تويت
بينما كنت جالس على أريكة المساء أتابع حلقات الحياة التي هي حلقات مديدة تفوق أي مسلسل درامي كان أو مسلسل اجتماعي ,لاحظت مشاهد قديمة تتكرر في شاشة الحياة ولكنها تلونت بألوان جديدة حتى تظهر للوهلة الاولى أنها حديثة وتخدعك في عالم الخيال المزيف ,لكن من يدقق في خلفية الألوان يجد أنه قد تم تلوين الخلفية وتغيير الشخصيات على المسرح بوجوه تستقطب اهتمامك وتجذب نظرات عيونك لأشياء فريدة فيها ولكن المضمون واحد هو نفسه مضمون ماضي قد شاب شعر رأسك منه ومضمون حاضر ينزع من جسدك القلب الطيب ويضع بدلًا منه صخرة صماء.
دورت رأسي ناحية غروب الشمس قبل اندحاري لتلك المشاهد التي معها فؤادي نبض نبضات تهور وفكري بدأ يتأرجح يمينًا وشمالًا , لحظات بسيطة وكدت أن أكون ممثلًا على ذلك المسرح ولكن هروبي السريع أزال غمامة سوداء من أمام عيوني حتى عانقت نظراتي الغروب في بدايته حتى نهايته ومعه سبحت في نوم عميق طرق أبواب الماضي واصطاد منه فكرة كانت غارقة في بحر النسيان .
أخذت الفكرة وجففتها من ماء الضياع وبلورت الفكرة أمام ناظري حتى لونتها بطيف من الألوان الذهنية المعاصرة بعد أن كانت بألوان الماضي العتيق , تأملت الفكرة بلباسها الجديد وقد تزينت بأجمل الحُلي ونقشت عليها عبارة قد تكون نبراسًا لأفكار ضائعة في صمت الحياة ومعها قد ترى النور من أجل إعادة هيكلة نمط الحياة بأسلوب فكري قائم على مبدأ رعاية الفكرة وهي في عقل حاملها حتى ترى النور كما ترعى الأم طفلها من الحمل حتى الولادة ومن الولادة حتى النشأة الكبرى .
رفعت رأسي من نومي ونظرت للنجوم في السماء التي هي تُقدر بأعداد هائلة لا تُعد ولا تُحصى وأفكار الناس اليومية كثيرة ولا نستطيع حصرها في مجلد واحد بل نريد مجلدات لحصر تلك الأفكار في مكتبة الفكر العظيمة ,فما بالك الفكرة وشرحها والردود عليها وتطورات الآخرين عليها واملاءات من هنا وهناك والأحداث التي سوف تنشأ من خلالها , فكل ذلك يحتاج كتاب لوحده وهي فكرة واحدة وهناك ملايين الأفكار بجوارها تحتاج نفس التقييم والنشأة والنهوض بها حتى الوصول إلى قمة الفكر الحر في أعلى القمم الذهنية التي لم تتغير منذ قرون .
تقلبت في مجلسي وأرى القمر يختفي خلف الغيوم القادمة من الغرب ومع ذلك المنظر الجميل تعجبت من اهتمامنا بأشياء تافهة ونطورها ونحاول أن نعمل منها حدث قومي كبير , تتزين له النساء وترقص له الرجال وتُغمد فيه السيوف في مخبأ الخزي والعار , وهناك على الجانب الآخر أفكار قد تُوصل بعض الدول إلى قمة الدول المتقدمة وإلى سيادة العالم الهزيل ولكن يتم وأد تلك الأفكار قبل التفكير فيها والعمل من أجل إخمادها للأبد وفي بعض الأحيان يتم وأد حامل الفكرة في أودية الظلام .
وقفت من مجلسي عندما سمعت أصوات غريبة تلوح بالأفق لأنه يبدو أن صوت أفكاري قد علا صوتها ويبدو أن هناك في الظلام أشباح تُطارد خيال الأفكار حتى لا ترى نور الصباح , وأنا عائد في طريقي إلى البيت شعرت أن أفكار اليوم ما زالت مقيدة وتحتاج سنين آخرى حتى تتغلب على سجانها ,فقلت في خاطري ربما نكون في ذلك اليوم وربما نكون قد رحلنا ولكن يجب علينا من الآن زرع بذور تلك الأفكار في تربة الأبناء حتى يحصدوا ثمارها قريبًا عندما تغيب شمس الظلام قليلًا ويكون بالمستطاع التغلب على هادمي تلك الأمة العظيمة