بسم الله الرحمن الرحيم
قد جاء ذكر (الروح) في القرآن في عدّة مناسبات من مثل مناسبة (ليلة القدر)، وسؤال اليهود ومشركي مكّة، وعند الحديث عن ا لنبي آدم والنبي عيسى بن مريم عليهم السلام، ويوم القيامة.
وفي أحد هذه المواضع يقول القرآن الكريم عن (الروح): «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ اُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً» (الاسراء/85).
و ليس من الصحيح مطلقاً تفسير (الروح) بما هو شائع عندنا من أنّها تعني النفس؛ أي ذلك الكائن اللطيف الموجود في أجسامنا. فالروح في هذه الآية وغيرها من الآيات تعني "روح القدس" التي كانت تنـزل على الأنبياء عليهم السلام. وبغض النظر عن البحوث الفلسفيّة الطويلة التي وردت بشأن تفسير هذه الكلمة، نقول إنّ (روح القدس) هي التي كان من المقرّر أن يسأل عنها اليهود ليعرفوا هل أنّ نبوّة الرسول حقّة أم لا؟
وهنا اختلف المفسرون هل (روح القدس) هو من جبرئيل عليه السلام او غيره وهل هو من جنس الملائكة او لا؟
وبلحاظ الآية السابقة وآيات اخرى مثل قوله تعالى: «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ» (الحجر/29).
رجح بعض المفسرين ان المراد من الروح هو جبرئيل عليه السلام فهذه الآية تدلّ على أنّ الروح التي نفخت في آدم لم تكن تلك الروح التي نريد منها النفس، وإنّما هي نوع من النبوّة التي جعلت الملائكة يسجدون لآدم. وإلاّ فإنّ الإنسان ليس بأفضل من الملائكة إلاّ بالإيمان؛ والإيمان لا يتأتى إلاّ بالنبوّة. ولذلك فإنّ الروح التي هبطت على آدم وربط الله سبحانه وتعالى بينها وبين سجود الملائكة لم تكن إلاّ روح القدس التي هي النبوّة.
وهكذا عندما يتحدّث القرآن الكريم عن النبي عيسى قائلاً: «فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُوحِنَا» (التحريم/12) إذ المعلوم أنّ عيسى لم يكن يمتلك الروح الموجودة في جسده، كما أنّ هذه الروح لم تكن روح الله تبارك وتعالى. وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ جميع أرواحنا لابدّ ان تتشابه مع تلك الروح.
وفي آية أخرى يقول القـرآن الكريـم: «وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» (البقرة/253) فمن الملاحظ أن الله عز وجل يقـول في الآية السابقـة «رُوحنَا»، وفي هذه الآية يقول: «رُوح القُدس» ومن هنا نستنتج انّ المراد من كلمة «رُوحنَا» هو «رُوح القُدُس» أيضاً. وهذه الآيات كلّها تدلّ على أنّ معنى الروح هو (روح القدس) التي هي الواسطة بين الإنسان وبين الله سبحانه وتعالى؛ بين النبيّ وبين الخالق، والمتمثّلة في جبرائيل عليه السلام.
والمهمّ في سورة القدر المباركة أنّ الله عز وجل يشير فيها إلى الملائكة التي هي كما جاء في بعض الروايات مخلوقات مرتبطة بالإشراف على الظواهر الطبيعية كالمطر والرياح والسحاب... ونحن نعلم أن (روح القدس) كان يهبط على الأنبياء عليهم السلام لغرض النبوّة كما يقول تعالى: «وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» (البقرة/253) و «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ» (الحجر/29).
ونحن هنا لسنا في مقام تبني احد هذه الأقوال وانما اردنا بيان دليل صاحب هذا القول.