علوم الصديقة الكبرى (ع)
الصديقة الكبرى سيدتنا فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) هي المخلوقة التي تكاملت فيها الفضائل و المناقب ، فخصال الخير و الكمال كلها قاطبةً قد إجتمعت في اذيال كمالها و جلالها لتكون فاطمه (عليها السلام) الأنثى الأولى في عالم الوجود و التكوين و تتقدم على كل مَن سوى أبيها و بعلها (صلى الله عليهما وآلهما) ،
و من بين الفضائل و الكمالات التي حازتها الزهراء (ع) في أتمِّ درجاتها و أعلى مراتبها هي فضيلة العلم ، تلك الفضيلة التي لها الدور الأعظم في تكوين قيمة الإنسان و رفع منزلته و جعله يحوز الدرجات العُلى في عالم الشرف و الفضيلة و رُقيِّ النفس و تكامل الروح ، و قد قال الله تعالى في كتابه الكريم « يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ » ....
و العلم عند فاطمة الزهراء (ع) قد بلغ الذروة و الكمال كأي صفةٍ اخرى فيها ، كالعبادة و الصبر و الجهاد و الصدق و الشجاعة و الوفاء و الإيمان و اليقين ، فالزهراء (ع) قد رَقَت قمة الكمال في في كل فضيلةٍ حوتها ،
و للحديث عن علوم الزهراء (ع) ينقسم الكلام الى قسمين ، القسم الاول يشمل الحديث عن علمها و سعته و مصدره بشكل خاص ، اما القسم الثاني فيتحدث عن علوم اهل البيت (صلوات الله عليهم) بالمجموع بصفتها (ع) واحدةً منهم بل هي سيدة البيت .
ما ورد من الروايات التي تدل على علمها (ع) :
1- مفطومةٌ بالعلم :
عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: « لما ولدت فاطمة عليها السلام أوحى الله إلى ملك فأنطق به لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم فسماها فاطمة، ثم قال: إني فطمتك بالعلم وفطمتك من الطمث ، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: والله لقد فطمها الله بالعلم وعن الطمث بالميثاق » ( علل الشرائع للصدوق: ج 1، ص 179 ) .
قال العلامة المجلسي (رض) شارحاً هذه العباره ببيانٍ رائعٍ و شامل : (( فطمتك بالعلم أي أرضعتك بالعلم حتى استغنيت ، وفطمت أو قطعتك عن الجهل بسبب العلم ، أو جعلت فطامك من اللبن مقرونا بالعلم ، كناية عن كونها في بدو فطرتها عالمة بالعلوم الربانية ، وعلى التقادير كان الفاعل بمعنى المفعول كالدافق بمعنى المدفوق ، أو يقرء على بناء التفعيل ، أي جعلتك قاطعة الناس من الجهل ، أو المعنى : لما فطمها من الجهل فهي تفطم الناس منه )) ( بحار الانوار : 39 / ص 14 ) .
فالزهراء (ع) زُقَّت من العلم حتى استغنت به عنه ، و هذا يعني ان العلوم قد تكاملت عندها فلم تعد بحاجةٍ لأن تتعلم اي شيء ،
و مما يلاحظ على الروايه :
اولاً :ان قائل هذه العباره (( إني فطمتك بالعلم و فطمتك من الطمث )) ، هو المَلك الذي ارسله الله على لسان سيد الخلق (صلى الله عليه وآله) ، و لاشكَّ ان هذا الفعل ( اي الفطام بالعلم ) ينسب الى الله تعالى ، و انما المَلك كان واسطةً لا فاعلاً حقيقياً ، و بالتالي فإن الله تعالى هو الفاعل الحقيقي و هو من فطم فاطمة (ع) بالعلم ، و هذا يعني ان الله هو الذي زقَّها بالعلوم حتى اغناها و جعل العلوم تفيض منها ، اذاً مصدر علوم الصديقة الكبرى (ع) هو الله تعالى و بشكل مباشر ، حيث تولى تعالى تعليمها حتى جعلها كاملة العلوم و المعارف .
ثانياً :قَسَم الامام (صلوات الله عليه) في نهاية الروايه بقوله (( والله لقد فطمها الله بالعلم وعن الطمث بالميثاق )) ، دليل على تأكيد الأمر و عظمه ، و ان هذا الحدث قد وقع فعلاً و ان وقوعه كان امراً عظيماً قد حدث بأتمِّ صوره فضلاً عن ان الأمر بنفسه كان شيئاً عظيماً .
ثالثاً :و اذا كان هذا الحديث دليلاً على تكامل العلوم لدى الزهراء (ع) و انها قد استوفت و اطلعت على كل مراتب العلم و اسراره ، فإن هذا الكمال الذي حصل لها في العلم قد تمَّ في اول لحظةٍ من ولادتها كما هو واضح من الروايه ، و هذا يعني ان الزهراء (ع) عالمة عليمة بل مستغنية عن التعلم بما عندها من العلوم منذ اول يومٍ من حياتها ، و هذا من غوامض الاسرار التي خصها الله لمحمد و آله الأطهار (ع) ! .
2- تعلم ما كان و ما يكون و ما لم يكن :
عن عمار بن ياسر (رض) قال : « شهدت علي بن أبي طالب (عليهِ السَّلام) وقد ولج على فاطمة (عليها السَّلام) فلمَّا بصرَتْ به نادت: ادنُ لأحدِّثك بما كان وبما هو كائن وبما لم يكن إلى يوم القيام ... فقالت : اعلم يا أبا الحسن أنَّ الله تعالى خلق نوري وكان يسبِّح الله جلَّ جلاله، ثُمَّ أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت، فلما دخل أبي الجنة أوحى الله تعالى إليه إلهاماً أنِ اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وأدرها في لهواتك، ففعل، فأودعني الله صلب أبي صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ ثُمَّ أودعني خديجة بنت خويلد فوضعتني وأنا من ذلك النور، أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن، يا أبا الحسن المؤمن ينظر بنور الله تعالى » ( بحار الأنوار: ج43 ص8 )و هذا يعني ان الزهراء (ع) ، تعلم الغيب التكويني و التشريعي ( بإذن الله ) لكل مجريات عالم الوجود ، منذ اول الخلقة حتى انقضائها ، و قد قيل في معنى ( ما لم يكن ) هو ( البداء ) الذي يتغير ، و هذا العلم لم يتحقق الا لأهل البيت (ع) من دون الخلق .
