بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة 26 : حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه حتى لمجتهد آخر ، إلا إذا كان مخالفاً لما ثبت قطعا من الكتاب والسنة، نعم لا يكون حكمه مغيّراً للواقع ، مثلاً : من علم ان المال الذي حكم به للمدعي ليس ملكاً له لا يجوز ترتيب آثار ملكيته .
****************
( حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه حتى لمجتهد آخر ، إلا إذا كان مخالفاً لما ثبت قطعا من الكتاب والسنة )
المقصود بالحكم هنا يختلف عن المقصود بالافتاء ، إذ الافتاء هو الإخبار عن الحكم الشرعي الكلي ، مثل الافتاء بوجوب شيء أو حرمة شيء آخر ، او استحباب شيء أو كراهة شيء آخر ، وهكذا ، ففي الافتاء لا يشخّص المرجع الفقيه الموضوعات الخارجية المحضة ، فعندما يقول الفقيه المجتهد بأن الخمر حرام ، فهو لا يشخّص في الواقع الخارجي أن هذا السائل و المائع الخارجي هو خمر و ذالك ليس بخمر ، إذ مهمة الفقيه هو الافتاء بأن الخمر حرام ، وأما تشخيص الموضوع فإنه من مهمة المكلف عند الامتثال .
و أما الحكم ، فإن المراد به هو إنشاء الحكم الجزئي في المرافعات و القضاء بين الناس ، كأن يقضي بأن هذا المال لفلان أو هذه زوجة فلان ، أو الحكم الصادر من الفقيه العادل المقبول لدى عامة الناس بموجب اقتضاء المصالح الوقتية بعنوان الولاية، إذ تثبت للفقيه الولاية في الأمور الحِسبيّة ( المقصود بالأمور الحسبيّة : أي التي يؤتى بها احتساباً ورجاءً و طمعاً في الأجر الإلهي العظيم ، فمن يقوم بأحد هذه الأمور الحسبية فإنه يرجو و يأمل الثواب الالهي العظيم على القيام بهذا الأمر والاهتمام به ، و المراد بها ما لا يرضى الشرع الشريف بتركها و إهمالها بأي وجه ولم يوظّف و يُعيّن لها شخص معيّن أو جهة معيّنة شرعاً ، و بالتالي تكون في عدة الفقيه المجتهد ، و ذلك مثل رعاية مصالح الغُيّب و القُصّر ، و إجبار الممتنع عن النفقةعلى زوجته أو إجبار الممتنع عن أداء الدين الذي بذمته للأخرين ، و تولية الأوقاف ،ووصية من لا وصي له ، وهكذا ) و في الأمور العامة التي يتوقف عليها نظام المجتمع الإسلامي ، فإذا رضي الناس و قبلوا بأن يكون الفقيه هو المتصرف و الآمر و الناهي في شؤونهم العامة فإنه الولاية تكون حينئذ ثابتة و تترتب أحكامها ألاتية .
و لا أقصد برجاء الثواب ما سيأتي الحديث عنه في مسالة 32 من كتاب التقليد ، بل أقصد من الاحتساب و الرجاء للثواب هو الطلب للثواب و العمل من أجل الله تعالى ، والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد ، وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه ، فالإحتساب في الأعمال الصالحة و عد حصول المصائب هو البدار إلى طلب الأجر و تحصيله بالتسليم و الصبر ، أو باستعمال أنواع البر و القيام بهاعلى الوجه المطلوب فيها طلباً للثواب المرجو منها ، وقد ورد في الروايات ذلك ، من مثل ما ورد ( و عند الله أحتسب عنائي ) أو مثل ( من لبّى في إحرامه سبعين مرة إيماناً و احتساباً أشهد الله له ألف ألف ملك براءة من النار و براءة من النفاق ) أو مثل ( من صام يوماً يوماً من رجب إيماناً و احتساباً ، جعل الله تبارك و تعالى بينه و بين النار سبعين خندقاً ) أو مثل ( ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتساباً إلا أوجب الله له سبع خصال ... ) أو مثل ( من مات له ولد فاحتسبه .. ) أي احتسب الأجر بصبره على مصيبته .
و على كل حال :
هناك بعض الموارد وقع فيها الخلاف بين الفقهاء في انها تكون مورداً لحكم الحاكم أم لا ، من مثل مسألة الحكم بالهلال أو من مثل مسألة اثبات كون هذا المسجد هل هو مسجد جامع يصح الاعتكاف فيه أم هو ليس بمسجد جامع يصح الاعتكاف فيه ، و ما شابه ذلك .
