بحث اية الله السيد علي الميلاني في مهرجان ربيع الشهادة الثامن .
بقلم |مجاهد منعثر منشد
البحث الموسوم بــــــــ(الإمام الحسين يهدي إلى الحق ويدعو إلى العدل) تقّدم به سماحة آية الله السيد علي الحسيني الميلاني .
(سيرة الباحث )
السيد الميلاني من العلماء الاجلاء الذين وضعوا بصماتهم العلمية والثقافية في إثراء مكتبة أهل البيت (عليهم السلام) بالبحوث والدراسات التي أخذت صدىً كبيراً محلياً وعالمياً وساهم بجهوده الحثيثة في الدفاع عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام )ونشر فكرهم وثقافتهم.
ولد سماحته سنة 1367هـ شهر رمضان في النجف الاشرف .
والده العلاّمة الحجة آية الله السيد نور الدين الميلاني كان إمام الروضة الحسينيّة المقدّسة ومن كبار علماء كربلاء المقدسة، توفي في الرّي سنة 1425هـ ودفن بقم المقدّسة.
وجدّه: آية الله العظمى السيد محمد هادي الميلاني، الذي كان من كبار مراجع التقليد وأعاظم العلماء، وتوفي سنة 1394 هـ في مدينة مشهد المقدسة ودفن في الروضة الرضويّة المطهّرة.
واُمّه: بنت العلاّمة الحجة المرحوم السيّد حسين الرضوي التبريزي النجفي، المتوفّى سنة 1375 بالنجف الأشرف، والمدفون في الصحن الحيدري الشريف. وهو نجل آية الله العظمى المجاهد السيد علي الرضوي التبريزي الملقّب بالداماد.
ووالدتها: بنت العلامة الحجة المرحوم الشيخ حسن الشربياني، وهو نجل آية الله العظمى الفاضل الشربياني، الذي كان زعيم الطائفة في عصره في النجف الأشرف. واُمّ والده: بنت آية الله العظمى الشيخ عبد الله نجل آية الله العظمى الشيخ محمد حسن المامقاني.
والسيد الحسيني الميلاني من اسرة علمية عريقة بالعلم والفضل .
وكانت دراسته الحوزوية في كربلاء المقدسة على يد فطاحل العلم وجهابذة العلماء ,ففي المقدمات كان استاذه العلاّمة الحجة المجاهد المرحوم السيّد محمّد نجل آية الله السيد مرتضى آل صاحب الرياض الطباطبائي.
وقرأ السّطوح على علماء كبار ومدرّسين مشاهير من تلامذة جدّه آية الله العظمى السيد محمد هادي الميلاني، كالشيخ محمّد الشاهرودي والشيخ محمّد حسين المازندراني والشيخ عبد الحسن البيضاني والسيد محسن الجلالي الكشميري.
ثمّ هاجر إلى النجف الأشرف لاكمال دراسته في الفقه والاُصول ,وبسبب بطش البعث الكافر ومطاردتهم العلماء الشيعة لم يبقى لفتره طويله حتى أضطر الى مغادرة العراق في سنة 1390هـ .
و توجّه إلى إيران بأمرٍ من جدّه المرجع السيّد الميلاني (قدس سره)، فحضر أبحاثه في الحوزة العلميّة بمشهد الامام الرضا (عليه السلام) وكان بخدمته إلى أنْ وافاه الأجل في شهر رجب من عام 1394هـ .
ثمّ نزل مدينة قم المقدّسة حيث الحوزة العلميّة الكبرى المزدحمة بأعلام العلماء من أهلها والمهاجرين إليها من النّجف الأشرف على أثر حوادث العراق فحضر على:
آية الله العظمى المرجع السيد محمّد رضا الموسوي الكلبايكانى، في الفقه.
وآية الله العظمى المرجع الشيخ حسين الوحيد الخراساني، في الفقه والاُصول.
وآية الله العظمى المرجع السيد محمد الحسيني الروحاني، في الاُصول.
وآية الله العظمى المرجع الميرزا محمّد كاظم التبريزي، في الفقه.
وآية الله العظمى الشيخ مرتضى الحائري، في الفقه.
وقد لازم المرجع السيد الكلبايكاني والمرجع الشيخ الوحيد، وكتب دروسهما في الفقه والاُصول.
وقد طبع في حياة المرجع السيد الكلبايكاني عدّة مجلّدات من تقرير بحوثه بأمرٍ منه، مع تقارير جليلة أشاد فيها بمقامه العلمي.
كما انتشر له كتاب تحقيق الاُصول على ضوء أبحاث المرجع الوحيد الخراساني..
والسيد الميلاني اشتغل بالتدريس والتاليف منذ وروده الحوزة العلمية في قم المقدسة.
