السؤال: تفصيل حول موضوع خلق القرآن الكريم
اريد تفصيلاً عن مسألة خلق القرآن من عرض للروايات والأقوال , مع جمع وتحليل , وشكراً لكم .
الجواب:
ان مسأله كون القران قديماً, أو مخلوقاً , والاختلاف في معنى المخلوق , ونفي الإمام (عليه السلام) كونه مخلوقاً , وانما كلام الله , ويريد بذلك نفي ما ربما يتصور من كونه مخلوقاً ان يطرأ عليه الكذب أو احتمال أن يكون منحولاً , والا فلا مجال للاختلاف من كون كلام الله حادثاً , ومع هذا فهو غير مخلوق , بمعنى غير مكذوب . روي عن عبد الرحيم انه قال : كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله ( عليه السلام ) : جعلت فداك اختلف الناس في القرآن، فزعم قوم: ان القرآن كلام الله غير مخلوق ، وقال آخرون : كلام الله مخلوق ؟ فكتب ( عليه السلام ) : القرآن كلام الله محدث غير مخلوق ، وغير أزلي مع الله تعالى ذكره ، وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، كان الله عز وجل ولا شيء غير الله ، معروف ولا مجهول ، كان عزوجل ولا متكلم ولا مريد ولا متحرك ولا فاعل ، جل وعز ربنا .فجميع هذه الصفات محدثه غير حدوث الفعل منه ، عز وجل ربنا ، والقرآن كلام الله غير مخلوق ، فيه خبر من كان قبلكم ، وخبر ما يكون بعدكم ، انزل من عند الله على محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .[ التوحيد 158 ] . قال الشيخ الصدوق ( رحمه الله ) : (كأن المراد من هذا الحديث ما كان فيه من ذكر القرآن ، ومعنى ما فيه أنه غير مخلوق أي غير مكذوب ، ولا يعني به أنه غير محدث ، لانه قد قال : محدث غير مخلوق ، وغير أزلي مع الله تعالى ذكره. وقال أيضا : قد جاء في الكتاب أن القرآن كلام الله ، ووحي الله ، وقول الله وكتاب الله ، ولم يجيء فيه أنه مخلوق ، وإنما امتنعنا من إطلاق المخلوق عليه لأن المخلوق في اللغة قد يكون مكذوباً ، ويقال : كلام مخلوق أي مكذوب , قال الله تبارك وتعالى : (( إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا )) [العنكبوت:17] أي كذباً ، وقال عز وجل حكاية عن منكري التوحيد : (( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق )) [ص: 1 ] أي افتعال وكذب ، فمن زعم أن القرآن مخلوق بمعنى أنه مكذوب فقد كذب ، ومن قال : إنه غير مخلوق بمعنى أنه غير مكذوب فقد صدق وقال الحق والصواب ، ومن زعم أنه غير مخلوق بمعنى أنه غير محدث وغير منزل وغير محفوظ ، فقد أخطأ وقال غير الحق والصواب . وقد أجمع أهل الإسلام على أن القرآن كلام الله عز وجل على الحقيقة دون المجاز ، وأن من قال غير ذلك فقد قال منكرا وزورا ، ووجدنا القرآن مفصلاً وموصلاً ، وبعضه غير بعض ، وبعضه قبل بعض ، كالناسخ التي يتأخر عن المنسوخ ، فلو لم يكن ما هذه صفته حادثاً بطلت الدلالة على حدوث المحدثات ، وتعذر إثبات محدثها ، بتناهيها وتفرقها واجتماعها . وشيء آخر : وهو أن العقول قد شهدت ، والأمة قد أجمعت : أن الله عز وجل صادق في اخباره ، وقد علم أن الكذب هو أن يخبر بكون ما لم يكن , وقد أخبر الله عز وجل عن فرعون وقوله : (( أنا ربكم الأعلى )) [النازعات: 24 ] وعن نوح أنه (( نادى ابنه وهو في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين )) [ هود 42 ] . فان كان هذا القول وهذا الخبر قديما فهو قبل فرعون وقبل قوله ما أخبر عنه , وهذا هو الكذب ، وإن لم يوجد إلا بعد أن قال فرعون ذلك ، فهو حادث , لانه كان بعد أن لم يكن . وأمر آخر وهو : ان الله عزوجل قال : (( ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك )) [ الأسراء 86 ] ، وقوله: (( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها )) [ البقرة 106 ] وما له مثل أو جاز أن يعدم بعد وجوده ، فحادث لا محالة). الى هنا انتهى كلام الشيخ الصدوق [كتاب التوحيد : 158 ]. وقال الشيخ الطوسي: كلام الله تعالى ، فعله ، وهو محدث ، وامتنع أصحابنا من تسميته بأنه مخلوق ,لما فيه من الايهام بكونه منحولا). وقال أكثر المعتزلة : أنه مخلوق . [تفسير الفخر الرازي 22 / 140 ، والملل والنحل للشهرستاني 1/45، والمجموع 18 / 41 ] . وفيهم من منع من تسميته بذلك ، وهو قول أبي عبد الله البصري وغيره . وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : أنه مخلوق . [ حلية العلماء 7 / 249 ، تاريخ بغداد 13 / 378 ]. قال أبو يوسف : أول من قال بأن القرآن مخلوق أبو حنيفة . [ تاريخ بغداد 13 / 378 ] . قال سعيد بن سالم : لقيت اسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة في دار المأمون ، فقال : ان القرآن مخلوق , هذا ديني ودين أبي وجدي . وروي عن جماعة من الصحابة الامتناع من تسميته بأنه مخلوق . [ الدر المنثور 5 / 326 ] . وروي ذلك عن علي ( عليه السلام ) أنه قال يوم الحكمين : والله ما حكمت مخلوقا ولكني حكمت كتاب الله .[ شرح نهج البلاغة 17 / 13 ، التوحيد للصدوق 224 ح 6 ] . وروي ذلك عن أبي بكر ، وعمر، وعثمان، وابن مسعود .[الدر المنثور 5 / 326 ] . وبه قال جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) - فانه سئل عن القرآن - فقال : لا خالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله.[ تفسير العياشي 1 / 6 ح 14 باختلاف يسير ] . وقال سفيان بن عيينة : سمعت عمرو بن دينار وشيوخ مكة منذ سبعين سنة يقولون : ان القرآن غير مخلوق.[ السنن الكبرى 10 / 43 ، والدر المنثور 5 / 326 ، واللآلي المصنوعة 1 / 8 باختلاف يسير في اللفظ ] . وقال إسماعيل بن أبي أويس ، قال مالك : القرآن غير مخلوق . وبه قال أهل المدينة ، وهو قول الأوزاعي وأهل الشام ، وقول الليث بن سعد ، وأهل مصر ، وعبيد الله بن الحسن العنبري البصري ، وبه قال من أهل الكوفة ابن أبي ليلى وابن شبرمة ، وهو مذهب الشافعي إلا أنه لم يرو عن واحد من هؤلاء أنه قال : القرآن قديم ، أو كلام الله قديم. [ السنن الكبرى 10 / 43 ، والمحلى 8 / 33 ، واللآلي المصنوعة 1 / 5 ] . وأول من قال بذلك الأشعري ومن تبعه على مذهبه ، ومن الفقهاء من ذهب مذهبه . [ انظر الملل والنحل 1 / 96 ] . دليلنا على ما قلناه : ما ذكرناه في الكتاب في الأصول [ عدة الاصول 2 / 46 ] ليس هذا موضعها ، فمنها قوله : (( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث الا استمعوه )) [ الأنبياء 2 ] فسماه محدثا وقال : (( إنا جعلناه قرآنا عربيا )) [ الزخرف 3 ] ، وقال : (( بلسان عربي مبين )) [ الشعراء 195 ] فسماه عربيا ، والعربية محدثة ، وقال : (( انا نحن نزلنا الذكر )) [ الحجر 9 ]، وقال : (( وانزلنا اليك الذكر )) [ النحل 44 ] فوصفه بالتنزيل . وهذه كلها صفات المحدث ، وذلك ينافي وصفه بالقدم ، ومن وصفه بالقدم فقد أثبت مع الله تعالى قديما آخر ، وذلك خلاف ما أجمع عليه الأمة في عصر الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم إلى أيام الأشعري ، وليس هذا موضع تقصي هذه المسألة ، فان الغرض ها هنا الكلام في الفروع . وروي عن نافع قال : قلت لابن عمر : سمعت من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في القرآن شيئا ؟ قال : نعم ، سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : (القرآن كلام الله غير مخلوق ، ونور من نور الله) . ولقد أقر أصحاب التوراة أنه كلام الله ، وأقر أصحاب الانجيل أنه كلام الله . وروى أبو الدرداء أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : القرآن كلام الله غير مخلوق ( [الدر المنثور 5 / 326 ، واللآلي المصنوعة 1 / 5 ] . وقد مدح الصادق ( عليه السلام ) بما حكيناه عنه بالنظم ، فقال بعض الشعراء لاشتهاره عنه . قد سأل عن ذا الناس من قبلكم * * ابن النبي المرسل الصادق فقال قولا بينا واضحا * * ليس بقول المعجب المايق كلام ربي لا تمارونه * * ليس بمخلوق ولا خالق جعفر ذا الخيرات فافخر به * * ابن الوصي المرتضى السابق إلى هنا انتهى كلام الشيخ الطوسي ( قدس سره ) [راجع كتاب الخلاف ج 6 ص119 المسألة 12].وفي الختام ننقل لكم عدة روايات حول الموضوع , وذلك لاهميته القصوى :1ـ عن ابن خالد قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : يا ابن رسول الله أخبرني عن القرآن أخالق أو مخلوق ؟ فقال : ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله عزوجل.[ التوحيد : الباب الثلاثون 156 ، أمالي الصدوق 326 ] .2ـ عن الريان قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : ما تقول في القرآن ؟ فقال : كلام الله لا تتجاوزوه ، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا .[ التوحيد 157 ، عيون الأخبار 2 / 56 ، أمالي الصدوق 326 ]. 3ـ عن علي بن سالم ، عن أبيه قال : سألت الصادق ( عليه السلام ) فقلت له : يا بن رسول الله ما تقول في القرآن ؟ فقال : هو كلام الله ، وقول الله ، وكتاب الله ، ووحي الله ، وتنزيله ، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.[ التوحيد 157 ، أمالي الصدوق 326 ]. 4ـ عن اليقطيني قال : كتب أبو الحسن الثالث ( عليه السلام ) إلى بعض شيعته ببغداد : بسم الله الرحمن الرحيم ، عصمنا الله وإياك من الفتنة ، فان يفعل فأعظم بها نعمة ، وإلا يفعل فهي الهلكة ، نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة ، اشترك فيها السائل والمجيب ، فتعاطى السائل ما ليس له وتكلف المجيب ما ليس عليه ، وليس الخالق إلا الله ، وما سواه مخلوق ، والقرآن كلام الله ، لا تجعل له اسما من عندك ، فتكون من الضالين ، جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب ، وهم من الساعة مشفقون.[ التوحيد 157 ، أمالي الصدوق 326 ] . 