الفائدة الصحية للصيام (1)
أنّ الفائدة الصحية للصوم، تتجلى في مظاهر متنوعة كثيرة، ضجت بها الكتب، وعرفها أقدم الأطباء، وقد لخصها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في قولته الخالدة (صوموا تصحوا).
ويمكن إفراز الفوائد الصحية للصوم، إلى ثلاثة أقسام، هي:
1: الفوائد العامّة، الناتجة من الإمساك عن المباشرة الجنسية، والإمساك عن الأطعمة والسوائل.
2: الفوائد الناتجة من الإمساك عن المباشرة الجنسية.
3: الفوائد الناتجة من الإمساك عن الأطعمة والسوائل.
الفوائد العامّة
فإما الفوائد العامّة، فتظهر فيما يلي:
1: تهدئة الأعصاب
إنَّ أعصاب الإنسان قوية، قادرة على احتمال عمل كثير. فالمخ، يستطيع أنْ يعمل بلا انقطاع، دون أنْ يرهقه العمل، والعضلة البشرية، وتطيق العمل عشرات الساعات، قبل أنْ يبهضها التعب.
وإليك حقيقة مدهشة: (إنَّ العمل الذهني وحده، لا يفضي إلى التعب) وقد يبدو لك هذا القول سخيفاً، ولكن طائفة من العلماء، وحاولوا ـ منذ بضعة أعوام ـ أنْ يتعرفوا على مدى احتمال المخ الإنساني للعمل، قبل أنْ يدركه الكلل، ولشد ما كانت دهشتهم، حين وجدوا إنَّ الدماء المندفعة من المخ وإليه ـ وهو في أوج نشاطه ـ خالية من كل أثر للتعب.
فأنت إذا أخذت (عينة) من دماء عامل يشتغل بيديه ـ بينما هو يزاول عمله تراها حافلة، بـ (خمائر التعب) وأفرازاته. أما إذا أخذت (عينة) من الدماء المارة، بمخ عامل مثل (انشتاين) فلن تجد بها أثراً لـ (خمائر) التعب، حتى في نهاية يوم حافل بالنشاط الذهني.
ويذهب الطبيب النفسي الأمريكي (ا. ا. بريل) إلى حقيقة مدهشة أخرى، فيقول: (إنّ مائة في المائة من التعب، الذي يحسّه العمّال، الذين يتطلب عملهم الجلوس المتواصل، راجع إلى عوامل نفسية، أي عاطفية).
فإذا كان المخ الإنساني، لا يتعريه التعب قط، والعضلة البشرية، لا تتعب إلى أمد طويل، فإذن، ما الذي يشعرنا بالتعب؟يقول الأطباء النفسيون : إنَّ معظم التعب، الذي نحسّه، ناشئ عن طبيعة اتجاهنا الذهنية والعاطفية، وفي ذلك يقول الدكتور (هادفيلد) ـ العالم النفسي الإنكليزي ـ في كتابه (سيكولوجية القوة): إنّ الجانب الأكبر من التعب، الذي نحسه، ناشئ عن أصل ذهني، بل الحقيقة: إنّ التعب الناشئ عن أصل جسماني، لهو غاية في الندورة.
فماذا ترى من العوامل العاطفية، يشعر (العمال الجالسين) بالتعب؟تلك هي العوامل العاطفية، التي تشعر الموظفين والعمال الجالسين بالتعب، وترسلهم آخر النهار إلى بيوتهم، وهم يمسكون أدمغتهم من (الصداع العصبي).
وقد أشارت إلى ذلك (شركة متروبوليتان) ـ للتأمين على الحياة، في نشرةٍ وزعتها، بعنوان: (التعب) قالت فيها: (إنّ المجهود الشاق، في حد ذاته، قلما يسبب التعب ـ ونقصد ذلك النوع من التعب، الذي لا يزول بعد نوم عميق، أو فترة معقولة من الراحة ـ إنّما القلق، والتوتر، والثورات العاطفية، هي العوامل الثلاثة الأساسية، في انبعاث التعب، ولو بدا إنّ المجهود العقلي أو الجسماني، هو الأصل والسبب).