(موجز البحث الذي عرضه سماحة السيد الحسيني الميلاني في مهرجان ربيع الشهادة الثقافي العالمي الثامن) :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد واله الطاهرين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
اتشرف بتقديم التهاني الى امام العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه ),وابارك لكم ولادة سيدنا الامام ابي عبد الله الحسين ,وسيدنا الامام زين العابدين علي بن الحسين وسيدنا ابي الفضل العباس (عليهم الصلاة والسلام).
واسال الله عزوجل ان يوفقنا للسير على هداهم والعمل بتعاليمهم والتقرب بهم الى الله ,فانه كما قال احد الفقهاء الشعراء
تصاعد مراقي العز تصاعدة في مراقي العز رتبتهم
فظن انهم لله اقران ولاتقس فضلهم بالانبياء اجل
سلمانهم بعد تصغير سليمان
وبعد فقد قال الله عزوجل {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }السجدة24.
وفي هذه الاية المباركة دلالات ,فهي تدل اولاعلى ان الامامة والخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه واله )انما هي بجعلا من الله عزوجل وانها بيد الله لابيد الخلق ,وتدل ثانيا على ان الغرض من نصب الائمة هداية الناس الى العدل .
وتدل ثالثا على ان الشرط لمن يتولى لهذا المنصب هو الصحر عن اليقين ثم ان المقصود من الهداية والعدل تطبيق ماجاء به الكتاب والسنة في جميع الشؤون الفكرية والعملية والاخلاقية .
قال تعالى في اية اخرى {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ }الأنبياء73
ومن الواضح ان الامامة الداعيه الى الكتاب والسنة يعتبر فيه ان يكون عالما بهما محيطا باسرارهم ,وان يكون عاملا بهما .
كما قال عزوجل { وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ } والافلايكون داعيا اليهما ,بل يكون داعيا الى نفسه ,ثم ان الادلة القطعية من العقل والنقل قد دلة على ان المصاديق التامة للائمة الذين يأتون بأمر الله تعالى هم الائمة من اهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) ,وقد بين رسول الله (صلى الله عليه واله ) هذا الامر لما نزل قوله تعالى { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }الرعد7.
فانه (صلى الله عليه واله ) قال : انا المنذر واومى الى منكب عليا فقال انت الهادي يا علي ,ياعلي بك يهتدي المهتدون من بعدي .هذا الحديث اخرجه كبار الحفاظ من اهل السنة من محدثين ومفسرين كعبد الله بن احمد في مسند ابيه ,وابن ابي حاتم الرازي ,وابو القاسم الطبراني ,والضياء المقدسي ,وأبي نعيم الاصفهاني ,والحاكم النيشابوري ,وابن عساكر الدمشقي ,وجلال الدين السيوطي ,وهكذا غيرهم .
وقد صححه غير واحد من كبار الحفاظ ,كالحافظ صاحب المستدرك ,وقال الحافظ الهيثمي في كتاب مجمع الزوائد رجال المسند ثقات ,وتجد الحديث المذكور بذيل الاية المباركة في كتب الائمة المفسرين مثل الطبري والثعلبي والرازي وابن كثير.وغيرهم .
كل هؤلاء يرون هذا الحديث بذيل الاية المباركة .
الحديث الذي ينص على ان الهداية بعدرسول الله (صلى الله عليه واله) لعلي امير المؤمنين وبهم يهتدي المهتدون من بعده .
وهذا الحديث كما يفسر الاية المذكورة كذلك يفسر قوله تعالى : {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }.
فالانذار والبلاغ مهمة الرسول ,ولذا جاء بصيغة الحق لرسول الله في غير اية من القران الكريم كقوله تعالى : { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ }{إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ }فاطر23.
{ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}الشورى48.
اما هداية الامة والوصول بها الى الغرض من البعثة ,فتلك مهمة الائمة المعصومين من بعده .ومما يدل على ذلك ايضا ان الهداية بمعناها العام المطلق كما تقتضي العصمة ولامعصومة بعد النبي (صلى الله عليه واله ) الا الائمة من اهل البيت (عليهم السلام) ,ولذا جعل الله تبارك وتعالى حفظ الاسلام ,والهداية الى معالمه ومبادئه وتطبيق العدالة في الارض بعهدة الائمة الطاهرين .
ولذلك نصبهم وامر بالتمسك بهم والتلقي منهم والانقياد لهم في احاديث كثيرة ثابته كحديث الثقلين الذي يدل بالفاظه المختلفة على هذه الحقيقة .كقوله (صلى الله عليه واله ) اني تارك فيكم ما ان اخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي .هذا الحديث المتواتر الدال على عصمة اهل البيت وافضليتهم من غيرهم ,والدال ايضا بغنيمة حديثين متواترين اخرين وبقطع النظر عن سائر الادلة أحدهم قوله (صلى الله عليه واله ) الائمة بعدي اثنا عشر .
