اخلاق الامام علي (ع)
لقد حرص أمير المؤمنين ( ع ) على تربية أتباعه على المنهج السليم، ومِن مواقفه في ذلك، ما رواه نصر بن مُزاحم قال: مرّ أمير المؤمنين ( ع ) على بعض مَن كان في جيشه بصفّين، فسمعهم يشتمون معاوية وأصحابه، فقال لابن عَدي ولعمر بن الحَمق وغيرهما: ( كرهت لكم أن تكونوا لعّانين شتّامين، تشتمون وتبرؤون، ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم، فقلتم مِن سيرتهم كذا وكذا ومِن أعمالهم كذا وكذا، كان أصوب في القول، وأبلغ في العُذر، وقُلتم مكان لعنكم إيّاهُم وبراءتكم مِنهم، اللهم احقن دماءهم ودماءنا، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدِهِم مِن ضلالهم حتّى يعرف الحق مَن جهله مِنهم، ويرعوي عن الغيّ والعُدوان مِنهم مَن لَهِجَ به لكان أحبُّ إليَّ وخيراً لكم. ) فقالوا: يا أمير المؤمنين نقبل عِظَتَك، ونتأدّب بأدبك ( 1 ).
إنّ هذا الموقف منه ( ع ) لَيُشِعرهُم أنّ الشتم وسيلة نابية وليست كريمة، ثمّ هي بعد ذلك تنفيس عن طاقة يُمكن الاستفادة مِنها، بادِّخارها وصرفها في عمل إيجابي، يضاف لذلك أنّ الشتم مَدعاة للإِساءة لمُقدّسات الشاتم نَفسه، ومِن هُنا حرّم الفقهاء شَتم الصَنم إذا أدّى إلى شَتم الله تعالى، مستفيدين ذلك مِن قوله تعالى: ( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) الأنعام: 108.
مِن أجل ذلك كُلّه كان الشيعة أطهرَ ألسِنة مِن أن يَشتِموا، وأبعدَ عن هذا الموقف النابي، ولذلك رأينا كثيراً مِن الباحثين يُؤكّدون هذا الجانب في حياة الروّاد الأوائل مِن الشيعة مع أنّهم يُثبِتون عقيدتهم بتقديم الإِمام عليٍّ ( ع ).
ومِن هؤلاءِ:
أ ـ الدكتور أحمد أمين:
يقول عن هؤلاءِ: إنّهم قسمُ المقتصد الذي يرى بأنّ أبا بكر وعُمر وعُثمان ومَن شايعهُم، أخطأوا إذ رضوا أن يكونوا خُلفاء مع عِلمهم بفضل عليٍّ، وإنّه خيرٌ مِنهم ( 2 ).
__________
( 1 ) صِفّين، لنصر بن مُزاحم: ص115.
( 2 ) فجر الإِسلام: ص268
الصفحة 38
ب ـ ابن خُلدون يقول:
كان جماعة مِن الصحابة يتشيّعون لعليٍّ، ويرون استحقاقه على غيره، ولمّا عُدِلَ به إلى سواه، تأفّفوا مِن ذلك وأسفوا له، إلاّ أنّ القوم لِرُسوخِ قَدَمِهِم في الدين، وحُرصِهم على الأُلفة، لم يزيدوا في ذلك على النجوى بالتأفف والأسف ( 1 ).
ج ـ ابن حَجَر في الاستيعاب:
يقول في ترجمة أبي الطُفيل: عامر بن واثلة بن كنانة الليثي أبو الطُفيل، أدرك مِن حياة النبيّ ( ص ) ثمان سنين، وكان مولده عام أُحُد ومات سَنَة مائة، ويقال: إنّه آخر مَن مات مِمَّن رأى النبيّ، وقد روى نحو أربعة أحاديث، وكان مُحبّاً لعليٍّ، وكان مِن أصحابه في مشاهده، وكان ثِقَة مأموناً يَعترف بفضل الشيخين، إلاّ أنّه يُقدّم عليّاً. انتهى باختصار ( 2 ).
وبعد هذه المُقتطفات، أُودُّ أن أُلِف النظر أنّي خلال مُراجعاتي كُتُب التاريخ، لم أرَ في الفترة التي تَمتدُّ مِن بعد وفاة النبيّ حتّى نهاية خلافة الخُلفاء مَن عَمِدَ إلى الشتم مِن أصحاب الإِمام، وإنّما هناك مَن قيّم الخُلفاء وقيّم الإِمام، وحَتّى في أشدِّ جَمَحات عاطفة الولاء، لم نجد مَن يشتم أحداً مِمَّن تقدَّم الإِمام بالخلافة، يقول أبو الأسود الدؤلي:
أُحــبّ مـحمداً حـبّاً شـديداً وعـبّـاساً وحـمزة والـوصيّا
يـقول الأرذلـون بـنو قـشير طـوال الـدهر مـا تنسى عليّا
أُحـبّـهُم لـحـبِّ الله حـتّـى أجـيء إذا بُـعِثت عـلى هويّا
بـنـو عــمِّ الـنبيّ وأقـربوه أحــبّ الـنـاس كُـلّهم إلـيّنا
فـإن يـكُ حُـبّهم رُشـداً أَصبه ولستُ بمخطئ إن كان غيّاً ( 3 )
__________
( 1 ) تاريخ ابن خُلدون: 3/364.
