بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين
كتاب الله الذي عجزت البشرية ان تأتي بمثله لم يكن لزمان ومكان بل لا يزال يتحدى البشرية ببلاغته وأسلوبه فلم يفلح احد في مقارعة القران ومجاراته وكل محاولاتهم بائت بالفشل، لان هذا الكتاب العظيم قد تكون نسيجه من مفردات موجودة عند العرب لكنه صيغت بجمل رهيبة أعيت كل بليغ فضلا عن غيره، فلعظمة هذه المفردات وأسلوب سردها الجملي، جاء هذا البحث، فتوفر على بيان أهمية السورة وفضلها وغيرها
أهمية السورة:
ان هذه السورة المباركة تعد من أحد أهم سور القران العظيم رغم قلة مفرداتها وجملها لما تحويه من معارف عقائدية واغوار هذه المعارف قد كشف بعضها عن البعض الاخر من نظمها وتركيبها وجمالية سياقها وعذوبة الفاظها ، وهي بحق جواب عن سؤال الكفار، فكان جواباً عظيماً قد أفحمهم، وبالتالي فقط جاءت مفرداتها تحكي عن عظمتها وقوة بيانها وهي حجة لمن أراد السداد وقطع طريق الجحد والعناد الا ان المكابر والمعاند قد زاغ وابتعد،
فضلها:
1ـ محمد بن يعقوب : عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن النعمان ، عن عبد الله بن طلحة ، عن جعفر ، قال : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من قرأ ( قل هو الله أحد ) مائة » مرة حين يأخذ مضجعه ، غفر الله له ذنوب خمسين سنة
2ـ عن أبي علي الأشعري ، عن محمد بن حسان ، عن إسماعيل بن مهران ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : « من مضى به يوم واحد فصلى فيه بخمس صلوات ولم يقرأ فيها ب ( قل هو الله أحد ) قيل له : يا عبد الله ، لست من المصلين »[1]
مقامات ومراتب من السورة:
1 - مرتبة الغيب والذات والهويّة المنفيّة عنها الأسماء والصفات ، ولا يعبّر عنها بالألفاظ ولا تدلّ عليها كلمات ، وآخر ما يمكن أن يعبّر عنها انّما هو كلمة - هو - الدالّ على الغائب المطلق بلا وصف ، والى هذه المرتبة يشير أمير الموحّدين بقوله - وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه .
2 - مرتبة التوصيف والتعريف المطلق ، وهذه المرتبة يعبّر عنها بكلمة - اللَّه - وهو الاسم الخاصّ الجامع لجميع الصفات العليا والأسماء الحسنى ، ويدلّ على المعبود المطلق المتحيّر فيه المخلوق ، والى هذه المرتبة يشار بقوله تعالى - ( اللهُ لا إِله َ إِلَّا هُوَ لَه ُ الأَسْماءُ الْحُسْنى )
3 - مرتبة توحيد الذات والوحدانيّة المطلقة ، وهذه المرتبة إنّما هي بعد تصوّر الصفات الإجماليّة في مقام التعبير والتعريف ، فتنفي الصفات ثانيا ليحقّ الحقّ ويزهق الباطل المتوهّم عن مقام الهويّة .
4 - مقام الصمديّة ، وهو تعريف عن مرتبة الالوهيّة وكشف جامع عن اسم - اللَّه ، فانّ الصمد هو المقام العالي الثابت الحقّ المرتفع عن أيّ جهة وفي أيّ وصف ، وهو العلوّ المطلق يعلو كلّ شيء ، ويخضع لديه كلّ شيء ، وهو الرفيع الدرجات في حياة وقدرة وعلم وإرادة ، فالصمد هو المتعالي في جميع ما يتصوّر عن أيّ وصف وخصوصيّة وكمال وجمال ، فلا بدّ أنّ كلّ موجود قاصد نحوه وخاضع لديه وعابد وخاشع لوجهه .
5 - مقام نفي الولادة عن شيء وولادة شيء عنه ، بمعنى أنّه لم يتكوّن عن شيء ولم يتكوّن عن ذاته شيء ، فهو في طول حياته أزليّ أبديّ ليس لحياته انقطاع ، وهو تعالى حياته بذاته ولذاته وفي ذاته ، وكلَّما يتكوّن فهو بأمره وإرادته .
