بسم الله الرحمن الرحيم
على الشبان اليافعين ذوي الستة عشر عاماً أو العشرين، الموجودين في المدارس العلميّة، أن يبدأوا من الآن بتعويد أنفسهم على أن يكونوا كما أرادهم الله تعالى، وكما حثّت عليه الأوامر الإلهية، وأن يخطوا خطوة في سبيل تهذيب النفس وتحصيل الأخلاق الحميدة مع كلّ خطوة يخطونها في سبيل تحصيل العلم.
فإنّ الواحد منكم إذا أصبح عالماً ولم يكن مهذّباً كما أراد له الإسلام -لا سمح الله- فإنّ ضرره سيكون أكثر من نفعه، فجميع مُبتدعي الأديان والمذاهب الباطلة كانوا في الأساس أشخاصاً متعلمين، تعلّموا في حوزات علمية دينية إلّا أنّهم لم يكونوا مُهذّبين.
وتأمّلوا في أرباب المذاهب الباطلة، ستجدون أنّهم جميعاً كانوا أشخاصاً متعلمين، وطلبة علوم دينية، غير أنّهم لم يكونوا مهذّبين...
ليتفكّر الإنسان في أحوال أمير المؤمنين (سلام الله عليه) وليُلاحظ كم من الآلام تحمّلها (عليه السلام) في سبيل الإسلام؟ وكم من الطعنات والضربات تلقّى؟ كم من المرارات تجرّع؟ وكم من الحروب خاض؟ ليُلاحظ الإنسان كلّ ذلك.
إنّ الإسلام الذي سُلّم بأيدينا وصلنا بعد تحمّل كلّ ذلك، سُلّم بأيديكم أنتم أيها السادة المحترمون، وإنّكم لمسؤولون.
فإذا انصبّ اهتمامكم -لا سمح الله- خلال الدراسة على فهم دقائق الأمور العلميّة دون الاهتمام بالتهذيب، ودون الاهتمام بتهذيب أنفسكم وتأديبها بآداب الله ونبيّه، إذا كان الأمر كذلك، فلن تنتفعوا من العلم، فإنّكم إنْ لم تكونوا مهذّبين فإنّكم لن تحصلوا على ذلك النور الذي "يقذفه الله في قلبِ من يشاء"
إنّه من فن ذلك العلم الذي يستتبع النورانية، ذلك العلم الذي هو نورٌ يهبه الباري تبارك وتعالى، لن يشمل كلّ القلوب، ولا يليق به كلّ قلب، فإنْ لم يُهذّب ذلك القلب، وإنْ لم يُفرغ من الخلق السيء ومن العمل السيء، وإنْ لم يتوجّه إلى الله ويُسلّم إلى الله سبحانه وتعالى بالكامل، فإنّه جلّ وعلا لن يقذف ذلك النور فيه، فهذا الأمر لا يتمّ عبثاً، ولن يتمّ بالحرص على المعرفة بدقائق العلوم...
----------------------------------
من كتاب "صحيفة الإمام" تراث الإمام الخميني قدّس سرّه الشريف الجزء الثاني صفحة 34 و35