إنّ الاعتماد الذي شرع به المنشأ يعتبر ركيزة لدخوله العمق الوجداني من خلال منحيين:
المنحى الأول:
المنحى الحقيقي والذي ينقسم إلى حقيقتين:
الأولى: شهادة الله عز وجل عن ذاته (شَهِدَ اللهُ اَنَّهُ لا اِلـهَ اِلاّ هُوَ) وفي نفس الحقيقة نجد مديات التوسع في قاعدة الإشهاد (وَالْمَلائِكَةُ وَاُولُوا) الْعِلْمِ قآئِماً بِالْقِسْطِ لا اِلـهَ اِلاّ هُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ.
الثانية: هو ضعف المخلوق وخور إرادته أمام القوة الخارقة من خلال كشف العجز التضادي (الغني × الفقير – القادر× الضعيف – العادل × المذنب – العزيز × الحقير).
المنحى الثاني:
المنحى المتعين وهو إقرار الشهادة (اَشْهَدُ لِمُنْعِمى وَخالِقى وَرازِقى وَمُكْرِمى) ومن خلالها يسعى الى التركيز الحقيقي وتكرار الإقرار أيّ كشف الحقائق اليقينية أو لنقل التركيز على مفاهيمها (قادِرٌ اَزَلِىٌّ- عالِمٌ اَبَدِىٌّ - حَىٌّ اَحَدِىٌّ- مَوْجُودٌ سَرْمَدِىٌّ- مُدْرِكٌ صَمَدِىٌّ ) ليصل بنا إلى نتائج يقينية ثابتة (لا جَوْرَ فى قَضِيَّتِهِ وَلا مَيْلَ فى مَشِيَّتِهِ، وَلا ظُلْمَ فى تَقْديرِهِ وَلا مَهْرَبَ مِنْ حُكُومَتِهِ، وَلا مَلْجَاَ مِنْ سَطَواتِهِ وَلا مَنْجا مِنْ نَقِماتِهِ ) ونلاحظ وقع (لا) النافية في بلورة الوحدة الموضوعية والتشديد على التنغيم الصوتي عند القراءة كما نقدر ان نلاحظ مديات المعنى التي تتمركز بواقع مدرك (لَمْ يُكَلِّفِ الطّاعَةَ اِلاّ دُوْنَ الْوُسْعِ والطّاقَةِ) أو (اَزاحَ الْعِلَلَ فِى التَّكْليفِ) ولا شك من وجود انعكاسات تاثيرية نابعة من قيم إيمانية راسخة تجذبنا بقوة إلى الذات الخالقة وتتجلى عوامل التأثير في الصيغ المطروحة بما يؤهلها للارتقاء، ومفهوم (الصيغ) التي نقصد هي أسس التعامل الخطابي فنجد ثمة اشتقاقات (قَبْلَ الْقَبْلِ - اَزَلِ الاْزالِ - بَعْدَ الْبَعْدِ) أو نلاحظ البناء السجعي لاعتماد المنشيء على حروف الروي (سَيِّدِ الْاَنْبِيآءِ -خَيْرِ الْاَوْلِيآءِ - اَفْضَلِ الْاَصْفِيآءِ - اَعْلَى الْاَزْكِيآءِ) ثم نجد أرتكاز تلك الاسماء على الصفات (قآئِماً بِالْقِسْطِ - ذُوالنِّعَمِ وَالْاِحْسانِ- وَالْكَرَمِ وَالْاِمْتِنانِ) والقيم التوافقية في ذكر تلك الصفات (منعم –مكرم – خالق – رازق) ثمة قوة تأثيرية انتشرت بين العلماء الأفاضل وأهل البلاغة في مواصلة المسعى الدعائي مستندين على قول أو معنى، فوردت استفادة العديلة من عدة ادعية وردت مدلولاتها في معظم الدعوات وحواشي النص سئل الإمام الصادق (عليه السلام) ما معناه أنّ الإيمان على قسمين مستقر ثابت ومستودع يزول فعلمنا ما يمنع الزوال) فعلمهم الإقرار الذي بُني عليه دعاء العديلة وهي من مؤلفات أهل العلم، والعديلة عند الموت يعني العدول إلى الباطل عن الحق، حيث يوسوس الشيطان الرجيم في صدر المحتضر حتى جعله يشك في قيمته الإيمانية، والتمركز في فلسفة (العديلة) يعني بحث في الصراع المستمر بين الخير والشر يبرر الانصراف إلى تركيز الراية المثلى للإقرار وكل الشهادات وتكراراتها وتنوعاتها