه لايمكن أخذ رأي الشهيد من كتابٍ هذه حاله ، والى ذلك كان مآله ، فلعله كان يريد العودة الى مضامين محاضراته وخطاباته، والى قصاصاته ليقلِّم ويطعّم وينقّح ويصحّح ويقدّم ويؤخّر ويتأمّل ويتدبّر . ويضيف اليها ما استجد له من دلائل وشواهد.
ولعله يريد تخصيص بعض عموماتها ، وتقييد بعض مطلقاتها، خصوصاً فيما جاء على سبيل الخطابة والارتجال، فضلاً عن غيره .
ومن جهة أخرى: لعله رحمه الله لا يرضيه تلخيص هذا أو ذاك لكلامه، ويجد انه لم يستوعب ما يرمي إليه، وأنه قد أخل بمقاصده…
وربما لا ترضيه العناوين التي أدخلها الآخرون ، ولا التقسيمات التي مارسها المقسمون ، ولا التصحيحات التي أعملوها ، ولا الإضافات التي قاموا بها، لاكمال عبارة هنا أو نص هناك ..
الى غير ذلك من أمور لا يصعب ملاحظتها على الكتاب المذكور .؟
وأخيراً نقول : لقد عودنا علماؤنا الأبرار ان لا ينسبوا بصورة القطع و الحتم ما يورده حتى أعلام الأمة في تقريرات دروس أساتذتهم الى اولئك الأساتذة، فلا ينسبون ما جاء في أجود التقريرات مثلا الى الشيخ النائيني بالقطع والحتم، بل يقولون نقل أو حكي عن الشيخ النائيني أو نسب اليه قوله.
وذلك لمراعاة احتمال ضئيل جداً وهو ان يكون ثمة أدنى خلل في تلقي العبارة عنه، مما قد يوجب تغييراً في مفاد الكلام.
فكيف يجوز لنا ان ننسب للشهيد المطهري كتاباً قد ظهرت هناته، وتلك هي حالاته وميزاته ؟! مع ان الدرس مبني على توخي الدقة في التعبير من قِبَل الأستاذ.. أما القصاصة والمحاضرة والخطاب فان الحديث فيه مبني على التسامح والارتجال والعفوية كما قلنا.
دعوة الى كل المخلصين:
وفي ختام هذا الفصل أوجه الدعوة الى كل المخلصين، الذين يحملون همّ حمل الاسلام الصافي والطاهر والنقي والدقيق والعميق الى الناس بأمانة واخلاص . ويجهدون في هذا السبيل . أدعوهم الى ان يوجهوا بعضاً من اهتمامهم الى تراث هذا الشهيد السعيد، والى ان يعقدوا المؤتمرات التي يحضرها المتخصصون والعارفون لتقييم مؤلفاته رحمه الله، وتحديد ما كتبه منها بخط يده، واعتباره هو الذي يمثل آراءه النهائية التي يمكن الاعتماد عليها في مقام التأييد أو التفنيد.
والاهتمام الى جانب ذلك بالمؤلفات التي استخرجت من اشرطة التسجيل، ببذل المحاولة الجادة للتعرف على قيمتها الحقيقية، وقدرتها على اعطاء رأيه العلمي والنهائي المستند الى الادلة والبراهين المعقولة والمقبولة..
ولعل من المفيد هنا القيام بمقارنات فيما بينها وبين المؤلفات التي تصدى هو بنفسه لانجازها بعد تأمل ، وتروٍّ وتفكير وتدبر، ليكون هذا القسم الثاني هو الذي يعطي الانطباع الحقيقي عن واقع آرائه وتوجهاته .
كما أنه قد يكون من المفيد أيضاً : التعرف على معايير التفكي،ر التي كان رحمه الله يرتضيها حكماً، ويمارسها عملاً في مختلف الميادين ، لتكون هي المرجع في الأخذ أو في الرد لما كان قد ألقاه على الناس بطريقة الارتجال التي تسلب معها فرصة التأمل والتدقيق، ويقل معها الالتفات الىضرورة تخصيص لعام هنا ، أو تقييد لمطلق هناك، وتسجيل تحفظ على هذه القضية ورفضها ، أو الالتزام بتلك القضية وتأكيدها وتأييدها من دون أي تحفظ.
