إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

السجود على التربةالحسينية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السجود على التربةالحسينية

    السجود على التربة الحسينية

    السجود على التربةالحسينية واتخاذها مسجداً فان الغاية المتوخاة منها للشيعة انما هي تستند الى أصلين قويمين. وتتوقف على امرين قيمين، أولهما:
    استحسان اتخاذ المصلي لنفسه تربة طاهرة يتيقن بطهارتها، من أي أرض أخذت، ومن أي صقع من أرجاء العالم كانت، وهي كلها في ذلك شرع سواء سواسية، لا امتياز لا حديهن على الاخرى في جواز السجود عليها، وان هو الا كرعاية المصلي طهارة جسده وملبسه ومصلاه، يتخذ المسلم لنفسه صعيداً طيباً يسجد عليه في حله وترحاله، وفي حضره وسفره، ولكل ارض يحل بها، ويتخذها مسجداً لا تتأتى له في كل موضع من المدن والرساتيق والفنادق والخانات وباحات النزل والساحات، ومحال المسافرين، ومحطات وسائل السير والسفر، ومهابط فئات الركاب، ومنازل الغرباء، انى له بذلك وقد يحل بها كل انسان من الفئة المسلمة وغيرها، ومن اخلاط الناس الذين لا يبالون ولا يكترثون لأمر الدين في موضوع الطهارة والنجاسة.

    54
    فأي وازع من أن يستحيط المسلم في دينه، ويتخذ معه تربة طاهرة يطمئن بها وبطهارتها يسجد عليها لدى صلاته، حذراً من السجدة على الرجاسة والنجاسة والأوساخ التي لا يتقرب بها الى الله قط، ولا تجوز السنة السجود عليها، ولا يقبله العقل السليم، بعد ذلك التأكيد التام البالغ في طهارة اعضاء المصلي ولباسه، والنهي عن الصلاة في مواطن منها: المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، والحمام، ومعاطن الابل (1) والامر بتطهير المساجد وتطييبها (2).
    وكأن هذه النظرة الصائبة القيمة الدينية كانت متخذة لدى رجال الورع من فقهاء السلف في القرون الاولى، وأخذاً بهذه الحيطة المتحسنة جداً كان التابعي الفقيه الكبير

    (1) سنن ابن ماجة: 1/252، ومسانيد وسنن اخرى.
    (2) سنن ابن ماجة: 1/256 ومصادر أخرى.
    الثقة العظيم المتفق عليه مسروق بن الأجدع (1) يأخذ في أسافره لبنة يسجد عليها كما أخرجه شيخ المشايخ الحافظ الثقة امام السنة ومسندها في وقته أبو بكر ابن أبي شيبة في كتابه «المصنف» في المجلد الثاني في باب: من كان يحمل في السفينة شيئاً يسجد عليه، فأخرج باسنادين: ان مسروقاً كان اذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها.
    هذا هو الأصل الأول لدى الشيعة وله سابقة قدم منه يؤم الصحابة الاولين والتابعين لهم باحسان. وأما الاصل الثاني:
    فان قاعدة الاعتبار المطردة تقتضي التفاضل بين الأراضي

