بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين الأئمة الهداة الميامين
واللعنة الدائمة على أعدائهم ومبغضيهم إلى قيام يوم الدين
تعالى: (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) [صدق الله العليُّ العظيم]
ما كان لله جلّت عظمته أن يقبض رسوله الخاتم (صلى الله عليه وآله) قبل أن يأمره بنصب الخليفة من بعده على أُمّته، ولم يكن - وهو العزيز الحكيم واللطيف الخبير - ليترك الأُمّة المرحومة بعد وفاة نبيّها دون راعٍ يرعى شؤونها، ومن غير حجّة يحتجّ بها عليها وتحتج بها عليه، وبلا أمير وحاكم تتحاكم إليه في أمور دينها ودنياها، ويحمي ثغورها، ويباشر مهمة الإرشاد والتبليغ بعد نبيّها، ويذبّ عنها وعن معالم الدّين ويحمل أعباء نشر الشريعة وبسط معارفها والتصدي لعبث العابثين وأهواء المنافقين وغوايات المناهضين، وحاشا لله جلّت قدرته وحاشا لرسوله (صلى الله عليه وآله) أن يغفلا هذا الجانب الحسّاس من مصير الأمة والشريعة الغراء فضلاً عن التقصير في هذا الأمر الخطير.الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين الأئمة الهداة الميامين
واللعنة الدائمة على أعدائهم ومبغضيهم إلى قيام يوم الدين
تعالى: (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) [صدق الله العليُّ العظيم]
وما كان لله العليم الحكيم ولا لرسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) أن يقدّما المفضول من الناس في هذه المسؤولية الجسيمة على الفاضل، ولا الفاضل على الأفضل، إذ يأبى العليم الحكيم أن يختار لهذا المنصب إلاّ أفضل الناس سيرة وأتمّهم إيماناً وأكملهم على الإطلاق ذلك أنّه حكم العقل الصريح وما جبلت عليه الفطرة السليمة وتسالم عليه العقلاء وجرت عليه سيرتهم، وهو خالق العقل والفطرة والعقلاء ورئيسهم، وحاشا للخالق الحكيم أن يخالف ما أجراه في خلقه مجرى الدّم في العروق، فضلاً عن علمه بأنّ من يخلف رسوله (صلى الله عليه وآله) ويقوم مقامه يعدّ سفيراً له سبحانه وتعالى يرى الناس فيه قدرة الله جلّت قدرته وعلمه وحكمته ورأفته ورحمته وسائر صفاته الجمالية وهو خليفته في الأرض يمثّله بين العباد فهو يد الله تعالى وعين الله وأُذُن الله تعالى ووجه الله تبارك وتعالى، ودليل على الله تعالى، به يُعرف الله تعالى وبه يعبد الله تعالى وبه يرجو العباد الزّلفى والتقرب إلى الله تعالى فهو وسيلتهم إلى الله تعالى، وعليه فلا يختار الحكيم الخبير سوى الأكمل من خلقه على الإطلاق ليكون سفيراً له في خلقه وحجة على عباده، فالخالق المطلق في كماله لا يقع اختياره لسفارته وتمثيله إلاّ على المخلوق المطلق في كماله.
من هذا المنطلق وقع اختياره على الأنبياء والرسل والأوصياء وهم الكُمّل في أقوامهم وأفضل الناس في عصرهم وزمانهم، وفضّل بعضهم على بعض، فجاء اختياره منذ الأزل وقبل أن يخلق الخلائق على أن يكون علي (عليه الصلاة والسلام) خليفة لرسوله الخاتم (صلى الله عليه وآله) وحجة من بعده وإماماً للأمّة وسيّداً للأوصياء، فجعل نورهما في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة، ومازال ينتقل بهما من ظهر إلى ظهر، ومن بطن إلى بطن حتى ولدا عليهما وآلهما الصلاة والسلام، فلمّا بُعث النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بالنبوة ومنذ الوهلة الأولى من بعثته أمره تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) بأن يعلن عن خليفته وينصب عليّاً إماماً على المسلمين وخليفة له عليهم في غيابه أوان حياته وبعد وفاته، وقد صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك وامتثل لهذا الأمر الإلهي طيلة حياته الشريفة، إذ لم يدع شاردة ولا واردة من الفرص إلاّ وبيّن ذلك في السرّ والعلانية، بالتصريح والكناية والتلويح، وبما أوتي من قوة في البيان وصولة في الإعلام والإعلان.