6 - مقام نفي الكفؤ عنه : فانّه تعالى أحد ليس له شريك ولا نظير ولا ندّ ولا ضدّ ، فليس في مقابل وجوده شيء يقابله بحياة أو قدرة أو علم أو إرادة ومشيئة ، فهو تعالى أحد في حياته وإرادته[2]
الفقه:
وما يتضح من عظم شأنها انه يكره تركها في جميع الفرائض الخمسة، هذا عند السيد اليزدي وعلق على ذلك الشيخ كاشف الغطاء قائلا: فقد ورد أن من مضى به يوم واحد فصلى فيه الصلوات الخمس ولم يقرأ فيها
بقل هو الله أحد قيل : يا عبد الله لست من المصلين، كما انه يكره أن يقرأ سورة واحدة في الركعتين إلا سورة التوحيد،، ووافق اليزدي كثير ممن علق على العروة الوثقى كالسيد السيستاني والسيد الخميني
مستند الكراهة:
قال صاحب المدارك : يدلّ على ما ذكره من كراهة ترك التّوحيد في جميع الصلوات الخمسة رواية منصور بن حازم - المرويّة في الكافي - عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام ، قال : من مضى به يوم واحد فصلَّى بخمس صلوات ولم يقرأ فيها بقل هو اللَّه أحد قيل له : يا عبد اللَّه لست من المصلَّين . ورواه في الوسائل عن البرقي
عن عمران بن حصين ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية واستعمل عليها عليا عليه السلام ، فلما رجعوا سألهم فقالوا : كل خير غير أنه قرأ بنا في كل صلاة بقل هو الله أحد ، فقال : يا علي لم فعلت هذا ؟ فقال : لحبي لقل هو الله أحد ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أحببتها حتى أحبك الله عز وجل[3]
الصمد في الروايات:
عن محمد بن الوليد ولقبه شباب الصيرفي ، عن داود بن القاسم الجعفري قال : قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام : جعلت فداك ما الصمد ؟ قال : السيد المصمود إليه في القليل والكثير[4]
وعلق عليه قائلاً: أن الصمد هو السيد المصمود إليه هو معنى صحيح موافق لقول الله عز وجل : " ليس كمثله شئ " والمصمود إليه : المقصود ، في اللغة ..
وقد وافق هذا المازندراني قائلاً: الصمد السيّد المصمود فعَل بمعنى مفعول كالحسب والقبض يعني أنّه السّيد الّذي يصمد إليه في طلب الاُمور والنوائل ويقصد في دفع الحوائج والنوازل ويلاذ به في السرّاء والضرّاء ويلتجا إليه في الشدَّة والرَّخاء ولذلك يوصف به سبحانه لأنَّه المستغني عن الغير على الإطلاق وكلُّ ما سواه يحتاج إليه من جهات متكثّرة[5]
الصمد في لغة العرب:
وتحقيق المفردة لغوياً: أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة : هو المقام العالي المرتفع الصلب الَّذي يعلو ولا يعلى عليه ويتفوّق على جميع أطرافه ، وسواء كان مادّيّا أو معنويّا[6]
الاصفهاني: الصَّمَدُ: السَّيِّدُ : الذي يُصْمَدُ إليه في الأمر ، وصَمَدَه : قصد معتمدا عليه قصده[7]
وقال ابن الأنباري : لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد هو السيد الذي ليس فوقه أحد ، الذي يصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم[8]
تفسير: الصمد:
الطباطبائي: فهو الصمد في كل حاجة في الوجود لا يقصد شيئا إلا وهو الذي ينتهي إليه قصده وينجح به طلبته ويقضي به حاجته.. ومن هنا يظهر وجه دخول اللام في الصمد وانه لإفادة الحصر فهو تعالى وحده الصمد على الاطلاق[9]
الصمد عند مفسري العامة:
قد نجد الكلمات متعددة في تفسير هذه المفردة وبيانها لكن المعنى الذي سبق عرضه من الرواية وقول الشيخ الكليني نراه عند أغلب المفسرين وان تعددت كلماتهم، أقلاً انهم يوردونه كأحد المعاني لها وسوف ندخل في تلك التفاسير بصورة سريعة:
1ـ أخرج الطبري عدة روايات في تأويل لفظه الصمد منها: عن إبراهيم بن ميسرة ، قال: أرسلني مجاهد إلى سعيد بن جبير أسأله عن الصمد ، فقال : الذي لا جوف له[10]
علما ان الطبري لم يخرج هذا الكلام حول مفردة الصمد عن النبي(ص) وانما كلها عن الصحابة والتابعين وغيرهم..