لقد حرص أمير المؤمنين ( ع ) على تربية أتباعه على المنهج السليم، ومِن مواقفه في ذلك، ما رواه نصر بن مُزاحم قال: مرّ أمير المؤمنين ( ع ) على بعض مَن كان في جيشه بصفّين، فسمعهم يشتمون معاوية وأصحابه، فقال لابن عَدي ولعمر بن الحَمق وغيرهما: ( كرهت لكم أن تكونوا لعّانين شتّامين، تشتمون وتبرؤون، ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم، فقلتم مِن سيرتهم كذا وكذا ومِن أعمالهم كذا وكذا، كان أصوب في القول، وأبلغ في العُذر، وقُلتم مكان لعنكم إيّاهُم وبراءتكم مِنهم، اللهم احقن دماءهم ودماءنا، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدِهِم مِن ضلالهم حتّى يعرف الحق مَن جهله مِنهم، ويرعوي عن الغيّ والعُدوان مِنهم مَن لَهِجَ به لكان أحبُّ إليَّ وخيراً لكم. ) فقالوا: يا أمير المؤمنين نقبل عِظَتَك، ونتأدّب بأدبك ( 1 ).
إنّ هذا الموقف منه ( ع ) لَيُشِعرهُم أنّ الشتم وسيلة نابية وليست كريمة، ثمّ هي بعد ذلك تنفيس عن طاقة يُمكن الاستفادة مِنها، بادِّخارها وصرفها في عمل إيجابي، يضاف لذلك أنّ الشتم مَدعاة للإِساءة لمُقدّسات الشاتم نَفسه، ومِن هُنا حرّم الفقهاء شَتم الصَنم إذا أدّى إلى شَتم الله تعالى، مستفيدين ذلك مِن قوله تعالى: ( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) الأنعام: 108.
مِن أجل ذلك كُلّه كان الشيعة أطهرَ ألسِنة مِن أن يَشتِموا، وأبعدَ عن هذا الموقف النابي، ولذلك رأينا كثيراً مِن الباحثين يُؤكّدون هذا الجانب في حياة الروّاد الأوائل مِن الشيعة مع أنّهم يُثبِتون عقيدتهم بتقديم الإِمام عليٍّ ( ع ).
ومِن هؤلاءِ:
أ ـ الدكتور أحمد أمين:
يقول عن هؤلاءِ: إنّهم قسمُ المقتصد الذي يرى بأنّ أبا بكر وعُمر وعُثمان ومَن شايعهُم، أخطأوا إذ رضوا أن يكونوا خُلفاء مع عِلمهم بفضل عليٍّ، وإنّه خيرٌ مِنهم ( 2 ).
__________
( 1 ) صِفّين، لنصر بن مُزاحم: ص115.
( 2 ) فجر الإِسلام: ص268
الصفحة 38
ب ـ ابن خُلدون يقول:
كان جماعة مِن الصحابة يتشيّعون لعليٍّ، ويرون استحقاقه على غيره، ولمّا عُدِلَ به إلى سواه، تأفّفوا مِن ذلك وأسفوا له، إلاّ أنّ القوم لِرُسوخِ قَدَمِهِم في الدين، وحُرصِهم على الأُلفة، لم يزيدوا في ذلك على النجوى بالتأفف والأسف ( 1 ).
ج ـ ابن حَجَر في الاستيعاب:
يقول في ترجمة أبي الطُفيل: عامر بن واثلة بن كنانة الليثي أبو الطُفيل، أدرك مِن حياة النبيّ ( ص ) ثمان سنين، وكان مولده عام أُحُد ومات سَنَة مائة، ويقال: إنّه آخر مَن مات مِمَّن رأى النبيّ، وقد روى نحو أربعة أحاديث، وكان مُحبّاً لعليٍّ، وكان مِن أصحابه في مشاهده، وكان ثِقَة مأموناً يَعترف بفضل الشيخين، إلاّ أنّه يُقدّم عليّاً. انتهى باختصار ( 2 ).
وبعد هذه المُقتطفات، أُودُّ أن أُلِف النظر أنّي خلال مُراجعاتي كُتُب التاريخ، لم أرَ في الفترة التي تَمتدُّ مِن بعد وفاة النبيّ حتّى نهاية خلافة الخُلفاء مَن عَمِدَ إلى الشتم مِن أصحاب الإِمام، وإنّما هناك مَن قيّم الخُلفاء وقيّم الإِمام، وحَتّى في أشدِّ جَمَحات عاطفة الولاء، لم نجد مَن يشتم أحداً مِمَّن تقدَّم الإِمام بالخلافة، يقول أبو الأسود الدؤلي:
أُحــبّ مـحمداً حـبّاً شـديداً وعـبّـاساً وحـمزة والـوصيّا
يـقول الأرذلـون بـنو قـشير طـوال الـدهر مـا تنسى عليّا
أُحـبّـهُم لـحـبِّ الله حـتّـى أجـيء إذا بُـعِثت عـلى هويّا
بـنـو عــمِّ الـنبيّ وأقـربوه أحــبّ الـنـاس كُـلّهم إلـيّنا
فـإن يـكُ حُـبّهم رُشـداً أَصبه ولستُ بمخطئ إن كان غيّاً ( 3 )
__________
( 1 ) تاريخ ابن خُلدون: 3/364.