بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين
آية التطهير:
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)
البحث في هذه الآية يقع في جهتين:
الأولى: تحديد سبب النزول ، فعدما نعود إلى مصنفات المسلمين نجدها قد أكدت بشكل واضح على إن جزء من هذه الآية المباركة تخص فئة معينة وهم أهل بيت النبوة ، وهذا الأمر شمسٌ ـ أوضح الواضحات ـ لا يحتاج إلى إثبات وجهد من هذه الحيثية فصحيح مسلم وأمثاله خير دليل على المراد.
والذي يهمني نقل رواية ابن أبي حاتم : من طريق عكرمة (****) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما في قوله : ( إِنَّما يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) * قال : نزلت في نساء النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاصة . وقال عكرمة رضي اللَّه عنه : من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم[1]
وأما مسألة اختصاصها بالنساء من عدمها فسبب النزول تكفل في حسم النزاع ، وهذا لا يعني انه هو الدليل الوحيد
الثانية: السياق ، قالوا ان هذه الآية إجمالا تتحدث عن النساء وليس عن أهل البيت الذين انتم تقصدونهم فالتطهير لهن لا لهم ، وذلك لان الكلام موجه لنساء النبي (صلى الله عليه واله) خاصة ، هذا ما عندهم حول سياق الآية ، وأما وجود هذا المقطع الذي يخص أهل البيت (عليهم السلام) ضمن هذه الآيات فهذا لا يعني بالضرورة ان تختص الآية بهن فضلاً إثبات الفضائل ، وأما مسألة الجمع الذكوري فقط أجاب احدهم بأنه يصح ان يخاطب الله عز وجل زوجات النبي (صلى الله عليه واله) بخاطب الجمع الذكوري ويؤيد قوله بان الخطاب موجه للنبي(صلى الله عليه واله) ولأزواجه فيكون وجود الذكر مع الاناث مدعاة ان يكون الجمع بالتذكير وبهذا يكون الخطاب شامل للنبي وأزواجه فقط ، ولا يعلم بان هذا مخالفة كبيرة للنصوص الواردة في سبب النزول ومن جهة أخرى هو مساواة الرسول بأزواجه وهذا يستلزم تعظيم النساء بواسطة النبي(صلى الله عليه واله) ولعلمائنا الأعلام كلام حول السياق أوردته مرتباً ، فاغتنم هذه اللآلئ الفاخرة واليواقيت النادرة فهي كالكبريت الأحمر والزئبق الأخضر
العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي:
إنما الشأن كل الشأن في اتصال الآية بما قبلها من الآيات فهذه الأحاديث على كثرتها البالغة ناصة في نزول الآية وحدها ، ولم يرد حتى في رواية واحدة نزول هذه الآية في ضمن آيات نساء النبي ولا ذكره أحد حتى القائل باختصاص الآية بأزواج النبي كما ينسب إلى عكرمة وعروة ، فالآية لم تكن بحسب النزول جزء من آيات نساء النبي ولا متصلة بها وانما وضعت بينها اما بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عند التأليف بعد الرحلة ، ويؤيده أن آية ( وقرن في بيوتكن ) على انسجامها واتصالها لو قدر ارتفاع آية التطهير من بين جملها ، فموقع آية التطهير من آية ( وقرن في بيوتكن ) كموقع آية ( اليوم يئس الذين كفروا ) من آية محرمات الأكل من سورة المائدة[2]
العلامة الشيخ جعفر السبحاني:
قال صاحب المنار : إنّ من عادة القرآن أن ينتقل بالإنسان من شأن إلى شأن ثمّ يعود إلى مباحث المقصد الواحد المرة بعد المرة.
وقد اعترف بعض أهل السنّة بهذه الحقيقة أيضاً عند بحثه في آية الولاية ، حيث قال ما هذا نصه :
الأصل عند أهل السنّة انّ الآية تعتبر جزءاً من سياقها إلاّ إذا وردت القرينة على أنّها جملة اعتراضية تتعلّق بموضوع آخر على سبيل الاستثناء وهو أُسلوب من أساليب البلاغة عند العرب جاءت في القرآن على مستوى الإعجاز.
وقال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : « إنّ الآية من القرآن يكون أوّلها في شيء وآخرها في شيء »
فعلى سبيل المثال ، انّه سبحانه يقول في سورة يوسف حاكياً عن العزيز انّه بعدما واجه الواقعة في بيته قال : ( إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الخاطِئين ).