2ـ الصنعاني: عن عاصم عن شقيق قال الصمد السيد الذي قد انتهى في سؤدده[11] ووافقه ابن زينين والسمرقندي وقد أخرج السلمي أقوالاً كثيرة في تفسيره حول معنى الصمد منها الذي آيست العقول من الاطلاع عليه[12]وكل الاقوال التي ينقلوها في تفسير الصمد كلها تعتمد على اقوال اللغويين الا رواية واحدة يرويها ابن عباس : " أنه لما نزلت هذه الآية قالوا : ما الصمد ؟ قال عليه السلام هو السيد الذي يصمد إليه في الحوائج[13] وهي التي رواها الفخر الرازي وقد أعتمدها وقبل هذا المعنى الذي أشارت اليه مستدلاً بها على بقية الاقوال وكذا وافقه السعدي في تفسيره.
الذي يلحظه القارئ في كتب التفسير يجدها انها قد تناولت المفردة بذكر معانيها عن اللغويين والمفسرين سواء الصحابة او التابعين ولم تتعدى ذلك ولم يوردوا الا رواية او روايتين عن النبي (صلى الله عليه واله) فتبقى اهميتها من حيث اقوال أهل اللغة والتفسير
التأمل في المفردة:
بعد ان رحلنا في كتب التفسير واللغة وعرضنا اقوال الاعلام حول هذه المفردة نكون بذلك قد توقفنا عند أمر مهم وهو سعة المعنى وعمقه، ففي الواقع ان لكل مفردة في اللغة العربية معنى او اكثر، لكن الامر لا يتعلق بها دائماً بل ملاحظتها مع الجملة والسياق الذي تقع فيه فعندما رأينا المفسرين قد اعطوا عدة تفسيرات لهذه المفردة ليس من باب معنى الكلمة مخرطة عن السياق بل بلحاظ السياق وموقعها في نظم الكلام ، نعم كلمة الصمد بحد ذاتها لها أكثر من معنى لكل سياقها كذلك يحتمل أكثر من معنى لكل هنالك معنى يكون أبلغ واعلى من غيره لذا ترى إختلاف المفسرين كلٌ حسب علمه وذوقه اللغوي والبلاغي والعقيدي، وبحق ان وجود (الصمد) بهذا السياق وقد سبقت بجملة توحيدية رصينة يعد من أعذب الاختيارات اللطيفة الدقيقة ولعل دخول اللام عليها إشعار بمزيد أهميتها، من جهة البلاغة والمعرفة، كما أستشعران دخول اللام لغرض التثبت والرصانة والقوة في الجواب وكذلك لغرض الانتباه والجذب والدهشة، اقول هذا من جهة التدبر لا أعني به التفسير وبيان المراد، فاني أقل من ذلك، فتحطي لنا هذه المفردة بمعانيها المتعددة عظمة "هدفية" موقعها وكيف وقعت في هذا السياق دون غيره، فالله الحمد لله على عظمته حكمته وآثار صنعه..
