بسم الله الرحمن الرحيم

مسألة رقم 4 : يكفي في التقليد تطابق عمل المكلف مع فتوى المجتهد الذي يكون قوله حجة في حقه مع إحراز مطابقته لها ، ولا يعتبر فيه الاعتماد ، نعم الحكم بعدم جواز العدول - الآتي في المسألة الرابعة عشرة - مختص بمورد التقليد بمعنى العمل اعتماداً على فتوى المجتهد .


****************


( يكفي في التقليد تطابق عمل المكلف مع فتوى المجتهد الذي يكون قوله حجة في حقه مع إحراز مطابقته لها )
يؤكّد السيد السيستاني على أن التقليد ليس معناه أن يكون العمل قد انطلق من الاستناد إلى قول المرجع ابتداءً ، فلا يشترط عنده أن يكون العمل مسبوقاً بالعلم بحيث يقال عمل المكلف العمل الفلاني عن تقليد ، لأن معنى ذلك - أي سبق التقليد على العمل - هو الالتزام و البناء النفسي و النية المُسبقة على أن يعمل برأي و فتوى المجتهد المرجع ، و هذا الالتزام ليس دخيلاً و لا شيئاً أساسياً في حقيقة التقليد ، بل إن معنى التقليد هو أن يتطابق العمل مع فتوى المجتهد الذي يكون قوله حجة على المكلف مع التيقن و الاحراز و التأكد من مطابقة العمل لتلك الفتوى ولو كان ذلك الاحراز بعد أن يقوم الانسان بالعمل ، فلو عمل عملاً شرعياً عبادياً مثلاً و قصد به التقرّب إلى الله تعالى مثل :

أن يرمي الحاج جمرة العقبة الكبرى من الجهة التي تقابل مكة المكرمة ، ثم اتضح له فعلاً أن السيد السيستاني يرى جواز رمي العقبة الكبرى من تلك الجهة - وهو فعلاً يرى ذلك لتغيّر رأيه السابق في عدم جواز رميها إلا من الجهة التي تخالف جهة مكة - فإن ذلك كافٍ في الحكم بأنه قد كان عمله عن تقليد .

أو أن يقوم مثلاً بالاتيان بالتسبيحات الأربع ( سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ) ثلاث مرات في الركعة الثالثة و الرابعة من دون أن يطّلّع على رأي المجتهد ، ثم يتحقق من الأمر فيجد بأن مرجع التقليد يقول بوجوب الاتيان بهذه التسبيحات ثلاث مرات ، فإن ذلك كاف في تحقق التقليد من هذا المكلف .

ملاحظة : ليس معنى هذا الكلام أن المكلف مسموح له أن يأتي بالعمل كيفما كان ، ثم يسأل ، فإن وجد العمل مطابقاً قال الحمد لله ، وإن أتى به مخالفاً أعاده أو قضاه ، بل لا بد له من التفقه في المسائل التي يتعرّض لها في حياته ، إذ الأمور لا تؤخذ بالمصادفة .
و حكم السيد المتقدم بتحقق التقليد ليس معناه ترك التعلم ، وإنما السيد يريد أن يقول بأنه لو ترك التعلم و عمل العمل ثم سأل و اتضح له أن ما عمله مطابق لرأي المرجع و فتواه فإنه يعتبر ذلك تقليداً ، و سيأتي في مسائل لاحقة الحديث عن وجوب التعلم .

( ولا يعتبر فيه الاعتماد ، نعم الحكم بعدم جواز العدول - الآتي في المسألة الرابعة عشرة - مختص بمورد التقليد بمعنى العمل اعتماداً على فتوى المجتهد . )

قد اتضح من خلال الشرح عدم وجوب كون العمل مسبوقاً بالتقليد بمعنى الالتزام و الاعتماد ، حتى يتحقق التقليد ، و ذلك لعدم دخالة ذلك في معنى التقليد ، و إنما المهم أن يتطابق عمل المكلف مع رأي المجتهد سواء سبق العمل العلم أم تأخر عنه ، و طبعاً هذا غير مسالة وجوب التعلم و التفقه ، إذ المسألتان متغايرتان ، فتأمل .

نعم تستثنى من هذا الحكم صورة ذكرها السيد السيستاني في المسألة الرابعة عشرة ، حيث يشترط فيها أن يسبق العلم بفتوى المجتهد العمل ، بمعنى أن يكون ملتزماً و معتمداً على فتواه قبل العمل ولو في مسألة واحدة ، وهذه الصورة هي : ما لو قلّد الفقيه ثم مات ، و قد عدل عنه إلى الحي و عمل بفتوى الحي ، فإنه لا يجوز له العدول إلى تقليد الفقيه الميت الذي قلّده أولاً ، ما دام الفقيه الحي الذي عمل برأيه بعد العدول جامعاً لشرائط الفتوى من الأعلمية و غيرها .