الى غير ذلك من حالات تعتري حالة الارتجال والخطابة، وتقلل من درجة الدقة لدى الخطيب ، ولينعكس ذلك من ثَم على درجة التلقي والاخذ منه ..
وكذلك لا بد من دراسة ما نسب اليه اعتماداً على قصاصات ، أو كتابات مذكراتية تامة أو ناقصة ..
وفي جميع الاحوال نقول: ان المؤلفات التي تصدى هو للتخطيط ثم الانجاز لها تبقى هي الفيصل ، وهي الاساس في الحكم ، ولابد من الانتهاء اليها في الرد او في القبول ..
نعم، ان لفكر الشهيد العلامة مرتضى المطهري ولكتبه تأثيراً عظيماً في المجال الثقافي؛ وذلك يفرض علينا توثيقها، والتأكد من أنها تعكس آراءه الحقيقية بدقة بالغة، فلابد من ملاحظة كل خصوصية تدخل في نطاق بلورة الرأي الذي ينتمي اليه ..
فالخطابات والمحاضرات لا تمتلك نفس القدرة التي تتوفر للكتاب الذي توفرت لمؤلفه حال انجازه أجواء التأمل والهدوء، والتروي والتدبر .
نقول هذا مع تأكيدنا على أن كتاب "الملحمة الحسينية" الذي عرفنا جانباً من اشكالاته، وأطلعنا على بعض هناته ليس قادراً أبداً أن يعكس رأي الشهيد السعيد العلامة المطهري في شؤون عاشوراء ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..(1)
------------
(1)كربلاء فوق الشبهات ص77 -97 ط 1
ان الكثيرين يعتقدون : ان كتاب "الملحمة الحسينية" هو من تأليف الشهيد السعيد العلامة الشيخ مرتضى المطهري رحمه الله تعالى.. ولأجل ذلك فهم يطمئنون اليه، ويثقون به، ويعتمدون عليه..
ولكن الحقيقة هي ان هذا الكتاب المكوّن من ثلاثة اجزاء، ليس من تأليف هذا الشهيد السعيد. وان كان –ربما- يشتمل على كثير من افكاره، التي يتبناها، ويلتزم بها.
وانما هو من تأليف رجل آخر. وقد صرّح مؤلفه في مقدماته لأجزاء الكتاب المطبوعة باللغة الفارسية، بأنه قد جمعه، وطبعه بعد استشهاد الشهيد المطهري بزمان، فإن تاريخ استشهاده رحمه الله هو سنة 1358 هجري شمسي..
اما تاريخ الطبعة الأولى للكتاب فهو سنة 1361 هجري شمسي. ونحن الان في اواخر سنة 1378 من هذا التاريخ.
والتاريخ الشمسي الهجري هو الذي يتداوله الإيرانيون، ويؤرخون به، والملفت للنظر، ان الطبعة العربية قد حذفت هذه المقدمات من أجزائها ، ولا ندري لماذا!.
ومهما يكن من أمر: فان هذا الكتاب لا يصح نسبته الى هذا الشهيد السعيد، وهو لا يرضى ايضاً بنسبته إليه..
وحتى لو كنا نطمئن الى ان المؤلف قد أخذ مطالب الكتاب من هذا الشهيد السعيد، فإننا لا نستطيع الجزم بأن المكتوب في هذا الكتاب يمثل رأيه النهائي بكل دقائقه وتفاصيله.
ونحن نوضح هنا هذا الامر ، طالبين من القارىء الكريم ان يتحلى بالصبر الى آخر الفصل، لأن ما فيه إنما يعطي النتيجة التي أشرنا اليها من حيث هو مجموع ومنضم بعضه الى بعض.. لا بما هو جزيئات متفرقة ومتناثرة، فليلحظ ذلك، فانه مهم جداً في تحصيل ما نرمي اليه.
