بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
من الآيات القرآنية الكريمة الّتي كان يردّدها الإمام الحسين (عليه السّلام) في يوم عاشوراء كلّما استقبل صحابياً من أصحابه أو فرداً من أهل بيته ، وهو يستأذنه للقتال ، هذه الآية : ( مِنَ المؤمنينَ رجالٌ صَدَقوا ما عاهدُوا اللَّهَ عليهِ فمنهم مَنْ قَضى نَحبَهُ ومنهم مَنْ يَنتظرُ وما بَدَّلوا تَبدِيلاً )(1) .
وكأنّه بذلك كان يريد أن يقارن بين هؤلاء الذين ثبتوا معه وبين أولئك الّذين حاربوه .
فالذين حاربوه كانوا قد عاهدوه من خلال رؤسائهم وفعّالياتهم ، ومن خلال الأفراد الذين بايعوا مسلم بن عقيل في الكوفة باسمه ، وعاهدوه على أن ينصروه ويواجهوا الحكم الظالم معه ، وأن يكونوا الجنود المجنّدة في موقفه من ذلك الحكم الظالم .
ولكن خوّفهم الطغاة ، واستيقظت نقاط ضعفهم في داخلهم ، ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه ، وأخذوا يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ، ومشوا في خطّ الفساد في الأرض ، فانطبقت عليهم الآية الكريمة : ( الذينَ يَنْقُضونَ عَهدَ اللهِ مِنْ بعدِ ميثاقهِ ويقطعونَ ما أمَر اللَّهُ بهِ أنْ يوصَلَ ويُفسِدونَ في الأرضِ أُولئكَ هم الخاسِرون )(2) .
لأنّ الله سبحانه وتعالى جعل العهد في كلّ موقعٍ يعاهد فيه إنسانٌ إنساناً ؛ سواء كان عهداً بين القيادة والنّاس ، أو كان عهداً بين النّاس أنفسهم ، أو بين القادة أنفسهم ، فإنّ هذا العهد يمثّل عهد الله ؛ لأنّ الله أمر بأن يفي الناس بعهودهم في قوله تعالى : ( وأوفوا بالعهد إنّ العهدَ كان مسؤولاً )(3) .
وهكذا أعطى هؤلاء العهد من أنفسهم أمام الله على أساس أن ينصروا الإمام الحسين (عليه السّلام) ، وألزموا أنفسهم بأن يصلوا ما أمَرَ الله به أن يوصَل ، وهم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجسَ وطهّرهم تطهيراً ، وقد كان الحسين (عليه السّلام) هو البقية الباقية من أهل البيت آنذاك .
لقد انطلقوا وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل ، وأفسدوا في الأرض ، باعتبار أنّ كلّ فئةٍ تساند ظالماً ، وتقاتل معه وتنضمّ إليه تكون من فئة المفسدين في الأرض ؛ لأنّ حكم الظالم يمثّل حكم الفساد في الأرض ، وأوضاع الظالم تمثّل أوضاع الفساد في الأرض .
والحسين (عليه السّلام) هنا أراد أن يقول : أيّها الناس ، قارنوا الموقف بين المعسكرين ، بين معسكر النار والظلم في الأرض ، وبين المعسكر الّذي انضمّ إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) .
وقد تحدّث الله عنهم في كتابه المجيد ، في قوله : ( أفَمَن يعلمُ أنّ ما أُنْزِلَ إليك من ربّك الحقُّ كَمنْ هو أعمى إنّما يتذكّرُ أُولُو الألباب * الذينَ يُوفونَ بعهدِ اللـهِ ولا ينقُضون الميثاقَ * والذين يَصِلُونَ ما أمر اللَّهُ به أن يُوصَلَ ويخشونَ ربّهم ويخافونَ سوءَ الحساب )(4) .
الالتزام بالحسين (عليه السّلام) إماماً
وهكذا أراد الإمام الحسين (عليه السّلام) تركيز هذه القيمة الإسلاميّة من خلال الناس الذين وقفوا معه واتّبعوه ، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه ؛ ذلك إنّهم عندما جاءتهم المشاكل ، وأراد منهم الآخرون تغيير موقفهم رفضوا التبديل ، وأصروا على البقاء مع الإمام الحسين (عليه السّلام) حتّى عندما وقف الحسين (عليه السّلام) ليحلّهم من بيعته ؛ إذ قال لهم : (( إنّي قد أذِنتُ لكُم فانطلِقوا جَميعاً في حلٍّ ، ليسَ عليكُم حَرَجٌ منّي ولا ذِمام ، هذا الليلُ قد غَشِيَكم فاتّخِذُوه جَمَلاً ))(5) .
