المهدىّ فى القرآن
نعم ان للقرآن دلالة بحسب ظاهره، مما يرتبط و شأن نزول الآية. و دلالة اخرى عامة صالحة للانطباق على الموارد المشابهة حسبما يأتى من زمان. و بذلك أصبح القرآن حيّاً مع الأبد، و كان شفاء للناس و دواءً لأدوائهم فى مختلف الازمان و العصور.فمن الآيات التى ورد تأويلها بشأن المهدى ـ عجل الله فرجه الشريف ـ
اولاً: قوله تعالى:(ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا فى الأرض و نجعلهم أئمَّة و نجعلهم الوارثين و نمكّن لهم فى الأرض) هذه الآية نزلت بشأن قصّة فرعون و موسى و بنى اسرائيل.ولكنّها عامة، إنها سنة الله جرت فى الخلق، أنّ الله تعالى سوف يأخذ بيد المستضعفين ليرفعهم على المستكبرين، و يورثهم ارضهم و ديارهم.ففى حديث مفضَّل بن عُمَر، قال: سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول: انّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر الى علىّ و الحسن و الحسين عليهم السلام فبكى، و قال: أنتم المستضعفون بعدى.قال المفضَّل: قلت: ما معنى ذلك؟ قال: معناه أنكم الأئمة بعدى ، انّ الله عزّ وجلّ يقول: (ونريد ان نمنّ على الذين استضعفوا فى الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين) قال عليه السلام: فهذه الآية جارية فينا الى يوم القيامة.
وفى نهج البلاغة: (لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها. و تلا عقيب ذلك: (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا فى الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين).الشماس: مصدر شمس الفرس، اذا منع من ظهره.والضروس: الناقة السيّئة الخلق تعضّ حالبها، عطفا على ولدها.
قال ابن ابى الحديد: و الأمامية تزعم أن ذلك وعد منه بالإمام الغائب الذى يملك الارض فى آخر الزمان. و اصحابنا يقولون: إنه وعد بإمام يملك الأرض و يستولى على الممالك، و لا يلزم ان يكون موجوداً. بل يكفى فى صحة هذا الكلام أنه يخلق فى آخر الوقت.قلت، فقد اتفقت الكلمة بأن فى الآية وعداً بإمام يملك الارض و يستولى على البلاد، قبل ان تقوم الساعة. إنما الإختلاف فى أنه موجود الآن أم سوف يولد لوقته. لكنه من ولد علي عليه السلام على أىّ حال.
ثانياً: قال تعالى في سورة الأنبياء:(ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادى الصالحون)والمراد من الزبور: زبور داود، جاء فى سورة النساء (4: 163) و الإسراء (17: 55): (وآتينا داود زبوراً) وهو: كتاب المزامير، الوارد ضمن كتاب العهد القديم. جاء فيه:
(كُفّ عن الغضب و اترك السُّخط، و لا تَفَرْ لفعل الشّر، لان عاملى الشرّ يُقطعون) (و الذين ينتظرون الربّ هم يرثون الأرض).(اما الوُدَعاء فيرثون الأرض و يتلذّذون فى كثرة السلامة).
(لان المباركين منه يرثون الارض، و الملعونين منه يُقطعون).
(الصدّيقون يرثون الأرض و يسكنونها الى الأبد).
ثالثاً:قال تعالى فى سورة النوروعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنّهم فى الارض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكّننّ لهم دينهم الذى ارتضى لهم و ليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدوننى لا يشركون بى شيئاً). وهذا الوعد بالتمكين فى الأرض بصورة مستوعبة و مستمرة مع الأبد، لم يتحقق للامّة المسلمة فى اى وقت، سوى أنه وعد حتم يتحقق بظهور المهدى المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
وجاء بشأن عيسى بن مريم و رجوعه الى الدنيا فى آخر الزمان و اتباعه للامام المهدى عجل الله فرجه الشريف قوله تعالى: (ولما ضُرِب ابن مريم مثلاً اذا قومُكَ منه يصدّون. و قالوا ءَآلهتنا خير أم هو ما ضربُوه لك إلاّ جَدلاً بل هم قوم خَصِمون. إن هو إلاّ عبد أنعمنا عليه و جعلناه مثلاً لبنى اسرائيل) ـ الى قوله : (وإنّه لعِلْمٌ للسّاعة، فلا تمترُنّ بها و اتّبعونِ هذا صراط مستقيم) قال ابن حجر الهيثمى: قال مقاتل بن سليمان و من تبعه من المفسّرين: انّ هذه الآية نزلت فى المهدى عجل الله فرجه الشريف. قال: و ستأتى الأحاديث المصرّحة بأنه من اهل بيت النبوى. ففى الآية دلالة على البركة فى نسل فاطمة و على عليهم السلام و ان الله ليخرج منهما كثيراً طيّباً، و ان يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة و معادن الرحمة. و سرّ ذلك انه صلى الله عليه وآله وسلم اعاذها و ذرّيتها من الشيطان الرجيم، و دعا لعلى بمثل ذلك...قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم و امامكم منكم)