اللهم صل على محمد وآل محمد
قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
أَلَا فَاذْكُرُوا يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مُحَمَّداً وآلَهُ عِنْدَ نَوَائِبِكُمْ وشَدَائِدِكُمْ لِيَنْصُرَ اللَّهُ بِهِ مَلَائِكَتَكُمْ عَلَى الشَّيَاطِينِ الَّذِينَ يَقْصِدُونَكُمْ.
فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَعَهُ مَلَكٌ عَنْ يَمِينِهِ يَكْتُبُ حَسَنَاتِهِ، ومَلَكٌ عَنْ يَسَارِهِ يَكْتُبُ سَيِّئَاتِهِ، ومَعَهُ شَيْطَانَانِ مِنْ عِنْدِ إِبْلِيسَ يُغْوِيَانِهِ، فَإِذَا وَسْوَسَا فِي قَلْبِهِ، ذَكَرَ اللَّهَ وقَالَ :
لَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ، خَنَسَ الشَّيْطَانَانِ- ثُمَّ صَارَا إِلَى إِبْلِيسَ فَشَكَوَاهُ وقَالا لَهُ: قَدْ أَعْيَانَا أَمْرُهُ، فَأَمْدِدْنَا بِالْمَرَدَةِ.
فَلَا يَزَالُ يُمِدُّهُمَا حَتَّى يُمِدَّهُمَا بِأَلْفِ مَارِدٍ، فَيَأْتُونَهُ، فَكُلَّمَا رَامُوهُ ذَكَرَ اللَّهَ، وصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ- لَمْ يَجِدُوا عَلَيْهِ طَرِيقاً ولَا مَنْفَذاً.
قَالُوا لِإِبْلِيسَ: لَيْسَ لَهُ غَيْرُكَ تُبَاشِرُهُ بِجُنُودِكَ- فَتَغْلِبَهُ وتُغْوِيَهُ، فَيَقْصِدُهُ إِبْلِيسُ بِجُنُودِهِ.
فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ: «هَذَا إِبْلِيسُ قَدْ قَصَدَ عَبْدِي فُلَاناً، أَوْ أَمَتِي فُلَانَةَ بِجُنُودِهِ أَلَا فَقَاتِلُوهُمْ» فَيُقَاتِلُهُمْ بِإِزَاءِ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ مِنْهُمْ، مِائَةُ [أَلْفِ] مَلَكٍ، وهُمْ عَلَى أَفْرَاسٍ مِنْ نَارٍ- بِأَيْدِيهِمْ سُيُوفٌ مِنْ نَارٍ ورِمَاحٌ مِنْ نَارٍ، وقِسِيٌّ ونَشَاشِيبُ وسَكَاكِينُ وأَسْلِحَتُهُمْ مِنْ نَارٍ، فَلَا يَزَالُونَ يُخْرِجُونَهُمْ ويَقْتُلُونَهُمْ بِهَا، ويَأْسِرُونَ إِبْلِيسَ، فَيَضَعُونَ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَسْلِحَةِ- فَيَقُولُ : يَا رَبِّ وَعْدَكَ وَعْدَكَ، قَدْ أَجَّلْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ.
فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ: «وَعَدْتُهُ أَنْ لَا أُمِيتَهُ، ولَمْ أَعِدْهُ أَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِ السِّلَاحَ والْعَذَابَ والْآلَامَ، اشْتَفُوا مِنْهُ ضَرْباً بِأَسْلِحَتِكُمْ فَإِنِّي لَا أُمِيتُهُ» فَيُثْخِنُونَهُ بِالْجِرَاحَاتِ ثُمَّ يَدْعُونَهُ، فَلَا يَزَالُ سَخِينَ الْعَيْنِ عَلَى نَفْسِهِ- وأَوْلَادِهِ الْمَقْتُولِينَ- ولَا يَنْدَمِلُ شَيْءٌ مِنْ جِرَاحَاتِهِ- إِلَّا بِسَمَاعِهِ أَصْوَاتَ الْمُشْرِكِينَ بِكُفْرِهِمْ.
فَإِنْ بَقِيَ هَذَا الْمُؤْمِنُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وذِكْرِهِ، والصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، بَقِيَ عَلَى إِبْلِيسَ تِلْكَ الْجِرَاحَاتُ، وإِنْ زَالَ الْعَبْدُ عَنْ ذَلِكَ، وانْهَمَكَ فِي مُخَالَفَةِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ ومَعَاصِيهِ، انْدَمَلَتْ جِرَاحَاتُ إِبْلِيسَ، ثُمَّ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ الْعَبْدِ حَتَّى يُلْجِمَهُ- ويُسْرِجَ عَلَى ظَهْرِهِ ويَرْكَبَهُ، ثُمَّ يَنْزِلُ عَنْهُ ويُرْكِبُ عَلَى ظَهْرِهِ شَيْطَاناً مِنْ شَيَاطِينِهِ، ويَقُولُ لِأَصْحَابِهِ:
أَ مَا تَذْكُرُونَ مَا أَصَابَنَا مِنْ شَأْنِ هَذَا ذَلَّ وانْقَادَ لَنَا الْآنَ حَتَّى صَارَ يَرْكَبُهُ هَذَا .
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: فَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تُدِيمُوا عَلَى إِبْلِيسَ سُخْنَةَ عَيْنِهِ- وأَلَمَ جِرَاحَاتِهِ فَدَاوِمُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وذِكْرِهِ، والصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وإِنْ زِلْتُمْ عَنْ ذَلِكَ كُنْتُمْ أُسَرَاءَ إِبْلِيسَ فَيَرْكَبُ أَقْفِيَتَكُمْ بَعْضُ مَرَدَتِهِ .
---------------------------
تفسير الإمام الحسن العسكري ص٣٩٦