ولكنّهم لم يغيّروا ولم يبدّلوا ، بل قالوا : لا نتخلّى عنك يابن رسول الله حتّى لو قُتلنا وقُطّعنا وأُحرقنا ؛ لأنّنا ننطلق في الوقوف والالتزام بخطّك من خلال كونك ولي الله وابن وليّه ، ومن خلال كونك إمام هذا الدين وقائد المسلمين .
قالوا له : يابن رسول الله ، لقد التزمنا بالإسلام بكلّ أحكامه ومفاهيمه ، والتزمنا بقيادتك على أساس أنّها القيادة الإسلاميّة الّتي ركّزها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بقوله : (( حُسينٌ مِنّي وأنا من حُسين ))(6) ، وبقوله : (( الحسنُ والحُسينُ سَيّدا شبابِ أهلِ الجنّة ، وإنّهما إمامان قاما أو قعدا ))(7) . فالتزمنا قيادتك ؛ لأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أراد لنا أن نلتزم قيادتك في إمامتك .
ـــــــــــــ
(1) سورة الأحزاب / 23 .
(2) سورة البقرة / 27 .
(3) سورة الإسراء / 34 .
(4) سورة الرعد / 19 - 21 .
(5) الإرشاد 2 / 91 .
(6) الإرشاد 2 / 127 .
(7) بحار الأنوار 36 / 289 .
وحين صرختَ : (( إنّي لم أخرُجْ أشِراً ولا بَطِراً ، ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جَدّي ))(1) ، وحدّدت طبيعة ثورتك الإصلاحية كونها تسعى لإصلاح ما أفسده الظالمون والمنحرفون من الواقع الإسلامي الّذي تحرّك في أُمّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، سرنا معك ؛ لأنّ رسول الله أراد منّا أن نُصِلح اُمور أمتّنا أيضاً ، فلست وحدك المسؤول عن ذلك ، بل نحن أيضاً مسؤولون عن دعم حركة الإصلاح وتقويتها ؛ بالانطلاق معك تثبيتاً لموقفك ؛ لأنّ كلّ مسلم ومؤمن مسؤول عن طلب الإصلاح في أُمّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؛ لأنّ رسول الله قال للأُمّة كلّها : (( كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتهِ ))(2) .
الإصلاح مسؤولية الجميع
إنّ الإصلاح في أُمة رسول الله هو مسؤولية كلّ فرد من أفراد هذه الأُمّة ، كلٍّ بحسب دوره وإمكاناته في كلِّ المجالات ؛ لذا قالوا له : يابن رسول الله ، لقد قلت : (( أُريدُ أن آمرَ بالمعروفِ وأنهى عن المنكَر )) ؛ لأنّك رأيت المعروف الّذي يتمثّل في طاعة الله في كلّ قضايا الإنسان والحياة يُترَك ، ورأيت أنّ الناس يتركون طاعة الله في عباداتهم ومعاملاتهم ، وفي حربهم وسلمهم , وفي كلِّ علاقاتهم ، ورأيت المنكر وهو كلّ ما حرّمه الله وأنكر أن يُفْعَل قد عمّ ؛
فالناس يرتكبون المحرّمات ويلتزمون الظالمين ويدعمون المنحرفين ، ولا يرفعون في وجوههم صوتاً ؛ لذلك قلت : (( أُريدُ أن آمرَ بالمعروفِ وأنهى عن المنكَر )) ، وكنّا يابن رسول الله معك ؛ لأنّ الله حمّل كلّ مسلم مسؤولية أن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر ؛ ولأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حذّر المسلمين من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأنذرهم أنّهم في هذه الحال سيقعون في مصائب كثيرة وبلايا عديدة ، وقال في ما قال : (( لتَأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهُنَّ عن المنكر أو ليُسَلِّطَنَّ اللَّهُ شرارَكُم على خياركُم فيدعو خياركُم فلا يُستجابُ لهم ))(3) .
وأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هذا موجّه للجميع ؛ ولهذا فنحن مأمورون بأن نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر ، كما أنت يابن رسول الله مأمور بذلك .
مأمورون بأن ندعم الذين يأمرون بالمعروف إذا كانوا في موقع القيادة أو المسؤولية ، وأن نثور معهم على الظّلم إذا ثاروا ، وأن نكون معهم في خطّ العدل ، وقد قلتَ : (( فمَنْ قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ))(4) .
لقد قال الإمام الحسين (عليه السّلام) ذلك ؛ لأنّه قيادة تريد للناس أن لا تلتزم بشخصها ، بل بالحقّ الّذي تمثّله في شخصيتها وفي واقعها .
