مناظرة بين عالمين شيعيين في موضوع ( الوعيد )
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد ان قرأتُ هذه المناظرة التي جرت بين عالمين من علماء الشيعة الكبار فاحببتُ نقلها لاخواني ليستفيدوا
منها والعالمان هما كلٌ من :
1ـ الملا خليل القزويني صاحب كتاب " الشافي في شرح اصول الكافي "
2ـ السيد علي خان الحويزي صاحب كتاب " نكت البيان وأدب الاعيان "
في موضوع ( الوعيد ) فقد اثبته الاول ، و انكر لزومه الثاني ، وها انا انقلها من مقدمة تحقيق كتاب الشافي
" للملا خليل القزويني " ، فجاء فيه ما يلي :
" ..كانت إحدى مناظرات ملّا خليل مع العلماء مناظرته مع السيّد عليّ خان بن خلف المشعشعي الحويزي، وقد
نقل هذه المناظرة السيّد عليّ خان في الباب الثالث من كتابه الموسوم ب «نكت البيان وأدب الأعيان»، كما أن
المرحوم الخياباني نقلها في وقائع شهر المحرّم من كتابه وقائع الأيام، ونصّها كالآتي: فى ذكر مباحثات جرت
بيننا و بين بعض الفضلاء من أهل زماننا أو ممّن تقدّم علينا. فمن ذلك ماجرى بيني و بين الشيخ العالم
الفاضل العامل الكامل الملاّ خليل القزوينى، و قد اجتمعنا معه في مجلس جمع جماعة من أهل الفضل و غيرهم،
و كنت قد بلغنى أنّه يقول بالوعيد . فقلت له : بلغني أنّ شيخنا يقول بالوعيد أو يميل إليه . فقال : و ما الذي
يمنع عن ذلك ؟ فقلت : الموانع كثيرة، لكنّا نطلب منك الدليل عليه .
فقال : الدليل أنّ اللّه تعالى وعد و توعّد و قوله الحقّ و الصدق، فإذا لم يعاقب المجرم على جرمه كان قد أخلف
ما توعّد به، فكما أنّه لم يجز أن يخلف وعده إذا وعد بالإحسان و الثواب، فلم يجز أن يخلف توعّده إذا توعّد
بالإساءة و العقاب، فنكون قد نسبنا اللّه تعالى إلى الكذب؛ تعالى اللّه عن ذلك.
و دليل آخر من مفهوم الآية الكريمة : «ذ لِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّه َ لَيْسَ بِظَلَامٍ لِّلْعَبِيدِ» فإنّه نفى الظلم عن
نفسه جلّ و تعالى، و معنى الظلم ترك ما يجب وَ ينبغي فعله، فإذا فعل الفاعل شيئا لم يجب أن يفعل يقال:
ظلما؛ فلهذا نفى عن نفسه أنّ ما فعله بهم ليس بظلم، بل تسبّب ما كسبت أيديهم و وجوب المكافاة . فأجبتُه:
أمّا الدليل الأوّل فلم يلزم من تركه للتّوعد الخلف؛ فإنّ العبد قد يفعل فعلاً يرضى اللّه به عنه، فيعفو عنه، أو
يندم فيتوب اللّه عليه، و إذا لم تجوّزوا العفو و لاقبول التوبة فقد خالفتم القرآن بوروده بقبول التوبة و بالعفو
عن الذنوب في مواضع كثيرة، و أغريتم المسيء بترك التوبة إذا علم
أنّ اللّه لم يعف، و نفيتم عن اللّه تعالى صفة العفو التي هي من أحسن صفاته، و لأنّ العفو لايكون إلاّ عن ذنب،
فإذا أردتم إثباتها له لزمكم القول بالعفو عن إساءة المسيء، و يلزمكم نفي قبول التوبة. و إذا قلتم بأنّ اللّه
تعالى عفوّ و لم يعف عن صاحب الذنب، فمن أين تحصل صفة العفو له؛ لأنّ المحسن لايحتاج إلى عفو. و أمّا
تارك الوعيد فلا يقال له: مخلف، كما إذا أخلف الوعد؛ لأنّ مخلف الوعد مذموم، و مخلف الوعيد ممدوح؛ لأنّه
صفح و عفى، و هذا أيضا مشهور عند العرب، قال :
الشاعر : ( و إنّي و إن أوعدته و وعدته * لمخلفٌ إيعادي و مُنجزٌ موعدي )
فهو يمدح نفسه بخلف إيعاده و بإنجاز موعده .
و أمّا الدليل الثاني فإنّ قوله تعالى : «ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أيْديكُمْ» يعنى إنّ هذا العقاب الذي عاقبناكم به إنّما كان
بسبب فعلكم السيّئات و ارتكاب هذه الخطايا، فإذا جازيناكم و عاملناكم بالانتقام لم نكن ظالمين لكم، بل كنتم
مستحقّين لذلك و جازيناكم بما فعلهم؛ فإنّ نفي الظلم عنه بسبب أنّ ما فعله بهم على خطائهم ليس بظلم، و
العقل يشهد بذلك؛ فإنّك إذا جازيت مسيئا على إساءته قالت الناس: لم يكن ظالما، و إذا جازيت المحسن أو من
لم يقترف سيّئة ماساءته، يقولون: قد ظلم، و هذا أمر بديهيّ، و لاحاجة به إلى تأويل الظلم بهذا التأويل البعيد
،
فانقطع و لم يحرجوا به، فلم أدر أنّه اعترف أو مراعاة لي عن المباحثة في هذا المجلس، وعلى الحالين فنسأل
اللّه أن يحسن خاتمته بخير و يهديه إلى الصواب . وبعدها قال المرحوم الخياباني: لقد كتبت بحثا مفصّلاً في
هذا الباب في مجلّد الصيام من كتاب وقائع الأيّام، ونقلت آيات وأخبارا وأشعارا عربيّة وفارسيّة في هذا
المجال، فراجع. "اهـ
المصدر :
مقدمة تحقيق الشّافي في شرح أصول الكافي ج 1 ص 14
والحمد لله رب العالمين .