3- أعطيت من العلم ما لم يسبقها إليه أحد :
عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) قال : « لقد أعطيتُ زوجتي مصحفاً فيه من العلم مالم يسبقها إليه أحد خاصةً من الله ورسوله » ( بصائر الدرجات / ص 220 ) .
فللزهراء (ع) علوماً قد سبقت الخلق بمعرفتها و الاطلاع عليها و تعلمها فكانت هي أول من تعلمتها بعد ابيها و بعلها (ع) ، هديةً خاصةً من الله و رسوله (ص) و وصيه (ع) ، و هذا الحديث كما يدل على العلم المتميز و المتقدم للزهراء (ع) على جميع الخلق و بالإضافة لدلالته على ان رسول الله و أمير المؤمنين من مصادر علم الزهراء فهو يدل ايضاً على ان علم الزهراء (ع) لا يزال تحت عناية الله تعالى ، حيث كان ذلك المصحف خاصةً من الله و من رسوله (ص) أُعطي لها بواسطة زوجها أمير المؤمنين (ع) .
مصادر علوم الزهراء (ع) :
ليست الزهراء (ع) امرأه عاديه و مصادر علومها هي فيوضات إلهيه محضه ، فهي لا تتلقى العلم كما يتلقاه الانسان العادي ، بل ان المسؤول عن تعليم الزهراء (ع) هو الله تعالى ، و من الخلق هو مو كان أفضل و أعلم منها فقط ، اما من هو دونها فهي لا تتلقى العلم منه بل هي التي تفيض عليه بعلومها و معارفها و فقهها ، لذا فإن رسول الله (ص) و أمير المؤمنين (ع) هما وحدهما من يستطيعان ان يزودا الزهراء (ع) بالعلم ، اما غيرهما فهو بالنسبة لها (ع) متلقٍ للعلم متعلم منها غارفٌ من بحر فقهها ،
و بالجمله فإن مصادر علوم الزهراء (ع) هي مصادر غيبيه علويه تتم بواسطة الإلهام و الوحي (غير وحي النبوه) هذا بالاضافه الى علومها التي تكاملت عندها منذ الولاده كما سلف .
سعة علمها :
عن المفضل بن عمر قال : « دخلت على الصادق عليه السلام ذات يوم فقال لي : يا مفضل هل عرفت محمدا و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام كنه معرفتهم ؟ قلت : يا سيدي و ما كنه معرفتهم ؟ قال : يا مفضل تعلم أنهم في طير عن الخلائق بجنب الروضة الخضرة ، فمن عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمنا في السنام الاعلى ، قال : قلت : عرفني ذلك يا سيدي . قال : يا مفضل تعلم أنهم علموا ما خلق الله عز و جل و ذرأه و برأه ، و أنهم كلمة التقوى و خزان السماوات و الارض و الجبال و الرمال و البحار ، و عرفوا كم في السماء نجم و ملك ، و وزن الجبال ، وكيل ماء البحار و أنهارها و عيونها و ما تسقط من ورقة إلا علموها و لا حبة في ظلمات الارض و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين و هو في علمهم ، و قد علموا ذلك . قلت : يا سيدي قد علمت ذلك و أقررت به و آمنت . قال : نعم يا مفضل ، نعم يا مكرم ، نعم يا محبور ، نعم يا طيب ، طبت و طابت لك الجنة و لكل مؤمن بها » ( مصباح الانوار : 237 ( مخطوط ) و عنه البحار : 26 / 116 ح 22 و البرهان : 4 / 7 ح 8 ) .
و هذا يعني ان الزهراء (ع) تعلم كل شيء بما للكلمة من معنى و انها لم يخفَ عنها شيء ، و هذا هو كنه حقيقة معرفتها (ع) المطلوبة منا حسبما تصل اليه عقولنا .
علمها (عليها السلام) المستفاد من جملة علوم اهل البيت (عليهم السلام) :
فيما سبق كان الحديث خصيصاً عن علوم الزهراء (ع) من خلال الروايات التي تتحدث عن علمها بالتعيين ، و للزهراء (ع) من المراتب العلميه كما لأهل البيت (ع) لأنها منهم (ع) ،
1- فاطمة الزهراء (ع) وارثة علوم الانبياء :
و مما هو ثابت في الروايات إن اهل البيت (صلوات الله عليهم) قد ورثوا علوم جميع من تقدمهم من انبياء و مرسلين و اوصياء و صالحين ، و ان ما من علمٍ رفع الى السماء او نزل الى الأرض الا و هم ورثته و أصحابه ،
و كما جاء في الكافي
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « إن العلم الذي نزل مع آدم عليه السلام لم يرفع ، والعلم يتوارث ، وكان علي عليه السلام عالم هذه الأمة ، وإنه لم يهلك منا عالم قط إلا خلفه من أهله من علم مثل علمه ، أو ما شاء الله » (
الكافي ج1 ص222 ) .
و الروايات التي تدل على كونهم (ع) ورثة علوم الانبياء (ع) كثيره ، منها :-
عن عبد الله بن جندب أنه كتب إليه الرضا عليه السلام : « أما بعد ، فان محمدا صلى الله عليه وآله كان أمين الله في خلقه فلما قبض صلى الله عليه وآله كنا أهل البيت ورثته ، ...... (إلى أن قال) نحن ورثة الأنبياء ونحن ورثة أولى العزم من الرسل ... » ( بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (ع) ص139 ) .
و عن الامام الصادق (عليه السلام) : « نحن ورثة الأنبياء ، وورثة كتاب الله ، ونحن صفوته » (مختصر بصائر الدرجات ص63 ) .
و عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال : « ليس من شيء يعلمه الملائكة والرسل إلا ونحن نعلمه » (الكافي ج1 ص256 ) .
و كونها (صلوات الله عليها) وارثة علوم جميع الانبياء (ع) يستوجب ان تكون اعلم منهم جميعاً ، اذا انها تتفوق على كل نبي بما عندها من علوم الانبياء الآخرين التي ورثتها، و هذا يعني ايضاً ان لها (عليها السلام) العلم بجميع الكتب السماويه السابقة التي انزلت على الانبياء (ع) ، اذ ان الانبياء جميعاً كان لهم العلم التام بالكتب المنزلة عليهم او في عصرهم و هي قد ورثة علومهم ، لذا فهي لها العلم الكامل بهذه الكتب و بكل ما جاء فيها من علوم و معاوف إلهيه .
2- فاطمة الزهراء (ع) عندها علم الكتاب كله :
عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « ( قال الذي عنده علم من الكتاب انا اتيك به قبل ان يرتد إليك طرفك ) ، ففرج أبو عبد الله عليه السلام بين أصابعه فوضعها على صدره ثم قال والله عندنا علم الكتاب كله » ( بصائر الدرجات ص233 ) .
عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال « يا سدير ما تقرأ القرآن ؟ قال قلت قرأناه جعلت فداك، قال فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله ((قال الذي عنده علم من الكتاب انا اتيك به )) ما كان عنده من علم الكتاب ؟ قال قلت فأخبرني حتى اعلم ، قال قدر قطرة من المطر الجود في البحر الأخضر ما يكون ذلك من علم الكتاب ، قال جعلت فداك ما أقل هذا ! قال يا سدير ما أكثره ان لم ينسبه إلى العلم الذي أخبرك يا سدير فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله (( قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب [ كله ] )) وأومأ بيده إلى صدره فقال علم الكتاب كله والله عندنا » ( المصدر السابق )
و هذا من جملة ما يدل عليه فهو يدل على الولاية التكوينيه الخارقه و العجيبه للزهراء و أهل البيت (عليهم السلام) ، اذ ان الذي عنده (قطرة من المطر الجود في البحر الأخضر) من علم الكتاب (كما عبَّر الامام صلوات الله عليه) استطاع ان يحضر العرش من مكانه البعيد بأقلّ من رمشة عين ، فكيف بمن عنده علم الكتاب كله ؟!! .
3- فاطمة الزهراء (ع) عندها اسم الله الأعظم بأكمله الا حرفاً واحداً :
عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) : « نحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفا ، و حرفٌ واحد عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب عنده ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » (الكافي ج1 ص230 ) .
عن علي بن محمد النوفلي ، عن أبي الحسن الهادي صاحب العسكر (عليه السلام) قال : « سمعته يقول : اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا ، كان عند آصف حرف فتكلم به فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان ، ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفه عين ، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفا ، وحرف عند الله مستأثر به في علم الغيب » (الكافي ج1 ص230 ) .
4- فاطمة الزهراء (ع) عندها جميع علوم القرآن :
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إن من علم ما أوتينا تفسير القرآن وأحكامه . وعلم تغيير الزمان وحدثانه .... » ( الكافي ج1 ص229 ) .
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : « إنا أهل البيت لم يزل الله يبعث فينا من يعلم كتابه من أوله الى آخره » ( بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (ع) ص214 ) .
الحميري ، قال: حدثنا يعقوب بن جعفر ، قال: « كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) بمكة ، فقال له رجل: إنك لتفسر من كتاب الله ما لم يسمع ! فقال: علينا نزل قبل الناس ، ولنا فسر قبل أن يفسر في الناس ، فنحن نعلم حلاله وحرامه ، وناسخه ومنسوخه ، وسفريه وحضريه ، وفي أي ليلة نزلت كم من آية ، وفيمن نزلت ، فنحن حكماء الله في أرضه وشهداؤه على خلقه ، وهو قوله
تعالى : " ستكتب شهادتهم ويسألون " فالشهادة لنا ، والمسألة للمشهود عليه ، فهذا علم ما قد أنهيته إليك وأديته إليك ما لزمني فان قبلت فأشكر وإن تركت فإن الله على كل شئ شهيد » ( بحار الانوار ج23 / ص 196 ) .
5- علم فاطمة الزهراء (ع) بسرائر الناس :
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « انا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الايمان وبحقيقة النفاق » ( بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (ع) ص308 ) .
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «إن الله اخذ ميثاق شيعتنا فينا من صلب آدم فنعرف بذلك حب المحب وان أظهر خلاف ذلك بلسانه ونعرف بغض المبغض وان أظهر حبنا أهل البيت » ( بصائر الدرجات ص309 ) .
مقامات فاطمة الزهراء (ع) العلميه :
1- فاطمة الزهراء (ع) معدن العلم :
عن أبي الجارود قال قال علي بن الحسين (عليه السلام) : « ما ينقم الناس منا ، فنحن والله شجرة النبوة ، وبيت الرحمة ، ومعدن العلم ، ومختلف الملائكة » ( الكافي ج1 ص221 )
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : « إنا أهل البيت شجرة النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وبيت الرحمة ، ومعدن العلم » ( المصدر السابق )
و معدن العلم ، يعني أصل العلم و أساسه ، و كأنها (صلوات الله عليها) تملك العلوم و تأسسها، فهي تحيط بكل جزئياتها ، لأنها اصل العلم و معدنه و فرعه و منتهاه و ذروة سنامه .
2- فاطمة الزهراء (ع) من الراسخين في العلم :
عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : « نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله » (
الكافي ج1 ص213 )
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : « يا أبا الصباح نحن قوم فرض الله طاعتنا لنا الأنفال ولنا صفو المال ونحن الراسخون في العلم ونحن المحسودون الذين قال الله أم يحسدون الناس على ما اتيهم من فضله » (
بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (ع) ص222 ) .