لقد قلت ذلك يابن رسول الله ، ونحن معك فيه . لقد قالها أصحاب أبي عبد الله لأبي عبد الله بموقفهم ، وإن لم يتفوّهوا بها بألسنتهم ، قالوا يابن رسول الله لقد قبلنا بالحق الّذي رأيناك إمامه ؛ لذا سنقبلك لأنّ الحقّ يتجسّد فيك والقيادة كذلك ؛ لأنّ رضاك رضا الله , وسخطك سخط الله ؛ ولأنّك لا تنحرف عن طريق الله كما لم ينحرف عنه جدُّك وأبوك وأخوك ؛ لأنّ الحق عنوان شخصياتكم ودعوتكم وحركتكم .
الثبات في موقع الحقّ
هذا ما قالوه له ، ولقد ثبتوا على القول عندما جاءتهم كلّ التهاويل ، وتجمّعت العساكر الكثيرة في وضع غير متكافئ ، وكانت جماعة الحسين (عليه السّلام) من سبعين إلى ثلاثمئة رجل على اختلاف الأخبار ، بينما كانت جماعة ابن زياد أربعة آلاف رجل على أقل تقدير ، وهناك إحصاء يقول : إنّهم كانوا ثلاثين ألفاً ، فلم يكن هناك أيّ نوع من أنواع التوازن بين هذه الفئة القليلة وتلك الفئة الكثيرة .
ووقفت جماعة ابن زياد تستعرض قوَّتها ، وتعمل على هزّ قوّة أولئك المؤمنين السائرين مع الحسين (عليه السّلام) ، ولكنّهم لم يُفْلِحوا في إسقاط عزيمتهم ، وبقيت هذه القلّة ثابتةً في مواقعها ، وبدأت تتحرّك في الخطّ الإسلامي الّذي انفتح على الله فانفتح على الحسين (عليه السّلام) من خلال الله ، والذي انفتح على شريعة الله
ــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 44 / 329 .
(2) مسند أحمد 2 / 54 .
(3) بحار الأنوار 90 / 378 .
(4) مناقب آل أبي طالب 3 / 241 .
فانفتح على الثورة في خطِّ هذه الشريعة ، وهكذا وقفوا ، وكانوا يستأذنون الحسين (عليه السّلام) في القتال .
وكان الحسين يستقبل كلَّ واحد منهم بهذه الآية : ( مِنَ المؤمنينَ رِجالٌ صَدقوا ما عاهدوا اللَّهَ عليه ) , صدقوا بالكلمة وبالموقف , ( فمنهُم من قَضى نحبَه ) ، ويشير الإمام الحسين (عليه السّلام) إلى الذين استشهدوا معه : ( ومنهم مَن يَنتظرُ ) , ويشير إلى الذين يتحرّكون في خط الشهادة : ( وما بَدّلوا تَبديلاً )(1) .
وتلك هي قصة المجاهدين مع الحسين (عليه السّلام) .
إنّ علينا أن نتساءل : هل هناك عهد بيننا وبين الله أم لا ؟ هل هناك عهد بيننا وبين الحسين (عليه السّلام) عبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أم لا ؟ تلك هي المسألة .
الإنسان المسلم والصفة الإسلاميّة
عندما ندرس المسألة بصفتنا مسلمين سنجيب عن تلك الأسئلة بسهولة ، لا بالصفة العائلية أو الإقليمية أو القومية أو غير ذلك من الصفات الطارئة ؛ لأنّ الصفة الإسلاميّة هي الّتي تحدّد المواقف الإقليمية والقومية للمسلمين .
إنّ العائلية والقومية والإقليمية والوطنية رموز قد تتحرّك مع الإنسان في الدنيا ، أمّا في يوم القيامة ( فإذا نُفِخَ في الصورِ فَلا أنسابَ بَينهُم يَومئذٍ ولا يتساءَلون ) (2) .
فيُسأل الإنسان عن موقفه من ربّه , ومن رسوله , وكتابه وشريعته . وهكذا علينا تأكيد صفتنا الإسلاميّة الّتي يجب أن تحدِّد صفاتنا الأُخرى على ضوء الإسلام .
الشهادة التزامٌ بالعهد
إنّ قول : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً رسول الله , معناه الالتزام بعهد الله ؛ لأنّ قول : ( أشهد أن لا إله إلاّ الله ) يعني : يا ربّ , إنّي ألتزم بوحدانيتّك في الأُلوهية , ولا ألتزم بغيرك إذا كان ذلك يبعدني عن التزامي بك . وقول : ( أشهد أن محمداً رسول الله ) يعني : الالتزام برسول الله (صلّى الله عليه وآله) من خلال الرسالة التي حملها من الله ؛ لأنّ طاعته من طاعة الله ، ( من يُطِع الرّسولَ فَقد أطاعَ اللَّهَ )(3) .
