يقول السائل: تصفحت بعض المجاميع الحديثية الشيعية المعتبرة ووقفت على عدة روايات تنتهي أسانيدها إلى أحد أئمتهم تنص على أنّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – كان يصلي صلاة التراويح التي لا يقرها مذهب التشيع , وهي كالآتي:
1 ـ محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي العبّاس وعبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : « كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يزيد في صلاته في شهر رمضان ، إذا صلّى العتمة صلّى بعدها ، فيقوم الناس خلفه فيدخل ويدعهم ، ثمّ يخرج أيضاً فيجيئون ويقومون خلفه فيدخل ويدعهم مراراً ».
قال : وقال : « لا تصلّ بعد العتمة في غير شهر رمضان ».
محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن يعقوب ، مثله (1).
2 ـ وبإسناده عن علي بن حاتم ، عن حميد بن زياد ، عن عبد الله (2) بن أحمد النهيكي ، عن علي بن الحسن ، عن محمّد بن زياد ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبدالله عليه السّلام قال : « كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا جاء شهر رمضان زاد في الصلاة ، وأنا أزيد فزيدوا».
3 ـ وبإسناده عن عليّ بن الحسن بن فضّال ، عن إسماعيل بن مهران ، عن الحسن (3) بن الحسن المروزي ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن محمّد بن يحيى قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السّلام ، فسئل : هل يزاد في شهر رمضان في صلاة النوافل ؟ فقال : « نعم ، قد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يصلّي بعد العتمة في مصلّاه ويكثر ، وكان الناس يجتمعون خلفه ليصلّوا بصلاته ، فإذا كثروا خلفه تركهم ودخل منزله ، فإذا تفرّق الناس عاد إلى مصلّاه فصلّى كما كان يصلّي ، فإذا كثر الناس خلفه تركهم ودخل ، وكان يصنع ذلك مراراً ».
4 ـ وعنه ، عن محمّد بن خالد ، عن سيف بن عميرة ، عن إسحاق بن عمّار ، عن جابر (4) بن عبد الله قال : إنّ أبا عبد الله عليه السّلام قال له : « إنّ أصحابنا هؤلاء أبوا أن يزيدوا فيه صلاتهم في رمضان ، وقد زاد رسول الله صلّى الله عليه وآله في صلاته في رمضان ».
5 ـ وعنه ، عن محمّد بن عليّ ، عن عليّ بن النعمان ، عن منصور بن حازم ، عن أبي بصير ، أنّه سأل أبا عبد الله عليه السلام : أيزيد الرجل في الصلاة في رمضان ؟
قال : « نعم ، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قد زاد في رمضان في الصلاة ».
6 ـ وفي « المصباح » عن أبي حمزة الثمالي قال : كان عليّ بن الحسين سيّد العابدين عليه السلام يصلّي عامّة الليل في شهر رمضان ، فإذا كان في السحر دعا بهذا الدعاء : « إلهي لا تؤدّبني بعقوبتك » ، وذكر الدعاء بطوله.
ورواه ابن طاووس في كتاب « الأقبال » بإسناده إلى هارون بن موسى التلعكبري ، بإسناده إلى الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، مثله (5).
7 ـ وقد تقدّم في حديث علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام ، في ختم القرآن قال : « شهر رمضان لا يشبهه شيء من الشهور ، له حقّ وحرمة ، أكثر من الصلاة فيه ما استطعت ».
1 ـ الكافي 4 : 154 ، 2 ، وأورد صدره في الحديث 3 من الباب 10 من هذه الأبواب.
2 ـ التهذيب 3 : 60 ، 204 ، والاستبصار 1 : 461 ، 1793.
3 ـ التهذيب 3 : 60 ، 205 ، والاستبصار 1 : 461 ، 1795.
4 ـ التهذيب 3 : 60 ، 206 ، والاستبصار 1 : 461 ، 1789.
5 ـ التهذيب 3 : 61 ، 207 ، والاستبصار 1 : 461 ، 1790.
6 ـ مصباح المتهجد : 524.
7 ـ تقدّم الحديث 3 من الباب 27 من أبواب قراءة القرآن.
(1) التهذيب 3 : 61 ، 208 ، والاستبصار 1 : 461 ، 1792.
(2) في الاستبصار : عبيد الله.