و الراسخون في العلم ، أي الثابتون فيه الذين تجذرت فيهم أصوله و فروعه و ثبتت في صدورهم ، فالزهراء (ع) قد ترسخ فيها العلم و ترسخت هي في العلم حتى صار لا ينفك عنها العلم في أي شيء ، فهي تعلم كل شيء و لا يعرض لها أمرٌ تجهله ، بل انها تعلم و تعرف كل شيء بتمام حقيقته و كمال أمره ، لأنها رسخت في العلم و استقرت فيه .
3- فاطمة الزهراء (ع) أعلم خلق الله :
و تنص الأخبار الوارده ان فاطمة الزهراء (ع) مع أهل بيتها الطاهرين (ع) [ أبوها و بعلها و بنوها ] أعلم خلق الله اطلاقاً ، و ان لهم مرالعلوم و المعارف التي خصَّهم الله بها ما لم يطلع عليه ملك مقرب و لا نبي مرسل و انهم استأثروا بكثيرٍ من العلوم التي لم ينلها أحدٌ من الخلق غيرهم ، و انهم شاركوا كل مخلوق بما عنده من علم و تفوقوا عليه بما اختصوا به من علم ، و لهم الأسم الأعظم و علم الكتاب كله و في صدورهم علم ما كان و ما يكون و ما هو كائن الى يوم القيامه ، فهذا المقام و هو مقام الاعلميه على جميع الخلق ثابت لجميع أهل البيت (صلوات الله عليهم) سواءاً للزهراء (ع) او لأي أحدٍ من أهل بيتها (ع) ، و ما تقدم من روايات كافٍ لإثبات ذلك .
الزهراء (عليها السلام) ... معلمة
لم تكن الزهراء (ع) متعلمةً فقط ، و لم تكتفِ بتلقي العلوم الإلهيه من دون نشرها ، لأن زكاة العلم نشره و العلوم الجمة التي في صدرها لابد لها ان تخرج الى الناس و كل حسب قدرته و مستواه ، فقد تنوعت آثار الزهراء (ع) العلميه ، فلها علوم قد اطلعتها على الملأ العام ليستفيد منها الجميع و لها علوم حجبتها الا عن الخاصة و اهل البصيره ، و مو علومها ما لم يطلع عليه احد الا ابنائها و ذريتها الائمة المعصومون صلوات الله عليهم حيث لا يطيق سواهم الاطلاع عليها و معرفتها .
و من الامثلة على علومها التي جهرت بها امام جميع الناس هي (( خطبتها الفدكيه )) ، تلك الخطبه العظيمة المدوية التي حوت حقائق جمة و علوماً غفيره بينت من خلالها احكام الدين و عللها ، و ما يزال العلماء يألفون الكتب في شرحها و تبيان معانيها .
و اما علومها التي اطلعت الخواص عليها دون العوام ، فمن امثلتها حديث اللوح الذي فيه اسمائهم (ع) ، و مثل هكذا علوم على فائدتها و عظيم نفعها حيث تُطلع المسلم و تعلمه اسماء اوليائه و سادته (ع) الا ان القليل من العقول و الافهام يمكن ان تتقبلها و تحتملها ،
عن أبي عبداللَّه (عليه السلام) قال : « قال أبي محمّد عليه السلام ... يا جابر! أخبرني عن اللوح الّذي رأيته في يدي اُمّي فاطمة صلواتاللَّه عليها و ما أخبرتك اُمّي إنّه مكتوب في اللوح؟ فقال جابر: أشهد باللَّه إنّي دخلت على فاطمة اُمّك صلواتاللَّهعليها في حياة رسولاللَّه صلى الله عليه و آله، فهنّئتها بولادة الحسين عليهالسلام، فرأيت في يدها لوحاً أخضر، فظننت إنّه من زمرّد، و رأيت فيه كتاباً أبيض شبيه نور الشمس، فقلت لها: بأبي أنت و اُمّي، ما هذا اللوح ؟ قالت: هذا لوح أهداه اللَّه تبارك و تعالى إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فيه اسم أبي و اسمي و اسم بعلي و اسم ابنيّ و أسماء الأوصياء من ولدي، فأعطانيه أبي ليسرّني به قال جابر: فأعطتنيه اُمّك، فقرأته و استنسخته » ( الاختصاص 210 ) .
أما علومها التي لم يطلع عليها احد سوى أهل بيتها و ذريتها من الائمه (ع) ، فهو ما اودعته في مصحفها المقدس ، المعروف بـ "مصحف فاطمه" و فيه من العلوم ما تذهل منه عقول اولي الألباب ،
و عن أبي بصير انه سأل الامام الباقر (ع) عن مصحف فاطمه (ع) فقال : « جعلت فداك فما فيه؟ قال: فيه خبر ما كان وخبر ما يكون إلى يوم القيامة، وفيه خبر سماء سماء، وعدد ما في السماوات من الملائكة وغير ذلك، وعدد كل من خلق الله مرسلا وغير مرسل وأسمائهم وأسماء من أرسل إليهم، وأسماء من كذب ومن أجاب، وأسماء جميع من خلق الله من المؤمنين والكافرين من الأولين والآخرين، وأسماء البلدان وصفة كل بلد في شرق الأرض وغربها وعدد ما فيها من المؤمنين وعدد ما فيها من الكافرين، وصفة كل من كذب، وصفة القرون الأولى وقصصهم ومن ولي من الطواغيت ومدة ملكهم وعددهم، وأسماء الأئمة وصفتهم وما يملك كل واحد واحد، وصفة كبرائهم وجميع من تردد في الأدوار.
قلت: جعلت فداك وكم الأدوار؟ قال: خمسون ألف عام، وهي سبعة أدوار فيه أسماء جميع ما خلق الله آجالهم، وصفة أهل الجنة وعدد من يدخلها وعدد من يدخل النار وأسماء هؤلاء وهؤلاء، وفيه علم القرآن كما انزل، وعلم التوراة كما أنزلت وعلم الإنجيل كما انزل وعلم الزبور وعدد كل شجرة ومدرة في جميع البلاد » ( مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج 6 - الصفحة 207 ) .
