قبسات من سيرة الامام محمد الباقر (عليه السلام )
بقلم |مجاهد منعثر منشد الخفاجي
واذر دموع العين فيهـــــا دماً عـــــلى ضـــريح السيد الباقر
عـــــلى إمــــام ما جرى ذكره في خــاطري إلا جرى ناظري
عـــــلـي إمام لم يـــــدع رزؤه صبراً لجــلد في الورى صابر
على إمام هـــدَّ ركــــن الهدى مصابه بالقاصـــم الفـــــاقـــر
وبدر تم في الـــثرى غائـــــب ونحر علم في الثرى غـــــائـر ...1.
يقول ابن منظور: التبقر: التوسع في العلم والمال، وكان يقال لمحمد بن علي بن الحسين بن علي الباقر (رضوان الله عليهم)، لأنه بقر العلم وعرف أصله، واستنبط فرعه وتبقر في العلم.. 2. .
ويقول الفيروز آبادي: والباقر محمد بن علي بن الحسين لتبحره في العلم.. 3.
وقال ابن حجر: وارث علي بن الحسين من ولده، عبادة وعلماً وزهادة: أبو جعفر محمد الباقر، سمي بذلك من بقر الأرض أي شقها وآثار مخبآتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، صفا قلبه، وزكا علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة وكفاه شرفاً أن ابن المديني روى عن جابر أنه قال له ـ وهو صغير ـ: رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يسلم عليك فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: كنت جالساً عنده والحسين في حجره، وهو يداعبه فقال: يا جابر يولد له مولود اسمه علي إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: ليقم سيد العابدين، فيقوم ولده ثم يولد له مولود اسمه محمد فإن أدركته يا جابر فأقرأه مني السلام . 4.
وقال سبط ابن الجوزي:
روى عنه الأئمة: أبو حنيفة وغيره، قال أبو يوسف: قلت لأبي حنيفة:
(لقيت محمد الباقر؟ فقال: نعم، وسألته يوماً فقلت له: أأراد الله المعاصي؟ فقال: أفيعصى قهراً؟ قال أبو حنيفة: فما رأيت جواباً أفحم منه. وقال عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر لقد رأيت الحكم عنده كأنه مغلوب ويعني بالحكم الحكم بن عيينة، وكان عالماً نبيلاً جليلاً في زمانه ...
قال شمس الدين محمد بن طولون: أبو جعفر محمد بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، الملقّب بالباقر، وهو والد جعفر الصادق رضي الله عنهما، كان الباقر عالماً، سيداً كبيراً، وإنما قيل له الباقر لأنه تبقّر في العلم، أي توسّع، والتبقير التوسيع، وفيه يقول الشاعر:
يا باقر العلم لأهل التقى***وخير من لبّى على الأجبُل.. 5.
قال علي بن محمد بن أحمد المالكي ـ المعروف بابن الصباغ ـ : وكان محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) مع ما هو عليه من العلم والفضل والسؤدد والرياسة والإمامة، ظاهر الجود في الخاصة والعامة، ومشهور الكرم في الكافة، معروفاً بالفضل والإحسان مع كثرة عياله وتوسط حاله 6.
الإسم: محمد (ع)ـ اللقب : الباقر .الكنية: أبو جعفر .اسم الأب: علي بن الحسين (ع).أسم الأم: فاطمة بنت الحسن (ع).الولادة: 1 رجب 57 ه أو 3 صفر.الشهادة: 7 ذو الحجة 114ه. مدة الإمامة: 19 سنة. القاتل: هشام بن عبد الملك. مكان الدفن: البقيع.
تزوج الامام الباقر (عليه السلام) من أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر فأنجب منها الامام الصادق وعبد الله، وأم حكيم بنت أسيد بن المغيرة الثقفية فأنجب منها ابراهيم وعبيد الله وله ثلاثة أولاد اخرون هم: علي وأم سلمة وزينب من بعض إمائه (عليه السلام).
وعاش الإمام الباقر (عليه السلام) مع جده الإمام الحسين (عليه السلام) حوالى ثلاث سنوات ونيف وشهد في نهايتها فاجعة كربلاء. ثم قضى مع أبيه السجاد (عليه السلام) ثمان وثلاثين سنة يرتع في حقل أبيه الذي زرعه بالقيم العليا وأنبت فيه ثمار أسلوبه المتفرّد في حمل الرسالة المعطاء في نهجها وتربيتها المثلى للبشرية.
واجتمعت فيه صفات ومزايا فريدة، فكان الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: "كان أبي كثير الذكر لقد كنت أمشي معه وأنه ليذكر الله (عز وجل) وأكل معه الطعام ولقد كان يحدّث القوم وما يشغله عن ذكر الله... وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس".