فنقول:
شواهد من المقدمة:
يوجد عندي من المطبوع باللغة الفارسية لهذا الكتاب: (الملحمة الحسينية) جزءان فقط، لهما مقدمتان شرحتا عمل المؤلف فيهما. وانا أورد بعض ما أشار إليه فيهما فيما يلي :
1- قد صرّح المؤلف في المقدمة بأنه استخرج من اشرطة التسجيل محاضرات للشهيد مطهري، كان رحمه الله قد القاها في مناسبات مختلفة، فجعل المؤلف هذه المحاضرات في ضمن الكتاب المعروف باسم "الملحمة الحسينية" وهو المنشور والمتداول.
2- إنه يقول : ان قسماً مما نشره في هذا الكتاب مأخوذ من اشرطة مسجلة لم يطلع مؤلف الكتاب عليها، وانما اطلع على متون مستخرجة منها فقط.
3- ويقول: إن بعض مطالب الكتاب هي أنصاف محاضرات كان الشهيد قد ألقاها في بعض المناسبات، او في جلسات في بعض البيوت، كان رحمه الله يلقي فيها دروساً فصادف بعضها أيام عاشوراء، فاستطرد في طائفة من حديثه، ومحاضراته الى شؤون كربلائية وعاشورائية احتراماً منه للمناسبة، واحتفاءً بها.
4- قد صرّح المؤلف ايضاً بأنه قد أتم الجمل الناقصة، واصلح منها ما يحتاج الى اصلاح.
تصريحات الكتاب تشهد:
أضف الى ما تقدم : ان كتاب الملحمة الحسينية نفسه يشهد على نفسه بأنه ليس من تأليف هذا الشهيد السعيد، ونذكر هنا بعضاً من ذلك؛ فنقول :
1- إنه في حين يقول : انه لم يتصرف في كلام الشهيد إلا في موارد يسيرة تمم فيها عبارة ناقصة، او أصلح خطأ ما، فانه يصرّح في بعض الموارد في الكتاب بأنه قد لخّص خطبة بأكملها، فهو يقول:
2- خلاصة خطاب للمؤلف الشهيد بعنوان الحماسة الدينية" .(الملحمة الحسينية ج3 ص293).
والتلخيص يستبطن درجة عالية من التصرف المباشر، الذي يحتاج الى درجة أعلا من الإستعداد العقلي، من حيث اعتماده على مستوى من الإدراك للمطالب ، وعلى القدرة على جمع شتات الأفكار، وتحقيق قدر من التلاحم، والإنسجام فيما بين متفرقاتها في نطاق الصياغة والأداء.
3- ثم هو يقول ويصرّح في بعض الموارد بأنه ينقل عن أوراق كانت للشهيد، قال في بعض الهوامش: "سيتم نشر موضوع هذه الأوراق في سلسلة مذكرات الشهيد "..(الملحمة الحسينية ج3 ص235)
4- ويقول أيضاً : عن القسم العاشر من الكتاب : إن هذا القسم عبارة عن "حواش نقدية حول كتاب الشهيد الخالد" .(نفس المصدر ج3 الفصل الأخير)
5- ويقول في بعض الهوامش : "هكذا ورد في النسخة الخطية للأستاذ الشهيد ".(نفس المصدر ج3ص229)
6- ويقول : " وقد أوردت في هذا الكتاب في فصل: ملاحظات حول النهضة الحسينية، مزيداً من الأدلة بهذا الإتجاه. أرجو مراجعة الملاحظتين (10 – 11) بهذا الخصوص ".(نفس المصدر ج3 ص174)
7- ويقول: "ونحن بدورنا نشير إلى تلك الإستعدادات في أوراقنا، التي سيأتي ذكرها في فصل: ملاحظات حول النهضة الحسينية، تحت الرقم 38" .(نفس المصدر ج 3ص286)
فأين كل هذه النصوص من تصريح مؤلف الكتاب في جزئيه الأولين بأنهما عبارة عن محاضرات استخرجت من أشرطة التسجيل ، وتصريحه في بعض موارد الجزء الثالث: انه قد لخص بعض خطاباته رحمه الله.