    (1) مسروق بن الأجدع عبدالرحمن بن مالك الهمداني أبو عائشة المتوفي 62 تابعي عظيم من رجال الصحاح الست، يروي عن ابي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. كان فقيهاً عابدا ثقة صالحاً، كان في أصحاب ابن مسعود الذين كانوا يعلمون الناس السنة، وقال حين حضره الموت كما جاء في طبقات ابن سعد: اللهم لا أموت على امر لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر.
    راجع تاريخ البخاري الكبير: 4 ق2: 35، طبقات ابن سعد: 6/565، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 4 ق1: 396، تهذيب التهذيب: 10: 109 ـ 111.
    56
    بعضها على بعض، وتستدعي اختلاف الآثار والشؤون والنظرات فيها، وهذا أمر طبيعي عقلي متسالم عليه، مطرد بين الامم طراً، لدى الحكومات والسلطات والملوك العالمية برمتهم، إذ بالاضافات والنسب تقبل الأراضي والاماكن والبقاع خاصة ومزيّة، بها تجري عليها مقررات وتنتزع منها أحكام لا يجوز التعدي والصفح عنها.
    الا ترى أن المستقلات والساحات والقاعات والدور والدوائر الرسمية المضافة إلى الحكومات، وبالأخص ما ينسب منها الى البلاط الملكي، ويعرف باسم عاهل البلاد وشخصه. لها شأن خاص، وحكم ينفرد بها، يجب للشعب رعايته، والجري على ما صدر فيها من قانون.
    فكذلك الأمر بالنسبة الى الأرضي والأبنية والديار المضافة المنسوبة الى الله تعالى فان لها شؤوناً خاصة، واحكاماً وطقوساً. ولوازم وروابط لا مناص ولابد لمن اسلم وجهه لله من أن يراعيها، ويراقبها، ولا مندوحة لمن عاش تحت راية التوحيد والاسلام من القيام بواجبها والتحفظ عليها، والاخذ بها.

    57
    فبهذا الاعتبار المطرد العام المتسالم عليه انتزع للكعبة حكمها الخاص، وللحرم شأن يخص به، وللمسجدين الشريفين: جامع مكة والمدينة احكامهما الخاصة بهما، وللمساجد العامة والمعابد والصوامع والبيع التي يذكر فيها اسم الله، في الحرمة والكرامة، والتطهير والتنجيس، ومنع دخول الجنب والحائض والنفساء عليها، والنهي عن بيعها نهياً باتاً نهائياً من دون تصور أي مسوغ لذلك قط خلاف بقية الأوقاف الاهلية العامة التي لها صور مسوغة لبيعها وتبديلها بالأحسن، الى احكام وحدود اخرى منتزعة من اعتبار الاضافة الى ملك الملوك،رب العالمين.
    فاتخاذ مكة المكرمة حرماً آمناً، وتوجيه الخلق اليها، وحجهم اليها من كل فج عميق، وايجاب كل تلكم النسك. وجعل كل تلكم الأحكام حتى بالنسبة الى نبتها وأبّها، ان هي الا آثار الاضافة، ومقررات تحقق ذلك الاعتبار. واختيار الله اياها من بين الأراضي.
    وكذلك عدّ المدينة المنورة حرماً إلهياً محترماً. وجعل كل تلكم الحرمات الواردة في السنة الشريفة لها وفي أهلها

    58
    وتربتها ومن حل بها ومن دفن فيها، انما هي لاعتبار ما فيها من الاضافة والنسبة الى الله تعالى، وكونها عاصمة عرش نبيه الأعظم صاحب الرسالة الخاتمة صلى الله عليه وآله وسلم.
    وهذا الاعتبار وقانون الاضافة كما لا يخص بالشرع فحسب، بل هو أمر طبيعي أقّر الاسلام الجري عليه، كذلك لا ينحصر هو بمفاضلة الأراضي، وانما هو اصل مطرد في باب المفاضلة في مواضيعها العامة من الانبياء والرسل والأوصياء، والأولياء، والصديقين، والشهداء، وأفراد المؤمنين وأصنافهم، الى كل ما يتصور له فضل على غيره لدى الاسلام المقدس. بل هذا الأصل هو محور دائرة الوجود، وبه قوام كل شيء، واليه تنتهي الرغبات في الامور، ومنه تتولد الصلات والمحبات، والعلائق والروابط لعّدة عوامل البغض والعداء والشحناء والضغائن.
    وهو اصل خلاف وشقاق ونفاق، كما انه أساس كل وحدة واتحاد وتسالم ووئام وسلام. وعليه تبنى سروح الكليات، وتتمهد المعاهد الاجتماعية، وفي اثره تشكل

