بسم الله الرحمن الرحيم
قال العلامة الآلوسي في تفسيره روح المعاني في تفسير الآية 23 من سورة محمد :
"وعلى هذا القول لا توقُّفَ في لعن يزيدَ لِكَثْرَةِ أوصافه الخبيثة وارتكابِهِ الكبائر في جميعِ أيام تكليفهِ، ويكفي ما فعله أيامَ استيلائه بأهل المدينةِ ومكةَ، فقد روى الطبراني بسند حسن: "اللَّهمَّ مَنْ ظَلَم أهلَ المدينة وأخافهم فأَخِفه، وعليه لعنةُ الله والملائكة والناسِ أجمعين ، لايُقبل منه صَرْفٌ ولا عَدْل
والطامة الكبرى مافعله بأهل البيت ورضاهُ بقتل الحسين على جدِّه وعليه الصلاة والسلام، واستبشاره بذلك، وإهانته لأهل بيته مما تواتر معناه وإنْ كانَتْ تفاصيلُه آحاداً، وفي الحديث: "ستَّةٌ لعنتهم - وفي رواية لعنهم اللهُ وكلُّ نبيٍّ مُجاب الدعوة -: المُحرِّف لكتاب الله - وفي رواية: الزائدُ في كتاب الله - والمُكذِّب بقَدَر الله، والمُتسلِّط بالجبروت لِيُعزَّ مَنْ أذلَّ الله ويُذِلَّ من أعزَّ الله، والمستحلُّ لحرم الله والمُستحلُّ من عِتْرتي ، والتارك لِسُنَّتي
وقد جزم بكفره وصرَّح بلَعْنه جماعةٌ من العلماء منهم الحافظُ ناصرُ السنة ابن الجوزي، وسبقه القاضي أبو يعلى. وقال العلامة التفتازاني: لا تتوقَّف في شأنه بل في إيمانه، لعنة الله تعالى عليه وعلى أنصاره وأعوانه. وممن صرَّح بلعنه الجلالُ السيوطي عليه الرحمة"…..[1]
الى ان قال:
وأبو بكر بن العربي المالكي عليه من الله تعالى ما يستحقُّ أعظمَ الفِرْيةَ، فزعمَ أنَّ الحسينَ قُتل بسيف جدِّه صلى الله عليه وسلم، وله من الجَهَلةِ موافقون على ذلك (كَبُرَت كلمةٌ تخرجُ من أفواهِهِم إن يقولونَ إلَّا كَذِباً).
قال ابنُ الجوزي عليه الرحمة في كتابه "السر المصون": من الاعتقادات العامة التي غَلبت على جماعة مُنتسبين إلى السنة أن يقولوا: إن يزيدَ كان على الصواب، وإنَّ الحسينَ رضي الله عنه أخطأ في الخروج عليه، ولو نظروا في السير لعلموا كيف عُقدت له البيعة وألزم الناس بها، ولقد فعل في ذلك كلَّ قبيح، ثم لو قدَّرنا صحة عَقْد البيعة فقد بَدَتْ منه بوادٍ كلُّها تُوجب فسخ العقد، ولا يميل إلى ذلك إلا كلُّ جاهل عاميِّ المذهب يظن أنه يُغِيظُ الرافضة.
هذا، ويعلم من جميع ما ذكره اختلاف الناس في أمره؛ فمنهم من يقول: هو مسلمٌ عاصٍ بما صدر منه مع العِتْرة الطاهرة، لكن لا يجوز لعنه، ومنهم من يقول: هو كذلك ويجوز لعنه، مع الكراهة أو بدونها، ومنهم من يقول: هو كافر ملعون، ومنهم من يقول: إنه لم يعصِ بذلك، ولا يجوز لعنه، وقائلُ هذا ينبغي أن يُنظَم في سلسلة أنصار يزيد.
وأنا أقول: الذي يغلبُ على ظني أن الخبيثَ لم يكن مُصدقاً برسالةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأنَّ مجموعَ ما فعل مع أهلِ حَرَمِ نبيِّه عليه الصلاة والسلام وعِتْرته الطَّيبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات وما صَدَر منه من المَخازي ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقاء ورقةٍ من المصحف الشريف في قَذَر، ولا أظن أنَّ أمرَه كان خافياً على أَجِلَّة المسلمين إذ ذاك، ولكن كانوا مَغْلوبين مقهورين لم يَسَعهم إلا الصبر ليقضي اللهُ أمراً كان مفعولاً، ولو سُلِّم أن الخبيثَ كان مسلماً فهو مسلمٌ جمع من الكبائر ما لا يُحيط به نِطاق البيان، وأنا أذهبُ إلى جوازِ لَعْن مثله على التعيين، ولو لم يُتَصَوَّر أن يكون له مِثْلٌ من الفاسقين، والظاهرُ أنه لم يَتُبْ، واحتمالُ توبتهِ أضعفُ من إيمانه، ويلحقُ به ابنُ زياد وابن سعد وجماعةٌ، فلعنةُ الله عز وجل عليهم أجمعين، وعلى أنصارهم وأعوانهم وشِيعتهم ومن مال إليهم إلى يوم الدين ما دَمَعَتْ عينٌ على أبي عبد الله الحسين، ويُعجبني قولُ شاعرِ العصر ذو الفضل الجلي عبد الباقي أفندي العمري الموصلي وقد سُئل عن لَعْنِ يزيد اللعين :
يـزيـد على لـعـنـي عـريض جـنـابـه *** فـأغـدو به طـول الـمـدى ألـعـن الـلـعـنا
ومَنْ كان يخشى القال والقيل من التصريح بلعن ذلك الضلِّيل فليقل: لعنَ اللهُ عز وجل مَنْ رضي بقتل الحسين ومَنْ آذى عِتْرَة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بغيرِ حقٍّ ومَنْ غَصَبهم حَقَّهم، فإنه يكون لاعناً له لدخوله تحت العموم دخولاً أوَّليًّا في نفس الأمر، ولا يُخالِفُ أحدٌ في جواز اللعن بهذه الألفاظ ونحوها سوى ابن العربي المارِّ ذِكْرُه وموافقيه، فإنهم على ظاهرِ ما نُقل عنهم لا يُجوِّزون لعن من رضي بقتل الحسين رضي الله عنه، وذلك لعمري هو الضلالُ البعيد، الذي يكادُ يزيدُ على ضلال يزيد"[2].
[1] روح المعاني ج25 ص198-199 طبعة مؤسسة الرسالة.
[2]نفس المصدر ص 200 – 201.