فالتزام عهد الله هو في توحيده وعدم الشرك به في شيء ، وفي العقيدة بعدم الاعتقاد بوجود إله غيره ، وفي العبادة بعدم إطاعة أيِّ مخلوق أو شيء إلاّ في ما يتّفق مع طاعته ، هذا هو الالتزام برسول الله الّذي أرادنا الله أن نطيعه في ما يأمر .
إذاً ، نحن في عهدٍ مع الله ومع رسوله ، وفي عهدٍ مع الحسين باعتباره سار في خطّ الالتزام بعهد الله ورسوله ؛ ولأنّنا في احتضاننا للحسين (عليه السّلام) في كلّ سنة في مجالس عاشوراء نعبّر عن الالتزام بثورته .
ولكن لنتساءل : هل صدقنا الله عهده أم نقضناه ؟
إنّ مَنْ يلتزمون بغير الإسلام خطاً للعقيدة وللشريعة وللحياة هم ممّن نقض عهد الله ؛ لأنّ الله أراد أن نلتزم بشريعته ، فالالتزام بأيّة شريعة أُخرى هو مخالف لالتزامنا ذاك ، والالتزام بقيادة لا تعبّر عن شريعة الله وأمره ومنهجه هو التزامٌ بغير عهد الله .
وهكذا عندما نسيء إلى مَنْ أراد الله لنا أن نحسن إليهم ونرحمهم , ونعزّزهم ونحترمهم ، نكون ممّن يقطع ما أمر الله به أن يوصل ، وعندما نخذل العادلين ، ونلتزم جانب الظالمين ؛ بتسويغ ظلمهم ، ومهاجمة العادلين في عدلهم .
عندما نخذل الصادقين ونتّبع الكاذبين ، عندما نسكت عن الحقّ ونحن قادرون على أن نتكلّم به ، فنحن نخون عهد الله عندما نكون مع الذين ينقضون عهد الله ، إنّما نسوّغ لهم ظلمهم وفسادهم ، ونكون في غير خطّ عهد الله .
هذا الوعي لمسألة أنّ بيننا وبين الله عهداً من الأمور الّتي لا بدّ أن يعيشها المرء في كلّ حياته الخاصة والعامة ، وفي كلّ المجالات الّتي يتحرّك فيها ، وقد قال الله سبحانه وتعالى لليهود من بني إسرائيل ، عندما أرادوا منه أن يعطيهم ما وعدهم به : ( وأَوفوا بعَهْدي أُوفِ بعَهدِكُم )(4) ؛ إذ ليس من المعقول أن ألتزم بعهدي مع إنسان لم يلتزم بذاك العهد .
عهد الله بالجنّة
لقد أعطانا اللهُ العهدَ أن ندخل الجنّة إذا سرنا في الطريق الحقّ .
ــــــــــــــــ
(1) سورة الأحزاب / 23 .
(2) سورة المؤمنون / 101 .
(3) سورة النساء / 80 .
(4) سورة البقرة / 40 .
المسألة ليست مسألة تمنّيات ولكنّها مسألة مواقف ، والله عندما أرسل رسولَه إنمّا أرسله من أجل أن يغيّر العالم ، ومن أجل أن يغيّر الإنسان ليتحرّك من خلال الحقّ والخير والعدل .
وإذا لم نستطع أن نغيّر الواقع ، فعلينا أن نعمل من أجل إرباك الخطط الّتي تسعى لأن تفرض علينا ما لا نريده ، وأن نتابع السير حتّى لا يُشرِعن الآخرون ظلمنا وعبوديتنا ؛ لأنّ المجتمع الّذي يسترخي أمام قوّة الأقوياء ، سوف تسحقه أقدام أُولئك الأقوياء .
لا يكفي أن يكون لدينا تاريخ مشرق يرتبط به واقعنا الحاضر ، بل يجب أن نعرف : هل إنّ هذا الواقع الحاضر يتحرّك في خطّ ذلك التاريخ أو ينحرف عنه ؟
(( إنّ المؤمنَ لا يُلدغُ مِن جُحرٍ مَرّتين ))(1) ، ولقد لُدِغنا في كثير من المواقع أكثر من مرّة ، فعلينا أن نعرف طبيعة ما هناك من عقارب ومن جحور تختبئ فيها العقارب ، وطبيعة ما هناك من غطاء يمكن أن يحجب عنّا بعض الأفاعي والعقارب .
ـــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 19 / 346 .
