: التَّعاطي العَقََْدي مع الإمام المهدي:عليه السلام:القسم الرابع:
=============================
: شهرُ رمضان أنموذجا :
===============
:القسم الرابع :
=========
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين.
:4:
كُنّا قد تحدّثنا في البحوث السابقة عن مُعطيات الصيام عَقْديّا وتشريعيا.
بما يتكفّل بتنضيج الوعي العَقْدي والشرعي لدى المؤمنين بالقدر المُمكن.
وفي هذا البحث سنتحدَّث إيجازاً عن الغرض العام والمُطلَق من نزول القرآن الكريم
ونحاول ربطه عَقْديا وتشريعياً بالإمام المهدي
:عليه السلام:
قال اللهُ تعالى :
{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ }البقرة185
إنَّ هذا المقطع القرآني الشريف قد إختزل في متنه الغرض الحكيم والهادف من نزول القرآن الكريم
ولخّصه بنقطتين رئيسيّتين هما:
: أ :
كون القرآن الكريم هو كتاب هداية للناس كافة إلى الحق
: هُدًى لِّلنَّاسِ :
: ب :
إعتبار القرآن الكريم هو المرجعيّة العَقْديّة والفكرية والتشريعيّة للناس قاطبة .
وهو الفارقُ المعياري بين الحق والباطل
وبين الصحيح والفاسد .
: وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ :
وهاتان النقطتان الرئيستان تحكيان عن أنَّ مَنْ يتعاطى مع القرآن الكريم
يجب أن يضع في حسبانه المعرفي والعقدي والشرعي الإيقان والقطع بحجيَّة القرآن الكريم صدوراً عن الله تعالى
ودلالةً سديدةً لما يريده سبحانه .
وهذا هو ما يجعل الإنسان المؤمن يتحرّك بقوة ودراية وإيمان ضمن مساحة الإعتقاد والتطبيق في هذه الحياة.
ومن هنا سندرك أنَّ مفهوم الهداية العامة قرآنيا
للناس قاطبة
ومفهوم كون القرآن الكريم هو المرجعيّة العَقْديّة والفكرية والتشريعيّة للناس قاطبة .
ليس هما مفهومين تجريديَّن فحسب
بحيث ينحصر وجودهما في عالم الذهن والمفاهيم فقط
لا بل هما مفهومان وجوديان لهما آثارهما العينية خارجا وتطبيقا.
وبعبارة أوضح إنَّ القرآن الكريم يكتنف في ذاته المعرفيّة والمنهجيّة المفاهيم وتطبيقاتها قطعا
وبصورة لا تقبل التفكيك والتبعيض.
وكمثال على ذلك للتقريب
حينما يتحدّث القرآن عن الهداية فهو يتحدّث عن مفهوم أولي مرتبط إرتباطاً وثيقا بمصداقه وهو الهادي .
قال تعالى:
(( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ )) الرعد7
وكذلك الحال عندما يتحدث عن حقيقة كون القرآن الكريم هو المرجعيّة المعصومة عقديا وتشريعيا وفكريا
فإنه يتحدّث عن مصاديق هذه المرجعيّة المعصومة
وهم الأنبياء وأوصيائهم من الأئمة المعصومين
:عليهم السلام:وبضمنهم الإمام المهدي:عليه السلام:
قال تعالى:
(( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )) الأنبياء7
وبهذا يتضح أنَّ لكل مفهوم قرآني مِصداقاً كلٌ بحسبه
ولا يمكن الحديث عن مفاهيم تجريدية محضة ليس لها تمَثُلٌ في عالم الوجود.
وكدليل آخر على هذه الحقيقة القرآنيةّ
إننا نلحظ حتى الوجودات العقلانية الصرفة والمجردة كالملائكة
إنّها حينما تُريد الخروج من عالم الوجود التجريدي إلى عالمنا الإمكاني
تأخذ طريقها إلى التمثُّل وجوديا وطبيعيا بصورة البشر
قال تعالى:
(( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً )) مريم17
إذاً بعد إمكان تمثُّل المفاهيم القرآنيّة مصداقياّ لا يبقى سبيلٌ للإنكار علينا في التحديد والتشخيص لمصداق كل مفهوم.
