روى محّمدُ بنُ أبيِ السرَّيّ التّميميّ ، عن أحمد بن الفَرجِ ، عن أبيهِ ، عنِ ابنِ عبّاسٍ رحمةُ اللّهِ عليهِ قالَ : لمّا خرجَ النبي صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ إِلى بني المُصْطَلِقِ جَنَّبَ عنِ الطّريقِ ، وأدركَه الليلُ فنزلَ بقرب وادٍ وَعْرٍ ، فلمّا كانَ في آخرِ الليلِ هبطَ عليه جْبرئيْلُ عليهِ السّلامُ يُخبرهُ أن طَائفةً من كفار
الجنِّ قدِ استبطنوا الواديَ يريدونَ كيدَه وإيقاعَ الشّرِّ بأصحابه عندَ سلوكِهم إِيّاه ، فدعا أميرَ المؤمنينَ علي بنَ أبي طالبٍ عليهِ السّلامُ وقالَ له : «اذهبْ إِلى هذا الوادي ، فسيَعرِضُ لكَ من أعداءِ اللّهِ الجنَ مَنْ يُريدُك ، فادفعْه بالقوّة الّتي أعطاكَ اللهُ عزّ وجلّ ، وتَحصَّنْ منه بأسماءِ اللهِ الّتي خَصَّكَ بعلمِها» وأنفذَ معَه مائةَ رجلٍ من أخلاطِ النّاسِ ، وقالَ لهم : «كونوا معَه وامتثِلوا أمرَه» .
فتوجّهَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ إِلى الوادي ، فلمّا قاربَ شَفِيرَه أمرَ المائةَ الّذينَ صَحِبوه أن يَقِفوا بقرب الشّفيرِ، ولا يُحدِثوا شيئاً حتّى يَأذنَ لهم . ثمّ تقدّمَ فوقفَ على شفيرِ اَلوادي ، وتعوّذَ باللهِ من أعدائه ، وسمّى الله عزّوجلّ وأومأ إِلى القوم الّذينَ تَبِعوه أن يَقرُبوا منه فقَربوا، فكانَ بينَهم وبينَه فُرجةٌ مسافتُها غًلْوةٌ (1)، ثمّ رَامَ الهبوطَ إِلى الوادي فاعترضتْه ريحٌ عاصفٌ كادَ أن يَقَعَ القومُ على وجوهِهم لشدّتِها ، ولم تَثبُتْ أقدامُهم على الأرضِ من هَوْلِ ما لَحِقَهم . فصاحَ أميرُ المؤمنينَ : «أنا عليُّ بنُ أبي طالبِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ ، وصيُّ رسولِ الله وابنُ عمِّه؛ اثبُتُوا إِنْ شِئتم» فظهَرَ للقوم أشخاص على صورةِ الزُّطِّ (2) ُتخيّل في أيديهم شُعَلُ النّارِ، قدِ اطمأنوا بجَنَبَاتِ الوادي ، فتوغّلَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ بطنَ الوادي وهو يتلو القرآنَ ويُومِئ بسيفِه يميناً وشِمالاً، فما لَبِثَتِ الأشخاصُ حتّى صارتْ كالدُّخَانِ الأسودِ، وكبّرَ
أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ ثمّ صَعِدَ من حيثُ انهبطَ ، فقامَ معَ القومِ الّذينَ اتبعوه حتّى أسفرَ الموضِعُ عمّا اعتراه .
فقالَ له أصحابُ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ : ما لقيتَ يا أبا الحسنِ ؟ فلقدْ كِدْنا أنْ نَهلِكَ خوفاً وِاشفاقنا عليك أكثر ممّا لَحِقَنا . فقالَ لهم عليهِ السّلام : «إِنّه لمّا تَراءى لي العدوُّ جَهَرْتُ فيهم بأسماءِ اللّهِ عزّ وجلّ فتضاءلوا، وعلمتُ ماحلَّ بهم منَ الجزع فتوغّلْتُ الواديَ غيرَ خائفٍ منهم ، ولو بَقُوا على هيئاتِهم لأتيتُ على آخرهم ، وقد كفى اللّهُ كيدَهم وكفى المسلمينَ شرَّهم ، وسيَسبِقُني بقيّتهُم إِلى النّبيِّ عليهِ وآلهِ السّلامُ فيُؤمِنونَ بهِ» .
وانصرفَ أميرُ المؤمنينَ بمن تبعَه إِلى رسولِ اللّهِ صلّى اللّهُ عليهِ وآلهِ فأخبرَه الخبرَ، فسُرِّيَ عنه ودعا له بخيرٍ ، وقالَ له : «قد سبقَكَ - يا عليّ - إليّ من أخافَه الله بكَ ، فأسلمَ وقَبِلتُ إِسلامَه» ثمّ ارتحلَ بجماعةِ المسلمينَ حتّى قطعوا الواديَ آمِنينَ غيرَ خائفينَ .