تعليقنا على النصين الأخيرين:
الف : انظر الى كلمة "أوراقنا" وكلمة "في فصل" وقوله: "تحت الرقم 38"؛ فإن كل ذلك يشير الى أن الأوراق هي لهذا الذي جمع الكتاب، وإلى أنه هو الذي يفصل الفصول، وهو الذي يضع الأرقام للفقرات.
ولكن تصريحاته السالفة التي ذكرناها تشير الى أنه ملتزم بدقة النقل عن نسخة الشهيد الخطية!! فكيف نوفق بين الأمرين!؟
ب: وانظر أيضاً الى قوله: "نشير الى تلك الإستعدادات"؛ فإن سياق الكلام يدل على أن الذي يورد المطلب هو نفسه الذي يقوم بجمع مادة الكتاب ويؤلف بين متفرقاته. ويجعل له فصولاً، وأرقام فقرات.
ج: وأوضح من ذلك قوله في رقم 5 الآنف الذكر: "وقد أوردت في هذا الكتاب في فصل : ملاحظات حول النهضة الحسينية ، مزيداً من الأدلة".
فهذا يدل على أن المؤلف هو الذي يأتي بالأدلة، وهو الذي يوردها في هذا الفصل، أو في ذاك.
وهذا المؤلف نفسه ملتزم بدقة النقل عن النسخة الخطية!! وهو نفسه يلخص هذا الخطاب، أو ذاك!!
فتبارك الله أحسن الخالقين!!
شواهد أخرى من الكتاب:
ثم إن من يراجع كتاب الملحمة يخرج بحقيقة: أن الكتاب لا يمكن أن يكون من تأليف الشهيد مطهري رحمه الله. اذا لا يمكن لمفكر يحترم نفسه، وقد بلغ هذا المقام الرفيع من المعرفة، والخبرة بالشأن الثقافي، وفن التأليف أن يقدم للناس كتاباً بمواصفات كتاب الملحمة الحسينية.
ونستطيع أن نخلص بعض ما نرمي اليه ضمن النقاط التالية:
أولاً: ان طائفة من النصوص قد جاءت بطريقة غير مألوفة فقد وردت في الكتاب على ثلاثة أنحاء.
أحدها: أنه أورد كلاماً كثيراً للعقاد، وللصالحي، ولغيرهما. بالإضافة الى نصوص كثيرة هنا وهناك أيضاً، ولكنه لم يعلق عليها بشيء . فلماذا؟!
الثاني: أنه يورد أحياناً نصوصاً ويعلق عليها، ولكنها تعليقات مجتزأة، وموجزة جداً، وقد جاءت على شكل نتف متناثرة، أو تعليقات تحتاج إلى مزيد من المعالجة؛ لإنضاج نتائجها بشكل حاسم وقوي. وهذا كثيراً أيضاً..
الثالث: إنه يفيض في تحليل نصوص أخرى أيضاً، ويوفيها البحث والمناقشة بما لا مزيد عليه..
فلماذا هذا التفاوت والإختلاف في المعالجة ومستوياتها.
ثانياً: إن المعروف عن الشهيد السعيد العلامة المطهري: أنه حين يطرح الشبهة فإنه يلاحقها بالنقد القوي، وبالنقض والإبرام، ويشحن ذهن القارئ او السامع بالشواهد والدلائل..
ولكننا نرى في بعض فصول هذا الكتاب كمَّاً كبيراً جداً من التساؤلات والشبهات الحساسة الى درجة كبيرة قد طرحت، من دون أن يقدم أية إجابة عليها .(راجع: الملحمة الحسينية ج3من ص181 حتى ص186)
وقد سردت على القارئ بطريقة تجعله يستفظع الأمر، وينبهر أمام عددها الكبير، ويسقط في مواجهتها، ويأخذ عليه إتقانها، وتفريعاتها الحاصرة كل المهارب والمسارب ، حتى يقع فريسة الحيرة القاتلة، ولتلج الشكوك – من ثم – في عقله وفكره، دونما سدود، أو حدود، فتفتك في يقينياته، وتعيث فساداً فيما لديه من مسلمات ايمانية، فطرية، وعقلية، ووجدانية.