الصديقة الكبرى سيدتنا فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) هي المخلوقة التي تكاملت فيها الفضائل و المناقب ، فخصال الخير و الكمال كلها قاطبةً قد إجتمعت في اذيال كمالها و جلالها لتكون فاطمه (عليها السلام) الأنثى الأولى في عالم الوجود و التكوين و تتقدم على كل مَن سوى أبيها و بعلها (صلى الله عليهما وآلهما) ،
و من بين الفضائل و الكمالات التي حازتها الزهراء (ع) في أتمِّ درجاتها و أعلى مراتبها هي فضيلة العلم ، تلك الفضيلة التي لها الدور الأعظم في تكوين قيمة الإنسان و رفع منزلته و جعله يحوز الدرجات العُلى في عالم الشرف و الفضيلة و رُقيِّ النفس و تكامل الروح ، و قد قال الله تعالى في كتابه الكريم « يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ » ....
و العلم عند فاطمة الزهراء (ع) قد بلغ الذروة و الكمال كأي صفةٍ اخرى فيها ، كالعبادة و الصبر و الجهاد و الصدق و الشجاعة و الوفاء و الإيمان و اليقين ، فالزهراء (ع) قد رَقَت قمة الكمال في في كل فضيلةٍ حوتها ،
و للحديث عن علوم الزهراء (ع) ينقسم الكلام الى قسمين ، القسم الاول يشمل الحديث عن علمها و سعته و مصدره بشكل خاص ، اما القسم الثاني فيتحدث عن علوم اهل البيت (صلوات الله عليهم) بالمجموع بصفتها (ع) واحدةً منهم بل هي سيدة البيت .
ما ورد من الروايات التي تدل على علمها (ع) :
1- مفطومةٌ بالعلم :
عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: « لما ولدت فاطمة عليها السلام أوحى الله إلى ملك فأنطق به لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم فسماها فاطمة، ثم قال: إني فطمتك بالعلم وفطمتك من الطمث ، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: والله لقد فطمها الله بالعلم وعن الطمث بالميثاق » ( علل الشرائع للصدوق: ج 1، ص 179 ) .
قال العلامة المجلسي (رض) شارحاً هذه العباره ببيانٍ رائعٍ و شامل : (( فطمتك بالعلم أي أرضعتك بالعلم حتى استغنيت ، وفطمت أو قطعتك عن الجهل بسبب العلم ، أو جعلت فطامك من اللبن مقرونا بالعلم ، كناية عن كونها في بدو فطرتها عالمة بالعلوم الربانية ، وعلى التقادير كان الفاعل بمعنى المفعول كالدافق بمعنى المدفوق ، أو يقرء على بناء التفعيل ، أي جعلتك قاطعة الناس من الجهل ، أو المعنى : لما فطمها من الجهل فهي تفطم الناس منه )) ( بحار الانوار : 39 / ص 14 ) .
فالزهراء (ع) زُقَّت من العلم حتى استغنت به عنه ، و هذا يعني ان العلوم قد تكاملت عندها فلم تعد بحاجةٍ لأن تتعلم اي شيء ،
و مما يلاحظ على الروايه :
اولاً :ان قائل هذه العباره (( إني فطمتك بالعلم و فطمتك من الطمث )) ، هو المَلك الذي ارسله الله على لسان سيد الخلق (صلى الله عليه وآله) ، و لاشكَّ ان هذا الفعل ( اي الفطام بالعلم ) ينسب الى الله تعالى ، و انما المَلك كان واسطةً لا فاعلاً حقيقياً ، و بالتالي فإن الله تعالى هو الفاعل الحقيقي و هو من فطم فاطمة (ع) بالعلم ، و هذا يعني ان الله هو الذي زقَّها بالعلوم حتى اغناها و جعل العلوم تفيض منها ، اذاً مصدر علوم الصديقة الكبرى (ع) هو الله تعالى و بشكل مباشر ، حيث تولى تعالى تعليمها حتى جعلها كاملة العلوم و المعارف .
ثانياً :قَسَم الامام (صلوات الله عليه) في نهاية الروايه بقوله (( والله لقد فطمها الله بالعلم وعن الطمث بالميثاق )) ، دليل على تأكيد الأمر و عظمه ، و ان هذا الحدث قد وقع فعلاً و ان وقوعه كان امراً عظيماً قد حدث بأتمِّ صوره فضلاً عن ان الأمر بنفسه كان شيئاً عظيماً .
ثالثاً :و اذا كان هذا الحديث دليلاً على تكامل العلوم لدى الزهراء (ع) و انها قد استوفت و اطلعت على كل مراتب العلم و اسراره ، فإن هذا الكمال الذي حصل لها في العلم قد تمَّ في اول لحظةٍ من ولادتها كما هو واضح من الروايه ، و هذا يعني ان الزهراء (ع) عالمة عليمة بل مستغنية عن التعلم بما عندها من العلوم منذ اول يومٍ من حياتها ، و هذا من غوامض الاسرار التي خصها الله لمحمد و آله الأطهار (ع) ! .
2- تعلم ما كان و ما يكون و ما لم يكن :
عن عمار بن ياسر (رض) قال : « شهدت علي بن أبي طالب (عليهِ السَّلام) وقد ولج على فاطمة (عليها السَّلام) فلمَّا بصرَتْ به نادت: ادنُ لأحدِّثك بما كان وبما هو كائن وبما لم يكن إلى يوم القيام ... فقالت : اعلم يا أبا الحسن أنَّ الله تعالى خلق نوري وكان يسبِّح الله جلَّ جلاله، ثُمَّ أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت، فلما دخل أبي الجنة أوحى الله تعالى إليه إلهاماً أنِ اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وأدرها في لهواتك، ففعل، فأودعني الله صلب أبي صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ ثُمَّ أودعني خديجة بنت خويلد فوضعتني وأنا من ذلك النور، أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن، يا أبا الحسن المؤمن ينظر بنور الله تعالى » ( بحار الأنوار: ج43 ص8 )و هذا يعني ان الزهراء (ع) ، تعلم الغيب التكويني و التشريعي ( بإذن الله ) لكل مجريات عالم الوجود ، منذ اول الخلقة حتى انقضائها ، و قد قيل في معنى ( ما لم يكن ) هو ( البداء ) الذي يتغير ، و هذا العلم لم يتحقق الا لأهل البيت (ع) من دون الخلق .