(3) في نسخة : الحسين ـ هامش المخطوط ـ وفي الاستبصار.
(4) كذا في الأصل عن الاستبصار ، وكتب المصنف عن التهذيب « صابر ».
(5) إقبال الأعمال : 67.
فما جوابكم ؟
الجواب:
نوجز لكم الإجابة عبر نقاط ثلاثة:
النقطة الأولى : بيان مفهوم صلاة التراويح بناء على مذهب أهل السنة:-
التراويح: جمع ترويحة, وهي في الأصل اسم للجلسة مطلقاً.
اصطلاحاً: قيام الليل جماعة في ليالي رمضان.( مذكرة القول الراجح مع الدليل شرح منار السبيل – الصلاة - خالد بن إبراهيم الصقعبي : ص78).
يقول الشيخ صالح بن فوزان في ملخصه الفقهي: سميت تراويح لأن الناس كانوا يستريحون فيها بين كل أربع ركعات؛ لأنهم يطيلون الصلاة, وفعلها جماعة في المسجد.(ج1/ص176).
هذا باختصار مفهوم صلاة التراويح عند أهل السنة.
النقطة الثانية: بيان مشروعيتها بناء على مذهب أهل السنة أيضا :-
استدل علماء أهل السنة على مشروعية صلاة التراويح بما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ضمن باب الترغيب في قيام شهر رمضان 1 : 283 ، فقال عمر : « إنّي أرَى لَوْ جَمَعْتُ هؤلَاءِ عَلَى قارِئٍ وَاحِدٍ لَكانَ أَمْثَلَ ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبِ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قارئِهِمْ قالَ عُمَرُ نِعْمَ الْبِدْعَةُ هذِهِ ... ». [ صحيح البخاري ، المجلّد : 3 / الصفحة : 58 / كتاب صلاة التراويح ]
الا ان القسطلاني صرح قائلاً : « إنّ عمر إنّما عبّر بلفظ البدعة ، لأنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لم يشرّع الجماعة في صلاة التراويح ولم يبيّن ذلك للناس ولم يكن في عهد أبي بكر أيضاً ». [فراجع إرشاد الساري 4 : 656 ]. وهو غاية في الوضوح في ان رسول الله – صلى الله عليه وآله – لم يشرع الجماعة في الصلاة المستحبة.
أما بالنسبة للشيعة فلا يوجد لهذه التسمية والكيفية للصلاة المذكورة ذكر عندهم لا تصريحا ولا تلميحا.
النقطة الثالثة: لا اشكال ولا شبهة في أصل وجود الصلاة المستحبة في شهر رمضان وانما الاشكال والخلاف بيننا وبين أهل السنة في أدائها جماعة في المسجد؛ حيث لم يرد دليل من الشارع على أدائها بالصورة التي يؤديها أهل السنة – أي جماعة - وخير دليل على ذلك ما ذكره السائل من الروايات الشيعية إذ فيها إشارة واضحة على عدم تشريع الصلاة المستحبة جماعة في شهر رمضان .
فالروايات التي ذكرها السائل في الحقيقة هي لنا لا علينا؛ لنا من حيث انها بينت أنّ - رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم - كان يصلّي النوافل في ليالي شهر رمضان ، فإذا أحسّ بأنّ هناك مَن يقتدي به ترك الصلاة وذهب إلى منزله حتّى إذا تفرق الناس عاد إلى الصلاة ، وهو - كما ترى - أدل دليل على أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يشرع الجماعة في الصلوات المستحبّة.
فقول السائل: (أنّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – كان يصلي صلاة التراويح التي لا يقرها مذهب التشيع) مبني على فهم مغلوط للروايات التي أوردها مع ما اشتملت عليه من وضوح لا يكاد يخفى على عالم من علماء أهل السنة وها هي كتب الشيعة في متناول أيديهم فليدلنا أحدهم اين صرحت الروايات الشيعية أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – صلى بهذه الصلاة ؟! , ولو كانت الروايات كما فهمها السائل لطبل وزمر لها علماء أهل السنة قبل عوامهم ولتناقلوها في نواديهم ومنتدياتهم مع اننا لم نقرأ ولم نسمع واحدا منهم نقض على الشيعة بالروايات المذكورة كما فعل صاحب السؤال.
الكاتب: السيد مهدي الجابري
العتبة الحسينية المقدسة - قسم الرد ع الشبهات