كان الحاج حسين يترك داره طوال العشرة الأولى من محرم الحرام، لينصب التكية ويعتني بها ويهيئ أدوات المواكب ويعد الشاي والأطعمة للزائرين، وقبل عامين جلس ولده الوحيد علاء في البيت وهو يستمع طربا إلى بعض الأغاني... صاحت به والدته ما هذا يا علاء...؟ يا ولدي أبوك لا يقبل تشغيل التلفاز طوال أربعين يوما... وهو لا يرضى أن يسمع احد في البيت الغناء في الأيام العادية، فكيف بنا في عاشوراء الحسين عليه السلام... يا ولدي انه حرام، فاحترام الحزن في عاشوراء مواساة للزهراء يا ولدي... أتريد أن تذهب البركة والعفة عن بيتنا ؟ جلس الولد علاء غير مبالٍ بما تقول أمه وظل منشغلا بالاستماع إلى الأغاني... والأم تصرخ: يا ولدي سترى ماذا سيفعل بك الحسين عليه السلام ؟ أبوك هناك يخدم زائريه، وأنت هنا تطرب وتنعم بالحرام ؟! قم واقرأ شيئا من القرآن الكريم ؟ تعال يا ولدي لنقرأ زيارة عاشوراء سوية...؟ وكلما أطفأت الأم التلفاز عاد لتشغيله معانداً يردد بنغمات الأغنية ! وصاحت به: أنا سأخبر أباك حين يعود... لن تنفعه حتى التهديدات وما هي إلا لحظات حتى صار يصرخ من هول الألم وهو يصرخ أماه وهو يتقافز كالمجنون... الطنين في رأسه (الخشخشة) في أذنيه... جاءت الأم وهي فزعة تصرخ ولدي ما بك يا ولدي ؟ وبسرعة البرق خرجت تستنجد بالجيران... لا شيء هنالك سوى أن نقلوه إلى الطوارئ، فحص الطبيب الأذن فأخبره: أن صرصارا طائرا دخل فيها... لا تخف سيتم إخراجه بسهولة... لكني لست طبيباً مختصاً ! فقام بحقن المادة المخدرة في أذنه وانتهى دوره... عاد إلى البيت كالمجنون يصرخ: يا حسين والله لن أفعلها ثانية يا سيدي... رأسي سينفجر من شدة الألم... ومر الليل وكأنه قرن من الزمن بطوله... وما إن بزغ الفجر حتى أسرعت به أمه إلى المستشفى... فحصه الطبيب المختص وخاب ظنه فلن يكون إخراج الحشرة سهلاً ! وضع منديلاً أبيض، أدخل الملقط في الأذن ثم أخرج ذيل الحشرة فقط وعاود الكرة مع البطن ثم الصدر ثم الرأس ثم قال له الطبيب: عد إلي بعد ساعات... وعلاء يتوسل، يبكي، كيف يعود والحشرة (تخشخش) في أذنه والألم يزداد لحظة بعد لحظة؟ أعاد الطبيب الفحص لقد أنشبت الحشرة نابها في طبلة الأذن ويستحيل إخراجها أنها تتشبث بشدة... أدخل الطبيب قطنة مغموسة بمادة معقمة وقال: عد إلي بعد خمسة أيام لعل الأنياب تتحلل بعد انقطاع الحياة عنها... فقام صارخا: أماه خمسة أيام طويلة، وأنا ما عدت أسمع شيئاً خذيني إلى الحسين عليه السلام دعيني أتوسل عند شباكه ليدعو لي بالشفاء وأنا لن أسمع بعد اليوم أي أغنية... حتى انقضت الأيام الخمسة وجاء العيد ولكن الطبيب عجز عن فعل أي شيء ! وقال: لا شيء إلا عملية جراحية لإخراج النابين... كاد يموت رعباً وهو يصرخ: يا حسين والطبيب يحاول المحاولة الأخيرة وعلاء يصرخ: يا حسين أحضرني بالدعاء... يا حسين ليمن الله عليّ بالشفاء... تحمس الطبيب متأثراً بهذا الدعاء واستطاع أخيراً أن يسحب النابين دون تدخل جراحي وابتدأ السمع يعود إلى علاء بالتدريج... أرتاح وصاح: ماما أنا سأذهب إلى التكية الحسينية مع أبي وأخدم الزائرين...
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
(حكايات عمو حسن)
تقليص