والاخر من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة الجاهلية هذه الاحاديث الثلاثة المتواتره القطعية تدلوا على ان الارض لاتخلو من امام من اهل البيت الى قيام الساعة ,وان المهدي هو الامام الثاني عشر منهم وانه حي موجود .ولكن الذي حدث ان بعض الصحابه قال حسبنا كتاب الله ,فعزلت العترة عن قيادة الامة ,وحرمة الامة من هداية العترة لقد خسرت الامة اكبر خساره بعزل العترة عن قيادتها وتوالت عليها الويلات حتى وصل الامر الى حكم يزيد بن معاوية ,وهو مشهودا له من الصحابة وكبار التابعين بالفسق والفجور وجميع الموبقات ,وليت شعري القائل حسبنا كتاب الله يعلم بان الامر سيصل بعد سنوات الى يزيد وانه سيقول لاخبر جاء ولاوحيا نزل ,فكانت الامة ان تخسر الكتاب والعترة معا .
ولااحد اولى من ائمة الهدى لان يثبتوا على مبادىء الاسلام ان رؤيا ويدعو الامة لثبات عليها .
وهذا ماقام به ائمتنا (عليهم الصلاة والسلام) فانهم بينوا للمسلمين وجه الحق ودعوهم للثبات على الصراط المستقيم الذي جاء به رسول الله (صلى الله عليه واله ) .
وقد بدأ الامام الحسين (عليه السلاة والسلام) مواجهته الصريحه لمعاوية لما ارد ينصب ابنه يزيدا كما ذكر المؤرخون ,فقد كان مما قال لمعاوية في مجلسا جمع بينهما هيهات يامعاوية
هذا حسبك قحمد الدجى ..وبهرت الشمس انوار السرج
فهمت ماذكرته عن يزيد من اشتماله وسياسته لامة محمد تريد ان توهم الناس في يزيد كأنك تصف محجوبا او تنعت غائبا او تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص .
وقد دل يزيد من نفسه على موقع رايه ..دع عنك ماتحاول ,فما اغتناك ان تلقى الله من وزر هذا الخلق لاكثر مما انت لاقيه ,فوالله مابعثة تقدح باطلا في جور,وحنقا في ظلم حتى ملئت الاسئله ومابينك وبين الموت الا غمضه ,فتقدم على عملا محفوظ في يوما مشهود ,ولات حين مناص .
هذا هو الثبات على المبدأ ,وهداية الناس الى المبدأ ,فكان موقفه (عليه السلام) تفسيرا عمليا لقوله تعالى : {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا }البقرة256.
ولاعجب في ذلك فالحسين من ائمة الهدى الذين قال الله عنهم (جَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) .
ولقد كانت حركة الامام الحسين (عليه السلام) حركة الالهي والشواهد على ذلك كثيره جدا .ومن ذلك انه قال لشيخا لقيه في الطريق فقال له انشدك الله لما انصرفت ,فوالله ماتقدموا الا على الاسنة وحد السيوف .
قال له أمامنا (عليه السلام) ياعبد الله ليس يخفى علينا الراي ,وان الله تعالى لايغلب على أمره .
لقد دعى الامام الحسين (عليه السلام) الى طاعة الله وطاعة رسوله ,فكان نهجه تفسيرا عمليا لقوله تعالى : {َمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا }الحشر7.
وكان رسول الله قد اخبر بما قدر الله للحسين (عليه السلام),واخبر امته بذلك ,وتكرم عليه في حياته فرضي الامام بقضاء الله تعالى وقدره وقدم روحه واعز اولاده واخوته واصحابه فداءاطاعة لربه عزوجل ولرسوله (صلى الله عليه واله ) .
قال (عليه السلام) رضا الله رضانا اهل البيت نصبر على بلاءه ويوفينا اجور الصابرين لم تشذ عن رسول الله لحمته وهي مجموعة له في حضيرة القدس .تقر بهم عينه ويلتذ بهم وعده من كان باذلا فينا مهجته وموطنا على اهل قضاء الله نبذه فليرحل معنا فاني رحلا مصلحا ان شاء الله تعالى .
ثم ان التابعين للحسين (عليه السلام) هم اهل الثبات على المبادىء لقد علم الامام الحسين المؤمنين الثبات على الحق والتضحية من اجل مبادىء الاسلام .
فقد اصحابه قائلا : أيايها الناس ان رسول الله قال :من راى سلطان جائرا مستحلا لحرم الله تامثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يؤثر عليه بقعل ولا قولا كان حقا على الله تعالى ان يدخله مدخله الا ان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود فستاثروا بالغي واحلوا حرام الله وحرموا حلاله .وانا احق من غير .
فانا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله فلكم فيه اسوة .
نعم للمؤمنين اسوة بالحسين (عليه السلام) في حفظ القران والاخذ به والعمل بالفرائض والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والوقوف في وجه الظالم بحسب الموازين الشرعية فيا اهل الايمان الله الله في القران الله الله في احكام الاسلام الله الله في سنن النبي الله الله في تعاليم اهل البيت الله الله في الشعائر الحسينية وكلكم راعا وكلكم مسؤول عن رعيته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
المصدر موقع كتابات في الميزان