بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جاء في بعض أدعية الامام الحجّة المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) هذا الدعاء ((وتغنيني بغناك يا حليم))..


الغنى الحقيقي هو من لا يحتاج إلاّ لله سبحانه وتعالى ولا يسأل غيره، فهو مستغن بالله تعالى دون غيره..
جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ((غنى المؤمن بالله سبحانه))، لذا عبّر عنه (عليه السلام) بأعظم الغنى، ومن استغنى بغير الله تعالى فهو في فقر وشقاء، حيث قال (عليه السلام) ((الغنى بالله أعظم الغنى، والغنى بغير الله أعظم الفقر والشقاء))..

لذا فمن طلب الغنى فليطلبه من الله سبحانه وتعالى وليكن على ثقة بما يعطيه فقد قال النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) لأبي ذر ((إن سرك أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله عز وجل أوثق منك بما في يدك))..


وهذا هو أعظم الغنى كما عبّر عنه الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) ((من أراد أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يد غيره))..

ومن الجدير بالذكر انّ من استغنى بالله سبحانه وتعالى فانّه تعالى يجعل الناس تفتقر اليه كما عبّر الامام زين العابدين (عليه السلام) بقوله ((ما استغنى أحد بالله إلا افتقر الناس إليه))..


ويأتي الغنى بصورة أساسية من قناعة المؤمن بما رزقه الله سبحانه وتعالى فعن الإمام الصادق (عليه السلام) ((من قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس))..

وفي كلّ الأحوال فانّ الانسان لا ينال أكثر من رزقه الذي يقسمه الله تعالى له ولن يكون أكثر من ذلك أبداً إلاّ بما شاء تعالى حتى لو حفر الصخر وقطع الوديان، ونحن نعرف قصة الامام علي (عليه السلام) عندما استأمن أحداً على فرسه أمام المسجد، فقام بسرقة السرج وبيعه بخمسة دراهم، فقال الامام (عليه السلام) ((سبحان الله، لقد كنت أنوي أن أدفع للرجل السارق خمسة دراهم عند خروجي من المسجد لقاء أمانته، لكنه أستعجل رزقه وسرق السرج وباعه، ولو لم يستعجل رزقه بالحرام لأخذه بالحلال))..


فنفهم من هذه الرواية انّ من يحتال ويغتصب الأموال ويسرق يكون له في المقابل رزق حلال، ولكنّه أبى إلاّ أن يأخذها بالحرام..


أما عن أغنى الغنى فهو غنى النفس، فالنفس إذا لم تكن قانعة ولم تيأس مما في أيدي الناس فهي نفس فقيرة شقية لا يمكن أن تستغني أبداً وقد جاء عن الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) ((خَيْرُ الْغِنىَ غِنَى النَّفْس)) وفي رواية اُخرى أنّه قال: ((الْغِنَى فِي الْقَلْبِ، وَالْفَقْرُ فِي الْقَلْبِ))..


وقد يتصوّر البعض بأنّ الغنى هو غنى الأموال والأولاد فيردّ عليهم الامام علي (عليه السلام) بقوله ((ليس الغنى بكثرة المال انما الغنى غنى النفس))..



لذا فانّ السعادة الحقيقية هو أن يكون العبد مؤمناً بالله تعالى مستغنياً به مفتقراً اليه قانعاً بما يأتيه راغباً عما في أيدي الناس مستغنياً عنهم، فلا يسأل إلاّ الله تعالى، ليكون عزيزاً غنياً بين الناس ذليلاً فقيراً بين يدي الله تعالى، فيرفعه تعالى الى أعلى الدرجات..

وعلى هذا جاءت فقرة الدعاء بقوله (عليه السلام) ((
وتغنيني بغناك يا حليم))..

نسأل الله تعالى أن نكون من المستغنين بالله تعالى المفتقرين اليه راغبين عمّا في أيدي الناس...