بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحصل للإنسان أحياناً حالة يكون فيها كأنه نشارة خشب أو قش في وسط سيل يقذفه في كل جانب. ولاشك أن المجتمع هو بحكم السيل، يقذف الأفراد هنا وهناك. ولكن ليس الأمر كذلك دائماً، وليس المجتمع والأوضاع الاجتماعية حاكمة على اتخاذ أي قرار لنفسه، وتغيير مكانه، واختيار مسير مخالف لمسير هذا السيل، بل يمكنه أن يسير مخالفاً للسيل الجارف الذي يحرك الأفراد لا إرادياً. ويمكنه أحياناً أن يؤثر في مصير هذا السبيل ويحوله إلى مسير آخر.
ان التعاليم الإسلامية تقوم على أساس هذه النظرة. وإلا فلا معنى للمسؤولية والتكليف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وأمثالها. بل لا معنى للعقوبة والمثوبة والجزاء. فلو كان الإنسان مجبراً مطلقاً، وكل فرد مقيداً أمام المجتمع، فلا معنى للإساءة والاحسان والجزاء والعقاب ـ في الدنيا أو في الآخرة ـ ان التعاليم الإسلامية لهذه الفكرة.
التفكير شرط أساسي للسيطرة على مصير النفس والمجتمع
ان الشرط الأساسي لتسلط الإنسان على مصيره وعلى مجتمعه ـ وفي الأقل عدم استسلامه للأوضاع المحيطة به ـ هو التفكير والتفكير الأخلاقي هو نظير محاسبة النفس أي أن على الإنسان أن يفرغ نفسه في اليوم والليلة وينقطع عنه كل شيء ويختلي بنفسه، يغور فيها ويتفكر بها وبأحواله، وما يجب عليه أن يقرره ويفعله في جميع ما يلاقيه من أحداث ويفكر في تقييم أعماله الماضية وفي أصدقائه، وفي الكتب التي قرأها، ويفكر في كل شيء، فلو قرأ كتاباً ـ مثلاً فعليه أن يفكر في ما استنتجه من ذلك الكتاب. وما هو أثره في نفسه؟ وهل ترك أثراً حسناً أم سيئاً؟ ثم يدقق في اختيار كتاب آخر: فليس للإنسان أن يقرأ جميع الكتب؛ بل يجب عليه أن يختار بعضها.
يقول أمير المؤمنين (ع): "العمر قصير والعلم كثير، فخذوا من كل علم ظروفه ودعوا فضوله"[2] .
ولهذا يجب الإختيار والانتخاب حتى في المطالعة أيضاً، وفي الصديق والمعاشر، ولا معنى للإختيار دون تفكير. فينظر ماذا يستفيد من معاشرة أصدقائه؟ ويفكر في أعماله وما هي آثارها فيه سلباً وإيجاباً؟ والأهم من ذلك أن يفكر في العمل الذي ينويه ويصمم عليه. إن أكثر تصميماتنا لم تسبق بالقدر اللازم من التفكير؛ أي لو فكرنا جيداً لم نقرر ما قررناه فعلاً. ومعنى التفكير في العمل الذي يريد انجازه هو التفكير بردود فعل ذلك العمل وملازماته. وما هي الآثار التي يخلفها؟ وإلى أين سيجره؟ وبتعبير الرسول (ص): ما هي عاقبته؟
بعد النظر
جاء رجل إلى الرسول (ص) وقال: يا رسول الله: انصحني. فقال (ص): هل تعمل بما اقول لك؟ ويقال أنه كرر سؤاله ثلاثاً. (إن التكرار هو لأجل رسوخ الجملة في ذهنه وعلمه بأنها جملة قيمة لا يحسن نسيانها) فقال: نعم، فقال الرسول (ص): إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته"[3]
إن التدبر الذي هو من مادة (دَبَرَ) له مفهوم "النظر في عواقب الأمور" التدبر والإدبار من مادة واحدة، فكل فعل له وجه وظهر، وغالباً ما يرى الإنسان وجه الفعل لكنه لا يرى ظهره. إلا بعد أن يجتاز الفعل، فعند ذلك ينظر ويرى خلفه، فكم من عمل لوجهه ولظهره شكل آخر. والتدبر في العاقبة هي أن يقلب الإنسان العمل من وجهه وظهره ويفكر فيه قبل الاقدام عليه.
يقول الإمام علي (ع) عن الفتنة بأن وجهها بشكل وظهرها بشكل آخر "إن الفتن إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت نبهت"[4] انها جمل عجيبة، فإن "الفتنة" إذا أقبلت وحصلت تكون بحكم غبار في الفضاء، أو ظلام لا يرى فيه الإنسان، فيظهر الكذب، والشائعات وتظهر الأحاسيس والعواطف الكثيرة. وفي الحقيقة يعجز الإنسان عن إصدار الحكم الصحيح ويقع في الفتنة. ولكن كأن الظلام والغبار ينجلي بهدوء الفتنة. وعند ذلك ينظر الإنسان، فيرى شيئاً آخر؛ فما رآه في الظلام هو غير ما يراه الآن في النور
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحصل للإنسان أحياناً حالة يكون فيها كأنه نشارة خشب أو قش في وسط سيل يقذفه في كل جانب. ولاشك أن المجتمع هو بحكم السيل، يقذف الأفراد هنا وهناك. ولكن ليس الأمر كذلك دائماً، وليس المجتمع والأوضاع الاجتماعية حاكمة على اتخاذ أي قرار لنفسه، وتغيير مكانه، واختيار مسير مخالف لمسير هذا السيل، بل يمكنه أن يسير مخالفاً للسيل الجارف الذي يحرك الأفراد لا إرادياً. ويمكنه أحياناً أن يؤثر في مصير هذا السبيل ويحوله إلى مسير آخر.