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
من الآيات القرآنية الكريمة الّتي كان يردّدها الإمام الحسين (عليه السّلام) في يوم عاشوراء كلّما استقبل صحابياً من أصحابه أو فرداً من أهل بيته ، وهو يستأذنه للقتال ، هذه الآية : ( مِنَ المؤمنينَ رجالٌ صَدَقوا ما عاهدُوا اللَّهَ عليهِ فمنهم مَنْ قَضى نَحبَهُ ومنهم مَنْ يَنتظرُ وما بَدَّلوا تَبدِيلاً )(1) .
وكأنّه بذلك كان يريد أن يقارن بين هؤلاء الذين ثبتوا معه وبين أولئك الّذين حاربوه .
فالذين حاربوه كانوا قد عاهدوه من خلال رؤسائهم وفعّالياتهم ، ومن خلال الأفراد الذين بايعوا مسلم بن عقيل في الكوفة باسمه ، وعاهدوه على أن ينصروه ويواجهوا الحكم الظالم معه ، وأن يكونوا الجنود المجنّدة في موقفه من ذلك الحكم الظالم .
ولكن خوّفهم الطغاة ، واستيقظت نقاط ضعفهم في داخلهم ، ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه ، وأخذوا يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ، ومشوا في خطّ الفساد في الأرض ، فانطبقت عليهم الآية الكريمة : ( الذينَ يَنْقُضونَ عَهدَ اللهِ مِنْ بعدِ ميثاقهِ ويقطعونَ ما أمَر اللَّهُ بهِ أنْ يوصَلَ ويُفسِدونَ في الأرضِ أُولئكَ هم الخاسِرون )(2) .
لأنّ الله سبحانه وتعالى جعل العهد في كلّ موقعٍ يعاهد فيه إنسانٌ إنساناً ؛ سواء كان عهداً بين القيادة والنّاس ، أو كان عهداً بين النّاس أنفسهم ، أو بين القادة أنفسهم ، فإنّ هذا العهد يمثّل عهد الله ؛ لأنّ الله أمر بأن يفي الناس بعهودهم في قوله تعالى : ( وأوفوا بالعهد إنّ العهدَ كان مسؤولاً )(3) .
وهكذا أعطى هؤلاء العهد من أنفسهم أمام الله على أساس أن ينصروا الإمام الحسين (عليه السّلام) ، وألزموا أنفسهم بأن يصلوا ما أمَرَ الله به أن يوصَل ، وهم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجسَ وطهّرهم تطهيراً ، وقد كان الحسين (عليه السّلام) هو البقية الباقية من أهل البيت آنذاك .
لقد انطلقوا وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل ، وأفسدوا في الأرض ، باعتبار أنّ كلّ فئةٍ تساند ظالماً ، وتقاتل معه وتنضمّ إليه تكون من فئة المفسدين في الأرض ؛ لأنّ حكم الظالم يمثّل حكم الفساد في الأرض ، وأوضاع الظالم تمثّل أوضاع الفساد في الأرض .
والحسين (عليه السّلام) هنا أراد أن يقول : أيّها الناس ، قارنوا الموقف بين المعسكرين ، بين معسكر النار والظلم في الأرض ، وبين المعسكر الّذي انضمّ إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) .
وقد تحدّث الله عنهم في كتابه المجيد ، في قوله : ( أفَمَن يعلمُ أنّ ما أُنْزِلَ إليك من ربّك الحقُّ كَمنْ هو أعمى إنّما يتذكّرُ أُولُو الألباب * الذينَ يُوفونَ بعهدِ اللـهِ ولا ينقُضون الميثاقَ * والذين يَصِلُونَ ما أمر اللَّهُ به أن يُوصَلَ ويخشونَ ربّهم ويخافونَ سوءَ الحساب )(4) .
الالتزام بالحسين (عليه السّلام) إماماً
وهكذا أراد الإمام الحسين (عليه السّلام) تركيز هذه القيمة الإسلاميّة من خلال الناس الذين وقفوا معه واتّبعوه ، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه ؛ ذلك إنّهم عندما جاءتهم المشاكل ، وأراد منهم الآخرون تغيير موقفهم رفضوا التبديل ، وأصروا على البقاء مع الإمام الحسين (عليه السّلام) حتّى عندما وقف الحسين (عليه السّلام) ليحلّهم من بيعته ؛ إذ قال لهم : (( إنّي قد أذِنتُ لكُم فانطلِقوا جَميعاً في حلٍّ ، ليسَ عليكُم حَرَجٌ منّي ولا ذِمام ، هذا الليلُ قد غَشِيَكم فاتّخِذُوه جَمَلاً ))(5) .