ترى أنّ العزيز يخاطب زوجته بقوله : ( إِنّه مِنْ كَيدِكُنَّ ) وقبل أن يفرغ من كلامه معها يخاطب يوسف بقوله : ( يُوسُفُُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ) ثمّ يرجع إلى الموضوع الأوّل ، ويخاطب زوجته بقوله : ( وَاسْتَغْفِري لِذَنْبِك ) فقوله : ( يُوسُفُُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ) جملة معترضة ، وقعت بين الخطابين ، والمسوِّغ لوقوعها بينهما كون المخاطب الثاني أحد المتخاصمين وكانت له صلة تامة بالواقعة التي رفعت إلى العزيز.
والضابطة الكلية لهذا النوع من الخطاب هو وجود التناسب المقتضي للعدول من الأوّل إلى الثاني ثمّ منه إلى الأوّل ، وهي موجودة في الآية ، فإنّه سبحانه يخاطب نساء النبي بالعبارات التالية :
1. ( يا نِساءَ النَّبِيّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَة مُبَيِّنَة يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ ).
2. ( يا نِساءَ النَّبِيّ لَسْتُنَّ كَأَحَد مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيَتُنَّ ).
3. ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِليَّةِ الأُولى ).
فعند ذلك صحّ أن ينتقل إلى الكلام عن أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وذلك لوجهين :
1. تعريفهنّ بجماعة بلغوا القمة في الورع والتقى ، وفي النزاهة عن الرذائل والمساوئ ، وبذلك استحقوا أن يكونوا أُسوة في الحياة وقدوة في العمل ، فيلزم عليهنَّ أن يقتدينَّ بهم ، ويستضيئنَّ بنورهم.
2. يعد النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم محوراً لطائفتين مجتمعتين حوله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
الأُولى : أزواجه ونساؤه.
الثانية : ابنته وبعلها وبنوها.
فالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هو الرابط الذي تنتهي إليه هاتان الطائفتان ، فإذا نظرنا إلى كلّ طائفة مجرّدة عن الأُخرى ، فسوف ينقطع السياق.
ولكن لمّا كان المحور هو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واللّه سبحانه يتحدّث عمّن له صلة بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فعند ذلك تتراءى الطائفتان كمجموعة واحدة ، فيعطي لكلّ منها حكمها ، فيتحدّث عن نساء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزواجِكَ ) ، ( يا نِساءَ النَّبِيُّ مَنْ يَأْتِ ) ، ( يا نساءَ النبيّ لَسْتُنَّ ) الخ.
كما أنّه تعالى يتحدّث عن الطائفة الأُخرى وهم أهل البيت بقوله : ( إِنّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُم الرجسَ ).
فالباعث للجمع بين الطائفتين في ثنايا آية واحدة ، إنّما هو انتساب الجميع إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وحضورهما حوله ، وليس هناك أيّ مخالفة للسياق.[3]
العلامة الشيخ محمد جواد مغنية:
وتسأل : ان سياق الآيات يدل على ان المراد بآية التطهير نساء النبي ( ص ) ، فكيف أخرجهن عنها من نقلت عنهم من المفسرين والمحدثين ؟
الجواب أولا : ان صاحب تفسير المنار نقل عن أستاذه الشيخ محمد عبده في ج 2 ص 451 طبعة ثانية : « ان من عادة القرآن أن ينتقل بالإنسان من شأن إلى شأن آخر ، ثم يعود إلى مباحث المقصد الواحد المرة بعد المرة » . وقال الإمام جعفر الصادق ( ع ) : ان الآية من القرآن يكون أولها في شيء ، وآخرها في شيء آخر . . وعلى هذا فلا يصح الاعتماد على دلالة السياق لآي الذكر الحكيم كقاعدة كلية .
ثانيا : لو سلمنا - جدلا - بصحة الاعتماد على دلالة السياق للآيات فإن قوله تعالى : « ليذهب عنكم . . ويطهركم » بضمير المذكر دون ضمير المؤنث هو نص صريح على إخراجهن من الآية . وليس من شك ان دلالة النص مقدمة على دلالة السياق لأنها أقوى وأظهر[4]
العلامةالسيد حسن المصطفوي:
وأمّا التناسب بين آية التطهير وما قبلها وبعدها ، من نزولها في نساء النبىّ ( ص ) : فانّ الجامع بينها كونها مربوطة إلى أهل البيت ( خانواده ) بمعناها العرفي الظاهري العمومي ، وهذه الآية بقرينة نزولها في الخمسة أهل الكساء : تثبت أنّ مصداق أهل البيت الخاصّة بحكم التطهير منحصر في الخمسة . وهذا الترتيب وذكر هذه الآية الشريفة فيما بين تلك الآيات للإشارة إلى أنّ أهل البيت الَّذين يجب إتباعهم وينبغي أن يكونوا قدوة للناس هم الخمسة ، والنساء خارجات عنها[5]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين
آية التطهير:
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)
البحث في هذه الآية يقع في جهتين:
الأولى: تحديد سبب النزول ، فعدما نعود إلى مصنفات المسلمين نجدها قد أكدت بشكل واضح على إن جزء من هذه الآية المباركة تخص فئة معينة وهم أهل بيت النبوة ، وهذا الأمر شمسٌ ـ أوضح الواضحات ـ لا يحتاج إلى إثبات وجهد من هذه الحيثية فصحيح مسلم وأمثاله خير دليل على المراد.