    59
    الدول، وتختلف الحكومات، وتحدث المنافسات والمشاغبات والتنازع والتلاكم والمعارك والحروب الدامية، وعلى ضوئه تتحزب الشعوب والقبائل، وتتكثر الأحزاب والجمعيات، وبالنظر اليه تؤسس المؤسسات في امور الدين والدنيا، وتتمركز المتجمعات الدينية، والعلمية والاجتماعية، والشعوبية، والقومية، والطائفية، والحزبية، والسياسية، الى كل قبض وبسط، وحركة وسكون، ووحدة وتفكك، واقتران وافتراق.
    فالحكومة العالمية العامة القوية القهارة الجبارة الحاكمة على الجامعة البشرية بأسرها من أول يومها وهلم جراً الى آخر الأبد، من دون شذوذ لأي أحد وخروج فرد عن سلطتها، ومن دون اختصاص بيوم، دون يوم، انما هي حكومة «ياء النسبة» بها قوام الدين والدنيا، واليها تنتهي سلسلة النظم الانسانية، وقانون الاجتماع العام، وشؤون الافراد البشري.
    والبشر مع تكثر افراده على بكرة ابيهم مسير بها، مقهور تحت نير سلطتها، مصفد بحبالها، مقيد في شراكها،

    لا مهرب له منها، هي التي تحكم وتفتق، وتنقض وتبرم، وترفع وتخفض، وتصل وتقطع، وتقرب وتبعد، وتأخذ وتعطي، وتعز وتذل،وتثيب وتعاقب، وتحقر وتعظم.
    هي التي تجعل الجندي المجهول مكرماً، معظماً، محترماً، وتراه أهلاً لكل اكبار وتجليل وتجيل، لدى الشعب وحكومته، وتنثر الأوراد والأزهار على تربته ومقبره، وتدعه يذكر مع الأبد، خالداً ذكره في صفحة التاريخ.
    هي التي تهون لديها الكوارث والنوازل، وبمقاييسها يقاسي الانسان الشدائد والقوارع والمصائب الهائلة، ويبذل النفس والنفيس دونها.
    هي التي جعلت رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل الصحابي العظيم عثمان بن مظعون وهو ميت، ودموعه تسيل على خديه كما جاء عن السيدة عائشة (1).

    (1) اخرجه ابو القاسم عبدالملك ابن بشران في اماليه، وابو الحسن علي بن الجعد الجوهري في الجزء العاشر من مسنده، والحاكم النيسابوري في المجلد الثالث من المستدرك. وحفاظ واعلام آخرون.

    هي التي دعت النبي صلى الله عليه وآله الى أن يبكي على ولده الحسين السبط، ويقيم كل تلكم المآتم ويأخذ تربة كربلاء ويشمها ويقبلها، الى آخر ما سمعت من حديثه.
    هي التي جعلت السيدة ام سلمة ام المؤمنين تصر تربة كربلاء على ثيابها.
    هي التي سوغت للصديقة فاطمة ان تأخذ تربة قبر ابيها الطاهر وتشمّها.
    هي التي حكمت على بني ضبة يوم الجمل أن تجمع بعرة جمل عايشة ام المؤمنين وتفتها وتشمها كما ذكره الطبري.
    هي التي جعلت علياً امير المؤمنين عليه السلام أخذ قبضة من تربة كربلاء لما حلّ بها فشمها وبكى حتى بلّ الأرض بدموعه، وهو يقول: يحشر من هذا الظهر سبعون الفاً يدخلون الجنة بغير حساب. أخرجه الطبراني وقال الهيثمي في المجمع: 9/191 رجاله ثقات.
    هي التي جعلت رجل بني اسد يشم تربة الحسين ويبكي قال هشام ابن محمد: لما اجرى الماء على قبره الحسين نضب

    62
    بعد اربعين يوماً وامتحى اثر القبر، فجاء اعرابي من بني اسد فجعل يأخذ قبضة قبضة من التراب ويشمه حتى وقع على الحسين فبكى وقال: بأبي وامي ما كان اطيبك حياً واطيب تربتك ميتاً، ثم بكى وأنشأ يقول:
    أرادوا ليخفوا قبره عن عداوة وطيب تراب القبر دلّ على القبر
    راجع تاريخ ابن عساكر: 4/342، كفاية الحافظ الكنجي:293.


    تأليف
    العلامة المجاهد الشيخ عبدالحسين الأميني رحمه الله
    إعدادمركز الأبحاث العقائدية
    63
    sigpic
يعمل...
X