ولكنّهم لم يغيّروا ولم يبدّلوا ، بل قالوا : لا نتخلّى عنك يابن رسول الله حتّى لو قُتلنا وقُطّعنا وأُحرقنا ؛ لأنّنا ننطلق في الوقوف والالتزام بخطّك من خلال كونك ولي الله وابن وليّه ، ومن خلال كونك إمام هذا الدين وقائد المسلمين .
قالوا له : يابن رسول الله ، لقد التزمنا بالإسلام بكلّ أحكامه ومفاهيمه ، والتزمنا بقيادتك على أساس أنّها القيادة الإسلاميّة الّتي ركّزها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بقوله : (( حُسينٌ مِنّي وأنا من حُسين ))(6) ، وبقوله : (( الحسنُ والحُسينُ سَيّدا شبابِ أهلِ الجنّة ، وإنّهما إمامان قاما أو قعدا ))(7) . فالتزمنا قيادتك ؛ لأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أراد لنا أن نلتزم قيادتك في إمامتك .
ـــــــــــــ
(1) سورة الأحزاب / 23 .
(2) سورة البقرة / 27 .
(3) سورة الإسراء / 34 .
(4) سورة الرعد / 19 - 21 .
(5) الإرشاد 2 / 91 .
(6) الإرشاد 2 / 127 .
(7) بحار الأنوار 36 / 289 .
وحين صرختَ : (( إنّي لم أخرُجْ أشِراً ولا بَطِراً ، ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جَدّي ))(1) ، وحدّدت طبيعة ثورتك الإصلاحية كونها تسعى لإصلاح ما أفسده الظالمون والمنحرفون من الواقع الإسلامي الّذي تحرّك في أُمّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، سرنا معك ؛ لأنّ رسول الله أراد منّا أن نُصِلح اُمور أمتّنا أيضاً ، فلست وحدك المسؤول عن ذلك ، بل نحن أيضاً مسؤولون عن دعم حركة الإصلاح وتقويتها ؛ بالانطلاق معك تثبيتاً لموقفك ؛ لأنّ كلّ مسلم ومؤمن مسؤول عن طلب الإصلاح في أُمّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؛ لأنّ رسول الله قال للأُمّة كلّها : (( كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتهِ ))(2) .
الإصلاح مسؤولية الجميع
إنّ الإصلاح في أُمة رسول الله هو مسؤولية كلّ فرد من أفراد هذه الأُمّة ، كلٍّ بحسب دوره وإمكاناته في كلِّ المجالات ؛ لذا قالوا له : يابن رسول الله ، لقد قلت : (( أُريدُ أن آمرَ بالمعروفِ وأنهى عن المنكَر )) ؛ لأنّك رأيت المعروف الّذي يتمثّل في طاعة الله في كلّ قضايا الإنسان والحياة يُترَك ، ورأيت أنّ الناس يتركون طاعة الله في عباداتهم ومعاملاتهم ، وفي حربهم وسلمهم , وفي كلِّ علاقاتهم ، ورأيت المنكر وهو كلّ ما حرّمه الله وأنكر أن يُفْعَل قد عمّ ؛
فالناس يرتكبون المحرّمات ويلتزمون الظالمين ويدعمون المنحرفين ، ولا يرفعون في وجوههم صوتاً ؛ لذلك قلت : (( أُريدُ أن آمرَ بالمعروفِ وأنهى عن المنكَر )) ، وكنّا يابن رسول الله معك ؛ لأنّ الله حمّل كلّ مسلم مسؤولية أن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر ؛ ولأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حذّر المسلمين من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأنذرهم أنّهم في هذه الحال سيقعون في مصائب كثيرة وبلايا عديدة ، وقال في ما قال : (( لتَأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهُنَّ عن المنكر أو ليُسَلِّطَنَّ اللَّهُ شرارَكُم على خياركُم فيدعو خياركُم فلا يُستجابُ لهم ))(3) .
وأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هذا موجّه للجميع ؛ ولهذا فنحن مأمورون بأن نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر ، كما أنت يابن رسول الله مأمور بذلك .
مأمورون بأن ندعم الذين يأمرون بالمعروف إذا كانوا في موقع القيادة أو المسؤولية ، وأن نثور معهم على الظّلم إذا ثاروا ، وأن نكون معهم في خطّ العدل ، وقد قلتَ : (( فمَنْ قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ))(4) .
- الانقياد للحقّ
لقد قال الإمام الحسين (عليه السّلام) ذلك ؛ لأنّه قيادة تريد للناس أن لا تلتزم بشخصها ، بل بالحقّ الّذي تمثّله في شخصيتها وفي واقعها .