وإذا كان التعب ـ الذي يأكل الأعمار ـ ناجماً من القلق، والتوتر، والثورات العاطفية، فلا يمكن مكافحته، إلاّ عن طريق التوسل، بالهدوء والاسترخاء.
يقول دانيل جوسلين : عندما أحسُّ بالتعب، أو بتوتر في الأعصاب ـ في نهاية يوم من الأيام ـ أعلم يقيناً: إنّ مجهود ذلك اليوم، كان عميقاً من ناحية (الكم) وناحية (الكيف) ـ على السواء ـ. ولو أنَّ كل شخص وعى هذا الدرس، وعمل به، لقلة نسبة الوفيات، الناشئة عن أمراض التوتر العصبي، ولتوقفنا عن تزويد المصحات والمستشفيات، كل يوم بمرض التعب، والقلق.
والصوم أفضل وسيلة لتخفيف القلق، والتوتر، والثورة النفسية، لأمرين:
1ـ إنّه يرفع المستوى الفكري للإنسان، فوق مجال المادة، والحياة، حتى لا تلح به المصائب والهموم.
2ـ إنّه حيث يخفض ضغط الدم، يخفّف اللهب المسعور، الذي يطارد الإنسان إلى الهرع والاندفاع، والقلق والتوتر على أثر الخسارة.
وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد، فليقل: إنّي صائم...)
ليعلمنا طريقة الاستفادة الكاملة من الصوم، ورياضة الهدوء والاسترخاء.
فالأمراض الناشئة من القلق، والتوتر، والثورة النفسية، ولا دواء لها.سوى الرضا عن الله، والاستسلام لتقديره، والتسامح مع النّاس، كما أوصانا الله تعالى بقوله: ((خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ)).
وغالب الأفراد الذين يصبحون فريسة هذا المرض الخطير، هم:
إمّا من العابسين المتشائمين، ذوي الطباع الحادة.
وإمّا من الذي لا هم لهم ـ طوال اليوم ـ سوى أن يشعر بالهم واللهفة والأسى، على أمر كان، أو على أمر لم يكن.
وأما الذين يعانون المتاعب والهموم، لأنّهم ورطوا أنفسهم في أزمة مالية أو اجتماعية أو عائلية.
وهؤلاء ـ جميعاً ـ عرضه للمرض الجسماني، أو النفساني، الذي يتكون من سلسلة نبضات عصبية متواصلة، تتركز في المخ، ثم ينتقل أثرها إلى الجسد فتتوتر توتراً متصلاً.
فأغلب الانفعالات غير المقبولة، تؤدي إلى توتر الأعصاب، وأول مناطق هذا التوتر، مجموعة العضلات، في مؤخرة العنف، وعضلات الطرف الأعلى من (المريء) التي تشعرك بالغُصة، ثم أسفل (المرئي) ـ وهذا أخطر ـ إذ عندما تأخذ عضلات (المعدة) في الانقباض، فإنّك تشعر بضغط ثقيل كريه في الداخل، حتى يبلغ درجة لا تحتمل.
ومثل هذا النوع من تقلص العضلات، يمكن أنْ يحدث في أي جزء من (المصران الغليظ).
وكثير ممن يشكون آلاماً تشبه آلام (المرارة) ليسوا مرضى قط، وإنّما متبرمون بحياتهم، وهذا التبرّم، يحدث ذلك الانقباض في (المصران) ومن ثم الآلام.
وما يقال عن أعضاء البطن، يقال عن أعضاء الرأس، فـ (الصداع) الذي يحدث لهؤلاء، المتبرمين، سببه: أنّ (الأوعية الدموية) تنقبض بشدة من آثار عنيفة، فتحدث آلام.
ثلث أمراض الجلد والصدر، ناتجة عن هذا التوتر العصبي.