حسن الجوادي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين
كتاب الله الذي عجزت البشرية ان تأتي بمثله لم يكن لزمان ومكان بل لا يزال يتحدى البشرية ببلاغته وأسلوبه فلم يفلح احد في مقارعة القران ومجاراته وكل محاولاتهم بائت بالفشل، لان هذا الكتاب العظيم قد تكون نسيجه من مفردات موجودة عند العرب لكنه صيغت بجمل رهيبة أعيت كل بليغ فضلا عن غيره، فلعظمة هذه المفردات وأسلوب سردها الجملي، جاء هذا البحث، فتوفر على بيان أهمية السورة وفضلها وغيرها
أهمية السورة:
ان هذه السورة المباركة تعد من أحد أهم سور القران العظيم رغم قلة مفرداتها وجملها لما تحويه من معارف عقائدية واغوار هذه المعارف قد كشف بعضها عن البعض الاخر من نظمها وتركيبها وجمالية سياقها وعذوبة الفاظها ، وهي بحق جواب عن سؤال الكفار، فكان جواباً عظيماً قد أفحمهم، وبالتالي فقط جاءت مفرداتها تحكي عن عظمتها وقوة بيانها وهي حجة لمن أراد السداد وقطع طريق الجحد والعناد الا ان المكابر والمعاند قد زاغ وابتعد،
فضلها:
1ـ محمد بن يعقوب : عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن النعمان ، عن عبد الله بن طلحة ، عن جعفر ، قال : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من قرأ ( قل هو الله أحد ) مائة » مرة حين يأخذ مضجعه ، غفر الله له ذنوب خمسين سنة
2ـ عن أبي علي الأشعري ، عن محمد بن حسان ، عن إسماعيل بن مهران ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : « من مضى به يوم واحد فصلى فيه بخمس صلوات ولم يقرأ فيها ب ( قل هو الله أحد ) قيل له : يا عبد الله ، لست من المصلين »[1]
مقامات ومراتب من السورة:
1 - مرتبة الغيب والذات والهويّة المنفيّة عنها الأسماء والصفات ، ولا يعبّر عنها بالألفاظ ولا تدلّ عليها كلمات ، وآخر ما يمكن أن يعبّر عنها انّما هو كلمة - هو - الدالّ على الغائب المطلق بلا وصف ، والى هذه المرتبة يشير أمير الموحّدين بقوله - وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه .
2 - مرتبة التوصيف والتعريف المطلق ، وهذه المرتبة يعبّر عنها بكلمة - اللَّه - وهو الاسم الخاصّ الجامع لجميع الصفات العليا والأسماء الحسنى ، ويدلّ على المعبود المطلق المتحيّر فيه المخلوق ، والى هذه المرتبة يشار بقوله تعالى - ( اللهُ لا إِله َ إِلَّا هُوَ لَه ُ الأَسْماءُ الْحُسْنى )
3 - مرتبة توحيد الذات والوحدانيّة المطلقة ، وهذه المرتبة إنّما هي بعد تصوّر الصفات الإجماليّة في مقام التعبير والتعريف ، فتنفي الصفات ثانيا ليحقّ الحقّ ويزهق الباطل المتوهّم عن مقام الهويّة .
4 - مقام الصمديّة ، وهو تعريف عن مرتبة الالوهيّة وكشف جامع عن اسم - اللَّه ، فانّ الصمد هو المقام العالي الثابت الحقّ المرتفع عن أيّ جهة وفي أيّ وصف ، وهو العلوّ المطلق يعلو كلّ شيء ، ويخضع لديه كلّ شيء ، وهو الرفيع الدرجات في حياة وقدرة وعلم وإرادة ، فالصمد هو المتعالي في جميع ما يتصوّر عن أيّ وصف وخصوصيّة وكمال وجمال ، فلا بدّ أنّ كلّ موجود قاصد نحوه وخاضع لديه وعابد وخاشع لوجهه .
5 - مقام نفي الولادة عن شيء وولادة شيء عنه ، بمعنى أنّه لم يتكوّن عن شيء ولم يتكوّن عن ذاته شيء ، فهو في طول حياته أزليّ أبديّ ليس لحياته انقطاع ، وهو تعالى حياته بذاته ولذاته وفي ذاته ، وكلَّما يتكوّن فهو بأمره وإرادته .