هي في صلب التنوعات أو الخطوط التي يحاول الشيطان (الرجيم) أن يعمل على العدول عنها (الْمَوْتَ حَقٌّ وَمُسآءَلَةَ الْقَبْرِ حَقٌّ وَالْبَعْثَ حَقٌّ وَالنُّشُورَ حَقٌّ ز وَالصِّراطِ حَقٌّ، وَالْميزانَ حَقٌّ، وَالْحِسابَ حَقٌّ، وَالْكِتابَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنّارَ حَقٌّ) أو تكرار (7) مرات للإقرار(أشهد) والكثير من السمات التي تعبر عن الاصرار وتكرار (13) مرة لفظ الجلالة والكثير من الضمائر المتصلة والمنفصلة التي تشير إلى مقام الجلالة، وورود (42) صفة من صفات الخالق العظيم ( سميع – بصير- مريد –كاره- مدرك - صمد ) ورغم أن هذه الفلسفة بحثت في محور النشاة الالهية (كانَ قَوِيّاً قَبْلَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةَ، وَكانَ عَليماً قَبْلَ ايجادِ الْعِلْمِ وَالْعِلَّةِ) لتعكس لنا النتيجة الواقع المراد هو ظهور النور المحمدي (بَعَثَ الْاَنْبِيآءَ لِيُبَيِّنَ عَدْلَهُ) يتجسد الموقف المبدئي في وصية الرسول (صلى الله عليه واله) يوم الغدير، ثم التسلسل الشرعي للأئمة (عليهم السلام) حيث ذكر لنا أسماء الأئمة (عَلِىٌّ قامِعُ الْكُفّارِ وَمِنْ بَعْدِهِ سَيِّدُ اَوْلادِهِالْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ ثُمَّ اَخُوُه السِّبْطُ التّابِعُ لِمَرْضاتِ اللهِ الْحُسَيْنُ، ثُمَّ الْعابِدُ عَلِىٌّ، ثُمَّ الْباقِرُ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ الصّادِقُ جَعْفَرٌ، ثُمَّ الْكاظِمُ مُوسى، ثُمَّ الرِّضا عَلِىٌّ، ثُمَّ التَّقِىُّ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ النَّقِىُّ عَلِىٌّ، ثُمَّ الزَّكِىُّ الْعَسْكَرِىُّ الْحَسَنُ)...).
ونقدر ان نعتبره ارتباطا وثيقا بالواقع المعاش من خلال شخصية الامام الثاني عشر، كامتداد شرعي يعيش بيننا إلى ماشاءلله (ثُمَّ الْحُجَّةُ الْخَلَفُ الْقآئِمُ الْمُنْتَظَرُ الْمَهْدِىُّ الْمُرجَى الَّذى بِبَقائِهِ بَقِيَتِ الدُّنْيا، وَبِيُمْنِهِ رُزِقَ الْوَرى، وَبِوُجُودِهِ ثَبتَتِ الْاَرْضُ وَالسَّمآءُ وَبِهِ يَمْلَاُ اللهُ الْاَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً بَعْدَ ما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْرا)ً.. ).
وكل هذا المتن يعتبر كمقدمة لدخول المسعى الطلبي ويتبع المنشأ سبيلا جادا في الطلب الذي يتبلور منه الموقف لحفظ الوديعة (اِنّى اَوْدَعْتُكَ يَقينى هذا وَثَباتَ دينى وَاَنْتَ خَيْرُ مُسْتَوْدَع وَقَدْ اَمَرْتَنا بِحِفْظِ الْوَدآئِعِ فَرُدَّهُ عَلَىَّ وَقْتَ حُضُورِ مَوْتى..) يرى علماء الشيعة أنّ استحضار مضمون هذا الدعاء يجعل المرء في أمان من خطر العديلة عند الموت، تؤمن المدارس الفلسفية بوجود علاقة بين الادراك العقلي والهدف المعقول، فلذلك نجد ان الخط الفلسفي لهذا النهج الدعائي يولي الظهر عن قيم التشكيك ويعتبرها مسعى شيطاني لابد التخلص منها بالإيمان فيولج النهج الشعوري ويتوسل بصفات الخالق العظيمة لأجل خلق شرعية المسعى الطلبي هو (حفظ الوديعة)).