5ـ عن الجعفري قال : قلت لأبي الحسن موسى ( عليه السلام ) : يا بن رسول الله ما تقول في القرآن : فقد اختلف فيه من قبلنا فقال قوم : إنه مخلوق ، وقال قوم : إنه غير مخلوق ، فقال ( عليه السلام ) : أما إني لا أقول في ذلك ما يقولون ، ولكني أقول : إنه كلام الله عزوجل.[ التوحيد 157 ، أمالي الصدوق 330 ] .6ـ عن فضيل بن يسار قال : سألت الرضا ( عليه السلام ) عن القرآن فقال لي : هوكلام الله .[ تفسير العياشي 1 / 6 ] .7ـ عن زرارة قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن القرآن فقال لي : لا خالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الخالق.[ تفسير العياشي 1 / 6 ] .8ـ عن زرارة قال : سألته عن القرآن أخالق هو ؟ قال : لا ، قلت : مخلوق ؟ قال : [ لا ] ولكنه كلام الخالق.[ تفسير العياشي 1 / 7 ] .9ـ عن ياسر الخادم ، عن الرضا ( عليه السلام ) أنه سئل عن القرآن فقال : لعن الله المرجئة ولعن الله أبا حنيفة ، إنه كلام الله غير مخلوق ، حيث ما تكلمت به وحيث ما قرأت ونطقت ، فهو كلام وخبر وقصص.[ تفسير العياشي 1 / 8 ] . 10ـ هشام المشرقي أنه دخل على أبي الحسن الخراساني ( عليه السلام ) فقال : إن أهل البصرة سألوا عن الكلام فقالوا : إن يونس يقول : إن الكلام ليس بمخلوق ، فقلت لهم : صدق يونس إن الكلام ليس بمخلوق ، أما بلغكم قول أبي جعفر ( عليه السلام ) حين سئل عن القرآن : أخالق هو أم مخلوق ؟ فقال لهم : ليس بخالق ولا مخلوق ، إنما هو كلام الخالق فقويت أمر يونس ، فقالوا : إن يونس يقول : إن من السنة أن يصلي الانسان ركعتين وهو جالس بعد العتمة ، فقلت : صدق يونس .[ رجال الكشي 414 ]
مركز الابحاث العقائدية
اريد تفصيلاً عن مسألة خلق القرآن من عرض للروايات والأقوال , مع جمع وتحليل , وشكراً لكم .
الجواب:
ان مسأله كون القران قديماً, أو مخلوقاً , والاختلاف في معنى المخلوق , ونفي الإمام (عليه السلام) كونه مخلوقاً , وانما كلام الله , ويريد بذلك نفي ما ربما يتصور من كونه مخلوقاً ان يطرأ عليه الكذب أو احتمال أن يكون منحولاً , والا فلا مجال للاختلاف من كون كلام الله حادثاً , ومع هذا فهو غير مخلوق , بمعنى غير مكذوب . روي عن عبد الرحيم انه قال : كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله ( عليه السلام ) : جعلت فداك اختلف الناس في القرآن، فزعم قوم: ان القرآن كلام الله غير مخلوق ، وقال آخرون : كلام الله مخلوق ؟ فكتب ( عليه السلام ) : القرآن كلام الله محدث غير مخلوق ، وغير أزلي مع الله تعالى ذكره ، وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، كان الله عز وجل ولا شيء غير الله ، معروف ولا مجهول ، كان عزوجل ولا متكلم ولا مريد ولا متحرك ولا فاعل ، جل وعز ربنا .فجميع هذه الصفات محدثه غير حدوث الفعل منه ، عز وجل ربنا ، والقرآن كلام الله غير مخلوق ، فيه خبر من كان قبلكم ، وخبر ما يكون بعدكم ، انزل من عند الله على محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .[ التوحيد 158 ] . قال الشيخ الصدوق ( رحمه الله ) : (كأن المراد من هذا الحديث ما كان فيه من ذكر القرآن ، ومعنى ما فيه أنه غير مخلوق أي غير مكذوب ، ولا يعني به أنه غير محدث ، لانه قد قال : محدث غير مخلوق ، وغير أزلي مع الله تعالى ذكره. وقال أيضا : قد جاء في الكتاب أن القرآن كلام الله ، ووحي الله ، وقول الله وكتاب الله ، ولم يجيء فيه أنه مخلوق ، وإنما امتنعنا من إطلاق المخلوق عليه لأن المخلوق في اللغة قد يكون مكذوباً ، ويقال : كلام مخلوق أي مكذوب , قال الله تبارك وتعالى : (( إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا )) [العنكبوت:17] أي كذباً ، وقال عز وجل حكاية عن منكري التوحيد : (( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق )) [ص: 1 ] أي افتعال وكذب ، فمن زعم أن القرآن مخلوق بمعنى أنه مكذوب فقد كذب ، ومن قال : إنه غير مخلوق بمعنى أنه غير مكذوب فقد صدق وقال الحق والصواب ، ومن زعم أنه غير مخلوق بمعنى أنه غير محدث وغير منزل وغير محفوظ ، فقد أخطأ وقال غير الحق والصواب . وقد أجمع أهل الإسلام على أن القرآن كلام الله عز وجل على الحقيقة دون المجاز ، وأن من قال غير ذلك فقد قال منكرا وزورا ، ووجدنا القرآن مفصلاً وموصلاً ، وبعضه غير بعض ، وبعضه قبل بعض ، كالناسخ التي يتأخر عن المنسوخ ، فلو لم يكن ما هذه صفته حادثاً بطلت الدلالة على حدوث المحدثات ، وتعذر إثبات محدثها ، بتناهيها وتفرقها واجتماعها . وشيء آخر : وهو أن العقول قد شهدت ، والأمة قد أجمعت : أن الله عز وجل صادق في اخباره ، وقد علم أن الكذب هو أن يخبر بكون ما لم يكن , وقد أخبر الله عز وجل عن فرعون وقوله : (( أنا ربكم الأعلى )) [النازعات: 24 ] وعن نوح أنه (( نادى ابنه وهو في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين )) [ هود 42 ] . فان كان هذا القول وهذا الخبر قديما فهو قبل فرعون وقبل قوله ما أخبر عنه , وهذا هو الكذب ، وإن لم يوجد إلا بعد أن قال فرعون ذلك ، فهو حادث , لانه كان بعد أن لم يكن . وأمر آخر وهو : ان الله عزوجل قال : (( ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك )) [ الأسراء 86 ] ، وقوله: (( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها )) [ البقرة 106 ] وما له مثل أو جاز أن يعدم بعد وجوده ، فحادث لا محالة). الى هنا انتهى كلام الشيخ الصدوق [كتاب التوحيد : 158 ]. وقال الشيخ الطوسي: كلام الله تعالى ، فعله ، وهو محدث ، وامتنع أصحابنا من تسميته بأنه مخلوق ,لما فيه من الايهام بكونه منحولا). وقال أكثر المعتزلة : أنه مخلوق . [تفسير الفخر الرازي 22 / 140 ، والملل والنحل للشهرستاني 1/45، والمجموع 18 / 41 ] . وفيهم من منع من تسميته بذلك ، وهو قول أبي عبد الله البصري وغيره . وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : أنه مخلوق . [ حلية العلماء 7 / 249 ، تاريخ بغداد 13 / 378 ]. قال أبو يوسف : أول من قال بأن القرآن مخلوق أبو حنيفة . [ تاريخ بغداد 13 / 378 ] . قال سعيد بن سالم : لقيت اسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة في دار المأمون ، فقال : ان القرآن مخلوق , هذا ديني ودين أبي وجدي . وروي عن جماعة من الصحابة الامتناع من تسميته بأنه مخلوق . [ الدر المنثور 5 / 326 ] . وروي ذلك عن علي ( عليه السلام ) أنه قال يوم الحكمين : والله ما حكمت مخلوقا ولكني حكمت كتاب الله .