و أما في غير هذين الموردين المتقدمين فلا تثبت ولاية الفقيه و حاكميته على أي أحد من الناس ، كأن يأمر بالجهاد ضد الكفار ابتداءً لا للدفاع - إذ مثال الجهاد الابتدائي حسب راي السيد السيستاني ليس واجباً في زمن الغيبة حتى يكون من الأمور الحسبية التي تكون للفقيه ولاية عليها ، و الأمور الحسبية لا شك أنها من الأمور الواجبة التي لا يرضى الشرع بتركها و إهمالها ، و الجهاد ليس منها .
نعم بناءًعلى راي السيد الخوئي يكون الجهاد الابتدائي من الأمور الحسبية التي يتصدى لهاالفقيه .
و إذا ثبتت الولاية للفقيه و الحاكيمة في مواردها المتقدمة فإنه لا تتحدّد ببقعة جغرافية .
والمقصود بالحاكم هو المجتهد العادل و إن لم يكن هو الأعلم .
و النتيجة أنه : لو حكم الحالكم الشرعي الذي هو المجتهد بحكم من الأحكام - وقد اتضح معنى الحكم مما مرّ أعلاه - فإنه لا يجوز مخالفته ، ولا يجوز نقضه و الحكم بحكم آخر حتى ولو كان الحكم الذي ينقضه صادر من مجتهد آخر ، إلا إذا تبيّن خطؤه ومخالفته لما ثبت قطعاً من المصدرين الأساسيين للتشريع الإسلامي ( الكتاب و السنة المطهرة للمعصومين عليهم صلوات الله و سلامه ) ، كما إذا حكم بثبوت الولد لفلان منخلال القيافة ، فإن الحكم بالقيافة مخالف للكتاب و السنة المطهرة في الاثبات النسبي .
فلو أصدر الفقيه حكماً قضائياً بأن فلانة هي زوجةفلان ، فإنه لا يجوز لمجتهد آخر أن ينقض هذا الحكم و يحكم بانه ليست زوجة فلان ،إلا إذا ثبت من خلال الدليل القطعي أن ذلك الحكم الصادر من المجتهد الأول مخالف للكتاب و السنة المطهرة .
و كذلك لو أصدر الفقيه حكماًعاماً من الأمور العامة التي يتوقف عليها نظام المجتمع الاسلامي ككل ، و كانت للمجتهد مقبولية عند سائر الناس ، بحيث رضوا به أن يكون هو الآمر و الناهي في شؤونهم العامة ، فإنه لا يصح نقض هذا الحكم من قبل مجتهد آخر ، إلا إذا ثبت من خلال الدليل القطعي أن ذلك الحكم الصادر من المجتهد الأول مخالف للكتاب و السنة المطهرة .
و هذا الحكم يكون نافذا و ساري المفعول حتى على غير مقلدي ذلك الحاكم الشرعي إن كان له مقلدون يرجعون إليه ، بل هو نافذ و ساري المفعول بالنسبة للفقهاء الآخرين أيضاً إذا لم يثبت لديهم مخالفته للشرع الشريف والدليل القطعي من الكتاب و السنة المطهرة .
( نعم لا يكون حكمه مغيّراً للواقع ، مثلاً : من علم ان المال الذي حكم به للمدعي ليس ملكاً له لا يجوز ترتيب آثار ملكيته . )
فإذا حكم الحاكم في مرافعة قضائية بأن هذا المال هو لفلان و ليس لفلان طبقاً للشهادات و الوسائل الاثباتية التي تُعتمد في هذا المجال ، فإن هذا الحكم لايُغيّر الواقع عما هو عليه ، فلو كان هذا المال لفلان ( أ ) ، و لكن بما أن فلان ( ب ) عنده من الوسائل التي فبركها لكي يُحكم له بالقضية و يكسبها ، كأن اتى بشهود يقولون بأن هذا المال هو له ، و أتى بشهود يشهدون بعدالة هؤلاء الشهود ، و حكم الحاكم بثبوت هذا المال لفلان ( ب ) ، فإن هذا الحكم من قبل الحاكم بناءً على هذه المعطيات لا تغيّر من حقيقة الأمر شيئاً ولا تقلب الأمر عمّا هو عليه من الواقع بحيث تتبدل ملكية فلان ( أ ) إلى عدم ملكية ، و عدم ملكية ( ب ) إلى ملكية ، بل إنه يبقى كل شيء على ملكية مالكه الأصلي ، و من حكم له الحاكم بذلك المال لا يكون حلالاً له ، بل يجب عليه إرجاعه لصاحبه ، لأن أخذه بحكم الحاكم حينئذ مع عدم ثبوته له إنما هو أخذ لقطعة من نار جهنم و العياذ بالله تعالى .