6 - مقام نفي الكفؤ عنه : فانّه تعالى أحد ليس له شريك ولا نظير ولا ندّ ولا ضدّ ، فليس في مقابل وجوده شيء يقابله بحياة أو قدرة أو علم أو إرادة ومشيئة ، فهو تعالى أحد في حياته وإرادته[2]
الفقه:
وما يتضح من عظم شأنها انه يكره تركها في جميع الفرائض الخمسة، هذا عند السيد اليزدي وعلق على ذلك الشيخ كاشف الغطاء قائلا: فقد ورد أن من مضى به يوم واحد فصلى فيه الصلوات الخمس ولم يقرأ فيها
بقل هو الله أحد قيل : يا عبد الله لست من المصلين، كما انه يكره أن يقرأ سورة واحدة في الركعتين إلا سورة التوحيد،، ووافق اليزدي كثير ممن علق على العروة الوثقى كالسيد السيستاني والسيد الخميني
مستند الكراهة:
قال صاحب المدارك : يدلّ على ما ذكره من كراهة ترك التّوحيد في جميع الصلوات الخمسة رواية منصور بن حازم - المرويّة في الكافي - عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام ، قال : من مضى به يوم واحد فصلَّى بخمس صلوات ولم يقرأ فيها بقل هو اللَّه أحد قيل له : يا عبد اللَّه لست من المصلَّين . ورواه في الوسائل عن البرقي
عن عمران بن حصين ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية واستعمل عليها عليا عليه السلام ، فلما رجعوا سألهم فقالوا : كل خير غير أنه قرأ بنا في كل صلاة بقل هو الله أحد ، فقال : يا علي لم فعلت هذا ؟ فقال : لحبي لقل هو الله أحد ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أحببتها حتى أحبك الله عز وجل[3]
الصمد في الروايات:
عن محمد بن الوليد ولقبه شباب الصيرفي ، عن داود بن القاسم الجعفري قال : قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام : جعلت فداك ما الصمد ؟ قال : السيد المصمود إليه في القليل والكثير[4]
وعلق عليه قائلاً: أن الصمد هو السيد المصمود إليه هو معنى صحيح موافق لقول الله عز وجل : " ليس كمثله شئ " والمصمود إليه : المقصود ، في اللغة ..
وقد وافق هذا المازندراني قائلاً: الصمد السيّد المصمود فعَل بمعنى مفعول كالحسب والقبض يعني أنّه السّيد الّذي يصمد إليه في طلب الاُمور والنوائل ويقصد في دفع الحوائج والنوازل ويلاذ به في السرّاء والضرّاء ويلتجا إليه في الشدَّة والرَّخاء ولذلك يوصف به سبحانه لأنَّه المستغني عن الغير على الإطلاق وكلُّ ما سواه يحتاج إليه من جهات متكثّرة[5]
الصمد في لغة العرب:
وتحقيق المفردة لغوياً: أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة : هو المقام العالي المرتفع الصلب الَّذي يعلو ولا يعلى عليه ويتفوّق على جميع أطرافه ، وسواء كان مادّيّا أو معنويّا[6]
الاصفهاني: الصَّمَدُ: السَّيِّدُ : الذي يُصْمَدُ إليه في الأمر ، وصَمَدَه : قصد معتمدا عليه قصده[7]
وقال ابن الأنباري : لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد هو السيد الذي ليس فوقه أحد ، الذي يصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم[8]
تفسير: الصمد:
الطباطبائي: فهو الصمد في كل حاجة في الوجود لا يقصد شيئا إلا وهو الذي ينتهي إليه قصده وينجح به طلبته ويقضي به حاجته.. ومن هنا يظهر وجه دخول اللام في الصمد وانه لإفادة الحصر فهو تعالى وحده الصمد على الاطلاق[9]
الصمد عند مفسري العامة:
قد نجد الكلمات متعددة في تفسير هذه المفردة وبيانها لكن المعنى الذي سبق عرضه من الرواية وقول الشيخ الكليني نراه عند أغلب المفسرين وان تعددت كلماتهم، أقلاً انهم يوردونه كأحد المعاني لها وسوف ندخل في تلك التفاسير بصورة سريعة:
1ـ أخرج الطبري عدة روايات في تأويل لفظه الصمد منها: عن إبراهيم بن ميسرة ، قال: أرسلني مجاهد إلى سعيد بن جبير أسأله عن الصمد ، فقال : الذي لا جوف له[10]
علما ان الطبري لم يخرج هذا الكلام حول مفردة الصمد عن النبي(ص) وانما كلها عن الصحابة والتابعين وغيرهم..
2ـ الصنعاني: عن عاصم عن شقيق قال الصمد السيد الذي قد انتهى في سؤدده[11] ووافقه ابن زينين والسمرقندي وقد أخرج السلمي أقوالاً كثيرة في تفسيره حول معنى الصمد منها الذي آيست العقول من الاطلاع عليه[12]وكل الاقوال التي ينقلوها في تفسير الصمد كلها تعتمد على اقوال اللغويين الا رواية واحدة يرويها ابن عباس : " أنه لما نزلت هذه الآية قالوا : ما الصمد ؟ قال عليه السلام هو السيد الذي يصمد إليه في الحوائج[13] وهي التي رواها الفخر الرازي وقد أعتمدها وقبل هذا المعنى الذي أشارت اليه مستدلاً بها على بقية الاقوال وكذا وافقه السعدي في تفسيره.