ثالثاً: ان الكتاب يعاني من خلل كبير في سبك وترصيف مطالبه ، فتارة تظهر المطالب فيه بمثابة كشكول، حيث تذكر الفكرة القصيرة والصغيرة الى جانب المفصلة والكبيرة مع عدم وجود أي ربط بينهما.
وأخرى تظهر الفكرة في حلة الخطابة والخطابيات.
وثالثة يظهر عليها اسلوب تأليف وتصنيف له منهجيته، وأهدافه، يتميز بالموضوعية، والرصانة..
وبعبارة أخرى: تأتي المطالب تارةً على شكل نتف وتعليقات، وأخرى على شكل بحوث وتحقيقات ، وثالثة على شكل خطابة وخطابيات.
ثم انك تارة تراه يورد نصوصاً مختلفة، ومن دون تعليق، وأخرى يوردها مع تعليقات.
وتارة تأتي التعليقات موجزة، وتارة تأتي مطولة مسهبة.
وبينما هو: يوجز إلى درجة الإخلال تجده يطنب ويسهب الى حد الإملال .
كما أنه تارة يجيب على كل سؤال يثيره مهما كان بسيطاً، أو غير بسيط، بل ولو كان في غاية التعقيد.
وأخرى يطرح عشرات الأسئلة الهامة جداً، ولا يجيب على شيء منها..
رابعاً: اضف الى ذلك كله، ان هذا الكتاب يعاني من مشكلة التكرار لبعض مطالبه بكل تفصيلاتها، وبمختلف نصوصها، وتقسيماتها - تقريباً – رغم أنها تستغرق صفحات كثيرة...
طريقة عمل مؤلف الكتاب:
قد اتضح مما قدمناه وفصلناه: أن المؤلف حسبما قال وصرّح، وكذلك حسبما أظهره لنا فعله ووضَّح ، قد جرت طريقته وفق ما يلي:
1- انه قد أخذ بعض المحاضرات عن أشرطة التسجيل.
2- قد أخذ بعض أنصاف المحاضرات أيضاً كذلك عن الاشرطة المسجلة.
3- قد حصل على بعض المحاضرات من أناس هم استخرجوها من أشرطة التسجيل ، ولم ير هو تلك الأشرطة.
4- قد لخص بعض خطابات الشهيد.
5- قد حصل على بعض الاوراق التي كتب عليها الشهيد نتفاً من الأفكار .
6- ان المؤلف قد أدخل في كتابه مضمون قصاصات كتب عليها مقاطع لأناس آخرين ، وربما يكون الشهيد نفسه قد جمعها . اما بهدف تفنيدها، او بهدف تأييدها ، أو لأجل الاستشهاد والتأييد بها، ولكنه رحمه الله لم يعلق عليها بشيء
7- قد حصل على أوراق كتب عليها الشهيد مقاطع لبعض المؤلفين، وعلق عليها باختصار، وأدخلها في الكتاب ايضاً.
8- قد حصل على أوراق كتب عليها الشهيد أسئلة، ربما كان يعدّها للإجابة عليها في محاضراته ، أو في كتاباته ، وجعلها أيضاً في ضمن الكتاب .
9- قد أضاف المؤلف عناوين، وفصل، وقسم فصولاً، وأقساماً.
10- قد أنشأ المؤلف كلاماً كثيراً من عند نفسه، وأدخله في ضمن المطالب التي سجلها.
11- قد صحح العبارات الواردة في ما حصل عليه من محاضرات التي رأى أنها بحاجة الى التصحيح . وأتم العبارات التي رأى أنها تحتاج الى تتميم…
الشهيد لا يرضى بنسبة الكتاب اليه:
وبعد ما تقدم نقول : اننا نكاد نطمئن ، إلى ان كتابا هذه حالاته، وتلك هي ميزاته، ومواصفاته ، لا يمكن ان يرضى الشهيد السعيد العلامة المطهري بان ينسب اليه ، خصوصاً اذا قيس بسائر مؤلفاته ، التي تتميز بالإحكام وبالإنسجام .