مسألة 26 : حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه حتى لمجتهد آخر ، إلا إذا كان مخالفاً لما ثبت قطعا من الكتاب والسنة، نعم لا يكون حكمه مغيّراً للواقع ، مثلاً : من علم ان المال الذي حكم به للمدعي ليس ملكاً له لا يجوز ترتيب آثار ملكيته .
****************
( حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه حتى لمجتهد آخر ، إلا إذا كان مخالفاً لما ثبت قطعا من الكتاب والسنة )
المقصود بالحكم هنا يختلف عن المقصود بالافتاء ، إذ الافتاء هو الإخبار عن الحكم الشرعي الكلي ، مثل الافتاء بوجوب شيء أو حرمة شيء آخر ، او استحباب شيء أو كراهة شيء آخر ، وهكذا ، ففي الافتاء لا يشخّص المرجع الفقيه الموضوعات الخارجية المحضة ، فعندما يقول الفقيه المجتهد بأن الخمر حرام ، فهو لا يشخّص في الواقع الخارجي أن هذا السائل و المائع الخارجي هو خمر و ذالك ليس بخمر ، إذ مهمة الفقيه هو الافتاء بأن الخمر حرام ، وأما تشخيص الموضوع فإنه من مهمة المكلف عند الامتثال .
و أما الحكم ، فإن المراد به هو إنشاء الحكم الجزئي في المرافعات و القضاء بين الناس ، كأن يقضي بأن هذا المال لفلان أو هذه زوجة فلان ، أو الحكم الصادر من الفقيه العادل المقبول لدى عامة الناس بموجب اقتضاء المصالح الوقتية بعنوان الولاية، إذ تثبت للفقيه الولاية في الأمور الحِسبيّة ( المقصود بالأمور الحسبيّة : أي التي يؤتى بها احتساباً ورجاءً و طمعاً في الأجر الإلهي العظيم ، فمن يقوم بأحد هذه الأمور الحسبية فإنه يرجو و يأمل الثواب الالهي العظيم على القيام بهذا الأمر والاهتمام به ، و المراد بها ما لا يرضى الشرع الشريف بتركها و إهمالها بأي وجه ولم يوظّف و يُعيّن لها شخص معيّن أو جهة معيّنة شرعاً ، و بالتالي تكون في عدة الفقيه المجتهد ، و ذلك مثل رعاية مصالح الغُيّب و القُصّر ، و إجبار الممتنع عن النفقةعلى زوجته أو إجبار الممتنع عن أداء الدين الذي بذمته للأخرين ، و تولية الأوقاف ،ووصية من لا وصي له ، وهكذا ) و في الأمور العامة التي يتوقف عليها نظام المجتمع الإسلامي ، فإذا رضي الناس و قبلوا بأن يكون الفقيه هو المتصرف و الآمر و الناهي في شؤونهم العامة فإنه الولاية تكون حينئذ ثابتة و تترتب أحكامها ألاتية .
و لا أقصد برجاء الثواب ما سيأتي الحديث عنه في مسالة 32 من كتاب التقليد ، بل أقصد من الاحتساب و الرجاء للثواب هو الطلب للثواب و العمل من أجل الله تعالى ، والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد ، وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه ، فالإحتساب في الأعمال الصالحة و عد حصول المصائب هو البدار إلى طلب الأجر و تحصيله بالتسليم و الصبر ، أو باستعمال أنواع البر و القيام بهاعلى الوجه المطلوب فيها طلباً للثواب المرجو منها ، وقد ورد في الروايات ذلك ، من مثل ما ورد ( و عند الله أحتسب عنائي ) أو مثل ( من لبّى في إحرامه سبعين مرة إيماناً و احتساباً أشهد الله له ألف ألف ملك براءة من النار و براءة من النفاق ) أو مثل ( من صام يوماً يوماً من رجب إيماناً و احتساباً ، جعل الله تبارك و تعالى بينه و بين النار سبعين خندقاً ) أو مثل ( ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتساباً إلا أوجب الله له سبع خصال ... ) أو مثل ( من مات له ولد فاحتسبه .. ) أي احتسب الأجر بصبره على مصيبته .
و على كل حال :
هناك بعض الموارد وقع فيها الخلاف بين الفقهاء في انها تكون مورداً لحكم الحاكم أم لا ، من مثل مسألة الحكم بالهلال أو من مثل مسألة اثبات كون هذا المسجد هل هو مسجد جامع يصح الاعتكاف فيه أم هو ليس بمسجد جامع يصح الاعتكاف فيه ، و ما شابه ذلك .
