إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

من مذكرات طالب علم

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من مذكرات طالب علم


    اللهم صل على محمد وآلا محمد
    أتذكّر قبل أكثر من عشر سنوات كان عندي درس بعد صلاة الصبح بنصف ساعة.
    بمجرّد أن ننتهي من الصلاة وما يرتبط بها نتجهّز ونخرج إلى الدرس دون وجبة إفطار، نذهب إلى الدرس بمعدة فارغة. وبعد انتهاء الدرس تسنح لنا فرصة لأكل شيء، ثم نستأنف بقية الدروس التي تنقضي الساعة ١١ صباحاً، وفي فصول أخرى في الساعة ١٢.
    كان الوضع المادي محدوداً جداً وفيه تقشّف إلى أبعد الحدود، كنا نقتصر على الأشياء الأساسية، وحتى الطعام كان فقط ما يسدّ الجوع ولا نعرف الفاكهة مثلاً إلا بين مدة ومُدّة..
    إعداد الطعام وغسل الملابس كنا نقوم به بأنفسنا باعتبار أننا نسكن في الأقسام الداخلية (المدارس الدينية)، ولكن لم يكن كل ذلك ليحول بيننا وبين مواصلة التعلّم وبذل الجهد في التحصيل. لم نكن نتعلّل بشيء ونتخذه ذريعة للتقصير في التعلّم!
    كانت الفترة الصباحية مخصصة للدروس التي نأخذها، أما الظهر وبعد الصلاة والغداء فكنا ننشغل بمراجعة دروسنا والتباحث، في صيف النجف اللاهب. وهكذا الليل ينقضي في التحضير والمراجعة إضافة إلى المطالعة العامة.
    كنا مندفعين إلى العلم والتعلّم برغبة وتفانٍ كبيرين، وكنا نفتّش في زوايا الكتب، في الشاردة والواردة، رغبة في الفهم وفي أن لا يفوتنا شيء أو يبقى غامضاً أو مشوشاً.
    لم نكن نحب الأشياء الجاهزة، ولا نستسيغها، على الطريقة الصارمة المُركّبة في الحوزات، فحتى تفهم المطلب في متن دراسي تحتاج إلى حضور شرح الأستاذ والتلمّذ على يديه، ثم مراجعة كتب الشروح والحواشي والتعليقات، حتى تظفر بفهم المراد والمطلب على حقيقته التي أرادها مؤلفه، والتي توارثها الأساتذة جيلاً بعد آخر يداً بيد!
    كان بعض الأساتذة الذين اختصصنا بهم يطلبون منا كتابة البحوث، فنسعى في ذلك ونغوص في الكتب ونفتّش في بطونها، ونراجع المكتبات العامة لنقضي وقتاً فيها، مكتبة العتبة العلوية، مكتبة الإمام الحكيم (ره)، مكتبة الشيخ الأميني (ره).
    كنا نشعر بلذة التعلّم، وكلما حققنا شيئاً ولو يسيراً أحسسنا بنشوة الظفر.. وقد كان تشجيع الأساتذة ومتابعتهم وحثّهم وتحفيزهم على قدم وساق، أجزل الله لهم الثواب.
    لم نكن نقول إننا في عصر السرعة، نريد الزبدة، الخلاصة، الكبسولة النهائية، وإنما كنا نتصارع مع كتب ومتون كتبت بلغة خشبية مطلسمة، تتحدى ذكاء قارئها وفهمه، وتتحدى صبره وطول أنفاسه. وإن تبرّمنا أحياناً فهو تبرّم آنيٌّ مؤقت سريع الزوال، كحمرة الخجل وصفرة الوجل.
    وحين تخطر في الذهن أسئلة يحارُ فيها ولا يظفر بحلّها، نلقيها على الأساتذة، وإذا ما أجابوا عن ذلك فهم يشفعونه بالإحالة إلى المصادر والمراجع للاستزادة، لا يقبلون أن نرتضي الجواب المختصر، كانوا يصرّون على أن نراجع ونطالع للمطوّلات، مهما كانت مبسوطة، ومهما كانت لغتها خشبية، فهذا هو المتاح فعلاً. وكنا نراجع ونطالع في سبيل الفهم.
    نعم، الفهم والعلم مقرون بالصبر وبذل الجهد والعمر، لا يمكن ابتساره واختزاله في كبسولات جاهزة، وكان كل سطر في متن دراسي يخضع للجدل والنقاش والبحث في خلفياته ومبانيه وحججه وشواهده، وما يترتّب عليه.
    لم نكن نتجاوز متناً دراسياً إلا بعد إتقانه بشكل يكون الواحد مهيّئاً وقابلاً لتدرسيه..
    وهكذا هو العلم تُعطيه كلّك فيعطيك بعضَه..


    أين استقرت بك النوى
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X