والآن، كيف العمل للخلاص من هذا البلاء.
والصوم، الذي فرضه الله علينا شهراً في السنة، يحقق لنا الاسترخاء، من هذا التوتر المهلك.
فالصوم، يعلّمنا : الصبر، والسماحة، والكلم الطيب، والرضا عن الله سبحانه ـ كما سبق في الحديث النبوي الشريف ـ.
والصوم، يعلمنا : كيف نتقبل المصائب بصبر جميل، حتى لا تهد كياننا إذا فاجأتنا الأرزاء دفعة واحدة؟.
والصوم، يعلّمنا : كيف نتسامح مع النّاس، ونكافح المشادّة بالرفق، والعقد والأزمات، وبالبساطة والسهولة؟
والصوم، يعلّمنا : كيف نقول الكلمة الطيبة، دون أنْ نتنازل إلى الابتذال، إنْ قذفنا لئيم بكلمة بذيئة.
2 : ترويض النفس
إنّ أكثر الكوارث التي تدهم النّاس، نتاج طبيعي عن الهوسات الارتجالية، التي يفعلونها، تلبية لنزق الطائش، الذي يسوّله الشيطان لهم.
ولو فحصنا أكثر المحاكم والسجون في ظل الحكومات الصحيحة، لم نجد فيها من يساق إليها بدافع عقله ـ إلاّ إذا كانت الحكومات منحرفة تضطهد المفكرين ـ وإنّما هو الطيش، التي يزج بالألوف في المحاكم والسجون.
أو ليس في الحديث: (أعدى أعدائك، نفسك التي بين جنبيك)؟وإذا كانت النفس، مصدر الويلات والنكبات، التي تنغّص حياة النّاس، فما أجدر الإنسان بأنْ يروض نفسه ـ قبل أنْ يدخل في الحياة المشتركة ـ حتى يستريح من غائلة هذا العدو الداخلي، ويتفرغ لمكافحة أعدائه الخارجيين في جبهة واحدة.
والنفس، كالأرض ـ أو ليست من الأرض؟ إنْ أهملت تنبت الحشائش والأشواك، وإنْ روعيت، تنبت كلما حلى وطاب.((وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً)) فإذا تركت النفس، تعبِّر عن طاقاتها في الشهوات، وإنْ روضت تعبِّر عن طاقاتها في الملكات.
وإذا راضت النفس، يصح الجسم، ويستريح الجسد، أو ليس المجرمون أكثر النّاس شقاءً ورهقاً؟ وأوَ ليس الصالحون، أقل النّاس شقاءً ورهقاً؟ فالمجرم ـ وإنْ قلت مصائبه ـ يعيش في قلق وارتباك، يحسب كل صيحة عليه، ويحسب كل ضربة خسارة، بينما الإنسان الصالح ـ وإنْ كثرت مصائبه ـ يعيش في ثقة واطمئنان، يعلم أنّه لا يصيبه إلاّ ما كتب الله له، ويعلم أنّه لا يصيبه مكروه إلاّ كتب له به عمل صالح.
وإذا اطمئنت النفس وهدئت، واطمأنت الأعصاب وهدئت، فاستطاعت الأجهزة العاملة في داخل الإنسان، أنْ تؤدي واجباتها، بتوفر واطراد، فتحصّنت من الأمراض الكثيرة، والناجمة عن اضطراب عمل الأجهزة الداخلية في الإنسان، وإذا قلقت النفس، وارتبكت الأعصاب، واضطربت الأجهزة الداخلية، فلم تطق أداء واجباتها الرتيبة بانتظام، وفسد الجسم كله.
لقد قال (أفلاطون): (إنّ أكبر أخطاء الأطباء، أنّهم يحاولون علاج الجسد، دون العقل، في حين أن العقل والجسد، وجهان لشيء واحد، فلا ينبغي أنْ يعالج أحد الوجهين على حدة).