والذي يهمني نقل رواية ابن أبي حاتم : من طريق عكرمة (****) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما في قوله : ( إِنَّما يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) * قال : نزلت في نساء النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاصة . وقال عكرمة رضي اللَّه عنه : من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم[1]
وأما مسألة اختصاصها بالنساء من عدمها فسبب النزول تكفل في حسم النزاع ، وهذا لا يعني انه هو الدليل الوحيد
الثانية: السياق ، قالوا ان هذه الآية إجمالا تتحدث عن النساء وليس عن أهل البيت الذين انتم تقصدونهم فالتطهير لهن لا لهم ، وذلك لان الكلام موجه لنساء النبي (صلى الله عليه واله) خاصة ، هذا ما عندهم حول سياق الآية ، وأما وجود هذا المقطع الذي يخص أهل البيت (عليهم السلام) ضمن هذه الآيات فهذا لا يعني بالضرورة ان تختص الآية بهن فضلاً إثبات الفضائل ، وأما مسألة الجمع الذكوري فقط أجاب احدهم بأنه يصح ان يخاطب الله عز وجل زوجات النبي (صلى الله عليه واله) بخاطب الجمع الذكوري ويؤيد قوله بان الخطاب موجه للنبي(صلى الله عليه واله) ولأزواجه فيكون وجود الذكر مع الاناث مدعاة ان يكون الجمع بالتذكير وبهذا يكون الخطاب شامل للنبي وأزواجه فقط ، ولا يعلم بان هذا مخالفة كبيرة للنصوص الواردة في سبب النزول ومن جهة أخرى هو مساواة الرسول بأزواجه وهذا يستلزم تعظيم النساء بواسطة النبي(صلى الله عليه واله) ولعلمائنا الأعلام كلام حول السياق أوردته مرتباً ، فاغتنم هذه اللآلئ الفاخرة واليواقيت النادرة فهي كالكبريت الأحمر والزئبق الأخضر
العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي:
إنما الشأن كل الشأن في اتصال الآية بما قبلها من الآيات فهذه الأحاديث على كثرتها البالغة ناصة في نزول الآية وحدها ، ولم يرد حتى في رواية واحدة نزول هذه الآية في ضمن آيات نساء النبي ولا ذكره أحد حتى القائل باختصاص الآية بأزواج النبي كما ينسب إلى عكرمة وعروة ، فالآية لم تكن بحسب النزول جزء من آيات نساء النبي ولا متصلة بها وانما وضعت بينها اما بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عند التأليف بعد الرحلة ، ويؤيده أن آية ( وقرن في بيوتكن ) على انسجامها واتصالها لو قدر ارتفاع آية التطهير من بين جملها ، فموقع آية التطهير من آية ( وقرن في بيوتكن ) كموقع آية ( اليوم يئس الذين كفروا ) من آية محرمات الأكل من سورة المائدة[2]
العلامة الشيخ جعفر السبحاني:
قال صاحب المنار : إنّ من عادة القرآن أن ينتقل بالإنسان من شأن إلى شأن ثمّ يعود إلى مباحث المقصد الواحد المرة بعد المرة.
وقد اعترف بعض أهل السنّة بهذه الحقيقة أيضاً عند بحثه في آية الولاية ، حيث قال ما هذا نصه :
الأصل عند أهل السنّة انّ الآية تعتبر جزءاً من سياقها إلاّ إذا وردت القرينة على أنّها جملة اعتراضية تتعلّق بموضوع آخر على سبيل الاستثناء وهو أُسلوب من أساليب البلاغة عند العرب جاءت في القرآن على مستوى الإعجاز.
وقال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : « إنّ الآية من القرآن يكون أوّلها في شيء وآخرها في شيء »
فعلى سبيل المثال ، انّه سبحانه يقول في سورة يوسف حاكياً عن العزيز انّه بعدما واجه الواقعة في بيته قال : ( إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الخاطِئين ).