ولو انه كان رحمه الله على قيد الحياة، لم يرض بنشره، وعليه اسمه ، لأنه – وهو بهذه الحال – يحط من مقامه العلمي الرفيع ، ويسيء الى موقعه الثقافي المميز ولكان رحمه الله قد زاد عليه ، وحذف منه ، وقلّم، وطعّم، وغيّر وبدّل الشيء الكثير ..
وكيف يمكن أن يرضى رحمه الله بأن يعمد أحد الى اشرطة سجلت عليها محاضرات كان قد ألقاها قبل وفاته بسنوات كثيرة ، ويستخرج ما فيها وينشره بعجره وبجره ، وعلى ما هو عليه ؟!.
ولعله وهو يرتجل كلامه (وارتجال الكلام يختزن في داخله فوات فرص التأمل والتدقيق) قد عمم في مورد التخصيص ، واطلق فيما يحتاج الى التقييد ، ولعله أطنب في موضع الاختصار ، وقدم ما يستحق التأخير ، وغفل عما كان ينبغي الإلتفات والإلفات اليه ؟!.
وكيف يرضى رحمه الله ، أن يضمن كتابه أسئلة تشكيكية خطيرة ، دون أن يشير الى الاجابة عنها. وهو الذي كان قد أخذ على نفسه الذب عن حياض هذا الدين، والحفاظ على حقائقه، وحراسته من كل سوء يراد به ؟!؟
وكيف يمكن أن يرضى بعرض اخطر واعظم القضايا، وأكثرها حساسية ، وأبعدها أثراً في حياة وبقاء الاسلام والايمان، من خلال قصاصات تركها، كان قد كتبها لأغراض مختلفة، وفي حالات متفاوتة ؟!.
فهل يرضى ان ترتهن اخطر قضية وأغلاها، واعظمها واسماها ، بهذه القصاصات التي قد لا تمثل الرأي النهائي لكاتبها ؟!.
بل قد يكون ما كتبه عليها هو الرأي الآخر ، لمن كان يهيئ للرد عليهم ، وتفنيد أقوالهم .
ولعله أشار الى جزء أو بعض الفكرة ، ولم يشر الى البعض أو الجزء الآخر منها ، اعتماداً منه على ذاكرته ، أو على بداهة الأمر في عمق وعيه .
ولعله قد سجل عليها تحفظات افتراضية ، ولم يسجل عليها سائر ما يدور في خلده من أجوبة أو من حيثيات، وخصوصيات، وشروحات، ومؤيدات .
وكل ذلك يوضح: انه لايمكن أخذ رأي الشهيد من كتابٍ هذه حاله ، والى ذلك كان مآله ، فلعله كان يريد العودة الى مضامين محاضراته وخطاباته، والى قصاصاته ليقلِّم ويطعّم وينقّح ويصحّح ويقدّم ويؤخّر ويتأمّل ويتدبّر . ويضيف اليها ما استجد له من دلائل وشواهد.
ولعله يريد تخصيص بعض عموماتها ، وتقييد بعض مطلقاتها، خصوصاً فيما جاء على سبيل الخطابة والارتجال، فضلاً عن غيره .
ومن جهة أخرى: لعله رحمه الله لا يرضيه تلخيص هذا أو ذاك لكلامه، ويجد انه لم يستوعب ما يرمي إليه، وأنه قد أخل بمقاصده…
وربما لا ترضيه العناوين التي أدخلها الآخرون ، ولا التقسيمات التي مارسها المقسمون ، ولا التصحيحات التي أعملوها ، ولا الإضافات التي قاموا بها، لاكمال عبارة هنا أو نص هناك ..
الى غير ذلك من أمور لا يصعب ملاحظتها على الكتاب المذكور .؟
وأخيراً نقول : لقد عودنا علماؤنا الأبرار ان لا ينسبوا بصورة القطع و الحتم ما يورده حتى أعلام الأمة في تقريرات دروس أساتذتهم الى اولئك الأساتذة، فلا ينسبون ما جاء في أجود التقريرات مثلا الى الشيخ النائيني بالقطع والحتم، بل يقولون نقل أو حكي عن الشيخ النائيني أو نسب اليه قوله.
وذلك لمراعاة احتمال ضئيل جداً وهو ان يكون ثمة أدنى خلل في تلقي العبارة عنه، مما قد يوجب تغييراً في مفاد الكلام.