الذي يلحظه القارئ في كتب التفسير يجدها انها قد تناولت المفردة بذكر معانيها عن اللغويين والمفسرين سواء الصحابة او التابعين ولم تتعدى ذلك ولم يوردوا الا رواية او روايتين عن النبي (صلى الله عليه واله) فتبقى اهميتها من حيث اقوال أهل اللغة والتفسير
التأمل في المفردة:
بعد ان رحلنا في كتب التفسير واللغة وعرضنا اقوال الاعلام حول هذه المفردة نكون بذلك قد توقفنا عند أمر مهم وهو سعة المعنى وعمقه، ففي الواقع ان لكل مفردة في اللغة العربية معنى او اكثر، لكن الامر لا يتعلق بها دائماً بل ملاحظتها مع الجملة والسياق الذي تقع فيه فعندما رأينا المفسرين قد اعطوا عدة تفسيرات لهذه المفردة ليس من باب معنى الكلمة مخرطة عن السياق بل بلحاظ السياق وموقعها في نظم الكلام ، نعم كلمة الصمد بحد ذاتها لها أكثر من معنى لكل سياقها كذلك يحتمل أكثر من معنى لكل هنالك معنى يكون أبلغ واعلى من غيره لذا ترى إختلاف المفسرين كلٌ حسب علمه وذوقه اللغوي والبلاغي والعقيدي، وبحق ان وجود (الصمد) بهذا السياق وقد سبقت بجملة توحيدية رصينة يعد من أعذب الاختيارات اللطيفة الدقيقة ولعل دخول اللام عليها إشعار بمزيد أهميتها، من جهة البلاغة والمعرفة، كما أستشعران دخول اللام لغرض التثبت والرصانة والقوة في الجواب وكذلك لغرض الانتباه والجذب والدهشة، اقول هذا من جهة التدبر لا أعني به التفسير وبيان المراد، فاني أقل من ذلك، فتحطي لنا هذه المفردة بمعانيها المتعددة عظمة "هدفية" موقعها وكيف وقعت في هذا السياق دون غيره، فالله الحمد لله على عظمته حكمته وآثار صنعه..
حسن الجوادي
2014/6/14 ـ 16/شعبان/1435هـ
[1] ـ البرهان : السيد هاشم البحراني،ج5،ص793
[2] ـ التحقيق في كلمات القران: المصطفوي:ج6،ص288
[3] ـ التوحيد: الشيخ الصدوق،ص94، تصحيح وتعليق : السيد هاشم الحسيني الطهراني.
[4] ـ الكافي:ج1،ص123
[5] ـ شرح اصول الكافي: المازندراني،ج3،ص139
[6] ـ التحقيق في كلمات القران: المصطفوي، ج6،ص287
[7] ـ مفردات الفاظ القران الكريم: الراغب الاصفهاني،ص492
[8] ـ التفسير المحيط: ابو حيان الاندلسي، ج8،ص530
[9] ـ الميزان في تفسير القران: الطباطبائي، ج20،ص388
[10][10] ـ جامع البيان: الطبري، ج30،ص449
[11] ـ تفسير القران: عبد الرزاق الصنعاني، ج3،ص407
[12] ـ تفسير السلمي: ج2،ص340
[13] ـ التفسير الكبير: الفخر الرازي،ج32،ص181
[2] ـ التحقيق في كلمات القران: المصطفوي:ج6،ص288
[3] ـ التوحيد: الشيخ الصدوق،ص94، تصحيح وتعليق : السيد هاشم الحسيني الطهراني.
[4] ـ الكافي:ج1،ص123
[5] ـ شرح اصول الكافي: المازندراني،ج3،ص139
[6] ـ التحقيق في كلمات القران: المصطفوي، ج6،ص287
[7] ـ مفردات الفاظ القران الكريم: الراغب الاصفهاني،ص492
[8] ـ التفسير المحيط: ابو حيان الاندلسي، ج8،ص530
[9] ـ الميزان في تفسير القران: الطباطبائي، ج20،ص388
[10][10] ـ جامع البيان: الطبري، ج30،ص449
[11] ـ تفسير القران: عبد الرزاق الصنعاني، ج3،ص407
[12] ـ تفسير السلمي: ج2،ص340
[13] ـ التفسير الكبير: الفخر الرازي،ج32،ص181