وأعني مفهوم الهداية هنا ومصداقها الأجلى
الإمام المهدي:عليه السلام:
وكذلك المرجعيّة القرآنيّة المعصومة والتي هي لاتنفك يقيناً عن مصداقها المعصوم
ومنه الإمام المهدي:عليه السلام:
ومن اليقين القاطع أنَّ الإمام المهدي :عليه السلام:
هو الذي عنده علم الكتاب :القرآن الكريم:
وإلى ذلك قد أشار القرآن الكريم في تحديده للمصداق الأول في وقت النزول ألا وهو الإمام علي :عليه السلام:
قال تعالى:
(( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ )) الرعد43
عن بريد بن معاوية قال :
قلتُ لأبي جعفر :عليه السلام :
((قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ))
؟
قال : إيَّانا عَنى ، وعليٌّ:عليه السلام:
أولنا وأفضلنا وخيرنا
بعد النبي :صلى الله عليه وآله:
:الكافي : الكليني :ج1:ص229.
وقريبٌ من هذا المعنى أيضا
روي أنه سئُِلَ النبي محمد: صلى الله عليه وآله وسلم :
عن قوله - تعالى - :
( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين )
فقيل : أهو التوراة ؟
قال :ص : لا .
فقيل : أهو الإنجيل ؟
قال: ص : لا
هو هذا - وأشار إلى أمير المؤمنين علي
: عليه السلام :
إنه الإمام الذي أحصى الله تبارك وتعالى فيه علم كل شيء :
:معاني الأخبار : الصدوق :ص95.
وكثيرةٌ هي الروايات التي تُحدد مصاديق المفاهيم القرآنية بالأئمة المعصومين:عليهم السلام:
ولايوجد ما يمنع من ذلك عقلا وشرعا
فهم:عليهم السلام: أهل القرآن وحملته خاصة.
وقد ورد في فقرات الزيارة الصادرة عن الناحيّة المُقدّسة:
الإمام المهدي:عليه السلام:
والخاصة به:عليه السلام:
السلامُ عليك أيها العَلَم المَنصوب
والعِلمُ المَصبوب
والغوث والرحمة الواسعة
وعداً غير مكذوب
:الإحتجاج :الطبرسي :ج2:ص316.
لاحظوا ثنائيّة المرجعيّة في الهداية والعلم والمعرفة والتشريع
تتجلى في فقرتي :
:العَلَمُ المَنصوب:
و
والعِلمُ المَصبوب
والعَلمُ إنما يُنصب ويُرفع دليلا وهاديا إلى من يطلب الهدى والوصول إلى المطلوب .
فكذا هو الإمام المهدي:عليه السلام:
إنما هو في واقعه عَلمٌ وإمامٌ منصوب من قبل الله تعالى للناس أجمعين
لطالما كان غرض نزول القرآن هدىً للناس
وكذلك أيضا
كون الإمام المهدي:عليه السلام:
هو العِلمُ المَصبوب
فهذا هو معنى المرجعيّة العقدية والتشريعية والفكرية للإمام :عليه السلام:
إذ هو مَن يكون المصداق الأوحد والمعصوم في تمثيله لمفهوم مرجعيّة القرآن الكريم العلمية والمعرفية والعقدية والتشريعية واقعا.
ووفق ما تبيّن أعلاه يتضح معنى
ما تواتر بين العامة والخاصة عن النبي محمد:
:صلى الله عليه وآله وسلّم:
أنه قال :
: إنِّي تاركٌ فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا
كتاب الله وعترتي أهل بيتي
وإنَّهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض :
: رواه الترمذي في سننه ج 13 ص 200 و 201 باختلاف يسير في اللفظ
ومسلم في صحيحه ج 7 ص 122 و 123
وأحمد بن حنبل في مسنده ج 3 ص 14 و 17 و 26 و 59
والدارمي في سننه ج 2 ص 432 :
وفي هذا الحديث الصحيح والمتواتر دليلٌ كافٍ على مرجعيّة اهل البيت المعصومين :عليهم السلام:
في الهداية والعلم والمعرفة والعقيدة والتشريع
وفقرة: لن يفترقا :
وبصيغة النفي التأبيدي:
هي الأخرى تحكي معنى وضرورة وجود الإمام المعصوم:عليه السلام:
مادام القرآن الكريم موجودا وباقيا
وهذا هو ما يتجلى واقعا بإمامنا المهدي :عليه السلام:
في يومنا هذا وإلى أن يردا الحوض
ويتبعُ القسم الخامس إن شاء الله تعالى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :