اللهم صل على محمد وآل محمد
قد يقال: إن من الطبيعي في كل خطاب أن يدعي العقلانية والحكمة والأخلاق لإقناع المخاطبين حتى لو سلك مسالك الجدال والخطابة في اتجاهه، كما جاء في القرآن الكريم عن فرعون، قال تعالى: (وقال فرعون ذروني أقتل موسى ليدعُ ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)، وقال سبحانه (قال فرعون ما أُريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).
وهذا القول في أصله صحيح، إلا أننا مع ذلك نميز الخطاب الذي يتجمل بادعاء العقلانية والرشد ويسعى في واقعه إلى إخماد روح العقلانية في المخاطبين من خلال المجادلة والمكابرة والمثيرات الخطابية، ويتجاهل المؤشرات الموضوعية، وبين الخطاب الذي ينطلق من العقلانية ويتنفس بها ويحفّز روح العقلانية والتفكير في المخاطب ويطالبه بأن يزن الكلام بميزان العقل والحكمة، كما يميز الإنسان المعاصر النابه في الخطابات السياسية الداخلية والدولية بين الخطاب الذي يتجمل بعناوين مثل (حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، ومكافحة الفساد) ونحو ذلك، وبين الخطاب الحريص على هذه المبادئ حقاً.
فلو تأملت كلمات الإمام علي (ع) في نهج البلاغة ـ مثلاً ـ سواء في احتجاجاته على مخالفيه أو وصاياه لولاته على الأمصار أو نصائحه العامة للناس لوجدت أنه من قبيل الحالة الثانية، فهي خطابات وجدانية تتبنّى العقلانية والحكمة والعدالة تبنياً عميقاً ومؤكداً وتنطلق منها.
وهكذا الحال في القرآن الكريم، فهو في احتجاجاته ينطلق من العقلانية والعدل والحكمة انطلاقاً عميقاً ومؤكداً.
وإنما اقتفى الإمام علي (ع) في خطبه المنهج القرآني، كما يظهر بمقارنة دقيقة بينها وبين القرآن ـ كما لاحظت ذلك عياناً ـ. وقد تمثّل هذا المنهج في جميع المفاصل التي سعى الدين إلى الإقناع بها، وهو ما قد نتحدث عنه بتفصيل أكثر في محاضرة أخرى إن شاء الله تعالى.
إنني في تجربتي الشخصية مع الدين تأثرت بعقلانية الخطاب القرآني تأثراً عميقاً، حيث وجدته خطاباً وجدانياً مقنعاً، يسوق مضامينه سوقاً عقلانياً رائعاً، ويتحرى الحكمة والمبادئ الفاضلة بشكل مؤكد، وإنما اقتفيت في هذا البحث وسائر أبحاثي حول الدين أثر القرآن الكريم ومنهجه في الدعوة والإقناع.
----------------------------
(منهج الدين في إرشاد الإنسان، ص٥٤).
: السيد محمد باقر السيستاني.
قد يقال: إن من الطبيعي في كل خطاب أن يدعي العقلانية والحكمة والأخلاق لإقناع المخاطبين حتى لو سلك مسالك الجدال والخطابة في اتجاهه، كما جاء في القرآن الكريم عن فرعون، قال تعالى: (وقال فرعون ذروني أقتل موسى ليدعُ ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)، وقال سبحانه (قال فرعون ما أُريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).
وهذا القول في أصله صحيح، إلا أننا مع ذلك نميز الخطاب الذي يتجمل بادعاء العقلانية والرشد ويسعى في واقعه إلى إخماد روح العقلانية في المخاطبين من خلال المجادلة والمكابرة والمثيرات الخطابية، ويتجاهل المؤشرات الموضوعية، وبين الخطاب الذي ينطلق من العقلانية ويتنفس بها ويحفّز روح العقلانية والتفكير في المخاطب ويطالبه بأن يزن الكلام بميزان العقل والحكمة، كما يميز الإنسان المعاصر النابه في الخطابات السياسية الداخلية والدولية بين الخطاب الذي يتجمل بعناوين مثل (حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، ومكافحة الفساد) ونحو ذلك، وبين الخطاب الحريص على هذه المبادئ حقاً.
فلو تأملت كلمات الإمام علي (ع) في نهج البلاغة ـ مثلاً ـ سواء في احتجاجاته على مخالفيه أو وصاياه لولاته على الأمصار أو نصائحه العامة للناس لوجدت أنه من قبيل الحالة الثانية، فهي خطابات وجدانية تتبنّى العقلانية والحكمة والعدالة تبنياً عميقاً ومؤكداً وتنطلق منها.
وهكذا الحال في القرآن الكريم، فهو في احتجاجاته ينطلق من العقلانية والعدل والحكمة انطلاقاً عميقاً ومؤكداً.
وإنما اقتفى الإمام علي (ع) في خطبه المنهج القرآني، كما يظهر بمقارنة دقيقة بينها وبين القرآن ـ كما لاحظت ذلك عياناً ـ. وقد تمثّل هذا المنهج في جميع المفاصل التي سعى الدين إلى الإقناع بها، وهو ما قد نتحدث عنه بتفصيل أكثر في محاضرة أخرى إن شاء الله تعالى.
إنني في تجربتي الشخصية مع الدين تأثرت بعقلانية الخطاب القرآني تأثراً عميقاً، حيث وجدته خطاباً وجدانياً مقنعاً، يسوق مضامينه سوقاً عقلانياً رائعاً، ويتحرى الحكمة والمبادئ الفاضلة بشكل مؤكد، وإنما اقتفيت في هذا البحث وسائر أبحاثي حول الدين أثر القرآن الكريم ومنهجه في الدعوة والإقناع.
----------------------------
(منهج الدين في إرشاد الإنسان، ص٥٤).
: السيد محمد باقر السيستاني.