اللهم صل على محمد وآل محمد
الشريعة الاسلامية عبارة عن منظومة متكاملة من القوانين والاحكام والآداب والنظم التي تحكم حياة الناس وتنظّم شؤونهم فيما بينهم ، ومع الطبيعة ، ومع خالقهم تبارك وتعالى وعلى مختلف المستويات الفردية والاجتماعية ، وبابعاد فقهية واخلاقية وتربيوبة واجتماعية واقتصادية وسياسية ونحو ذلك
وتارة تكون بأحكام واجبة وآخرى مستحبة
فالواجبات هي الامور المطلوبة من قبل الشريعة بنحو الالزام ولا ترخيص فيها للترك كالصلوات اليومية وصيام شهر رمضان وحجة الاسلام وغيرها
والمستحبات هي الامور المطلوبة من قبل الشريعة لا بنحو الالزام وإنّما يرخّص تركها وهي راجحة على كل حال فمن امتثلها حصّل على الثواب والاجر والكمال ، ومن تركها لا يؤثم ولا يعاقب ولكنه فوت كمالا
ومن هنا نفهم السر في تشريع المستحبات وشدة التركيز عليها في الشريعة بحيث اصبحت - من ناحية العدد - تساوي الواجبات بل قد تزيد عليها
ويمكن ان نعطي اكثر من اطروحة في وجوه الحكمة من ذلك :
منها / إنّما شرعت المستحبات وركّز عليها لفتح فرص أكبر للانسان المؤمن في التكامل نحو الله تبارك وتعالى حتى
يعيش المعية مع خالقه وبارئه فأن إتيان المستحب كمال في نفسه لترتب الثواب والاجر عليه
و قد ورد : ((َمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ))
ومنها / لكي تكون المستحبات سياجاً حاميا ودرعاً واقياً لحفظ الواجبات والديمومة عليها ، فأن المواظب على المستحبات قد ضمن الاتيان بالواجبات بلا شك ، ولكن من فرّط في المستحبات خيف عليه ان يترك الواجبات ، وهذا ما يكشفه الواقع والوجدان العملي
ومنها / لكسب الاستعداد والقابلية على الاتيان بالواجبات وان كان فيها مشقة وتعب وخلاف للسجية والطباع ، فمن عاش في اجواء المستحبات والتزم بها سينعكس ذلك على إتيانه للواجبات وقد جرّب المؤمنون ذلك
ومنها / طهارة القلب وصفاء النفس وتنقية الباطن فأن المداومة على المستحبات ستترك في النفس مثل هذه الآثار بلا شك
فتدخل هذه المستحبات تحت عنوان الذكر قال تعالى( أَلا بذكر الله تطمئن القلوب )) وتصفى النفوس ويطهر الباطن
ومنها/ بعض المستحبات ورد فيها أنّها تسدُّ النقص الحاصل في الفرائض ، حيث يقول الإمام (ع) ما مؤداه : ( إنَّ للمصلي من صلاته ما حصل فيه الذكر والتوجه ، فإن كان نصفاً فله نصفها ، وإن كان ربعاً فله ربعها ، وإن لم يكن فيها توجهٌ لُفَّت وضُربت في وجهه. فقيل له : إذن هلكنا يا ابن رسول الله. قال : إنَّ الله جبر الفرائض بالنوافل ) .
ومنها / ترتب الآثار الخاصة الواردة في الكثير من المستحبات كالصدقة والدعاء من حيث دفع البلاء وشفاء المريض والحفظ والأمن ونحو ذلك ...
وشهر رجب وعاء مبارك لمثل هذه المستحبات من دعاء وذكر واستغفار وصلاة وصيام وعمرة وزيارة وصدقة وغيرها
فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله : رجب شهر الاستغفار لأمتي فأكثروا فيه الاستغفار ، فأنه غفور رحيم ويسمى رجب الأصب لأن الرحمة على أمتي تصب صبا فيه فاستكثروا من قول استغفر الله واسأله التوبة
ومن هنا : ندعو المؤمنين كافة الى إثراء ثقافة المستحبات في المجتمع ولو بأنشاء مؤسسات راعية للمستحب وديمومته في المناسبات الكثيرة بل ننطلق من الاسرة وجو العائلة الى دوائر الدولة والمدارس ونحوها
ووفقا لما تقدّم تتّضح الأهمية القصوى للمستحبات في بناء الشخصية المعنوية
للانسان المؤمن ، و (( خِتامُهُ مِسْكٌ وَ فِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ ))
------------------------------
بقلم ميثم الفريجي