حتى اقتربت الساعة ودنت المنيّة والأجل المحتوم: (إنك ميّتٌ وإنّهم ميّتون)، وهو في طريقه للعودة من حجة الوداع وبرفقته وفي صحبته مئة وعشرون ألف مسلم - أو يزيدون - نزل جبرئيل عليه السلام بآية التبليغ في الجحفة بين مكة والمدينة على ضفاف غدير من الماء في الثامن عشر من ذي الحجة حيث نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه، وأمر أن يُنصب له في الموضع كالمنبر من الرحّال، وينادى بالصلاة جامعة، فاجتمع سائر من كان معه من الحجيج، ومن تبعهم لدخول المدينة من أهل الأمصار، واجتمع جمهور أمّته، فصلّى ركعتين، ثم رقى المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وزجر وأنذر، ونعى إلى الأمّة نفسه، ووصّاهم بوصايا يطول شرحها فيما يجب الانتهاء إليه في حياته وبعد وفاته، ثم دعا علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فأمره أن يرقى معه الرحّال، ثمّ أقبل على الناس بوجهه الكريم (صلى الله عليه وآله)، فقرّرهم على فرض طاعته، وقال في تقريره لهم: (ألستُ أولى بكم من أنفسكم) فأجابته الجماعة بالإقرار، فأخذ إذ ذاك بعضد أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم أقبل عليهم أجمعين، فقال: (فمن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللهمّ والِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه، وانصُر مَنْ نَصَرَه، وأخذُل مَنْ خَذَلَه) فنصّ عليه بالإمامة من بعده، وكشف بقوله هذا عن فرض طاعته، والقصة مشهورة، والواقعة معروفة مأثورة في كتب الفريقين من العامّة والخاصة، وقد ملأت بطون كتب المسلمين من التاريخ والسيرة والحديث والكلام وما شابه ذلك، وأجمع على صدقها وصحتها الفريقان حتى أفرد للبحث فيها العلامة الأميني (قدس سره) أحد عشر مجلداً سمّاها (الغدير) جمع فيها ما استطاع إليه سبيلاً من الكتب والمؤلفات التي تطرقت إليها ومن الرّواة والأدباء والشعراء والعلماء الذين أوردوها وبحث فيها بحثاً وافياً وأطلق عنان القلم في البحث عن أسانيدها ودلالالتها حتى أحاط القارئ بها إحاطة تامّة لا يرغب عنها إلاّ المعاند المكابر والعدو اللّدود الناصب لعليّ أمير المؤمنين (عليه السلام).
نعم أجهد علماء العامة والمخالفين أنفسهم للتلاعب في دلالة الحديث والتصرف في مداليله وتحريف معانيه ليصرفوه عن ظاهره فيصرفوا وجه الأمة عن صاحب الولاية، والإمامة الحقّة وكي يبّرروا ما هم عليه من مكابرة وعناد وضلال بعد أن أعياهم عن نبذ الحديث من أصله والإعراض عنه من رأسٍ كثرة طرقه وصحّة أسانيده وإجماع الأمة عليه وتواتره لديهم متجاهلين أن البحث والطعن والخدش في دلالته حرفة العاجز ومحاولة فاشلة تضحك منها الثكلى، وأنّى لهم ذلك ودلالته على الولاية العامّة نص جليٌّ لا يقبل التأويل ويأبى كلّ محاولة لإلقاء الشبهة والطعن فيها.
وكيف كان فقد جرت السُّنّة في هذا اليوم بعينه أن يتُخذ عيداً للمسلمين لأنه اليوم الذي اكتمل فيه الدين بولاية علي أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام)، وتطابقت الروايات عن الصادقين من آل محمد (صلى الله عليه وآله) بأنّ يوم الغدير يوم عيد، سرّ الله تعالى به المسلمين ففي رواية الحسن بن راشد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: جُعلتُ فداك، للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال (عليه السلام): (نعم يا حسن، أعظمها وأشرفها)، قال: قلت له: وأيُّ يوم هو؟ قال (عليه السلام): (يوم نصب أمير المؤمنين عليه السلام فيه عَلَماً للنّاس)، قلت له: جُعلتُ فداك، وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟ قال (عليه السلام): (تصومه يا حسن، وتكثر الصلاة على محمد وآله فيه، وتتبرّأ إلى الله ممّن ظلمهم، ...).
فهنيئاً لشيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) الذين وفّقهم الله تعالى لهذه النعمة ومنّ عليهم بها وبمعرفتها وإحيائها والتمسك بحبلها، وهو الحبل المتين الممدود بين السّماء والأرض إلى قيام الساعة، ألا وهي نعمة ولاية مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) وأبنائه الطاهرين المعصومين التي من تمسك بحبلها وركب سفينتها نجى ومن تخلّف عنها غرق وغوى، إذ لم يُنادَ بشيءٍ كما نودي بالولاية.
ومن الآداب والسّنن المشهورة في هذا اليوم الغُسل وصلاة ركعتين بكيفية خاصة والصّوم حيث يعدل صيام ستين عاماً وللعالم العارف يعدل صيام الدّهر كُلّه، وزيارة الإخوان، والإطعام والتعطير ولبس أجمل الثياب والمؤاخاة بين المؤمنين بالكيفية والصيغة الخاصة المذكورة في كتب الأدعية.
فهنيئاً لإمام العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف بهذه المناسبة الجليلة وهنيئاً لشيعتهم بهذا اليوم المبارك الميمون.
والحمد لله رب العالمين