لقد قلت ذلك يابن رسول الله ، ونحن معك فيه . لقد قالها أصحاب أبي عبد الله لأبي عبد الله بموقفهم ، وإن لم يتفوّهوا بها بألسنتهم ، قالوا يابن رسول الله لقد قبلنا بالحق الّذي رأيناك إمامه ؛ لذا سنقبلك لأنّ الحقّ يتجسّد فيك والقيادة كذلك ؛ لأنّ رضاك رضا الله , وسخطك سخط الله ؛ ولأنّك لا تنحرف عن طريق الله كما لم ينحرف عنه جدُّك وأبوك وأخوك ؛ لأنّ الحق عنوان شخصياتكم ودعوتكم وحركتكم .
الثبات في موقع الحقّ
هذا ما قالوه له ، ولقد ثبتوا على القول عندما جاءتهم كلّ التهاويل ، وتجمّعت العساكر الكثيرة في وضع غير متكافئ ، وكانت جماعة الحسين (عليه السّلام) من سبعين إلى ثلاثمئة رجل على اختلاف الأخبار ، بينما كانت جماعة ابن زياد أربعة آلاف رجل على أقل تقدير ، وهناك إحصاء يقول : إنّهم كانوا ثلاثين ألفاً ، فلم يكن هناك أيّ نوع من أنواع التوازن بين هذه الفئة القليلة وتلك الفئة الكثيرة .
ووقفت جماعة ابن زياد تستعرض قوَّتها ، وتعمل على هزّ قوّة أولئك المؤمنين السائرين مع الحسين (عليه السّلام) ، ولكنّهم لم يُفْلِحوا في إسقاط عزيمتهم ، وبقيت هذه القلّة ثابتةً في مواقعها ، وبدأت تتحرّك في الخطّ الإسلامي الّذي انفتح على الله فانفتح على الحسين (عليه السّلام) من خلال الله ، والذي انفتح على شريعة الله
ــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 44 / 329 .
(2) مسند أحمد 2 / 54 .
(3) بحار الأنوار 90 / 378 .
(4) مناقب آل أبي طالب 3 / 241 .
فانفتح على الثورة في خطِّ هذه الشريعة ، وهكذا وقفوا ، وكانوا يستأذنون الحسين (عليه السّلام) في القتال .
وكان الحسين يستقبل كلَّ واحد منهم بهذه الآية : ( مِنَ المؤمنينَ رِجالٌ صَدقوا ما عاهدوا اللَّهَ عليه ) , صدقوا بالكلمة وبالموقف , ( فمنهُم من قَضى نحبَه ) ، ويشير الإمام الحسين (عليه السّلام) إلى الذين استشهدوا معه : ( ومنهم مَن يَنتظرُ ) , ويشير إلى الذين يتحرّكون في خط الشهادة : ( وما بَدّلوا تَبديلاً )(1) .
وتلك هي قصة المجاهدين مع الحسين (عليه السّلام) .
إنّ علينا أن نتساءل : هل هناك عهد بيننا وبين الله أم لا ؟ هل هناك عهد بيننا وبين الحسين (عليه السّلام) عبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أم لا ؟ تلك هي المسألة .
الإنسان المسلم والصفة الإسلاميّة
عندما ندرس المسألة بصفتنا مسلمين سنجيب عن تلك الأسئلة بسهولة ، لا بالصفة العائلية أو الإقليمية أو القومية أو غير ذلك من الصفات الطارئة ؛ لأنّ الصفة الإسلاميّة هي الّتي تحدّد المواقف الإقليمية والقومية للمسلمين .
إنّ العائلية والقومية والإقليمية والوطنية رموز قد تتحرّك مع الإنسان في الدنيا ، أمّا في يوم القيامة ( فإذا نُفِخَ في الصورِ فَلا أنسابَ بَينهُم يَومئذٍ ولا يتساءَلون ) (2) .
فيُسأل الإنسان عن موقفه من ربّه , ومن رسوله , وكتابه وشريعته . وهكذا علينا تأكيد صفتنا الإسلاميّة الّتي يجب أن تحدِّد صفاتنا الأُخرى على ضوء الإسلام .
الشهادة التزامٌ بالعهد
إنّ قول : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً رسول الله , معناه الالتزام بعهد الله ؛ لأنّ قول : ( أشهد أن لا إله إلاّ الله ) يعني : يا ربّ , إنّي ألتزم بوحدانيتّك في الأُلوهية , ولا ألتزم بغيرك إذا كان ذلك يبعدني عن التزامي بك . وقول : ( أشهد أن محمداً رسول الله ) يعني : الالتزام برسول الله (صلّى الله عليه وآله) من خلال الرسالة التي حملها من الله ؛ لأنّ طاعته من طاعة الله ، ( من يُطِع الرّسولَ فَقد أطاعَ اللَّهَ )(3) .
