سماحة السيد صادق الحسيني الشيرازي (اطال الله في عمره ) |
من المواضيع التي تم بحثها في مستهلّ جلسة هذه الليلة, كان موضوع عدم توضّؤ إمام الجماعة, حيث سأل أحد الفضلاء من المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله, بقوله: إذا علم إمام الجماعة حين الصلاة بأنه لم يتوضّأ, ويخجل أن يقطع صلاته أمام المأمومين, فهل يمكنه الاستمرار بالصلاة؟ أجاب سماحته: لقد بحث صاحب العروة هذه المسألة وقال: يمكنه قطع الصلاة لعذر واحد فقط ولايجوز له أن يستمرّ بها, وقد أيّد هذا القول أغلب المحشّين على العروة, ولم يعلّقوا عليها بشيء. ولكن هنا يوجد مطلب جدير بالذكر, وهو: إنّ القواعد العامة تقتضي انه إذا استمر بقصد الصلاة فهذا حرام, كما في الرواية الشريفة التالية: «أما يخاف الذي يصلّي من غير وضوء أن يخسف الله به الأرض». فهذا التعبير له ظهور في الحرمة, وفيه دلالة على أنه معصية, وهي معصية كبيرة. وهذا الظهور هو جزء من مرتكزات المتديّنين. وينطبق هذا الحكم على إمام الجماعة (المذكور) إذا قصد الصلاة. أما إذا استمر بالصلاة بلا نيّة الصلاة, أي يركع ويسجد ويقرأ الأذكار بلا قصد الصلاة, فهل يكون هذا في نفسه من المحرّمات وغير جائز؟ أو انها ليست بصلاة كي يشمله: (يصلّي من غير وضوء)؟ فلاشكّ انه لا توجد مشكلة بالنسبة لصلاة المأمومين, لأنها صحيحة, إلاّ إذا علموا أن الإمام على غير وضوء, فعندها ستكون صلاتهم غير صحيحة. ثم سأل آخر, تعقيباً على ما مرّ ذكره, وقال: إذا كان قطع الصلاة يسبب الحرج لإمام الجماعة, المذكور في المسألة التي ذكرت آنفاً, فهل يرفع الحرج عنه التكليف كي يمكنه الاستمرار بالصلاة؟ قال سماحته: علينا أن نعرف هل الخجل هو حرج أو ليس بحرج؟ فبالنتيجة: هو حرج شخصي, ويختلف بالنسبة لكل إنسان. هنا طرح سماحة المرجع الشيرازي دام ظله مسألة اخرى للبحث, وقال: قبل فترة قال أحد الاخوة من العراق أنه في إحدى المدن العراقية انقطع التيار الكهربائي بسبب تضرّر تعرّضت له بعض محرّكات المحطّة, وقالوا بأن توصيل الكهرباء يستغرق عدّة أيام, حيث صرّح المسؤول المهتم بالكهرباء: إذا أردنا إرسال موظّفوا الدائرة لإصلاح الضرر الحاصل وإيصال الكهرباء للمدينة فهذا يلزم إفطارهم. فهل يجوز له أن يجبرهم على الإفطار بهذه الصورة؟ أجاب أحد الفضلاء الحضور بقوله: عليهم أن يبتعدوا عن مدينتهم بمقدار المسافة الشرعية كي يصدق عليهم عنوان المسافرين, فيفطروا, وبعدها يذهبون إلى مكان تصليح الكهرباء. أما سماحته فقد قال في الجواب على ذلك: قبل أن ننظر إلى وجوب سفرهم, ترى هل يجوز لهم أن يفطروا أم لا يجوز؟ ثم أضاف سماحته: نعم إذا كان في عدم تصليح الكهرباء هلاك النفوس (من المواطنين) فلا شكّ يجوز لهم أن يفطروا, حتى إن مات واحد فقط صعقاً بالكهرباء. وماذا إذا لم يكن هناك حالة تضرّر أو موت أحد من المواطنين؟ بالنتيجة انقطاع الكهرباء صعب جدّاً على الناس, وانقطاعه يخلّ بالكثير من الأمور والأعمال, فلذا من باب ان الصنائع والحرف (واجب كفائي) إذا حصل خلل في نظام حياة المجتمع, فيجوز للموظّفين المذكورين أن يفطروا. بعدها سأل الفضلاء وقال: إذا كان الزوج مصاب بالجنون الأدواري, أي تأتيه حالة الجنون بين فترة واخرى, فهل, في فترة الجنون, يجب على الزوجة أخذ إذن الخروج من البيت من الزوج المذكور؟ قال سماحته: كلا, لأن موضوع وجوب الإذن هو: (الزوج العاقل), وهذا الموضوع غير محقّق بالنسبة للزوجة. وهذا الحكم يجري أيضاً في حال طلاق الزوجة المذكورة, لأنه لا ولاية للزوج المجنون, في حين ان الطلاق بحاجة إلى قصد الإنشاء, ولا يستطيع المجنون أن يقصد الإنشاء, ولذا يرجع الطلاق إلى الحاكم الشرعي, فالأخير هو وليّ من لا وليّ له. وسأل آخر: إذا أعرض الشخص عن مدينته (موطنه) إلى مدينة اخرى, ثم اشترى بعد فترة ملكاً في مدينته الاولى (موطنه) ويقوم بعض الأحيان بالسفر إلى مدينته الأولى, فهل يصدق على مدينته الأولى حكم الوطن؟ أجاب سماحته قائلاً: إذا يسافر إليها كم يوم ويبقى فيها, فكلاّ لا تحتسب وطنه. وأما إذا بقى فيها شهرين أو ثلاث في السنة, نعم ستحتسب وطنه. لأنه سوف لا يقال عنه بأنه مسافر. فالملاك في الوطن (استناداً إلى ما تفضّل به الحاج السيد رضا همداني الذي أيّد قوله أيضاً من أتى بعده من الفقهاء) هو: لا يصدق عليه المسافر, لجهة وجود الفرق بين الوطن الأمّ والوطن الاتّخاذي. ثم سأل أحد الفضلاء أيضاً, وقال: هل يجوز التبعيض في التقليد؟ أجاب سماحته: مع وجود الشروط الثلاثة أدناه, يجب تقليد الأعلم, ولا يجوز التبعيض في التقليد. والشروط هي: الأول: أن يكون محرزاً لوجود الأعلم بين المجتهدين. الثاني: أن يكون هناك اختلاف بين وجهة نظر مرجع تقليده ووجهة نظر الفقهاء الآخرين. الثالث: أن لا يسبب الرجوع إلى الأعلم لأخذ الأحكام منه حرجاً أو ضرراً. أما في حال عدم توافر هذه الشروط أو بعضها, فيجوز التبعيض في التقليد. بعدها سأل أحد الفضلاء, وقال: ما هو دليل ومستند وجوب تقليد الأعلم؟ قال سماحته: دليله هو بناء العقلاء, لجهة أنهم كانوا يعملون هكذا في سيرتهم حيث كانوا يرجعون في كل فن إلى الأعلم. والدليل الآخر هو حكم العقل من باب احتمال لزوم دفع الضرر. ثم أردف سماحته بقوله: لا شكّ أن بعض الفقهاء لم يوجبوا تقليد الأعلم بنحو مطلق كالسيد المرتضى وصاحب الجواهر. ولكن ظاهراً ليس مقصودهم ومرادهم أنه حتى مع توافر الشروط الثلاثة المذكورة لا يجب تقليد الأعلم, بل هو لجهة عدم توافر تلك الشروط, أو لأنه عادة قول هذه البيّنة في أن هذا الشخص هو الأعلم متعارض مع بيّنة اخرى ومتساقط, أو لأنه في تشخيص ومعرفة الأعلم حرج, فلذا لا يهتدي, عملاً, إلى الحصول على الأعلم. وسأل أحد من الفضلاء أيضاً, بقوله: إحدى أدلّة عدم مطهّريّة الماء المضاف هي: الأصل عدم المطهّريّة. فما هذا الأصل؟ أجاب سماحته: هو أصل العدم, وهو بنفسه أصل برأسه ومستقلّ, وقد ذكرناه في أول بحث الاستصحاب في كتاب: بيان الأصول. لأن الأمر الحادث يحتاج إلى دليل وكونه مطهّراً. والأمر الحادث يحتاج إلى جعلية من الشارع. ولذا يجب أن يكون هناك دليل يقول بأن الشارع جعل المطهّريّة للمضاف. وأما بعدم وجود الدليل فيكون الأصل هو عدم المطهّريّة. |