وهذا الحديثُ قد روتْه العامّةُ كما روتْه الخاصّةُ، ولم يتناكروا شيئاً منه .
_________
(1) الغلوة: المسافة التي يبلغها السهم عند رميه .
(2) الزط . قوم من الزنج .
الجنِّ قدِ استبطنوا الواديَ يريدونَ كيدَه وإيقاعَ الشّرِّ بأصحابه عندَ سلوكِهم إِيّاه ، فدعا أميرَ المؤمنينَ علي بنَ أبي طالبٍ عليهِ السّلامُ وقالَ له : «اذهبْ إِلى هذا الوادي ، فسيَعرِضُ لكَ من أعداءِ اللّهِ الجنَ مَنْ يُريدُك ، فادفعْه بالقوّة الّتي أعطاكَ اللهُ عزّ وجلّ ، وتَحصَّنْ منه بأسماءِ اللهِ الّتي خَصَّكَ بعلمِها» وأنفذَ معَه مائةَ رجلٍ من أخلاطِ النّاسِ ، وقالَ لهم : «كونوا معَه وامتثِلوا أمرَه» .
فتوجّهَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ إِلى الوادي ، فلمّا قاربَ شَفِيرَه أمرَ المائةَ الّذينَ صَحِبوه أن يَقِفوا بقرب الشّفيرِ، ولا يُحدِثوا شيئاً حتّى يَأذنَ لهم . ثمّ تقدّمَ فوقفَ على شفيرِ اَلوادي ، وتعوّذَ باللهِ من أعدائه ، وسمّى الله عزّوجلّ وأومأ إِلى القوم الّذينَ تَبِعوه أن يَقرُبوا منه فقَربوا، فكانَ بينَهم وبينَه فُرجةٌ مسافتُها غًلْوةٌ (1)، ثمّ رَامَ الهبوطَ إِلى الوادي فاعترضتْه ريحٌ عاصفٌ كادَ أن يَقَعَ القومُ على وجوهِهم لشدّتِها ، ولم تَثبُتْ أقدامُهم على الأرضِ من هَوْلِ ما لَحِقَهم . فصاحَ أميرُ المؤمنينَ : «أنا عليُّ بنُ أبي طالبِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ ، وصيُّ رسولِ الله وابنُ عمِّه؛ اثبُتُوا إِنْ شِئتم» فظهَرَ للقوم أشخاص على صورةِ الزُّطِّ (2) ُتخيّل في أيديهم شُعَلُ النّارِ، قدِ اطمأنوا بجَنَبَاتِ الوادي ، فتوغّلَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ بطنَ الوادي وهو يتلو القرآنَ ويُومِئ بسيفِه يميناً وشِمالاً، فما لَبِثَتِ الأشخاصُ حتّى صارتْ كالدُّخَانِ الأسودِ، وكبّرَ
أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ ثمّ صَعِدَ من حيثُ انهبطَ ، فقامَ معَ القومِ الّذينَ اتبعوه حتّى أسفرَ الموضِعُ عمّا اعتراه .
فقالَ له أصحابُ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ : ما لقيتَ يا أبا الحسنِ ؟ فلقدْ كِدْنا أنْ نَهلِكَ خوفاً وِاشفاقنا عليك أكثر ممّا لَحِقَنا . فقالَ لهم عليهِ السّلام : «إِنّه لمّا تَراءى لي العدوُّ جَهَرْتُ فيهم بأسماءِ اللّهِ عزّ وجلّ فتضاءلوا، وعلمتُ ماحلَّ بهم منَ الجزع فتوغّلْتُ الواديَ غيرَ خائفٍ منهم ، ولو بَقُوا على هيئاتِهم لأتيتُ على آخرهم ، وقد كفى اللّهُ كيدَهم وكفى المسلمينَ شرَّهم ، وسيَسبِقُني بقيّتهُم إِلى النّبيِّ عليهِ وآلهِ السّلامُ فيُؤمِنونَ بهِ» .
وانصرفَ أميرُ المؤمنينَ بمن تبعَه إِلى رسولِ اللّهِ صلّى اللّهُ عليهِ وآلهِ فأخبرَه الخبرَ، فسُرِّيَ عنه ودعا له بخيرٍ ، وقالَ له : «قد سبقَكَ - يا عليّ - إليّ من أخافَه الله بكَ ، فأسلمَ وقَبِلتُ إِسلامَه» ثمّ ارتحلَ بجماعةِ المسلمينَ حتّى قطعوا الواديَ آمِنينَ غيرَ خائفينَ .
وهذا الحديثُ قد روتْه العامّةُ كما روتْه الخاصّةُ، ولم يتناكروا شيئاً منه .
_________
(1) الغلوة: المسافة التي يبلغها السهم عند رميه .
(2) الزط . قوم من الزنج .