و أما في غير هذين الموردين المتقدمين فلا تثبت ولاية الفقيه و حاكميته على أي أحد من الناس ، كأن يأمر بالجهاد ضد الكفار ابتداءً لا للدفاع - إذ مثال الجهاد الابتدائي حسب راي السيد السيستاني ليس واجباً في زمن الغيبة حتى يكون من الأمور الحسبية التي تكون للفقيه ولاية عليها ، و الأمور الحسبية لا شك أنها من الأمور الواجبة التي لا يرضى الشرع بتركها و إهمالها ، و الجهاد ليس منها .
نعم بناءًعلى راي السيد الخوئي يكون الجهاد الابتدائي من الأمور الحسبية التي يتصدى لهاالفقيه .
و إذا ثبتت الولاية للفقيه و الحاكيمة في مواردها المتقدمة فإنه لا تتحدّد ببقعة جغرافية .
والمقصود بالحاكم هو المجتهد العادل و إن لم يكن هو الأعلم .
و النتيجة أنه : لو حكم الحالكم الشرعي الذي هو المجتهد بحكم من الأحكام - وقد اتضح معنى الحكم مما مرّ أعلاه - فإنه لا يجوز مخالفته ، ولا يجوز نقضه و الحكم بحكم آخر حتى ولو كان الحكم الذي ينقضه صادر من مجتهد آخر ، إلا إذا تبيّن خطؤه ومخالفته لما ثبت قطعاً من المصدرين الأساسيين للتشريع الإسلامي ( الكتاب و السنة المطهرة للمعصومين عليهم صلوات الله و سلامه ) ، كما إذا حكم بثبوت الولد لفلان منخلال القيافة ، فإن الحكم بالقيافة مخالف للكتاب و السنة المطهرة في الاثبات النسبي .
فلو أصدر الفقيه حكماً قضائياً بأن فلانة هي زوجةفلان ، فإنه لا يجوز لمجتهد آخر أن ينقض هذا الحكم و يحكم بانه ليست زوجة فلان ،إلا إذا ثبت من خلال الدليل القطعي أن ذلك الحكم الصادر من المجتهد الأول مخالف للكتاب و السنة المطهرة .
و كذلك لو أصدر الفقيه حكماًعاماً من الأمور العامة التي يتوقف عليها نظام المجتمع الاسلامي ككل ، و كانت للمجتهد مقبولية عند سائر الناس ، بحيث رضوا به أن يكون هو الآمر و الناهي في شؤونهم العامة ، فإنه لا يصح نقض هذا الحكم من قبل مجتهد آخر ، إلا إذا ثبت من خلال الدليل القطعي أن ذلك الحكم الصادر من المجتهد الأول مخالف للكتاب و السنة المطهرة .
و هذا الحكم يكون نافذا و ساري المفعول حتى على غير مقلدي ذلك الحاكم الشرعي إن كان له مقلدون يرجعون إليه ، بل هو نافذ و ساري المفعول بالنسبة للفقهاء الآخرين أيضاً إذا لم يثبت لديهم مخالفته للشرع الشريف والدليل القطعي من الكتاب و السنة المطهرة .
( نعم لا يكون حكمه مغيّراً للواقع ، مثلاً : من علم ان المال الذي حكم به للمدعي ليس ملكاً له لا يجوز ترتيب آثار ملكيته . )
فإذا حكم الحاكم في مرافعة قضائية بأن هذا المال هو لفلان و ليس لفلان طبقاً للشهادات و الوسائل الاثباتية التي تُعتمد في هذا المجال ، فإن هذا الحكم لايُغيّر الواقع عما هو عليه ، فلو كان هذا المال لفلان ( أ ) ، و لكن بما أن فلان ( ب ) عنده من الوسائل التي فبركها لكي يُحكم له بالقضية و يكسبها ، كأن اتى بشهود يقولون بأن هذا المال هو له ، و أتى بشهود يشهدون بعدالة هؤلاء الشهود ، و حكم الحاكم بثبوت هذا المال لفلان ( ب ) ، فإن هذا الحكم من قبل الحاكم بناءً على هذه المعطيات لا تغيّر من حقيقة الأمر شيئاً ولا تقلب الأمر عمّا هو عليه من الواقع بحيث تتبدل ملكية فلان ( أ ) إلى عدم ملكية ، و عدم ملكية ( ب ) إلى ملكية ، بل إنه يبقى كل شيء على ملكية مالكه الأصلي ، و من حكم له الحاكم بذلك المال لا يكون حلالاً له ، بل يجب عليه إرجاعه لصاحبه ، لأن أخذه بحكم الحاكم حينئذ مع عدم ثبوته له إنما هو أخذ لقطعة من نار جهنم و العياذ بالله تعالى .