[ شرح نهج البلاغة 17 / 13 ، التوحيد للصدوق 224 ح 6 ] . وروي ذلك عن أبي بكر ، وعمر، وعثمان، وابن مسعود .[الدر المنثور 5 / 326 ] . وبه قال جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) - فانه سئل عن القرآن - فقال : لا خالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله.[ تفسير العياشي 1 / 6 ح 14 باختلاف يسير ] . وقال سفيان بن عيينة : سمعت عمرو بن دينار وشيوخ مكة منذ سبعين سنة يقولون : ان القرآن غير مخلوق.[ السنن الكبرى 10 / 43 ، والدر المنثور 5 / 326 ، واللآلي المصنوعة 1 / 8 باختلاف يسير في اللفظ ] . وقال إسماعيل بن أبي أويس ، قال مالك : القرآن غير مخلوق . وبه قال أهل المدينة ، وهو قول الأوزاعي وأهل الشام ، وقول الليث بن سعد ، وأهل مصر ، وعبيد الله بن الحسن العنبري البصري ، وبه قال من أهل الكوفة ابن أبي ليلى وابن شبرمة ، وهو مذهب الشافعي إلا أنه لم يرو عن واحد من هؤلاء أنه قال : القرآن قديم ، أو كلام الله قديم. [ السنن الكبرى 10 / 43 ، والمحلى 8 / 33 ، واللآلي المصنوعة 1 / 5 ] . وأول من قال بذلك الأشعري ومن تبعه على مذهبه ، ومن الفقهاء من ذهب مذهبه . [ انظر الملل والنحل 1 / 96 ] . دليلنا على ما قلناه : ما ذكرناه في الكتاب في الأصول [ عدة الاصول 2 / 46 ] ليس هذا موضعها ، فمنها قوله : (( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث الا استمعوه )) [ الأنبياء 2 ] فسماه محدثا وقال : (( إنا جعلناه قرآنا عربيا )) [ الزخرف 3 ] ، وقال : (( بلسان عربي مبين )) [ الشعراء 195 ] فسماه عربيا ، والعربية محدثة ، وقال : (( انا نحن نزلنا الذكر )) [ الحجر 9 ]، وقال : (( وانزلنا اليك الذكر )) [ النحل 44 ] فوصفه بالتنزيل . وهذه كلها صفات المحدث ، وذلك ينافي وصفه بالقدم ، ومن وصفه بالقدم فقد أثبت مع الله تعالى قديما آخر ، وذلك خلاف ما أجمع عليه الأمة في عصر الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم إلى أيام الأشعري ، وليس هذا موضع تقصي هذه المسألة ، فان الغرض ها هنا الكلام في الفروع . وروي عن نافع قال : قلت لابن عمر : سمعت من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في القرآن شيئا ؟ قال : نعم ، سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : (القرآن كلام الله غير مخلوق ، ونور من نور الله) . ولقد أقر أصحاب التوراة أنه كلام الله ، وأقر أصحاب الانجيل أنه كلام الله . وروى أبو الدرداء أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : القرآن كلام الله غير مخلوق ( [الدر المنثور 5 / 326 ، واللآلي المصنوعة 1 / 5 ] . وقد مدح الصادق ( عليه السلام ) بما حكيناه عنه بالنظم ، فقال بعض الشعراء لاشتهاره عنه . قد سأل عن ذا الناس من قبلكم * * ابن النبي المرسل الصادق فقال قولا بينا واضحا * * ليس بقول المعجب المايق كلام ربي لا تمارونه * * ليس بمخلوق ولا خالق جعفر ذا الخيرات فافخر به * * ابن الوصي المرتضى السابق إلى هنا انتهى كلام الشيخ الطوسي ( قدس سره ) [راجع كتاب الخلاف ج 6 ص119 المسألة 12].وفي الختام ننقل لكم عدة روايات حول الموضوع , وذلك لاهميته القصوى :1ـ عن ابن خالد قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : يا ابن رسول الله أخبرني عن القرآن أخالق أو مخلوق ؟ فقال : ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله عزوجل.[ التوحيد : الباب الثلاثون 156 ، أمالي الصدوق 326 ] .2ـ عن الريان قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : ما تقول في القرآن ؟ فقال : كلام الله لا تتجاوزوه ، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا .[ التوحيد 157 ، عيون الأخبار 2 / 56 ، أمالي الصدوق 326 ]. 3ـ عن علي بن سالم ، عن أبيه قال : سألت الصادق ( عليه السلام ) فقلت له : يا بن رسول الله ما تقول في القرآن ؟ فقال : هو كلام الله ، وقول الله ، وكتاب الله ، ووحي الله ، وتنزيله ، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.[ التوحيد 157 ، أمالي الصدوق 326 ]. 4ـ عن اليقطيني قال : كتب أبو الحسن الثالث ( عليه السلام ) إلى بعض شيعته ببغداد : بسم الله الرحمن الرحيم ، عصمنا الله وإياك من الفتنة ، فان يفعل فأعظم بها نعمة ، وإلا يفعل فهي الهلكة ، نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة ، اشترك فيها السائل والمجيب ، فتعاطى السائل ما ليس له وتكلف المجيب ما ليس عليه ، وليس الخالق إلا الله ، وما سواه مخلوق ، والقرآن كلام الله ، لا تجعل له اسما من عندك ، فتكون من الضالين ، جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب ، وهم من الساعة مشفقون.[ التوحيد 157 ، أمالي الصدوق 326 ] . 5ـ عن الجعفري قال : قلت لأبي الحسن موسى ( عليه السلام ) : يا بن رسول الله ما تقول في القرآن : فقد اختلف فيه من قبلنا فقال قوم : إنه مخلوق ، وقال قوم : إنه غير مخلوق ، فقال ( عليه السلام ) : أما إني لا أقول في ذلك ما يقولون ، ولكني أقول : إنه كلام الله عزوجل.[ التوحيد 157 ، أمالي الصدوق 330 ] .6ـ عن فضيل بن يسار قال : سألت الرضا ( عليه السلام ) عن القرآن فقال لي : هوكلام الله .[ تفسير العياشي 1 / 6 ] .7ـ عن زرارة قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن القرآن فقال لي : لا خالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الخالق.[ تفسير العياشي 1 / 6 ] .8ـ عن زرارة قال : سألته عن القرآن أخالق هو ؟ قال : لا ، قلت : مخلوق ؟ قال : [ لا ] ولكنه كلام الخالق.[ تفسير العياشي 1 / 7 ] .9ـ عن ياسر الخادم ، عن الرضا ( عليه السلام ) أنه سئل عن القرآن فقال : لعن الله المرجئة ولعن الله أبا حنيفة ، إنه كلام الله غير مخلوق ، حيث ما تكلمت به وحيث ما قرأت ونطقت ، فهو كلام وخبر وقصص.[ تفسير العياشي 1 / 8 ] . 10ـ هشام المشرقي أنه دخل على أبي الحسن الخراساني ( عليه السلام ) فقال : إن أهل البصرة سألوا عن الكلام فقالوا : إن يونس يقول : إن الكلام ليس بمخلوق ، فقلت لهم : صدق يونس إن الكلام ليس بمخلوق ، أما بلغكم قول أبي جعفر ( عليه السلام ) حين سئل عن القرآن : أخالق هو أم مخلوق ؟ فقال لهم : ليس بخالق ولا مخلوق ، إنما هو كلام الخالق فقويت أمر يونس ، فقالوا : إن يونس يقول : إن من السنة أن يصلي الانسان ركعتين وهو جالس بعد العتمة ، فقلت : صدق يونس .[ رجال الكشي 414 ]
مركز الابحاث العقائدية