فالتزام عهد الله هو في توحيده وعدم الشرك به في شيء ، وفي العقيدة بعدم الاعتقاد بوجود إله غيره ، وفي العبادة بعدم إطاعة أيِّ مخلوق أو شيء إلاّ في ما يتّفق مع طاعته ، هذا هو الالتزام برسول الله الّذي أرادنا الله أن نطيعه في ما يأمر .
إذاً ، نحن في عهدٍ مع الله ومع رسوله ، وفي عهدٍ مع الحسين باعتباره سار في خطّ الالتزام بعهد الله ورسوله ؛ ولأنّنا في احتضاننا للحسين (عليه السّلام) في كلّ سنة في مجالس عاشوراء نعبّر عن الالتزام بثورته .
ولكن لنتساءل : هل صدقنا الله عهده أم نقضناه ؟
إنّ مَنْ يلتزمون بغير الإسلام خطاً للعقيدة وللشريعة وللحياة هم ممّن نقض عهد الله ؛ لأنّ الله أراد أن نلتزم بشريعته ، فالالتزام بأيّة شريعة أُخرى هو مخالف لالتزامنا ذاك ، والالتزام بقيادة لا تعبّر عن شريعة الله وأمره ومنهجه هو التزامٌ بغير عهد الله .
وهكذا عندما نسيء إلى مَنْ أراد الله لنا أن نحسن إليهم ونرحمهم , ونعزّزهم ونحترمهم ، نكون ممّن يقطع ما أمر الله به أن يوصل ، وعندما نخذل العادلين ، ونلتزم جانب الظالمين ؛ بتسويغ ظلمهم ، ومهاجمة العادلين في عدلهم .
عندما نخذل الصادقين ونتّبع الكاذبين ، عندما نسكت عن الحقّ ونحن قادرون على أن نتكلّم به ، فنحن نخون عهد الله عندما نكون مع الذين ينقضون عهد الله ، إنّما نسوّغ لهم ظلمهم وفسادهم ، ونكون في غير خطّ عهد الله .
هذا الوعي لمسألة أنّ بيننا وبين الله عهداً من الأمور الّتي لا بدّ أن يعيشها المرء في كلّ حياته الخاصة والعامة ، وفي كلّ المجالات الّتي يتحرّك فيها ، وقد قال الله سبحانه وتعالى لليهود من بني إسرائيل ، عندما أرادوا منه أن يعطيهم ما وعدهم به : ( وأَوفوا بعَهْدي أُوفِ بعَهدِكُم )(4) ؛ إذ ليس من المعقول أن ألتزم بعهدي مع إنسان لم يلتزم بذاك العهد .
عهد الله بالجنّة
لقد أعطانا اللهُ العهدَ أن ندخل الجنّة إذا سرنا في الطريق الحقّ .
ــــــــــــــــ
(1) سورة الأحزاب / 23 .
(2) سورة المؤمنون / 101 .
(3) سورة النساء / 80 .
(4) سورة البقرة / 40 .
المسألة ليست مسألة تمنّيات ولكنّها مسألة مواقف ، والله عندما أرسل رسولَه إنمّا أرسله من أجل أن يغيّر العالم ، ومن أجل أن يغيّر الإنسان ليتحرّك من خلال الحقّ والخير والعدل .
وإذا لم نستطع أن نغيّر الواقع ، فعلينا أن نعمل من أجل إرباك الخطط الّتي تسعى لأن تفرض علينا ما لا نريده ، وأن نتابع السير حتّى لا يُشرِعن الآخرون ظلمنا وعبوديتنا ؛ لأنّ المجتمع الّذي يسترخي أمام قوّة الأقوياء ، سوف تسحقه أقدام أُولئك الأقوياء .
لا يكفي أن يكون لدينا تاريخ مشرق يرتبط به واقعنا الحاضر ، بل يجب أن نعرف : هل إنّ هذا الواقع الحاضر يتحرّك في خطّ ذلك التاريخ أو ينحرف عنه ؟
(( إنّ المؤمنَ لا يُلدغُ مِن جُحرٍ مَرّتين ))(1) ، ولقد لُدِغنا في كثير من المواقع أكثر من مرّة ، فعلينا أن نعرف طبيعة ما هناك من عقارب ومن جحور تختبئ فيها العقارب ، وطبيعة ما هناك من غطاء يمكن أن يحجب عنّا بعض الأفاعي والعقارب .
ـــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 19 / 346 .