ان التعاليم الإسلامية تقوم على أساس هذه النظرة. وإلا فلا معنى للمسؤولية والتكليف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وأمثالها. بل لا معنى للعقوبة والمثوبة والجزاء. فلو كان الإنسان مجبراً مطلقاً، وكل فرد مقيداً أمام المجتمع، فلا معنى للإساءة والاحسان والجزاء والعقاب ـ في الدنيا أو في الآخرة ـ ان التعاليم الإسلامية لهذه الفكرة.
التفكير شرط أساسي للسيطرة على مصير النفس والمجتمع
ان الشرط الأساسي لتسلط الإنسان على مصيره وعلى مجتمعه ـ وفي الأقل عدم استسلامه للأوضاع المحيطة به ـ هو التفكير والتفكير الأخلاقي هو نظير محاسبة النفس أي أن على الإنسان أن يفرغ نفسه في اليوم والليلة وينقطع عنه كل شيء ويختلي بنفسه، يغور فيها ويتفكر بها وبأحواله، وما يجب عليه أن يقرره ويفعله في جميع ما يلاقيه من أحداث ويفكر في تقييم أعماله الماضية وفي أصدقائه، وفي الكتب التي قرأها، ويفكر في كل شيء، فلو قرأ كتاباً ـ مثلاً فعليه أن يفكر في ما استنتجه من ذلك الكتاب. وما هو أثره في نفسه؟ وهل ترك أثراً حسناً أم سيئاً؟ ثم يدقق في اختيار كتاب آخر: فليس للإنسان أن يقرأ جميع الكتب؛ بل يجب عليه أن يختار بعضها.
يقول أمير المؤمنين (ع): "العمر قصير والعلم كثير، فخذوا من كل علم ظروفه ودعوا فضوله"[2] .
ولهذا يجب الإختيار والانتخاب حتى في المطالعة أيضاً، وفي الصديق والمعاشر، ولا معنى للإختيار دون تفكير. فينظر ماذا يستفيد من معاشرة أصدقائه؟ ويفكر في أعماله وما هي آثارها فيه سلباً وإيجاباً؟ والأهم من ذلك أن يفكر في العمل الذي ينويه ويصمم عليه. إن أكثر تصميماتنا لم تسبق بالقدر اللازم من التفكير؛ أي لو فكرنا جيداً لم نقرر ما قررناه فعلاً. ومعنى التفكير في العمل الذي يريد انجازه هو التفكير بردود فعل ذلك العمل وملازماته. وما هي الآثار التي يخلفها؟ وإلى أين سيجره؟ وبتعبير الرسول (ص): ما هي عاقبته؟
بعد النظر
جاء رجل إلى الرسول (ص) وقال: يا رسول الله: انصحني. فقال (ص): هل تعمل بما اقول لك؟ ويقال أنه كرر سؤاله ثلاثاً. (إن التكرار هو لأجل رسوخ الجملة في ذهنه وعلمه بأنها جملة قيمة لا يحسن نسيانها) فقال: نعم، فقال الرسول (ص): إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته"[3]
إن التدبر الذي هو من مادة (دَبَرَ) له مفهوم "النظر في عواقب الأمور" التدبر والإدبار من مادة واحدة، فكل فعل له وجه وظهر، وغالباً ما يرى الإنسان وجه الفعل لكنه لا يرى ظهره. إلا بعد أن يجتاز الفعل، فعند ذلك ينظر ويرى خلفه، فكم من عمل لوجهه ولظهره شكل آخر. والتدبر في العاقبة هي أن يقلب الإنسان العمل من وجهه وظهره ويفكر فيه قبل الاقدام عليه.
يقول الإمام علي (ع) عن الفتنة بأن وجهها بشكل وظهرها بشكل آخر "إن الفتن إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت نبهت"[4] انها جمل عجيبة، فإن "الفتنة" إذا أقبلت وحصلت تكون بحكم غبار في الفضاء، أو ظلام لا يرى فيه الإنسان، فيظهر الكذب، والشائعات وتظهر الأحاسيس والعواطف الكثيرة. وفي الحقيقة يعجز الإنسان عن إصدار الحكم الصحيح ويقع في الفتنة. ولكن كأن الظلام والغبار ينجلي بهدوء الفتنة. وعند ذلك ينظر الإنسان، فيرى شيئاً آخر؛ فما رآه في الظلام هو غير ما يراه الآن في النور