ترى أنّ العزيز يخاطب زوجته بقوله : ( إِنّه مِنْ كَيدِكُنَّ ) وقبل أن يفرغ من كلامه معها يخاطب يوسف بقوله : ( يُوسُفُُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ) ثمّ يرجع إلى الموضوع الأوّل ، ويخاطب زوجته بقوله : ( وَاسْتَغْفِري لِذَنْبِك ) فقوله : ( يُوسُفُُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ) جملة معترضة ، وقعت بين الخطابين ، والمسوِّغ لوقوعها بينهما كون المخاطب الثاني أحد المتخاصمين وكانت له صلة تامة بالواقعة التي رفعت إلى العزيز.
والضابطة الكلية لهذا النوع من الخطاب هو وجود التناسب المقتضي للعدول من الأوّل إلى الثاني ثمّ منه إلى الأوّل ، وهي موجودة في الآية ، فإنّه سبحانه يخاطب نساء النبي بالعبارات التالية :
1. ( يا نِساءَ النَّبِيّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَة مُبَيِّنَة يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ ).
2. ( يا نِساءَ النَّبِيّ لَسْتُنَّ كَأَحَد مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيَتُنَّ ).
3. ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِليَّةِ الأُولى ).
فعند ذلك صحّ أن ينتقل إلى الكلام عن أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وذلك لوجهين :
1. تعريفهنّ بجماعة بلغوا القمة في الورع والتقى ، وفي النزاهة عن الرذائل والمساوئ ، وبذلك استحقوا أن يكونوا أُسوة في الحياة وقدوة في العمل ، فيلزم عليهنَّ أن يقتدينَّ بهم ، ويستضيئنَّ بنورهم.
2. يعد النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم محوراً لطائفتين مجتمعتين حوله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
الأُولى : أزواجه ونساؤه.
الثانية : ابنته وبعلها وبنوها.
فالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هو الرابط الذي تنتهي إليه هاتان الطائفتان ، فإذا نظرنا إلى كلّ طائفة مجرّدة عن الأُخرى ، فسوف ينقطع السياق.
ولكن لمّا كان المحور هو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واللّه سبحانه يتحدّث عمّن له صلة بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فعند ذلك تتراءى الطائفتان كمجموعة واحدة ، فيعطي لكلّ منها حكمها ، فيتحدّث عن نساء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزواجِكَ ) ، ( يا نِساءَ النَّبِيُّ مَنْ يَأْتِ ) ، ( يا نساءَ النبيّ لَسْتُنَّ ) الخ.
كما أنّه تعالى يتحدّث عن الطائفة الأُخرى وهم أهل البيت بقوله : ( إِنّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُم الرجسَ ).
فالباعث للجمع بين الطائفتين في ثنايا آية واحدة ، إنّما هو انتساب الجميع إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وحضورهما حوله ، وليس هناك أيّ مخالفة للسياق.[3]
العلامة الشيخ محمد جواد مغنية:
وتسأل : ان سياق الآيات يدل على ان المراد بآية التطهير نساء النبي ( ص ) ، فكيف أخرجهن عنها من نقلت عنهم من المفسرين والمحدثين ؟
الجواب أولا : ان صاحب تفسير المنار نقل عن أستاذه الشيخ محمد عبده في ج 2 ص 451 طبعة ثانية : « ان من عادة القرآن أن ينتقل بالإنسان من شأن إلى شأن آخر ، ثم يعود إلى مباحث المقصد الواحد المرة بعد المرة » . وقال الإمام جعفر الصادق ( ع ) : ان الآية من القرآن يكون أولها في شيء ، وآخرها في شيء آخر . . وعلى هذا فلا يصح الاعتماد على دلالة السياق لآي الذكر الحكيم كقاعدة كلية .
ثانيا : لو سلمنا - جدلا - بصحة الاعتماد على دلالة السياق للآيات فإن قوله تعالى : « ليذهب عنكم . . ويطهركم » بضمير المذكر دون ضمير المؤنث هو نص صريح على إخراجهن من الآية . وليس من شك ان دلالة النص مقدمة على دلالة السياق لأنها أقوى وأظهر[4]
العلامةالسيد حسن المصطفوي:
وأمّا التناسب بين آية التطهير وما قبلها وبعدها ، من نزولها في نساء النبىّ ( ص ) : فانّ الجامع بينها كونها مربوطة إلى أهل البيت ( خانواده ) بمعناها العرفي الظاهري العمومي ، وهذه الآية بقرينة نزولها في الخمسة أهل الكساء : تثبت أنّ مصداق أهل البيت الخاصّة بحكم التطهير منحصر في الخمسة . وهذا الترتيب وذكر هذه الآية الشريفة فيما بين تلك الآيات للإشارة إلى أنّ أهل البيت الَّذين يجب إتباعهم وينبغي أن يكونوا قدوة للناس هم الخمسة ، والنساء خارجات عنها[5]