3- أعطيت من العلم ما لم يسبقها إليه أحد :
عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) قال : « لقد أعطيتُ زوجتي مصحفاً فيه من العلم مالم يسبقها إليه أحد خاصةً من الله ورسوله » ( بصائر الدرجات / ص 220 ) .
فللزهراء (ع) علوماً قد سبقت الخلق بمعرفتها و الاطلاع عليها و تعلمها فكانت هي أول من تعلمتها بعد ابيها و بعلها (ع) ، هديةً خاصةً من الله و رسوله (ص) و وصيه (ع) ، و هذا الحديث كما يدل على العلم المتميز و المتقدم للزهراء (ع) على جميع الخلق و بالإضافة لدلالته على ان رسول الله و أمير المؤمنين من مصادر علم الزهراء فهو يدل ايضاً على ان علم الزهراء (ع) لا يزال تحت عناية الله تعالى ، حيث كان ذلك المصحف خاصةً من الله و من رسوله (ص) أُعطي لها بواسطة زوجها أمير المؤمنين (ع) .
مصادر علوم الزهراء (ع) :
ليست الزهراء (ع) امرأه عاديه و مصادر علومها هي فيوضات إلهيه محضه ، فهي لا تتلقى العلم كما يتلقاه الانسان العادي ، بل ان المسؤول عن تعليم الزهراء (ع) هو الله تعالى ، و من الخلق هو مو كان أفضل و أعلم منها فقط ، اما من هو دونها فهي لا تتلقى العلم منه بل هي التي تفيض عليه بعلومها و معارفها و فقهها ، لذا فإن رسول الله (ص) و أمير المؤمنين (ع) هما وحدهما من يستطيعان ان يزودا الزهراء (ع) بالعلم ، اما غيرهما فهو بالنسبة لها (ع) متلقٍ للعلم متعلم منها غارفٌ من بحر فقهها ،
و بالجمله فإن مصادر علوم الزهراء (ع) هي مصادر غيبيه علويه تتم بواسطة الإلهام و الوحي (غير وحي النبوه) هذا بالاضافه الى علومها التي تكاملت عندها منذ الولاده كما سلف .
سعة علمها :
عن المفضل بن عمر قال : « دخلت على الصادق عليه السلام ذات يوم فقال لي : يا مفضل هل عرفت محمدا و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام كنه معرفتهم ؟ قلت : يا سيدي و ما كنه معرفتهم ؟ قال : يا مفضل تعلم أنهم في طير عن الخلائق بجنب الروضة الخضرة ، فمن عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمنا في السنام الاعلى ، قال : قلت : عرفني ذلك يا سيدي . قال : يا مفضل تعلم أنهم علموا ما خلق الله عز و جل و ذرأه و برأه ، و أنهم كلمة التقوى و خزان السماوات و الارض و الجبال و الرمال و البحار ، و عرفوا كم في السماء نجم و ملك ، و وزن الجبال ، وكيل ماء البحار و أنهارها و عيونها و ما تسقط من ورقة إلا علموها و لا حبة في ظلمات الارض و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين و هو في علمهم ، و قد علموا ذلك . قلت : يا سيدي قد علمت ذلك و أقررت به و آمنت . قال : نعم يا مفضل ، نعم يا مكرم ، نعم يا محبور ، نعم يا طيب ، طبت و طابت لك الجنة و لكل مؤمن بها » ( مصباح الانوار : 237 ( مخطوط ) و عنه البحار : 26 / 116 ح 22 و البرهان : 4 / 7 ح 8 ) .
و هذا يعني ان الزهراء (ع) تعلم كل شيء بما للكلمة من معنى و انها لم يخفَ عنها شيء ، و هذا هو كنه حقيقة معرفتها (ع) المطلوبة منا حسبما تصل اليه عقولنا .
علمها (عليها السلام) المستفاد من جملة علوم اهل البيت (عليهم السلام) :
فيما سبق كان الحديث خصيصاً عن علوم الزهراء (ع) من خلال الروايات التي تتحدث عن علمها بالتعيين ، و للزهراء (ع) من المراتب العلميه كما لأهل البيت (ع) لأنها منهم (ع) ،
1- فاطمة الزهراء (ع) وارثة علوم الانبياء :
و مما هو ثابت في الروايات إن اهل البيت (صلوات الله عليهم) قد ورثوا علوم جميع من تقدمهم من انبياء و مرسلين و اوصياء و صالحين ، و ان ما من علمٍ رفع الى السماء او نزل الى الأرض الا و هم ورثته و أصحابه ،
و كما جاء في الكافي
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « إن العلم الذي نزل مع آدم عليه السلام لم يرفع ، والعلم يتوارث ، وكان علي عليه السلام عالم هذه الأمة ، وإنه لم يهلك منا عالم قط إلا خلفه من أهله من علم مثل علمه ، أو ما شاء الله » (
الكافي ج1 ص222 ) .
و الروايات التي تدل على كونهم (ع) ورثة علوم الانبياء (ع) كثيره ، منها :-
عن عبد الله بن جندب أنه كتب إليه الرضا عليه السلام : « أما بعد ، فان محمدا صلى الله عليه وآله كان أمين الله في خلقه فلما قبض صلى الله عليه وآله كنا أهل البيت ورثته ، ...... (إلى أن قال) نحن ورثة الأنبياء ونحن ورثة أولى العزم من الرسل ... » ( بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (ع) ص139 ) .
و عن الامام الصادق (عليه السلام) : « نحن ورثة الأنبياء ، وورثة كتاب الله ، ونحن صفوته » (مختصر بصائر الدرجات ص63 ) .
و عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال : « ليس من شيء يعلمه الملائكة والرسل إلا ونحن نعلمه » (الكافي ج1 ص256 ) .
و كونها (صلوات الله عليها) وارثة علوم جميع الانبياء (ع) يستوجب ان تكون اعلم منهم جميعاً ، اذا انها تتفوق على كل نبي بما عندها من علوم الانبياء الآخرين التي ورثتها، و هذا يعني ايضاً ان لها (عليها السلام) العلم بجميع الكتب السماويه السابقة التي انزلت على الانبياء (ع) ، اذ ان الانبياء جميعاً كان لهم العلم التام بالكتب المنزلة عليهم او في عصرهم و هي قد ورثة علومهم ، لذا فهي لها العلم الكامل بهذه الكتب و بكل ما جاء فيها من علوم و معاوف إلهيه .
2- فاطمة الزهراء (ع) عندها علم الكتاب كله :
عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « ( قال الذي عنده علم من الكتاب انا اتيك به قبل ان يرتد إليك طرفك ) ، ففرج أبو عبد الله عليه السلام بين أصابعه فوضعها على صدره ثم قال والله عندنا علم الكتاب كله » ( بصائر الدرجات ص233 ) .
عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال « يا سدير ما تقرأ القرآن ؟ قال قلت قرأناه جعلت فداك، قال فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله ((قال الذي عنده علم من الكتاب انا اتيك به )) ما كان عنده من علم الكتاب ؟ قال قلت فأخبرني حتى اعلم ، قال قدر قطرة من المطر الجود في البحر الأخضر ما يكون ذلك من علم الكتاب ، قال جعلت فداك ما أقل هذا ! قال يا سدير ما أكثره ان لم ينسبه إلى العلم الذي أخبرك يا سدير فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله (( قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب [ كله ] )) وأومأ بيده إلى صدره فقال علم الكتاب كله والله عندنا » ( المصدر السابق )
و هذا من جملة ما يدل عليه فهو يدل على الولاية التكوينيه الخارقه و العجيبه للزهراء و أهل البيت (عليهم السلام) ، اذ ان الذي عنده (قطرة من المطر الجود في البحر الأخضر) من علم الكتاب (كما عبَّر الامام صلوات الله عليه) استطاع ان يحضر العرش من مكانه البعيد بأقلّ من رمشة عين ، فكيف بمن عنده علم الكتاب كله ؟!! .
3- فاطمة الزهراء (ع) عندها اسم الله الأعظم بأكمله الا حرفاً واحداً :
عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) : « نحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفا ، و حرفٌ واحد عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب عنده ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » (الكافي ج1 ص230 ) .
عن علي بن محمد النوفلي ، عن أبي الحسن الهادي صاحب العسكر (عليه السلام) قال : « سمعته يقول : اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا ، كان عند آصف حرف فتكلم به فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان ، ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفه عين ، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفا ، وحرف عند الله مستأثر به في علم الغيب » (الكافي ج1 ص230 ) .
4- فاطمة الزهراء (ع) عندها جميع علوم القرآن :
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إن من علم ما أوتينا تفسير القرآن وأحكامه . وعلم تغيير الزمان وحدثانه .... » ( الكافي ج1 ص229 ) .
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : « إنا أهل البيت لم يزل الله يبعث فينا من يعلم كتابه من أوله الى آخره » ( بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (ع) ص214 ) .
الحميري ، قال: حدثنا يعقوب بن جعفر ، قال: « كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) بمكة ، فقال له رجل: إنك لتفسر من كتاب الله ما لم يسمع ! فقال: علينا نزل قبل الناس ، ولنا فسر قبل أن يفسر في الناس ، فنحن نعلم حلاله وحرامه ، وناسخه ومنسوخه ، وسفريه وحضريه ، وفي أي ليلة نزلت كم من آية ، وفيمن نزلت ، فنحن حكماء الله في أرضه وشهداؤه على خلقه ، وهو قوله
تعالى : " ستكتب شهادتهم ويسألون " فالشهادة لنا ، والمسألة للمشهود عليه ، فهذا علم ما قد أنهيته إليك وأديته إليك ما لزمني فان قبلت فأشكر وإن تركت فإن الله على كل شئ شهيد » ( بحار الانوار ج23 / ص 196 ) .
5- علم فاطمة الزهراء (ع) بسرائر الناس :
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « انا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الايمان وبحقيقة النفاق » ( بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (ع) ص308 ) .
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «إن الله اخذ ميثاق شيعتنا فينا من صلب آدم فنعرف بذلك حب المحب وان أظهر خلاف ذلك بلسانه ونعرف بغض المبغض وان أظهر حبنا أهل البيت » ( بصائر الدرجات ص309 ) .
مقامات فاطمة الزهراء (ع) العلميه :
1- فاطمة الزهراء (ع) معدن العلم :
عن أبي الجارود قال قال علي بن الحسين (عليه السلام) : « ما ينقم الناس منا ، فنحن والله شجرة النبوة ، وبيت الرحمة ، ومعدن العلم ، ومختلف الملائكة » ( الكافي ج1 ص221 )
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : « إنا أهل البيت شجرة النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وبيت الرحمة ، ومعدن العلم » ( المصدر السابق )
و معدن العلم ، يعني أصل العلم و أساسه ، و كأنها (صلوات الله عليها) تملك العلوم و تأسسها، فهي تحيط بكل جزئياتها ، لأنها اصل العلم و معدنه و فرعه و منتهاه و ذروة سنامه .
2- فاطمة الزهراء (ع) من الراسخين في العلم :
عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : « نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله » (
الكافي ج1 ص213 )
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : « يا أبا الصباح نحن قوم فرض الله طاعتنا لنا الأنفال ولنا صفو المال ونحن الراسخون في العلم ونحن المحسودون الذين قال الله أم يحسدون الناس على ما اتيهم من فضله » (
بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (ع) ص222 ) .