المصدر : كتاب حديث رمضان
الشهيد السيد حسن الشيرازي
أنّ الفائدة الصحية للصوم، تتجلى في مظاهر متنوعة كثيرة، ضجت بها الكتب، وعرفها أقدم الأطباء، وقد لخصها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في قولته الخالدة (صوموا تصحوا).
ويمكن إفراز الفوائد الصحية للصوم، إلى ثلاثة أقسام، هي:
1: الفوائد العامّة، الناتجة من الإمساك عن المباشرة الجنسية، والإمساك عن الأطعمة والسوائل.
2: الفوائد الناتجة من الإمساك عن المباشرة الجنسية.
3: الفوائد الناتجة من الإمساك عن الأطعمة والسوائل.
الفوائد العامّة
فإما الفوائد العامّة، فتظهر فيما يلي:
1: تهدئة الأعصاب
إنَّ أعصاب الإنسان قوية، قادرة على احتمال عمل كثير. فالمخ، يستطيع أنْ يعمل بلا انقطاع، دون أنْ يرهقه العمل، والعضلة البشرية، وتطيق العمل عشرات الساعات، قبل أنْ يبهضها التعب.
وإليك حقيقة مدهشة: (إنَّ العمل الذهني وحده، لا يفضي إلى التعب) وقد يبدو لك هذا القول سخيفاً، ولكن طائفة من العلماء، وحاولوا ـ منذ بضعة أعوام ـ أنْ يتعرفوا على مدى احتمال المخ الإنساني للعمل، قبل أنْ يدركه الكلل، ولشد ما كانت دهشتهم، حين وجدوا إنَّ الدماء المندفعة من المخ وإليه ـ وهو في أوج نشاطه ـ خالية من كل أثر للتعب.
فأنت إذا أخذت (عينة) من دماء عامل يشتغل بيديه ـ بينما هو يزاول عمله تراها حافلة، بـ (خمائر التعب) وأفرازاته. أما إذا أخذت (عينة) من الدماء المارة، بمخ عامل مثل (انشتاين) فلن تجد بها أثراً لـ (خمائر) التعب، حتى في نهاية يوم حافل بالنشاط الذهني.
ويذهب الطبيب النفسي الأمريكي (ا. ا. بريل) إلى حقيقة مدهشة أخرى، فيقول: (إنّ مائة في المائة من التعب، الذي يحسّه العمّال، الذين يتطلب عملهم الجلوس المتواصل، راجع إلى عوامل نفسية، أي عاطفية).
فإذا كان المخ الإنساني، لا يتعريه التعب قط، والعضلة البشرية، لا تتعب إلى أمد طويل، فإذن، ما الذي يشعرنا بالتعب؟يقول الأطباء النفسيون : إنَّ معظم التعب، الذي نحسّه، ناشئ عن طبيعة اتجاهنا الذهنية والعاطفية، وفي ذلك يقول الدكتور (هادفيلد) ـ العالم النفسي الإنكليزي ـ في كتابه (سيكولوجية القوة): إنّ الجانب الأكبر من التعب، الذي نحسه، ناشئ عن أصل ذهني، بل الحقيقة: إنّ التعب الناشئ عن أصل جسماني، لهو غاية في الندورة.
فماذا ترى من العوامل العاطفية، يشعر (العمال الجالسين) بالتعب؟تلك هي العوامل العاطفية، التي تشعر الموظفين والعمال الجالسين بالتعب، وترسلهم آخر النهار إلى بيوتهم، وهم يمسكون أدمغتهم من (الصداع العصبي).
وقد أشارت إلى ذلك (شركة متروبوليتان) ـ للتأمين على الحياة، في نشرةٍ وزعتها، بعنوان: (التعب) قالت فيها: (إنّ المجهود الشاق، في حد ذاته، قلما يسبب التعب ـ ونقصد ذلك النوع من التعب، الذي لا يزول بعد نوم عميق، أو فترة معقولة من الراحة ـ إنّما القلق، والتوتر، والثورات العاطفية، هي العوامل الثلاثة الأساسية، في انبعاث التعب، ولو بدا إنّ المجهود العقلي أو الجسماني، هو الأصل والسبب).