كما كان له شرف الحصول على لقب "الباقر" من جدّه المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم) كما في رواية الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري حيث يقول: "قال لي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): "يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين (عليه السلام) يقال له محمد يبقر العلم بقرا (يشقه شقا) فإذا لقيته فأقرءه مني السلام" فلما كَبُر سنّ جابر وخاف الموت جعل يقول: يا باقر يا باقر أين أنت، حتى راه فوقع عليه يقبّل يديه ورجليه ويقول: بأبي وأمي شبيه رسول الله (ص) إن أباك يقرؤك السلام.
قال له الأبرش الكلبي: أنت ابن رسول الله حقاً. ثم صار إلى هشام فقال: دَعُونا منكم يا بني أمية، إن هذا أعلم أهل الأرض بما في السماء والأرض، فهذا ولد رسول الله 7.
كتب عبد الملك بن مروان إلى عامل المدينة: ابعث إليّ محمد بن علي مقيّداً.
فكتب إليه العامل: ليس كتابي هذا خلافاً عليك يا أمير المؤمنين، ولا ردّاً لأمرك، ولكن رأيت أن اُراجعك في الكتاب نصيحة لك، وشفقة عليك. إنّ الرجل الذي أردته ليس اليوم على وجه الأرض أعفّ منه ولا أزهد ولا أورع منه، وإنّه من أعلم الناس، وأرقّ الناس، وأشدّ الناس اجتهاداً وعبادة،وكرهت لأمير المؤمنين التعرض له فـ (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم). فَسُرّ عبد الملك بما أنهى إليه الوالي وعلم أنّه قد نصحه8.
قال الحكم بن عتيبة في قوله تعالى: (إن في ذلك لآيات للمتوسمين): كان والله محمد بن علي منهم9.
في عصر الإمام الباقر (عليه السلام) كانت الحياة الثقافية في مرحلة جمود من قبل الحكم والسياسة الاموية وبسبب ابتعاد الناس عن الأخلاق النبيلة والمثل العليا التي جاء بها الإسلام، فقد كانت السياسة الأموية العامل الأكبر في إثارة الخلافات العشائرية، وتقسيم المجتمع إلى نزاري وقحطاني، يريدون بذلك أن ينسوه الإسلام رسالة الوحدة والعزة؛ وان اكرمكم عند الله اتقاكم .وهذه الخلافات ولدة فتنة جاهلية بين القبائل فكما شاد الأخطل الشاعر النصراني، بمآثر الدولة الأموية والحكام الأمويين قام الكميت بن زيد، شاعر العلويين، فأشاد بمناقب قومه من مضر وفضلهم على القحطانيين ,فكان ذلك احد اسباب زعزعة السياسة الأموية والإطاحة بالحكم الأموي.قام الكميت بدور خطير جداً فقد أجج نار الفتنة بين اليمنية والنزارية، وهما من أهم القبائل العربية عدداً ونفوذاً، بالإضافة إلى كونهما من أعظم المؤيدين للحكم الأموي.
ومما قاله الكميت في مدح قومه وهجاء القحطانيين هذه القصيدة المعروفة التي سارت على كل لسان:
تشير إليـــــــــه أيــــــدي المهتدينا لنـــــــا قمر السماء وكل نـــــــــجم....
وأسكـنـــــــهم بمـــــــــــكة قاطنينا وجــــــــدت الله إذ سمى نــــــــزاراً
وللنــــــــاس القـــــــفا ولنا الجبينا لنا جعــــــــل المكارم خالصـــــــات
فوالــخ من فحول الأعجمينــــا وما خربت هجــــــــائن من نــــزار
مطـــهــــــــمة فيلفوا مبلغيــنــا10.. وما حملوا الحميــــــــر على عتاق
وبــالآبــــــــاء سمينا البنيــنــا11. بني الأعمام إنكحنا الأيـــــــــامــــى
أثر هذا الشعر تأثيراً عظيماً في قلوب القوم وأثار الحفائظ بين القبيلتين فشاع البغض والعداء بينهما، فانبرى للدفاع عنهم دعبل الخزاعي بلغت القصيدة التي رد بها على الكميت ستمائة بيت ومما جاء فيها:
كفـــــاك اللــــــوم مر الأربعينا أفيــــقي من ملامك يا ظعـــــينا
يشيـــــبن الـــــذوائب والقرونا ألم تحـــــزنك أحداث اللـــــيالي
لقد حييــــت عـــــــــنا يا مدينا أحي الغـــــر من سروات قوقي
وكنتم بـــــالأعـــــــاجم فأخرينا فإن يك آل إســـــرائيل منـــــكم
مسخــــن مع القرود الخاسئينا فلا تنس الخنازيـــــر اللواتـــي
ولــــكـــــــــــنا لنصرتنا هجينا وما طلب الكميـــــت طلاب وتر
إلــــى نـــــــصر النبوة فأخرينا لقد علمت نزار أن قـــــومــــي
وهكذا اتسع العداء بينما شمل سكان القرى والبادية. فالعصبية القبلية أفسدت قلوبهم وعرى الوحدة بين القبيلتين والأسرتين تمزق وانهار. وهذا ما دعا محمد الجعدي آخر ملوك بني أمية التعصب للنزاريين، مما سبب انحراف اليمانيين عن بني أمية وانضمامهم إلى الدعوة العباسية إبان تحركها ضد الحكم الأموي. وبذلك انهارت الدولة الأموية. يقول أحمد أمين في هذا المجال (وقتلت بعده، الدولة الأموية بقليل). 12.