فكيف يجوز لنا ان ننسب للشهيد المطهري كتاباً قد ظهرت هناته، وتلك هي حالاته وميزاته ؟! مع ان الدرس مبني على توخي الدقة في التعبير من قِبَل الأستاذ.. أما القصاصة والمحاضرة والخطاب فان الحديث فيه مبني على التسامح والارتجال والعفوية كما قلنا.
دعوة الى كل المخلصين:
وفي ختام هذا الفصل أوجه الدعوة الى كل المخلصين، الذين يحملون همّ حمل الاسلام الصافي والطاهر والنقي والدقيق والعميق الى الناس بأمانة واخلاص . ويجهدون في هذا السبيل . أدعوهم الى ان يوجهوا بعضاً من اهتمامهم الى تراث هذا الشهيد السعيد، والى ان يعقدوا المؤتمرات التي يحضرها المتخصصون والعارفون لتقييم مؤلفاته رحمه الله، وتحديد ما كتبه منها بخط يده، واعتباره هو الذي يمثل آراءه النهائية التي يمكن الاعتماد عليها في مقام التأييد أو التفنيد.
والاهتمام الى جانب ذلك بالمؤلفات التي استخرجت من اشرطة التسجيل، ببذل المحاولة الجادة للتعرف على قيمتها الحقيقية، وقدرتها على اعطاء رأيه العلمي والنهائي المستند الى الادلة والبراهين المعقولة والمقبولة..
ولعل من المفيد هنا القيام بمقارنات فيما بينها وبين المؤلفات التي تصدى هو بنفسه لانجازها بعد تأمل ، وتروٍّ وتفكير وتدبر، ليكون هذا القسم الثاني هو الذي يعطي الانطباع الحقيقي عن واقع آرائه وتوجهاته .
كما أنه قد يكون من المفيد أيضاً : التعرف على معايير التفكي،ر التي كان رحمه الله يرتضيها حكماً، ويمارسها عملاً في مختلف الميادين ، لتكون هي المرجع في الأخذ أو في الرد لما كان قد ألقاه على الناس بطريقة الارتجال التي تسلب معها فرصة التأمل والتدقيق، ويقل معها الالتفات الىضرورة تخصيص لعام هنا ، أو تقييد لمطلق هناك، وتسجيل تحفظ على هذه القضية ورفضها ، أو الالتزام بتلك القضية وتأكيدها وتأييدها من دون أي تحفظ.
الى غير ذلك من حالات تعتري حالة الارتجال والخطابة، وتقلل من درجة الدقة لدى الخطيب ، ولينعكس ذلك من ثَم على درجة التلقي والاخذ منه ..
وكذلك لا بد من دراسة ما نسب اليه اعتماداً على قصاصات ، أو كتابات مذكراتية تامة أو ناقصة ..
وفي جميع الاحوال نقول: ان المؤلفات التي تصدى هو للتخطيط ثم الانجاز لها تبقى هي الفيصل ، وهي الاساس في الحكم ، ولابد من الانتهاء اليها في الرد او في القبول ..
نعم، ان لفكر الشهيد العلامة مرتضى المطهري ولكتبه تأثيراً عظيماً في المجال الثقافي؛ وذلك يفرض علينا توثيقها، والتأكد من أنها تعكس آراءه الحقيقية بدقة بالغة، فلابد من ملاحظة كل خصوصية تدخل في نطاق بلورة الرأي الذي ينتمي اليه ..
فالخطابات والمحاضرات لا تمتلك نفس القدرة التي تتوفر للكتاب الذي توفرت لمؤلفه حال انجازه أجواء التأمل والهدوء، والتروي والتدبر .
نقول هذا مع تأكيدنا على أن كتاب "الملحمة الحسينية" الذي عرفنا جانباً من اشكالاته، وأطلعنا على بعض هناته ليس قادراً أبداً أن يعكس رأي الشهيد السعيد العلامة المطهري في شؤون عاشوراء ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..(1)
------------
(1)كربلاء فوق الشبهات ص77 -97 ط 1