وإذا كان التعب ـ الذي يأكل الأعمار ـ ناجماً من القلق، والتوتر، والثورات العاطفية، فلا يمكن مكافحته، إلاّ عن طريق التوسل، بالهدوء والاسترخاء.
يقول دانيل جوسلين : عندما أحسُّ بالتعب، أو بتوتر في الأعصاب ـ في نهاية يوم من الأيام ـ أعلم يقيناً: إنّ مجهود ذلك اليوم، كان عميقاً من ناحية (الكم) وناحية (الكيف) ـ على السواء ـ. ولو أنَّ كل شخص وعى هذا الدرس، وعمل به، لقلة نسبة الوفيات، الناشئة عن أمراض التوتر العصبي، ولتوقفنا عن تزويد المصحات والمستشفيات، كل يوم بمرض التعب، والقلق.
والصوم أفضل وسيلة لتخفيف القلق، والتوتر، والثورة النفسية، لأمرين:
1ـ إنّه يرفع المستوى الفكري للإنسان، فوق مجال المادة، والحياة، حتى لا تلح به المصائب والهموم.
2ـ إنّه حيث يخفض ضغط الدم، يخفّف اللهب المسعور، الذي يطارد الإنسان إلى الهرع والاندفاع، والقلق والتوتر على أثر الخسارة.
وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد، فليقل: إنّي صائم...)
ليعلمنا طريقة الاستفادة الكاملة من الصوم، ورياضة الهدوء والاسترخاء.
فالأمراض الناشئة من القلق، والتوتر، والثورة النفسية، ولا دواء لها.سوى الرضا عن الله، والاستسلام لتقديره، والتسامح مع النّاس، كما أوصانا الله تعالى بقوله: ((خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ)).
وغالب الأفراد الذين يصبحون فريسة هذا المرض الخطير، هم:
إمّا من العابسين المتشائمين، ذوي الطباع الحادة.
وإمّا من الذي لا هم لهم ـ طوال اليوم ـ سوى أن يشعر بالهم واللهفة والأسى، على أمر كان، أو على أمر لم يكن.
وأما الذين يعانون المتاعب والهموم، لأنّهم ورطوا أنفسهم في أزمة مالية أو اجتماعية أو عائلية.
وهؤلاء ـ جميعاً ـ عرضه للمرض الجسماني، أو النفساني، الذي يتكون من سلسلة نبضات عصبية متواصلة، تتركز في المخ، ثم ينتقل أثرها إلى الجسد فتتوتر توتراً متصلاً.
فأغلب الانفعالات غير المقبولة، تؤدي إلى توتر الأعصاب، وأول مناطق هذا التوتر، مجموعة العضلات، في مؤخرة العنف، وعضلات الطرف الأعلى من (المريء) التي تشعرك بالغُصة، ثم أسفل (المرئي) ـ وهذا أخطر ـ إذ عندما تأخذ عضلات (المعدة) في الانقباض، فإنّك تشعر بضغط ثقيل كريه في الداخل، حتى يبلغ درجة لا تحتمل.
ومثل هذا النوع من تقلص العضلات، يمكن أنْ يحدث في أي جزء من (المصران الغليظ).
وكثير ممن يشكون آلاماً تشبه آلام (المرارة) ليسوا مرضى قط، وإنّما متبرمون بحياتهم، وهذا التبرّم، يحدث ذلك الانقباض في (المصران) ومن ثم الآلام.
وما يقال عن أعضاء البطن، يقال عن أعضاء الرأس، فـ (الصداع) الذي يحدث لهؤلاء، المتبرمين، سببه: أنّ (الأوعية الدموية) تنقبض بشدة من آثار عنيفة، فتحدث آلام.
ثلث أمراض الجلد والصدر، ناتجة عن هذا التوتر العصبي.