و الراسخون في العلم ، أي الثابتون فيه الذين تجذرت فيهم أصوله و فروعه و ثبتت في صدورهم ، فالزهراء (ع) قد ترسخ فيها العلم و ترسخت هي في العلم حتى صار لا ينفك عنها العلم في أي شيء ، فهي تعلم كل شيء و لا يعرض لها أمرٌ تجهله ، بل انها تعلم و تعرف كل شيء بتمام حقيقته و كمال أمره ، لأنها رسخت في العلم و استقرت فيه .
3- فاطمة الزهراء (ع) أعلم خلق الله :
و تنص الأخبار الوارده ان فاطمة الزهراء (ع) مع أهل بيتها الطاهرين (ع) [ أبوها و بعلها و بنوها ] أعلم خلق الله اطلاقاً ، و ان لهم مرالعلوم و المعارف التي خصَّهم الله بها ما لم يطلع عليه ملك مقرب و لا نبي مرسل و انهم استأثروا بكثيرٍ من العلوم التي لم ينلها أحدٌ من الخلق غيرهم ، و انهم شاركوا كل مخلوق بما عنده من علم و تفوقوا عليه بما اختصوا به من علم ، و لهم الأسم الأعظم و علم الكتاب كله و في صدورهم علم ما كان و ما يكون و ما هو كائن الى يوم القيامه ، فهذا المقام و هو مقام الاعلميه على جميع الخلق ثابت لجميع أهل البيت (صلوات الله عليهم) سواءاً للزهراء (ع) او لأي أحدٍ من أهل بيتها (ع) ، و ما تقدم من روايات كافٍ لإثبات ذلك .
الزهراء (عليها السلام) ... معلمة
لم تكن الزهراء (ع) متعلمةً فقط ، و لم تكتفِ بتلقي العلوم الإلهيه من دون نشرها ، لأن زكاة العلم نشره و العلوم الجمة التي في صدرها لابد لها ان تخرج الى الناس و كل حسب قدرته و مستواه ، فقد تنوعت آثار الزهراء (ع) العلميه ، فلها علوم قد اطلعتها على الملأ العام ليستفيد منها الجميع و لها علوم حجبتها الا عن الخاصة و اهل البصيره ، و مو علومها ما لم يطلع عليه احد الا ابنائها و ذريتها الائمة المعصومون صلوات الله عليهم حيث لا يطيق سواهم الاطلاع عليها و معرفتها .
و من الامثلة على علومها التي جهرت بها امام جميع الناس هي (( خطبتها الفدكيه )) ، تلك الخطبه العظيمة المدوية التي حوت حقائق جمة و علوماً غفيره بينت من خلالها احكام الدين و عللها ، و ما يزال العلماء يألفون الكتب في شرحها و تبيان معانيها .
و اما علومها التي اطلعت الخواص عليها دون العوام ، فمن امثلتها حديث اللوح الذي فيه اسمائهم (ع) ، و مثل هكذا علوم على فائدتها و عظيم نفعها حيث تُطلع المسلم و تعلمه اسماء اوليائه و سادته (ع) الا ان القليل من العقول و الافهام يمكن ان تتقبلها و تحتملها ،
عن أبي عبداللَّه (عليه السلام) قال : « قال أبي محمّد عليه السلام ... يا جابر! أخبرني عن اللوح الّذي رأيته في يدي اُمّي فاطمة صلواتاللَّه عليها و ما أخبرتك اُمّي إنّه مكتوب في اللوح؟ فقال جابر: أشهد باللَّه إنّي دخلت على فاطمة اُمّك صلواتاللَّهعليها في حياة رسولاللَّه صلى الله عليه و آله، فهنّئتها بولادة الحسين عليهالسلام، فرأيت في يدها لوحاً أخضر، فظننت إنّه من زمرّد، و رأيت فيه كتاباً أبيض شبيه نور الشمس، فقلت لها: بأبي أنت و اُمّي، ما هذا اللوح ؟ قالت: هذا لوح أهداه اللَّه تبارك و تعالى إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فيه اسم أبي و اسمي و اسم بعلي و اسم ابنيّ و أسماء الأوصياء من ولدي، فأعطانيه أبي ليسرّني به قال جابر: فأعطتنيه اُمّك، فقرأته و استنسخته » ( الاختصاص 210 ) .
أما علومها التي لم يطلع عليها احد سوى أهل بيتها و ذريتها من الائمه (ع) ، فهو ما اودعته في مصحفها المقدس ، المعروف بـ "مصحف فاطمه" و فيه من العلوم ما تذهل منه عقول اولي الألباب ،
و عن أبي بصير انه سأل الامام الباقر (ع) عن مصحف فاطمه (ع) فقال : « جعلت فداك فما فيه؟ قال: فيه خبر ما كان وخبر ما يكون إلى يوم القيامة، وفيه خبر سماء سماء، وعدد ما في السماوات من الملائكة وغير ذلك، وعدد كل من خلق الله مرسلا وغير مرسل وأسمائهم وأسماء من أرسل إليهم، وأسماء من كذب ومن أجاب، وأسماء جميع من خلق الله من المؤمنين والكافرين من الأولين والآخرين، وأسماء البلدان وصفة كل بلد في شرق الأرض وغربها وعدد ما فيها من المؤمنين وعدد ما فيها من الكافرين، وصفة كل من كذب، وصفة القرون الأولى وقصصهم ومن ولي من الطواغيت ومدة ملكهم وعددهم، وأسماء الأئمة وصفتهم وما يملك كل واحد واحد، وصفة كبرائهم وجميع من تردد في الأدوار.
قلت: جعلت فداك وكم الأدوار؟ قال: خمسون ألف عام، وهي سبعة أدوار فيه أسماء جميع ما خلق الله آجالهم، وصفة أهل الجنة وعدد من يدخلها وعدد من يدخل النار وأسماء هؤلاء وهؤلاء، وفيه علم القرآن كما انزل، وعلم التوراة كما أنزلت وعلم الإنجيل كما انزل وعلم الزبور وعدد كل شجرة ومدرة في جميع البلاد » ( مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج 6 - الصفحة 207 ) .