وعلى اثر التنازعات القبلية عمت الفتن والاضطرابات مما اذى الى فقدان الامن وثورات دامية كل ذلك بسبب سياسة الاموية الخاطئةالتي كان همها تحقيق أهدافها الخاصة ومآربها الشخصية بعيداً عن مصالح شعوبها العامة. وبعد ذلك ظهرت احزاب سياسية كل منها يسعى لتحقيق غاياته ونشر مبادئه التي تتعارض مع الأحزاب الأخرى. سار معظم هذه الأحزاب في منعطفات خاصة مستخدمة بذلك جميع الطرق الدبلوماسية دون أن تعنى بمصلحة الأمة. وقد حدث صراع ح**ي عنيف ساده القلق والقسوة والاضطراب. وهذه الاحزاب هي ـ 1.الح** الاموي المتبقين منهم 2. الح** ال**يري 3.الخوارج 4.الشيعة وكان لسانهم الناطق في عصر الإمام الباقر (عليه السلام) عدة شعراء مخلصين منهم كثير عزة والسيد الحميري والكميت بن زيد الأسدي يقول كثير:
ولاة الــــــحــــــق أربــــــعة سواء ألا إن الأئــــــــــــــمة من قريــــش
هــم الأســــــباط ليـــس بهم خفاء علـــــــــي والــــثلاثة من بنـــــــيه
وســـــــــــبط غيَّبــــــــته كـــربلاء فـــــــــــــسبط ســبط إيمـــــان وبرٍّ
يقــــــــــــود الخيــل يقدمها اللواء وسبــــــــط لا تـــــــراه العين حــيّ
يرضون عنده عسل ومــاء 13. تغــــــيب لا يُـــــــــرى فيهم زمــاناً
غير أن هناك من الشعراء من قد ضحوا تضحية كبرى في سبيل تشيعهم لآل البيت، فلم يرضوا بمجرد العاطفة نحوهم وإظهار الأسى لما حل بهم، وإنما خاصموا من خاصمهم وشهروا عليهم سلاح القول ألسنة حداداً مع مجادلة ومحاجة وفي مقدمة هؤلاء الشعراء، الكميت بن زيد الأسدي الذي يهاجم بني أمية بكل جرأة وعنف فيقول:
وإن خفت المهنــــــد والقـــــــطيعا فـــــــــقل لبــــني أمية حيث حــلوا
واشـــــــــبع مـــــن بـحوركم أجيعا أجـــــــــــــاع الله من أشبـــــعتموه
يـــكـــــون حياً لأمته ربيــعاً 14. بمرض بالســــــــياسة هـــــاشمـي
وكان الكميت علوي المذهب يدافع بكل قواه عن الفكر الشيعي بأعظم الحجج وأوضح الدليل. فهو يعارض الح** الحاكم المتمثل في الحكام الأمويين المنحرفين عن الخط الإسلامي الصحيح والمبتدعين في الدين غير الملتزمين بما جاء في الكتاب العزيز، السافكين دماء المسلمين فيقول فيهم:
أزلَّوا بها أتــــــــباعهم ثـــــم أوصـلوا لهــــــــم كـل عام بدعة يحـــــــــدثونها
كتـاب ولا وحـــــــــي مـــــن الله منزل كما ابتدع الرهبـــــــان ما لم يجيء ب
ويحـــرم طلع الـــــــنخلة المتــــــــهدل تــــــــحل دمـاء المسلمين لديــــــــــهم
عليــــــــهم وهــــــل إلا عليك المعوّل؟ فيــــــا ربِّ هــل إلا بك النصر نبتـــغي
وفوق حملته على الأمويين يعمد إلى الانتصار لأهل البيت عن طريق المناظرة والمحاجة والإقناع، وكأنه متأثر بالمعتزلة تأثراً بالغاً. ونراه يسفه حق بني أمية في الخلافة ويقرر حق الهاشميين فيها فيقول:
ومــا ورثتهـــــــم ذاك أم ولا أب 15.. وقـــــــالوا ورثناها أبانا وأمـــــــــــــنا
سفاهاً وحق الهـــــــاشميـــــين أوجب يرون لـــــــهم فضلاً على الناس واجباً
بــــــه دان شرقــــــي لكـــــــم ومغرِّب ولكن مواريـــــــث ابن آمــــــــنة الذي
وتـعتب لو كنا عـــــــلى الحــــق نعتب وتستخلف الأمـــــــوات غيرك كلـــــهم
لقد شركت فيه بـــكيـــلٌ وأرحب16. يقولون لم يـــــــورث، ولولا تــــــراثه
وكـــــــــــــــندة والحيـــان بكر وتغلب وعك ولخم والســــــــكون وحــــــــمير
عظم الله لكم الاجرواحسن الله لكم العزاء