والآن، كيف العمل للخلاص من هذا البلاء.
والصوم، الذي فرضه الله علينا شهراً في السنة، يحقق لنا الاسترخاء، من هذا التوتر المهلك.
فالصوم، يعلّمنا : الصبر، والسماحة، والكلم الطيب، والرضا عن الله سبحانه ـ كما سبق في الحديث النبوي الشريف ـ.
والصوم، يعلمنا : كيف نتقبل المصائب بصبر جميل، حتى لا تهد كياننا إذا فاجأتنا الأرزاء دفعة واحدة؟.
والصوم، يعلّمنا : كيف نتسامح مع النّاس، ونكافح المشادّة بالرفق، والعقد والأزمات، وبالبساطة والسهولة؟
والصوم، يعلّمنا : كيف نقول الكلمة الطيبة، دون أنْ نتنازل إلى الابتذال، إنْ قذفنا لئيم بكلمة بذيئة.
2 : ترويض النفس
إنّ أكثر الكوارث التي تدهم النّاس، نتاج طبيعي عن الهوسات الارتجالية، التي يفعلونها، تلبية لنزق الطائش، الذي يسوّله الشيطان لهم.
ولو فحصنا أكثر المحاكم والسجون في ظل الحكومات الصحيحة، لم نجد فيها من يساق إليها بدافع عقله ـ إلاّ إذا كانت الحكومات منحرفة تضطهد المفكرين ـ وإنّما هو الطيش، التي يزج بالألوف في المحاكم والسجون.
أو ليس في الحديث: (أعدى أعدائك، نفسك التي بين جنبيك)؟وإذا كانت النفس، مصدر الويلات والنكبات، التي تنغّص حياة النّاس، فما أجدر الإنسان بأنْ يروض نفسه ـ قبل أنْ يدخل في الحياة المشتركة ـ حتى يستريح من غائلة هذا العدو الداخلي، ويتفرغ لمكافحة أعدائه الخارجيين في جبهة واحدة.
والنفس، كالأرض ـ أو ليست من الأرض؟ إنْ أهملت تنبت الحشائش والأشواك، وإنْ روعيت، تنبت كلما حلى وطاب.((وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً)) فإذا تركت النفس، تعبِّر عن طاقاتها في الشهوات، وإنْ روضت تعبِّر عن طاقاتها في الملكات.
وإذا راضت النفس، يصح الجسم، ويستريح الجسد، أو ليس المجرمون أكثر النّاس شقاءً ورهقاً؟ وأوَ ليس الصالحون، أقل النّاس شقاءً ورهقاً؟ فالمجرم ـ وإنْ قلت مصائبه ـ يعيش في قلق وارتباك، يحسب كل صيحة عليه، ويحسب كل ضربة خسارة، بينما الإنسان الصالح ـ وإنْ كثرت مصائبه ـ يعيش في ثقة واطمئنان، يعلم أنّه لا يصيبه إلاّ ما كتب الله له، ويعلم أنّه لا يصيبه مكروه إلاّ كتب له به عمل صالح.
وإذا اطمئنت النفس وهدئت، واطمأنت الأعصاب وهدئت، فاستطاعت الأجهزة العاملة في داخل الإنسان، أنْ تؤدي واجباتها، بتوفر واطراد، فتحصّنت من الأمراض الكثيرة، والناجمة عن اضطراب عمل الأجهزة الداخلية في الإنسان، وإذا قلقت النفس، وارتبكت الأعصاب، واضطربت الأجهزة الداخلية، فلم تطق أداء واجباتها الرتيبة بانتظام، وفسد الجسم كله.
لقد قال (أفلاطون): (إنّ أكبر أخطاء الأطباء، أنّهم يحاولون علاج الجسد، دون العقل، في حين أن العقل والجسد، وجهان لشيء واحد، فلا ينبغي أنْ يعالج أحد الوجهين على حدة).
المصدر : كتاب حديث رمضان
الشهيد السيد حسن الشيرازي